Skip to main content

Full text of "أعداد سلسلة عالم المعرفة"

See other formats


0 6 اف نو له لخدرما 
المجلسالوطنق 0 64 اف 0 4 الس له . [لاهسه انه 


لا/ دع ن 1ع ن,الالا0 
7 7 نت سهر : بر 3 





0 الخيال السياسى 


! . تأليف: عمار على حسن 
1 


1 البجلس الوطني 
١‏ للأفافئتم والفنون والاداب 


مككة تت مككخرة 7ت 3 0 ات ككخرة 7ت ككخرة 7ب 





الوصول إلى الحقيقة ينطلب إزالهة العوائقى 
النى تعنرض المعرفة , ومن اهم هذه العوائق 


رواسب الحهل وسيطرة العادة , والنبجيل المغرط لمفكري الماصىي 
إن الأفكار الصحيحة يحب أن تنيت بالتحرية 


حصو 2 ا الك ا 
* شهر يناير 0018 ** 
رطم له تدوع ]ص 1. تخكتاا 





النعليم ليس استعداد| للحياة , إنه الحباة ذازوا 


0307 جون ديوك | 
فيلسوف وعالم نفس أمريكى 


ا/ا/رطامء. أ لتاددع ص . الالنانانا 

















م 


الك 


لللفاء 
9 َ 

11 

-2 اللو إلآدا 
لبه 














المجلس الوطني للثقافة والفنون والأداب - الكويت 


صدرت السلسلة في ينايبر 1978 


أنسسها أحمد مشاري العدواك (1990-1923) ود. فؤاد زكريا (2010-1927) 





الخيال السياسي 


تأنيف: عمار علي حسن 


3 
الكل 


أكتوبر 2017 
43 





لسلسلة شهرية يصدرها 
المتلس الوطني للثقافة 
والفنون والآداب 


سن 
أحمد مشاري العدواني 


ل. فؤاد و25 ةا 


المشرف العام 


مستشار إٍ لتحر 8 
ذ. محمد غانم الر ميحي 
حم». لنة تع ©6 2 1ط 1111021 


هيئة التحرير 
أ. جاسم خالد السعدون 
أ. خليل علي حيدر 
د. علي زيد الزعبي 
أ. د. فريدة محمد العوضي 
أ. د. ناجي سعود الزيد 
مديرة التحرير 
شروق عبدالمحسن مظفر 
مم اكللدء:12© 2 1223111 2.21 


سكرتيرة التحرير 
عالية مجيد الصراف 


ترسل الاقتراحات على العنوان التالي: 
السيد الأمين العام 
للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 
ص. ب: 28613 - الصفاة 
الرمز البريدي 13147 
دولة الكويت 
هاتف: 22431704 (965) 


تمع[ جوعه.ع معنا لتاءانة انما ,بيني 
التنضيد والإخراج والتنفيذ 


وحدة الإنتاج في المجلس الوطني 


151311 978 - 99906 - 0 - 566 - 2 





طبع من هذا الكتاب ثلائة وأربعون ألف نسخة 


المحرم 1439 ه - أكتوبر 2017 


المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر 
عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأى المجلس 


على سبيل التقدنم 


! الفصل الأول 


الفصل الناف ظ ١‏ 
! السياسة مجالا للخيال. بين الإيهام والإيهام 
8 الفصل الثالث ” 


آ الفصل الرابع 
٠‏ سبل تنمية الخيال السياسي ومعوقاته 


ِ الفصل الخامسن 
! مجالات توظيف الخيال السياسي 2 


العصل السادس 
؟ لماذج للتخيل السياسي 


/ا/ ».نط اودع 1. الالانانانا 


1 
27 
9 
63 
2ظ 
53] 


203 





«الخيال أهم من المعرفة. فالمعرفة محدودة 
حول ما نعيه ونفهمه. بينما الخيال يشمل العام 

وكل ما سيكون هناك لنعيه ونفهمه مستقبلا» 
ألبرت آينشتاين 


«المستقبل لا يتوقع بل يصنع» 
موريس بلوندال 


«من يعرف فن التأثير في خيال الجماهير هو 
من يعرف كيف يحكمها» 
غوستاف لوبون 


ومن لا يحب صعود الجبال ... 
يعش أبد الدهر بين الحفر 
أبو القاسم الشابي 











على سبيل التعديم 


يستحيل التقدم في العيش بلا خيال. فهو 
الطاقة السحرية التي تقود الإنسان إلى التمرد 
على واقعه. والتحرك خطوات مستمرة نحو 
الأمام, وسط حال من التوتر الدائمء الذي تمور 
به نفس الإنسان وهو يسعى بلا كلل ولا ملل 
إلى بلوغ آفاق جديدة. وخوض مغامرات لا 
تنقطع, في سبيل تحسين شروط الحياة. 

والخيال وراء كل شيء في حياتنا. الاختراعات 
العظيمة الباهرة التى تذلل أمام الإنسان 
الصعاب, وتختصر له الزمان وال مكان. وتوفر 


لله ل ا 00 
«لا يعني هذا البحث في عمومه الجهد والعرق؛ الأفكار العميقة التي ترسخ في 
رفض أو إنكار التفكير بواقعية في الرؤوس. وتؤثر فى السلوك. وتجذب الأفراد. 
السياسة والتقليل من شأنه وأهميته. ١‏ / 

فلا يمكن تجاهل أن الشحن المعنوي وتصنع الجماعاتء وتمد الدول برافد مهم من 


الذي أراد حشد الجماهير خارج 


الواقع كثيرا ما انتهى إلى كوارثء في 
الحالة العربية وغيرها» 


«القوة الناعمة»؛ والأعمال الفنية الرائعة التي 
تهز الوجدان. وتعيد صياغة رؤيتنا للعالم على 





11 


الخيال السناسي 


صورة مغايرة ووعي مختلف؛ وأيضا الإجراءات الفعالة التي نضع أقدامنا عليها 
لنحل المشكلات. ونعبر المآزق» ونتجاوز الأزمات. 

وقد ثبت خطأ التصورات التي ردت العام إلى نظام الى ومادي لا يكون للخيال 
فيه إلا دور ضئيلء مثلما ذهب ديكارت ولوك وغيرهماء فتاريخ العلوم يبين أن 
الخيال كان وراء كل القفزات العلمية. وأن كل كسب جديد في المعرفة العلمية لا 
يحصل إلا بخرق قوانين الأنساق العلمية القانئمة. فالخيال في صراع دائم مع هذه 
القوانين ومع النظام بشكل عامء وحين يكسب الخيال المعركة يكون هذا في مصلحة 
التقدم. والعكس صحيح. فالثورات العلمية الكبرى في حياة البشرية مرتبطة بإطلاق 
الخيال» وتجاوز المألوفء وال مغامرة, والرغبة العارمة في التغيير والارتقاء("). 

فالخيال هو الذي يجعل الإنسان يسمو فوق واقعه التعيسء وعيشه الدائم 
في كبد. فيسعى بجد واجتهاد إلى تحسين ظروفه. و«الخيال في جوهره سجل 
لقدرة الإنسان الإبداعية التي تطورت عبر التاريخء وهو حجر الزاوية في النشاط 
البشريء وهو الذي مكن الإنسان من غزو العالم واستكشافه وفهمه ومحاولة 
السيطرة عليه»2. 

إن الإنسان بطبعه يسعى إلى مواجهة المجهولء وقد يلجأ إلى طرق وأساليب 
بدائية في سبيل هذا يحاول بها أن يكشف شيئا من هذا الغامض الرهيب الذي 
يخشاه. ليستعجل ما فيه من خير مؤجلء. ويستمهل ما فيه من شر مستطيرء ويضع 
لنفسه البدائل العملية التي تمكنه من أن يفلت من الشر أو يخفف من وطأته. 
ويستفيد من الخيرء ويعزز وجوده. وفي الحالتين يطلق الإنسان العنان لخياله ي 
بخلق أمامه احتمالات عديدة تساعده على البقاء قويا على قيد الحباة. 

والخيال الذي نقصده في هذا المقام ليس الشرود في أوهام وضلالات لا أصل 
لها ولا فصلء. وليس الاستسلام للخرافات والأساطير التي قد تسرّي عن النقس, 
وتردم بخداعها الهوة الواسعة بين التعاسة والسعادة. وبين العيش في نكد والحلم 
بالطيران إلى الفردوس الأرضيء. وليس هو بناء التصرفات وفقا ما يقوله العرافون 
وا منجمون وقارئو الكف. بل هو التنبؤ العلمي بما سيأقٍ بعد فهم ما جرى. وتحليل 
ما يجري وفق منهج منضبط دقيقء مع إعطاء فرصة قوية للتأمل والبصيرة. أو 
الحدس والاستبطان العميق. 


12 


على سبيل التعديم 


إن جل الناس في بلداننا العربية يلهثون وراء الحوادث اليومية. ويغرقون في 
التفاصيل الصغيرة والتافهة. ولا يجدون وقتا لتخيل ما سياه أو حتى التفكير فيما 
هو أحسن بالنسبة إليهم في الوقت الحالي. وهذه الافة لا تقتصر على عموم الناس. 
بل تمتد في الأغلب الأعم إلى النخب الفكرية: والأدهى أنها امتدت إلى كثير من أهل 
الحكم. فوجدنا بعض الدول تدار يوما بيوم» حيث لا تخطيط شامل ولا استراتيجية 
واضحة المعال, الأمر الذي أضاع عليها فرصا حقيقية للتقدم والازدهار. 

كما أن «الوعي السائد في الفكر العربي هو الوعي الإذعانيء الذي لا يرى من 
التغيير سوى البدع المفضية إلى الضلالة بال معنى الدينيء أو بال معنى المدنيء ولا يعي 
التغيير الجذري إلا كالجائحة التي تبدو مجهولة الأسباب»9. وهذا النوع من الوعي 
١"‏ يقف عند حدود قطاعات جماهيرية دون أخرىء أو نخب دون سواهاء بل كثيرون 
استسلموا لأقدار توهموها أو صنعوهاء وخافوا من التغيير فرضوا بالمتاح. على قلته 
وضالته. وتهافت فحواه. وتدني حجدواه. 

لقد عاشت أنظمة سياسية عديدة بلا أدنى قدرة على توقع ما يأق. بعد أن 
اكتفى من اعتلوا رأسها بالتقارير التي تمجد أعمالهم. وتهدئ أعصابهم» على حساب 
الحقيقة. وتصرف بعضهم على أن الشعوب قد ماتتء. وأن مستقبل استمرارهم 
في سدة السلطة مرهون برضاء قوة خارجية وولاء الأجهزة الأمنية. ولو كان لدى 
هؤلاء بعض خيال سياسي لشرعوا في إصلاحات متدرجة في وقت كانت فيه المعارضة 
وكثير من المفكرين يطالبونهم ب«حرق المراحل» للحاق بالدول التي دخلت «اللوجة 
الثالثة للدمموقراطية» مع مطلع تسعينيات القرن العشرين. ولو قبلوا هذه الملطالب 
أو النصائحء لربما تجنبوا ثورات وانتفاضات أطاحت بهم. 

ومن دون شك. فإن «الربيع العربي» قد طرح سؤالا عن غياب الخيال السياسي 
«ه210خع28 لد201116: فسياسيا يمكن القول إن «الربيع هو نتاج قصور كبير في 
المخيلة السياسية العربية. وهو القصور الذي ندفع أخطاءه. في ظل عجز العقلية 
العربية عن تنمية الخيال السياسي لديهاء وهو ما جعلها ضعيفة أمام تحديات 
واقعها. وعن فهم واقعها نفسه. فلم تتمكن من توليد رؤى استشرافية للمستقبل 
تواجه بها هذه التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء. هذا الجمود ف الخيال 
السياسي العربي جعل السياسات قاصرة لا ترى سوى موطئ قدميهاء وفي أغلب 


13 


الحيال السشناستىي 


الأحيان متأخرة في المنافسة مع الأمم الأخرى». وتلك هي الآفة السياسية الكبرى. 

وهناك من يرى أن مفهوم الخيال قد ارتبط في العقل العربي باللاواقعية 
واللاممكن. بينما ارتبط في المفهوم الغربي بالقدرة على الإبداع والتجديدء والقدرة 
على النظرة المستقبلية. وها هو أحد الكتاب العرب يقول: «إنك عندما تمعن في 
تصور المستقبل فإن ذلك يعني عند العرب أنك تمارس الحلمء بينما يعني عند 
العالم المتطور أنك تمارس التفكير والتعمق. وم يفشل العقل العربي أكثر من فشله 
في استخدام الخيال السياسيء. وكان ذلك واضحا وجليا عبر التاريخ العربي الحديث. 
حيث نجد أنه قام وسار في طرق في غير مصالحه وفي غير مراده. والذي يرجع إلى أن 
النظرة المبسطة والسطحية كانت دانما تلف المحتوى العام للتفكير السياسي العربي. 
وهذا يمكن أن يطلق عليه انعدام الخيال السياسي أو الافتقار إلى الاستراتيجية.ء وهي 
في الواقع عبارة عن إعادة رسم خريطة الخيال السياسي»6. 

لكن هذا الرأي ينطوي على تعميم خاطئء فليس كل الغربيينء دولا ومؤسسات 
وأفراداء يفكرون دوما في المستقبل بطرق علمية» وليس كل العرب عاجزين عن 
الخيال السياسيء. ويعانون قصورا في توقع ما سيحدث. وتوجد حالات عربية باهرة 
لدول تمكنت في فترات معينة من إعداد خطط تنموية طموحة. وتبني مشروعات 
كبرىء» ولمؤسسات لا ينقطع عطاؤها في مجالات عدة, ولأفراد لديهم قدرة فائقة على 
ستشراف ما سيأق. غير أن هذه الحالات تبدو هي الاستثناء الذي يثبت القاعدة. 

لهذا باتت حاجتنا ماسة إلى أن نتخيلء بقدر ما نستطيعء فنحن «من دون 
هذا الخيال السياسي المستمد من التاريخ والوقائع لا نستطيع بناء رؤى المستقبلء 
فالمستقبل يصاغ أولا في خيال الشعب ثم يتحول إلى قوة مادية عند انتقاله من 
الخيال إلى الواقع»”. وهذا يتعلق بالحلم الجماعي الذي يداعب الناس. وهم في 
محاولة مستمرة للتغلب على متاعبهم الذاتية أو في سعي دائب إلى حل المشكلات 
العامة التي تعترض طريق أمتهم. 

وقد يصاغ هذا الحلم في رؤوس النخبء فتطرحه على عموم الناس فيروق لهم. 
ويطلبون ترجمته في الواقع المعيش. ويمكن للنخب أن تشرع في التنفيذ مباشرة 
بغض النظر عن رأي العامة أو من دون الرجوع إليهاء كما يحدث أحيانا في النظم 
المستبدة والشمولية. وأحيانا تموت كثير من الأحلام في رؤوس العلماء والمفكرين 


14 


على سبيل التقفديم 


أو على أوراقهم من دون أن تجد إلى التنفيذ سبيلاء إما لأنهم لا يجدون طريقا إلى 
السلطة. وإما أن الأخيرة تتجاهلها لأسباب عديدة. منطقية كانت أو غير ذلك. 

لكن تفاعل الناس مع حلم النخبة أو تقدير العلماء والخبراء هو الذي يعطيه 
قيمة وشرعية أيضاء لأن نتائج هذه الأحلام في النهاية تؤثر في الناس إيجابيا أو سلبياء 
ف «حيازة المعلومات الجيدة والصائية عن المستقبل ليست أمرا كافياء بل الأهم هو 
أن يرى الناس ما يراه المتنبئون» ويعرفوا كيف يستجيبون لهم»2. وذلك لآن الناس 
هم المعنيون بهذه الأحلام» وهم من يحولونها إلى واقع معيش. 

بيد أن إيجابية هذه الأحلام رهن بإمكانية تحققها في الواقع, فالأهواء والميول 
الجائحة والجامحة التي تشطح نحو ما لا يمكن الوصول إليه. تخلق نوعا من التوتر 
سواء للفرد أو للمؤسسة”2. وهو ما يجب استبعاده لمصلحة التفكير فيما يمكن 
الارتقاء إليه. والوصول له. والحصول عليه. وفق دراسة المستقبلء واستغلال أقصى 
إمكانات الفرد. على أساس أن كل ما تحقق من قبل يمكن بلوغه. بل يمكن تجاوزه 
إلى وضع أفضل. 

إن الدراسات المستقبلية تفتح لنا طريقا للإيمان بأن المستقبل ليس قدرا 
محتوماء فهناك دوما بدائل بعضها أفضل من الأخرىء وبممكننا أن نختار منها وفق 
ما نرغب وما نقدرء بشرط أن نكون مستعدين دوما لدفع الثمن الذي يستحقه 
خيارنا اللفضل10). 

وهذا الثمن لا بد أن يدفع في سبيل الخروج من أذى «قلق المستقبل» ع5دمن5 
'راءتحصة الذي ينجم عن الخوف الشديد من أن يكون ما يأقي يحمل شرا مستطيراء 
وتوقع حدوث أذى ومصائب. والشعور الدائم بتوقع الهزائم والانكساراتء. وإدراك 
خطر يهدد قيمة يعتبرها الفرد أساسية لوجوده. والإيمان بضرورة الخروج من نفق 
عقد الذنب المرتبطة بال ماضي للانطلاق نحو افاق المستقبل!!". 


الاقتراب العلمي 

هذه دراسة في علم الاجتماع السياسي. تتصدى للوضوع جديد نسبياء ف 
«الحديث عن الخيال نادر في التحليل السياسي»2". إذ لا يوجد كتاب باللغة العربية 
يتحدث عن هذا الموضوع بطريقة مباشرة وشاملةء وكثير من الدراسات الأجنبية 


15 


الخثال السبياسى 


وضعت عنوانا عريضا حول الخيال السياسيء لكنها لم تكتب تحته كل ما يليق به أو 
يعبر عنه تعبيرا مباشرا وواضحاء بل ذهبت في اتجاهات متناثرةء معتبرة أن تدابير 
وتصرفات وسلوكيات سياسية عديدة هي من قبيل الخيال السياسي أو حتى الوهم 
السياسي. أو واصفة تجربة أمة من الأمم أو دولة من الدول أو إدراكاتها وتصوراتها 
عن آخرين بأنها نوع من التخيل السياسي. 

من هذه الدراسات كتاب كل من جون ل. وجين كوماروف بعتوان «المجتمع 
المدني والخيال السياسي في أفريقيا: وجهة نظر نقدية»22. وهو يشمل عددا من 
المقالات البحشة حول مجتمعات أفريقية متنوعة الخلفيات الثقافية والدينية 
والتجارب التاريخية. وترمي هذه المقالات في مجملها إلى استكشاف طرق متنوعة: 
وغير متوقعة. لدخول المجتمع المدني في عدد من الدول الأفريقية في غمار التجربة 
السياسية الجماهيرية أو الشعبوية. وتأثير الأيديولوجيات الاستعمارية.ء ومشروعات 
التنمية. وثقافة حقبة ما بعد الحرب الباردة. في عمل السياسة اليومية. وا مساعي 
التي تبذلها النخب السياسية في سبيل بناء «مجتمع أخلاقي». والجذور الثقافية 
البعيدة للممارسات الثقافية والسياسية. والجهد الذي يبذل في سبيل تعزيز قيم 
المواطنة والمدنية والتحديث. 

وهتاك أيضا كتاب عنوانه: «الصين في الخيال السياسي الأمريكي»2"29. أعده 
مختصون أمريكيون وصينيون من بينهم خبراء استراتيجيون ومؤرخون وصحافيون 
وعسكريون وممثلون لدوائر امال والأعمال وناشطون في مجال حقوق الإنسان 
ومسؤولون حكوميون. ويتناول هذا الكتاب التصورات والإدراكات المتبادلة في 
العلاقات الصينية - الأمريكية. وكيف يجب على ساسة البلدين أن يعيدوا النظر 
في الصور التي من خلالها حكم كل منهما على الآخرء وأدت إلى سوء فهم متبادل. 
بغيهة تطوير علاقات جديدة مستقرة تنبني على الفهم السليم.ء والتقييم الدقيق 
للمصالح المشتركة. وتبتعد عن الأوهام التي أدت إلى توتر العلاقات بين بكين 
وواشتطن في الطاضي. 

ولذا سيحاول كاتب هذه السطور أن يضع لبنة أوليةء ليفتح بابا لنقاش 
مستقبلي. قد تعقبه دراسات ميدانية: أو تحليل أكثر تشعبا وتعمقا لجوانب سياسية 
عديدة من أجل توظيف الخيال في تحسين حياتنا السياسية سواء في تمثلاتها المحلية 


16 


على سبيل التقد يم 

أو الوطنية. أو في تفاعلاتها الدولية في السلم والحرب. ولهذا يطرح هذا البحث 
الأسئلة الأساسية. محاولا تجاوز الصعوبات التي تعترضه. ي يجيب عنها بالقدر 
الكافيء وذلك وفق تحليل أو دراسة عبر نوعيةء تبدو هي المدخل الأكثر فاعلية في 
دراسة هذه القضية. 

وتعتبر دراسة «الخيال السياسي» مسألة ليست باليسيرة, نظرا إلى ندرة الدراسات, 
لاسيما باللغة العربية. التي تتصدى لهذا الموضوع. فالعلوم الإنسانية والبحتة انصب 
اهتمامها على تطورها الداخلي أو إمكانية تغيير حركة الواقع والعلم إلى الأفضلء ثم 
جاء حقل معرفي له مسار مستقل يحمل اسم «الدراسات المستقبلية» ليأخذ ذيوعا 
في العقود الأخيرة, وبدا مدخلا جيدا للتطوير والتغيير. بعد أن تحدد قوامه ورسخت 
أقدامه. لكن كل هذا يتفاعل بدرجات متفاوتة مع الخيال العلمي أو المعرفي من 
دون أن يجسده بشكل تام, أو يجيب عن أسئلته الرئيسة» أو يحفر له مسارا علميا 
مستقلا ومقنعا وقادرا على تقديم «نموذج إرشادي» يدلنا على ما سيأتي. أو على 
الأقلء يجلي بعض غموضه. 

وكثيرة هي الدراسات التي ألفت باللغات الغربية عن الخيال العلمي وفيه 
وحولهء ولعبت الآداب والفنون دورا محوريا في هذا الصدد. وهتاك دراسات بيشأن 
«الخيال الاجتماعي» بشكل عام. حتى يصل الأمر إلى «الخيال السياسي» فيزداد 
ندرة, ولا يعدو أن يكون بعض المقالات الصحافية القصيرة أو التأملات الأولية أو 
الخواطر العابرة. 

وحتى الدراسات الأجنبية عن الخيال فإنها منشغلة أكثر بالحديث عن «الخيال» 
من زوايا علم النفسء وعلم النفس الاجتماعيء والنقد الأدبي والفني» والعمليات 
الإبداعية بشكل عام. كما أنها تفرد الجانب الأكبر للخيال العلميء بنظرياته 
وتطبيقاته وآادابه» وإن أتت ت إلى الخيال الاجتماعي فإن إتيانها يكون ضنيناء ويزداد 
شحه إن تطرق الأمر إلى «الخيال السياسي». حيث,. في الأغلب الأعم» يجبيء ذكره 
عرضا في تحليل بعض الواقف والقدرات الشخصية للقادة السياسيين ومتخذي 
القرار. وكذلك من يحركون الجماعات والتنظيمات التي تعمل ل في المجال العام: أو 
تجارب بعض الشعوب في الاحتجاج.» والسعي المحموم إلى تحقيق حلمها في الحرية 
والعدل والكفاية والكرامة. 


الخيال السناسي 


وقد أطلق بعض علماء الاجتماع خيالهم العلمي لبناء «النماذج المثلى», التي 
يعدها ماكس فيبر أداة فهم للمعنى الذي يصبغ به الأفراد تجاربهم المعيشية:؛ بما 
يضعها في قلب تنظيم المجتمع في لحظة تاريخية ما من تطوره. وهو عبارة عن بناء 
فكرة. أو وجهة نظرء تضفي طابعا عقلانيا وواعيا على الواقع, بغية فهمه على أفضل 
وجه ممكن. وبذا يصبح «النموذج اطثال» عبارة عن لوحة تفكير. لا تقف عند الواقع 
التاريخي ولا الواقع الحقيقي. وليس مجرد خطة ينتظم فيها الواقع على نحو مثالي. 
بل هو بناء نقيس الحقيقة على أساسه. ولذا فإن تصميمه يحتاج منا إلى خيال157. 

وعلى سبيل ال مثال. وضع عام السياسة الأمريكي ديفيد إيستون. بعد استقصاء 
شاركه فيه علماء نفسء نموذجا نظريا ل «المجتمعية السياسية للأولاد». ورأى أنها 
تمر بأربع مراحلء الأولى هي «التسييس». حيث يكون الطفل مرهف الحس حيال 
المجال السياسيء والثانية هي «التشخيص». وفيها يبدأ الطفل في الاحتكاك بالنظام 
السياسي عبر بعض أشكال السلطة. ثم تصبح هذه الأشكال غرضا للأحكام القيمية. 
وقت أن يتم إدراك السلطة التي جرى تشخيصها بطريقة مثالية. سواء جيدة أو 
رديئة. ما يحدد حب الطفل أو كرهه لهاء وهنا نكون أمام مرحلة صناعة المثال. 
التي تعقبها مرحلة «المأسسة». وفيها يدرك الفرد مجمل السلطات التي يتشكل 
منها النظام السياسيء. بدلا من إدراك بعض الأشكال المنعزلة للسلطة السياسية©2". 
وفي المراحل الأربع لا يمكن أن يكون الخيال السياسي ميتا أو حتى نانماء بل إن إمعان 
النظر في تفاصيل كل مرحلة, على حدة: يبين أنه لا بد من حضور الخيال في سياق 
عمليات التعلم والتفاعل والتأمل والتبصر. 

ومع كل الجهود التي بذلت على هذا الدرب يبقى إعداد دراسة عن «الخيال 
السياسي» أمرا تكتنفه صعوبات سواء على مستوى المنهجء أو على مستوى ال مضمون. 
فأي منهج يلائم دراسة من هذا النوع؟ إذ إن أغلب المناهج قاتم على وصف 
وتشخيص الظواهر الجارية حاليا في الواقع المعيش, أو تحليل وتفسير ما جرى 
بالفعل وتوافر عنه قدر من ال معلومات والتصورات يسمح بتناوله علميا. أما على 
مستوى المضمون فإن الباحث يجب أن يكون «عابرا للأنواع». فيطوف على علوم 
شتىء سائلا إياها أن تمنحه منها ما يقتطفه أو يقتبسه أو يستفيد منه ويحاوره 


ويحاججه ويستعين به في مسار آخر وفق قاعدة «العلم بمدخله وليس بموضوعه». 


18 


على سبيل التقديم 

فالتخيل في النهاية يجب أن تحتشد له كل الطاقات الذهنية أو الملكات العقلية. 
وكل ما وقر في الرأس بعد الاطلاع على معارف شتىء ثم إطلاق الحدس. 

ولهذا قد يكفي الباحث ف هذا الشأن أن يستطلع هذا الموضوع المهم أو 
يفحص حقله ويكتب فيه دراسة أولية. تفتح آفاقا أمام باحثين آخرين أو أمام 
الباحث نفسه لتعميق هذا الموضوع في المستقبلء وتوسيع دائرة تطبيقاته وفق 
وسائل أو أدوات علمية متعارف عليها. 

إذن تسعى هذه الدراسة إلى تأسيس رؤية أولية في «الخيال السياسي». بوصفه 
قضية جوهرية في واقعنا ال معاصرء سواء على مستوى التأمل والتقعيد النظري أو 
على مستوى وضع مؤشرات ورسم مسارات للتطبيق العماي. 

وتحاول الدراسة أن تجيب عن أسثئلة تتراوح بين النظري والتطبيقي مرورا 
بالإجرائي من قبيل: ماذا نقصد بالخيال السياسي؟ وما علاقته بالخيال عموما؟ وما 
أهمية الخيال عامة بالنسبة إلى الفرد والجماعة؟ وأهمية ومهام الخيال السياسي 
بصفة خاصة؟ وما المنابع التي يخرج منها؟ وهل من الضروري أن نعزز وجوده 
وننميه؟ لكن ما الأساليب التي تمكننا من بلوغ هذا الهدف؟ وما العقبات أو الكوابح 
التي تقف حجر عثرة أمام انطلاق خيالنا السياسي؟ وما نوع المجالات أو المسارات 
التي يمكن توظيف الخيال السيامي فيها؟ وهل هناك نماذج محددة للتخيل 
السياسي؟ وما حاجة العرب إلى الخيال في الوقت الراهن. حيت ثورة التوقعات 
والتطلعات التى تصاحبها اضطرابات سياسية جارحة تؤثر في المستقبل تأثيرا بالغا؟ 


كيف سأدرس الخيال السياسي؟ 

ابتداء. فإن الأداة البحثية أو المنهج العملي ليسا غاية في حد ذاتهماء لكنهما 
وسيلتان للإحاطة بالظواهر الإنسانية والطبيعية. ولذا فإن المطلوب فقط من أي 
منهما أن يوفر شرط «الكفاية» في التعامل مع هذه الظواهر. وتختلف هذه الكفاية 
من مجتمع إلى آخر ومن ظاهرة إلى أخرىء كما أنها ترتبط بالهدف الذي يصبو إليه 
الباحث من محاولته الإجابة عن تساؤلات عملية ما. 

وقد لا تصلح اطناهج التقليدية المتعارف عليها في الدراسات الاجتماعية 
والسياسية في ترسيم الحدود المثلى لسبر أغوار موضوع «الخيال السياسي», سواء 


19 


الخيال الشبياسىي 


في تجليه النظري أو في تطبيقاته العملية ولهذا لا بد من البحث عن مصدر أكثر 
فعالية, أو مصدر غير تقليدي. 

سأتعامل مع الخيال السياسي هنا ليس بوصفه شرودا ضالا بل بوصفه إسهاما 
في تداعي الأفكار. وقد تسعفني رؤية ديفيد هيوم الذي أقر بأن ثمة ترابطا بين 
مختلف خواطر الذهن أو أفكاره. فهي بمجرد ظهورها للذاكرة أو المخيلة إنما تتوارد 
على قدر ما من ال منهج والانتظام. وحين نكون مستغرقين في تفكير عميق وجاد ترد 
علينا أفكار تقطع حبل التفكيرء أو تمنع تسلسله العاديء فننبذها ونطردهاء لكننا 
إن استعدناها فسنجد أنها لمم تكن بعيدة تماما عما نفكر فيه أصلاء وأن الخيال لمم 
يكن يهيم تهيام المغامر الشارد بعيدا بلا رجعة. وأن هناك ترابطا قاتما بين مختلف 
الأفكار المتتالية. ونحن إن دونا من المحادثات أفضاها وأبعدها عن الغرض الواحد 
لوجدنا فيها على الفور ما يربط بينهاء ولوجدنا أن الأفكار البسيطة التي تقتحمنا 
ونحن منشغلون بالأفكار المركبة. موصولة بعضها ببعضء وفق ثلاثة مبادئ: التشابه. 
والتماس في الزمان والمكانء والسبب والمقعول7". 

سأنظر إلى «الخيال السياسي» بوصفه «منتجا ثقافيا». لعدة أسبابء أولها أنه 
يخضع في النهاية لقدرة الفرد على الإبداعء وإمكانية ال مؤسسة على الخلق والابتكار, 
وفي كلتا الحالتين فإن ثقافة الفرد أو المؤسسة تمارس دورا في تحديد مستوى الخيال 
وعمقه واتجاهه وغاياته. وثانيها أن الخيال. بوصفه معنى مجرداء يتشكل من 
عناصر مختلطة. ينشغل بها الذهن. وتتفاعل داخله. ثم تأت «الإشراقة» التي تعني 
اكتشاف الجديد وتوقع الآتي. وثالثها أن دراسة الخيال السياسي تحتاج إلى فهم 
جوانب عديدة تشكله وتبلوره»ء وهي موزعة على حقول معرفية شتىء وحالات 
وظواهر إنسانية متعددة. ورابعها أن التحليل الثقافي «يتجاوز النصوص إلى غاية 
مبدئية وهي الوقوف على الأنظمة الذاتية في فعلها الاجتماعي: مهما كانت النقطة 
أو الحالة التى تتموضع عندها»2". وهذه مسألة تنطبق على تجليات إبداعية 
ومنتجات معرفية عديدة. ومنها ما يتعلق بالخيال. 

لكن ليس في وسعي أن أزعم أن ما سأنتهي إليه سيكون حاسما في استشراف 
المستقبل البعيد. إذ إن «التنبؤ عند دراسة الظواهر الاجتماعية عملية محفوفة 
بالمخاطرء وتزداد صعوبة وتعقيد! إذا كان الأمر يتصل بالظاهرة السياسية لأن من 


20 


على بعبيل التقد يم 


العسير أن نستشرف المستقبل بوضوح أو أن نحدد مسار الأحداث بدقة, لأن كل 
الظواهر التي تتصل بالإنسان لا تبدو يسيرة الفهم. مضمونة النتائج عند تحليلها. 
فالنفس البشرية معقدة. وأصحاب القرار هم بشر في النهاية يؤثرون ويتأثرون 
ويستجيبون ويرفضونء لذلك فإن محاولة ارتياد ا مستقبل لا تبدو أمرا سهلا مثلما 
هى الحال في العلوم التطبيقية»19). 

وسأعتمد في هذا البحث ليس فقط على «جمع المتفرق» و«إتمام الناقص» 
و«إجلاء الغامض» وهي وظائف للبحث العلميء لكن أيضا سأذهب إلى «نقد 
السائد» محاولا أن «أكتشف الجديد». وذلك عبر الإحالات والأسانيد إلى مراجع 
قد لا تكون على علاقة مباشرة بالبحث. فكما سبقت الإشارة, فإنه لا يوجد ما له 
علاقة مباشرة بهذا الموضوع من الناحية النظرية إلا ما ندر. وسأعمد أيضا إلى عرض 
وطرح «دراسات حالة» فردية وجماعية, أهلية ورسمية: استهدفت تخيل ما سيأق 
في مجالات عدة. وسيغلب على تحليلي هنا الطابع الكيفي, والذي م يعد تقليدا 
جديدا في الدراسات الإنسانية. بل هو يبمتلك تاريخا طويلاء يسبق بكثير فترة توهجه 
في ستينيات القرن العشرينء بحيث أصبح له نفوذ قوي داخل العلوم الاجتماعية, 
خاصة مع تبدد غيوم الوهم التي كانت تلبد أفكار البعض حيال الاقترابات البحثية 
الكمية2. بشكل خاص. والنماذج العلمية. بشكل عام. 

لقد طرح مارتن هاميرسلي سؤالا مهما في كتابه «سياسات البحث الاجتماعي» 
عما إذا كان هذا النوع من البحث له أبعاد أو أهداف سياسية, أم أنه من المفترض 
أن يتوخى الحياد العلمىي؟.. ورأى أنه في السنوات الأخيرة تعرضت مسألة الحياد 
العلمي لتحديات كبيرة. حين أثبتت الاتجاهات النقدية والنسوية والدراسات التي 
أعدت لكافحة التمييز العنصري وتحليلات ما بعد الحداثة أن البحث الاجتماعي 
«مسيس» بدرجة أو بأخرى'2. في حين شكك توماس كون في كتابه لمهم «بنية 
الثورات العلمية» في قيمة النماذجء أو الإرشاداتء التي حفرها علم المنهج ليتحكم 
في دراسة الظواهر المختلفة بشكل علمي220. 

وسأزاوج في عرض هذه الحالات بينها وبين مراجعة الأدبيات السابقة. للبرهنة 
على انشغال كثيرين بما سيجري ف المستقبل. وسأوظف هذه الحالات. وتلك 
الأدبيات. في خدمة المجرى العام للبحث. سواء من الناحية النظرية أو التطبيقية, 


21 


الخبال النياسى 


متلمسا في كل الأحوال خطى أولئك الذين لم يقفوا تحت شجرة ليطالعوها من 
أسفلء بل صعدوا إلى قمة أعلى شجرة ليروا الغابة كلها. 

ولا يعني هذا البحث في عمومه رفض أو إنكار التفكير بواقعية في السياسة. 
والتقليل من شأنه وأهميته. فلا يمكن تجاهل أن الشحن ال معنوي الذي أراد حشد 
الجماهير خارج الواقح كثيرا ما انتهى إلى كوارثء في الحالة العربية وغيرها. 

لكن هناك فارقا كبيرا بين الواقعية بوصفها منهجا سياسيا عملياء قاتما على 
حسابات دقيقة. وإدراك وفهم عميقين للمعطيات الحياتية. يرمي إلى تحويل 
الخسائر إلى مكاسبء. والضعف إلى قوة. وإلى استغلال الركائز والمقدرات المتاحة 
مهما كانت قليلة في حل المشكلات الموجودة» وبين «الوقوعية» التي تعني الارتكان 
إلى رد الفعلء والالتصاق بالأرضء وافتقاد الفاعلية. والاكتفاء بدفع بعض الضررء 
وإنجاز ما يفضي إلى مجرد الاستمرار في ظل ضعف بنيوي وهوان مشينء والتذرع 
إما بأن هناك مؤامرة تحاك ضدناء وإما بأنه ليس في الإمكان أفضل مما يبذل من 
جهد وما يتحقق من نتائجء وإما بأن أي حركة إيجابية. حتى لو بدرجة خفيضة. 
ستنظر إليها القوى الكبرى في العالم على أنها تحدٌ وعناد. ومن ثم ستسعى إلى 
تأديب صاحبها. 

والواقعية السياسية مدرسة ذات شأن في العلاقات الدولية. عليها قامت أمم 
وتكونت إمبراطوريات, وأراد لها منظرها ومفكرها الأول هانز مورغنثاو”, أن تكون 
إطارا لتفكير عقلانى في حساب قوة الدولة اقتصاديا وعسكرياء وفي الجغرافيا والسكان. 
وسبل تعزيزهاء وهو لم يكن يقصد منهاء كما يفعل الخائفون والمتخاذلونء أن يسوق 
العجز. بدعوى أن الهامش المتاح لا يوفر أي قدرة على التحدي. أو على الأقل المناورة. 


نداء داخاي 

ولهذا الكتاب معي قصة. أرى من الطفيد أن أرويهاء لأنها لا تبين فقط الباعث 
الذي دفعني إلى تأليفه. بل أيضا تحدد جانبا من المسار الذي سأسلكه. والذي لا 
يقف عند حد كون «الخيال السياسي» فرعا من الأدب كما يذهب البعضء بل 
يذهب إلى اللغة التي كتبته بهاء والتداعي الحر الذي أطرح به موضوعاته. من دون 
إخلال بما يقتضيه العلم في التصنيف والتحليل والتعليل والتشكيل. 


22 


على سبيل التقديم 

فقبل ستوات وجه لي أحد الصحافيين سؤالا: كيف تحافظ على التأليف في الأدب 
والسياسة على حد سواء؟ وهل ترى المجالين منسجمين أم متنافرين؟ 

ويبدو أن الإجابات التي تضمنها كتابي «النص والسلطة والمجتمع: القيم 
السياسية في الرواية العربية», والذي هو في الأصل أطروحتي للدكتوراه, لم يشف 
غليل السائل ولا من يفكر مثله ويحذو حذوه. وينتظر إجابات أوضح. على رغم أن 
الكتاب. المشار إليه. طرح في معناه ومبناه سؤالا عن إمكانية تأسيس «علم سياسة 
الأدب» على غرار «علم اجتماع الأدب» و«علم اجتماع الرواية». 

وطرحت في الكتاب سؤالا أساسيا هو: هل هناك علاقة بين السياسة والأدب؟ 
وانطلقت من اعتبار نظرية الأدب الحديثة جزءا من التاريخ السياسي والأيديولوجي 
لعصرناء لارتباطها بشكل لا ينفصم بالمعتقدات السياسية والقيم الأيديولوجية. 
خاصة ما أنتجه «النقد النسوي» الذي يدور في مجمله حول فكرة سياسية تتعلق 
بالمساواة بين الرجل وامرأة. وكذلك أدب الطبقة الكادحة الذي يحاول أن ينتصر 
لها في مواجهة الجوانب المتوحشة من الرأسمالية. إلى جانب أدب الحربء وأدب 
المقاومة ... إلخ. 

ودرست همزات الوصل بين الأدب والسياسة عارضا إياها في نقاط محددة هي: 
تسييس الظواهر الاجتماعية, والدور السياسي للأدب سواء بطريقة مباشرة أو غير 
مباشرة. وتعدد وظائف النص الأديء ومركزية «الصراع» في السياسة والأدبء واتباع 
طرق للسرد والحوار في الكتابة السياسية. وبلاغة الخطاب السياسي22. 

وانتبهت. فيما بعد. إلى تصور يرى أن بعض الأدب هو نوع من «الخيال 
السياسي». من دون أن يهمل هذا التصور ضرورة ألا يتحول الأدب إلى أيديولوجيا أو 
«عقيدة سياسية» ووعظ وبيان أو منشور سياسي. فمثل هذا يفقد النصوص الأدبية, 
شعرا ونثراء كثيرا من جماليتها وعفويتها وبعدها الوجداني العميق. 

لهذا ينتابني أحيانا شعور بأنني وجدت في تأليف كتاب عن «الخيال السياسي» 
ما يلبي نداء داخلياء لكن الحقيقة تتعدى هذا إلى اقتناع يترسخ لديء ولدى آخرين, 
بمرور الوقتء بأن فقر الخيال السياسي في الحياة العربية العامة من العناصر الخفية 
التي أسهمت في تردي الأحوال على هذا النحوء وبأن الفجوة التي تتسع بيننا وبين 
الغرب لا تقتصر على التقنية والحداثة فقطء بل الخيال السياسي أيضا. 


23 


انخيال السياسي 

وإذا كنا قد التفتنا إلى الأولى والثانية فإن الأمر الثالث غائب لديناء مع أنه 
يمارس أحيانا دور القاطرة التي تجر الاثنتين. فخيال العالم الذي يفكر في التقنية. 
والفيلسوف وا مفكر والمثقف الذين يفكرون في الحداثة. يحتاج في أغلب الحالات 
إلى سلطة سياسة ذات خيال حتى تحمل ما تصوره كل هؤلاء أو تحميه أو تمده 
بأسباب القوة التي تمكنه من أن ينتقل من الرؤوس والأفئدة إلى أرض الواقع. 

وعلى رغم أنني من الذين يؤمنون بقدرة ا مجتمعات في حد ذاتها على أن تمد 
الخيال التقني والفكري بزخم يساعدهما على العيش والتمدد والانتقال من عام 
الأحلام إلى عام الحقائقء فإن النظرة الواقعية في تجارب الأمم الأخرىء تبرهن على 
أن السلطات التي أنتجها العقد الاجتماعي في الغربء والتي تسعى دوما إلى حيازة 
رضا الشعوبء مارست دورا مهماء بامتلاكها خيالا سياسياء في تطوير ا مجتمعات عبر 
الاهتمام بالعلم والمعرفة والنظر الدائم إلى المستقبل. 

لا يعني هذا أن الكتاب محاولة للإسهام في تشييد جسر آخر بين الأدب 
والسياسة. فهذه ليست المسألة الأساسية في هذا المقام. لأن الأدب يقدم هنا 
كينبوع واحد من ينابيع الخيال السياسيء علاوة على أن الكتاب يتوخى - في تبويبه 
وتساؤلاته وإشكاليته الرئيسة والنتائج والخلاصات والتوصيات التي ينتهي إليها - 
المنهج العلميء الذي يعلو فيه البرهان على البيان والعرفان. 

وعلى رغم أن المتعجل قد يعتقد. ومن خلال الحكم على العنوان فقطء أن 
الكتاب ينظر إلى الخيال السياسي بوصفه فرعا من فروع الأدب. فعند مطالعة 
تبويب البحث وصفحاته سيترسخ لديه اقتناع بأن ما يقدم في هذا المضمار هو 
دراسة سياسية عن مفهوم لايزال يتبلور ويتجدد محاولا أن يتعدى الوقوف عند حد 
الدراسات المستقبلية في علم السياسة. 

بالطبع هناك كثير من الكتابات نظرت إلى الخيال السياسي باعتباره الروايات 
السياسية. وكذلك القصص والمسرحيات والأشعارء التي تنطوي على نبوءة بالمستقبل» 
أو تسعى إلى بناء عام مواز للواقع المعيش. سواء بشكل رمزيء أو بطريقة تحاي 
الصور الحياتية الحقيقية. أو حتى إضافة شخصيات إلى العمل الروائي والقصصي 
وا مسرحي النابع من الواقع» لضرورات فنية. لكن هذا م ممنع آخرين من أن ممعنوا 
النظر في علاقة الأدب بالفلسفة عموماء والفلسفة السياسية والنظرية السياسية 


24 


والفكر السياسي على وجه الخصوصء وهو أساس ينطلق منه هذا الكتاب» ويبني 
عليه. ويضيف إليهء لينقل الموضوع من حيز الأفكار المجردة, والانطباعات السريعة. 
إلى مسار الإجراءات. 

لقد راحت الفلسفة والنظرية السياسية والأدب تنفصل بعضها عن بعض في 
معظم أوقات القرن العشرينء حين تم استبّدلت فكرة «الثقافة الإنسانية» الشائعة 
بالمساقات الصارمة لكل علم أو معرفة على حدة. وعمل هذا التوجه على إزالة 
التوتر القائم بين هذه الحقول المعرفية الثلاثة. والذي يمتد إلى قرون بعيدة. حين 
كانت الفلسفة تختلطء في بعض الأحيانء بالأدب الخيالى. 

وقديمما عارض أفلاطون الأدب الخياليء» فرأى أن مبدعي الدراما والشعراء 
خياليونء لا يقدمون العام الحقيقيء كما أنهم يضرون بالأخلاق حين يبعدون الناس 
عن رؤية واقعهم كما يجريء ولذا فلا بد أن يسيطر ذكاء الفلاسفة على الأدب 
الخيالي. لكن الفلاسفة المعاصرين تجاهلوا ادعاءات أفلاطون. وربطوا بين الأدب 
والفلسفة. ومن زاوية الفلسفة أطلت النظرية السياسية برأسهاء واقتربت من هذين 
الحقلين المعرفيين. وراح فلاسفة ومفكرون سياسيون يستعملون تقنيات الأدب في 
السرد والحوار والحكاء في البرهنة على ما يريدون أن يثبتوه23. 

هذا الكتاب ينطلق من هذه التصورات. التى تعد أدبيات سابقة في هذا ال مساق 
العلمي. ويتجاوزها إلى وضع «الخيال السيامي» في كلب علم الاجتماع السياسي, 
لا في قلب الدراسات الأدبية التي تنقد وتحلل وتتأمل في ألوان من قبيل الرواية 
والقصة والمسرحية والشعرء والتي طاما رفدت المجال والسجال السيامي بكثير من 
المضامين والقيم والرؤىء ومنحته في كثير من الأحيان بعض جمالها وروحانيتها. 


202 














5 

«حتى لو م تكن النتائج التي يصل 
إليها خيالنا حاسمة. وحتى لو م 
تتصف بالدقة المتناهية. فإنها في كل 
الأحوال تقربنا من الفهم. وتجعلنا 
أكثر عملية في تحديد بدائل لحل 
المشكلات التي تعترض طريقنا» 





معنى الخبال السبنياسى 
وأهميته 


من الضروري أن نكون حذرين ومتواضعين 
ونسبيين إن كنا بصدد الحديث في أي فرع من 
العلوم الإنسانية. ويزداد الحذر والتواضع إن 
كان الأمر يتعلق بمفهوم جديد لايزال سائلاء 
وقد يظل هكذا فترة طويلة. مثل «الخيبال 
السياسي». لاسيما مع ذلك الاعتقاد الذي لا 
يخلو من برهانء من أننا أحيانا لا نملك أفكارنا 
بل تملكنا هذه الأفكار إلى حد بعيد. 

وأي مفهوم أو مصطلح يشهد عبر تطوره 
التاريخي إضافات وحذفا وترميما في إطار 
تفاعله مع وجهات نظر متعددة. وكذلك مع 
حقول علمية ومعرفية أخرى. والأهم2. مع 
سياقات تتغير في الزمان والمكان. وهذا أمر 
طبيعي» لأن المفاهيم في العلوم الاجتماعية 
تنبت من الواقع: وتتأثر بالممارسة. وتتفاعل مع 
كل ما يطرأ على السياق من تغيرات. 


27 


الخيال السياسي 


ومفهوم «الخيال السياسي» ليس استثناء من هذاء لاسيما أن كثيرا من الكتب 
التي تطرقت إلى هذا التركيب قد أوردته في ثنايا تحليل أو وصف حالة سياسية أو 
تعبير عن ينبغيات» وبالتاي ولد المفهوم متشا كلا ومتفاعلا مع تصورات مختلفة. 


الخيال السياسي وما شابهه والتبس به 

لايمكن أن نذهب مباشرة إلى تعريف «الخيال السياسي» كاصطلاح محدد يمكن 
ترجمته إلى إجراءات قابلة للتطبيق في الواقع المعيش من دون أن تُجلي المفهوم 
العام للخيال كما انشغل به علماء مختصون في حقول معرفية شتى» بوصفه «العقل 
العابر للحدود»!) و«الجذر المشترك الذي ينبثق منه العلم والفن»2. أو أنه العقل 
في أقصى درجات المرونة اللازمة لاختراق المجهول. وكشف الغامضء وإتمام الناقص. 
ونقد السائدء وإبداع الجديد. 

وبذا يكون الخيال هو عبارة عن «مجموعة من العمليات الحسية والإدراكية 
والمعرفية وما وراء المعرفية والانفعالية النشطة التي تكون الصور الداخلية وتحولها 
وتحللها وتركبها وتنظمها في أشكال جديدة يجري تجسيدها بعد ذلك في أعمال 
وتشكيلات خارجية». ويكون كذلك هو «طريقة للاستكشاف والتجوال العقلي 
على نحو إرادي مرن واحتمالىي ولاعب بالبدائل»4. 

ويأخذ الفعل «خال» في المعاجم العربية القديمة عدة معانء أولها يرتبط بالظن, 
وثانيها بالاشتباه والتشبيه؛ وتالثها بعلم الشيء. ورابعها بالاتهام. وخامسها بتصور 
الشيء وتمثله على غير ما هو عليه. وسادسها بالتوقع والتوسمء وسابعها بالتوهم. 

ويبقى الخيال عند العرب الأقدمين هو «قوة تحفظ ما بدركه الحس ال مشترك 
من صور الملحسوسات بعد غيبوبة اطادة. بحيث يشاهدها الحس المشترك كلما 
التفت إليه فهو خزانة للحس ال مشترك. ومحله البطن الأول من الدماغ»6. 

وهناك من ينظر إلى الخيال من زاوية علم النفس الاجتماعي ليعرفه بأنه «تتابع 
مجموعة من الحوادث المتخيلة التي تعبر عادة عن تجارب سارة. وهي آلية دفاعية 
ضد الإحباط؛ ذلك أنه عندما تحبط رغبات الفرد في عام الواقع. يلجأ إلى إشباعها في 
عام من خلق مخيلته. واستخدام الخيال في تخفيف الإحباط قد يكون عن قصد. 
وعن شعور صريح وواضح. وقد يرتبط الخيال في حالات متطرفة بمرض الفصام. وهو 


28 


معنى الخيال السياسي واهمنته 


يعتبر بشكل أو بآخر قاسما مشتركا بين جميع الأفراد الأسوياء. وهو يؤدي أحيانا إلى 
التجديد والخلق والايتكار». 

وف تقديمه لكتاب غاستون باشلار «الماء والأحلام: دراسة عن الخيال والطادة» 
يقول أدونيس معلقا على تصور العرب للخيال وقوى التخيل لديهم: «لعلنا جميعا 
نعرف أن قوى التخيل عند العرب شغلت على نحو أخص, لأسباب كثيرة» دينية في 
المقام الأول. بفتنة العين والنظرء البصر قبل البصيرةء مظهر الكائن قبل جوهره»©. 

أما إذا أمعنا النظر في تاريخ ال مصطلح عبر الفكر الأوروبي قرونا طويلة.» فستجد 
أنه قد اعتبر الخيال أحياناء وفي أحسن حالاته. وسيطا بين الإحساس والتفكيرء وفي 
أسوأ حالاته. قوة خداعية مراوغة. لكنه أصبح - منذ الحركة الرومانتيكية - الملكة 
أو القدرة الأولى في العقل الإنسانلى»29. ولايزال حتى هذه اللحظة يقدر عند أغلب 
أهل العلم والفن على هذه الحالة. 

ويذهب توماس هوبز في كتابه الأشهر «التنين» إلى معنى قريب من هذاء حين 
ينظر إلى الخيال بأعتباره «الحس المتدهور» الذي يوجد لدى البشرء والكثير من 
المخلوقات الحية الأخرىء في حالة النوم كما في حالة اليقظة. وبذا فهو يعني ما 
نتذكره من الأشياء بعد أن تذوي. 

وهنا يقول هوبز «عندما نريد أن نعبر عن التدهور باعتبار أن الحس يتلاشى 
ويهرم ويصبح من الماضيء فإنه يسمى الذاكرةء وعليه فإن الخيال والذاكرة ليسا سوى 
شيء واحدء له أسماء مختلفة لاعتبارات مختلفة.. إن كثرة الذكريات. أو ذكريات 
أشياء كثيرة. تسمى خبرة. وهنا أيضاء يبقى الخيال أن نتخيل الأشياء التي سبق أن 
أدركناها بحسناء إما بأكملها دفعة واحدة.ء وإما كأجزاء في أوقات مختلفة»©. 

والخيال الذي نقصده هنا هو الذي يدور في حدود «عام العلم» وليس «عاط 
الغيب»9". وبذلك بمتاز خيال عن خيال بمدى قربه أو بعده عما يمكن تحقيقه 
لو زالت العوائق من الطريقء فإذا «شطحت بخيالك نحو المستحيلء كان ذلك هو 
تخليط المجانينء وأما إذا قيدت خيالك بقيود ال مستطاعء كان هو الخيال الذي يحلم 
به العقلاء. فإعفاء الخيال من قيود الواقع. يخلق للمجنون عاما كعالم الوحوش 
ا مجنحة التي رسمها غوياء كذلك يخلق تلك الوحوش أن نضرب في الأرض صما بكما 
لا نهتدي بفكرة تخيلناها ورسمناها في الأذهان لنسير على هداها»!!0©. 


29 


الخيال النننناسىي 


وبالقطع هناك فرق بين «التنبؤ العلمي» و«التنبؤ الغيبي»2', فالأول لا 
ينبع من فراغ. بل من نواميس الكون وأحكامه. وسنن الحياة ومراقبة السلوكيات 
الإنسانية وتكرارهاء ولا يتناقض مع قواعدهاء بل يتمائى معهاء في حين يأخذ الثاني 
أساليب غير علمية مثل العرافة والتنجيم أو بعض القدرات والطاقات الروحية 
الخارقة التي يهبها الله لبعض خلقه. وهي غير قابلة للقياسء وكثيرون يدعون 
امتلاكها. وفي كل الأحوال يبقى الغيب في علم الله سبحانه وتعالى. 

ويبلغ هذا الصنف من النبوءة ذروته مع القدر الذي يلعبه الأبطال في السير 
الشعبيةء حيث تضفي عليهم مخيلة الناس مهابة» وتعلق عليهم آمالاء وتنفس فيهم 
عن مكبوتها ومكنونهاء وتتشجع بنسج حكايات تتوالد عنهم باستمرار في مواجهة 
تصاريف الحياة. 

وهنا يقول أحمد شمس الدين الحجاجيء أحد أبرز ا مختصين في السير الشعبية: 
«هذا النوع من النبوءة عنصر مهم من عناصر السيرة. تربط البطل في جميع مراحل 
حياته بالأسطورة برباط وثيق.. وتلعب دورا كبيرا في إخراجه من حيز الإنسان العادي 
إلى حيز الإنسان الأسطوريء أي من الواقعي إلى الأسطوريء وهنا يدخل دائرة الكون 
الكبير. ليصبح مرتبطا به ارتباطا وثيقا. والنبوءة هنا هي الإخبار با مستقبل قبل 
وقوعه. أي أنها قراءة الغيبء ومعرفة ما هو مكتوب في قدر الإنسان»23. 

ويمكن للأسطورة المرتبطة بالنبوءة أن تؤدي دورا سياسيا إيجابياء حال إسهامها 
في الحفاظ على تماسك الجماعة بتثبيت جذورهاء ومنحها أملاء لكن ليس هذا 
مجال بحثنا هناء إنما مجالنا هو ما يتناقض في هذه النبوءات مع الخيال السياسي 
العلمي. ويكرس الخرافة. ويعيد إنتاجها في محاولة يائسة لجعلها تؤدي دورا بديلا 
للتفكير العلمي. 

ومع الأسف. تسلل التفكير الخرافىء والتقدير الجزافيء إلى مجال السياسة 
ودوائر السياسيين أو في انشغال العوام بالشأن السياسي. ويطلق نبيل عبدالفتاح 
على استخدام الغيبيات في إدارة الشأن العام «المتخيلات السياسية»». والمتخيل لديه 
هو «حالة نفسية وفكرية تقع الذات الفردية أو الجماعية فيها أسيرة نسق من 
معتقداتها الحقيقية أو الأسطورية أو المتخيلة. ويقوم هذا النسق بتغذية العقل 
والنفسية الجماعية ويضعهما في حالة استهلاك. وإعادة إنتاج» لمجموعة من 


30 


معنى الخيال السياسي وأهميته 


المتخيلات التي تعيد الذات الجماعية استهلاكهاء ورفدها بعناصر جديدة تساعدها 
في الاستمرارية وإضفاء الحد الأدنى من الطمأنينة والتوازن»042. 

كما لا يعني الخيال السياسي «التخمين». فهذا مجرد تهيؤات لا تستند إلى أسس 
أو مؤشرات علمية أو تقديرات إحصائية وموضوعية يمكن البرهنة أو التدليل على 
عمومها وتفاصيلها. 

والخيال السياسي العلمي الذي نسعى خلفه هنا ليس «المخيال» الذي هو 
حصيلة اجتماعية يقبلها الإنسان في المجتمع بكل حرية كما يرضى بفن ال معمار أو 
فن الشعر”". وهو إن كان عامل توحيد يزيد اللحمة بين فاعلين اجتماعيين يرونه 
مبررا للحياة الجماعيةء فإنه يقوم بالأساس على المجاز والخوارق9©". 

وعن المخيال كتب ابن رشد في شرحه لأرسطو: «محال أن يكون الخيال ظنا أو 
حسًا أو علما أو عقلاء وعموماء أنا كانت من ملكات العقلانية. فهو ليس متركبا من 
الظنْ والحسٌء كما يقول بعض القدماء.. فجلي أن الخيال ليس ظنا مقترنا بحس 
ولا بمملكة مركبة من الظنّ والحس. إذن الخيال ليس إحدى تلك القوى ولا مركبا 
منها»7". أما الخيال السياسي العلمي فيعتمد على العقلانية وتقدير الموجودات 
المادية والانطلاق من فوق الأرضء ثم تحرير الإرادة والإبداع. 

وليس الخيال السياسي العلمي هو «المخيلة» التي تمثل قدرة فطرية في العقل 
البشري لخلق أفكار أو صور عن عوام من أشخاص غير واقعية كليا أو جزئياء وذلك بدءا 
من عناصر يستمدها العقل من إدراكاته الحسية للعالم الخارجي ال مشترك بين الناس. 

ويعين ديفيد هيوم (1711 - 1776) ما للمخيلة من مقدرة على صناعة مدركات 
للذات والمجتمع والعالم بغض النظر عن أنها لا تراعي الحقائق التي يمكن أن نصل 
إليها باستخدام الحواس. فيقول: «لا شيء أشد انعتاقا من مخيلة الإنسان. وعلى 
رغم كونها لا تستطيع الخروج عن ذلك المخزون الأصلي من الأفكار التي يعطيها 
الحس الداخلي والخارجيء فإن لها مقدرة لا حد لها على مزج تلك الأفكار وتركيبها 
وفصلها وتقسيمهاء. في كل ضروب الخيال والرؤىء ويمكنها أن تحاي سلسلة من 
الأحداث لها كل مظاهر الواقع: فتعين لها وقتا مخصوصا ومكانا معلوماء وتتوهمها 
كأنها موجودة. ثم تخرجها لنفسها بكل الحيثيات التي لحدث تاريخي توقن به 
أقصى البقين» 219 


31 


الخنال السيانتىي 


وطاما نزعت المخيلة إلى ممارسة وظيفة سياسية لدى الشعوب قديما وحديثا. 
فقد كان ملوك الفراعنة في عصر الأسر الوسيطة يطلبون نقش أسماء أعدائهم. من 
ممالك وقبائل وحكام ومتمردين ومنشقينء فوق أوان فخارية, ثم يحطمونها”"2 في 
احتفال ديني مهيبء قاصدين بهذا الدعوة بالموت على من يناصبهم العداء. ولا 
يكون بوسعهم أن ينالوا منه. ولم يكن هذا الطقس مجرد إشفاء للغليلء بل كان 
يرتبط بالاعتقاد في إمكانية إلحاق الأذى بأعدائهم لمجرد أنهم يحطمون أسماءهم 
ال منقوشة على الفخار. 

وف زماننا هذا لايزال أهل مدينة بورسعيد المصرية يحرقون دمية اللورد 
إدموند اللنبيء ا مفوض الإنجليزي على مصرء الذي أمر بإطلاق النار عليهم حين 
خرجوا لوداع الزعيم سعد زغلول وقت أن هبط في ميناء المدينة استعدادا لنفيه 
إلى جزيرة مالطة في 9 مارس 1919. فقتل منهم سبعة وأصيب المئات. وحين 
صدرت أوامر بريطانية برحيل اللنبي عن مصر في العام 1925 رحل من اطيناء 
نفسه.ء فخرج الأهالي وتجمعوا وأحرقوا «دمية» صنعوها له. وصارت هذه عادة 
سنوية. وأحد طقوس احتفال أهل المدينة بشم النسيمء والتأريخ لفصل من 
بطولتهم ضد الاحتلال. 

لكن هذين الطقسين لا يقطعان أبدا بأن المخيلة تنبني على أسس علمية. 
إنما يتخالط فيها التنفيس عن أحلام اليقظة. والأمنيات المكبوتة, مع شعائر دينية: 
واحتفالات وطنية. وبوسعنا نحن أن ندرس هذا باستعمال مناهج واقترابات العلم, 
لكن مضمون هذه الطقوس لم يتشكل وفق تصور علمي محكم ومسبق ومديرء إنما 
جاء بطريقة عفوية وارتجالية. وتطور مع الزمن لأداء وظيفة سياسية. 

ويختلف الخيال السياسي العلمي عن الوهم السياسيء. فالوهم عموما هو 
«التصورات والأفكار والخرافات التى يعتقد المرء بصحتها من دون أي أساس واقعي 
ومنطقي وعقلي وعلمي. وبأنها قابلة للتحقق في الواقع. كما إنه رغبات تأخذ صورة 
الحقيقة من دون التفكير المنطقي الواقعي بإمكانية تطابقها مع مطلب الحياة 
وحاجاتها ومع منطق الأشياء والوقائع. فكل ما ليس بممكن الحدوث الآن ولا في 
المستقبل هو وهم»”". وبالتالي تبدو ضربا من «الوساوس القهرية» و«الهلاوس 
السمعية والبصرية» أكثر من كونها نوعا من التأمل والشرود الخلاق. 


32 


معنى الشيال الشباءنتا وأهملات 


لقد بات «إنتاج وبيع وشراء الأوهام عملية رائجة في زمانناء في الاقتصاد والسياسة 
والاجتماع والثقافةء في ترويج نمط الحياة والأفكار والصور والأخبارء عملية تقوم بها 
أنظمة ودول ومؤسسات وأفراد. وصناعة الأوهام ليست عملية بسيطة. إنها أعقد 
من التجارب المخبرية. وهي محصلة لعناصر عديدة تمثل شبكة., والعمليات العقلية 
التى تقف وراءها وداخلها يمكن أن نطلق عليها: منظومة فكرية»210. 

والوهم السياسي هو صنف من التفكير خارج حدود الممكنء ولذا فإنه يجعل صاحبه 
يرى الخطأ صواباء كما بريه العدوَ صديقا والصديق عدواء ومن هنا فإن أكثر ما تكون 
أخطاء الوهم شنيعة وقت أن تكون سياسية. فحينها تصبح نتائجها كارثية ومدمرة2©. 

لكن هناك من يذهب إلى ما هو أبعد من هذا بكثير معتبرا أن العملية السياسية: 
حتى في البلدان الدمموقراطية. تنطوي في مضمونها على أوهام. حيث يتحول النشاط 
السياسي بشكل عام إلى مشهد من الأوهام المتشابكة. وفي مطلعه مسألة المشاركة 
الشعبية في الحكومة. والرقابة الشعبية التي يقوم بها المسؤولون المنتخبون وغيرهم. 
نظرا إلى وجود آليات واقعية تفرغ هذه العمليات من مضمونهاء وتترك المنادين بها 
أو من يتمسكون بتنفيذها سادرين في أوهامهه23. 

غير أن الحديث عن الخيال السياسي لا يتساوق مع هذه التصورات المرتبطة 
ب «الوهم السيامي». التي تنتقده سواء في بيئة سياسية مغلقة ومتكلسة ومستبدة 
ورجعية. تسكن الأوهام المقنعة رؤوس نخبتها الحاكمة. أو حتى لدى الشعوب 
المنفتحة والديموقراطية التي تؤدي آلة الدعاية الرهيبة دورا كبيرا في التعمية عليه 
عبر تسويق الشكل. والضن با مضمونء لتجعل من عملية سياسية يتمكن الناس فيها 
من القرار بشكل حقيقي ضربا من الوهم. 

والخيال السياسي ليس نوعا من التنجيم. حتى لو «نجح المنجمون في اكتساب 
العقول والقلوب نظرا إلى حاجة الإنسان إلى نوع من التفكير في تاريخ المستقيل. 
وتحول التنجيم إلى نوع من التسلية وتطورت مدارسه وتقدمت مع تقدم العلوم 
وامعرفة فتحول إلى نوع من العلم. من باب السياسة. ونجح في استخدام التقنيات 
المعاصرة لتجديد مهنة قدهة اعتّقد سابقا أنها ستسقط مع تطور الإنسان»9©. 

وقد وصل التنجيم السياسي إلى حد بالغ في السنوات الأخيرة.ء فخاض المنجمون 
في شؤون السلطات والدولء صغيرة كانت أم كبيرة: ولم يكفهم أن يستعين بهم بعض 


الخيال السياسي 


الرؤساء حتى في كبرى دول العامء وم يشبع نهمّهم أن يتحدثوا عن الحاضرين من 
الزعماء والساسة. بل أراد بعضهم أن يقرأ تاريخ سابقين منجماء وهنا يقول أحدهم: 
«تعددت الكتب التي تناولت حياة السادات. وتعددت طرق الكتابة عنهء لكننا 
تناولنا حياة السادات من جانب م يتناوله أحد من قبلء من جانب مثير للاهتمام 
وربما الجدل أيضا. لقد تناولنا شخصية السادات وتركيبها ودراستها من منظور دقيق 
بل غاية في الدقة.. إنه من منظور تنجيمي»257. 

ومع هذا يظل التنجيم السيامي لعبة موظفة بدهاء في خدمة توجهات غير 
نزيهة ترمي إلى التأثير الواسع في الرأي العام ودفعه إلى الطريق الذي يريده أولتك 
الذين استخدموا ال منجمينء وربما التشويش عليه. في مجاراة للكثير من التحليلات 
السياسية المؤدلجة والتي تقف وراءها منافع ومصالح فئات وطبقات وسلطات أكثر 
من كونها عملية مهنية تتوسل بالعلم والأخلاق ولو في الحدود الدنيا. 

وإذا كان الخيال واحدا من حيث طبيعة العمليات التي يقوم بها مخ الإنسان 
بغية التخيل والإبداع, فإنه يتوزع في حقول الدراسات الإنسانية ليصير حزمة من 
الخيالات. تنقسم إلى خيال اجتماعي وسياسي وثقافي وجغرافي وتاريخي واقتصادي 
وعلمي وبدني رياضي وأدبي وتشكيلي وموسيقي وانفعالي وفلسفي وتطبيقي 
وتجريبي وتجريدي وغيره©). 

ويرى حسن حنفي أن الخيال السياسي هو «القدرة على تجاوز أزمات الموقف 
وصعابه وتجاوزها جميعا مرة واحدة. بعد رؤية الواقع كصورة شعرية. وليس 
كحدود جغرافية أو إمكانيات سياسية. وإثر القفز فوق المراحل والوسائل إلى 
الغايات والمقاصد. على أن تكون النهاية هي التي تفرض البداية» والنتيجة هي التي 
تضع مقدماتها وهي المغامرة محسوبة العواقب التي تلهب مشاعر الجماهير. وتأتي 
يأفضل النتائج فيما وراء العرف الديبلوماسي والشكل القانوني»29, 

ويعرف علي الرحال الخيال السياسي بأنه «إعمال العقل وال مخيلة معا لصياغة 
رؤى متكاملة لحل مشكلات الحاضر»». ويرى أن عمليات التخيل تمر بمراحل مختلفة 
ومركبة من فهم الواقع. إلى إمكانية تفكيكه وإعادة تركيبه. إلى القدرة على تخيل 
واقع مفارق بالكلية, إما يعاد ترسيخ الواقع السابق مع إدخال تحسينات نسبية 
عليه. وإما تنفتح سبل وإمكانيات أوسع للانعتاق والقطيعة مع ما سبق. والانسداد 


34 


معنى الخيال السياسي واهميته 

في الخيال السياسي يؤدي إلى استدعاء لحظة تاريخية ما ومحاولة فرضها على واقع 
وسياق مغايرين لها»7. 

وربط إدغار ليت بين الخيال السياسي والأساطير السياسية المتداولة لدى 
الليبراليين حول قيمهم وتاريخهم وتنظيماتهم ومدى إسهام هذا في ميلاد النظرية 
السياسية الأمريكية. منطلقا من ضرورة تخليص هذه النظرية في مفاهيمها ومقولاتها 
ومساراتها المسكونة بالأساطير. لاسيما ما يتعلق بالديموقراطية والأيديولوجيا والهوية 
والحداثة والمؤسسية والتنشئة والتنوع الثقافي والقيه70. 

لكن يجب الانتباه هنا إلى أنه حين تحضر الأساطير - أو متشابهاتها مثل ا موروث 
الشفاهي والحكايات الشعبية”'© - لا نكون قطعا أمام «خيال سياسي علمي» بل أمام 
«تخييل» لا ينطوي على أي قاعدة منطقية ولا أي نوع من التواصل أو التفرد02, 
يضفي مهابة وسحرا على سلوك أو شيء معين. أو يبرر وجود جماعة بشريةء دينية 
أو عرقية أو سياسية. أو يبرر تصرفات بإحالتها إلى حقوق تاريخية أو جذور سماوية. 

وعلى رغم التقدم العلميء. لايزال للأسطورة سحرها وقدرتها على أن تمارس 
وظيفة سياسية ملموسة. و«إذا كان ملايين البشر قد ذهبوا في الماضي القديم ضحية 
الأساطيرء واغتصبت أرض من أصحابها الأصليينء فلاتزال الأسطورة سيدة الموقف 
حتى زماننا هذاء الذي هبط فيه الإنسان على سطح القمرء وتحقق من حجارته»7””. 

وهناك أمثلة عديدة يمكن ذكرها في هذا المقام, في مطلعها ما كتيه الفيلسوف 
الفرنسي روجيه جارودي عن «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية», حيث اعتبر 
الهولوكوست قد تأسطر بغية تبرير احتلال فلسطينء عارضا بحثا تاريخيا وشهادات 
متناقضة لأشخاص كانوا يعملون في المعتقلات الأمانية في أثناء محاكمة النازيين» ثم 
قسَّم هذه الأساطير إلى دينية. ومنها أسطورة الأرض الموعودة. وشعب الله المختار 
وأسطورة يهودا أو التصفية العرقية. ثم الأساطير السياسية مثل معاداة السامية 
وعدالة محاكمة نورنبيرغ. وأسطورة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» وجماعات 
الضغط اليهودية في الغرب. ومعجزة إسرائيل2". 

وقد كرس رينيه جيرار كتابه «كبش الفداء» لدراسة جانب مهم من هذه 
الظاهرة. وكتب عبارة لافتة تحمل الكثير من الدلالات التي تسهم في فهمهاء حين 
قال: «في سياق الروايات غير القريبة من الحقيقة. تتحول الروايات الأخرى القريبة 


35 


الخبيال السناسىب 


من الحقيقة إلى أمر محتملء والعكس بالعكسء ففي سياق الروايات القريبة من 
الحقيقة, لا يمكن أن يكون عدم قرب غيرها مرجعه نزوع إلى التخيل بمارّس للجرد 
إشباع تلك الرغبة والتلذذ بها. ونحن نعترف طبعا بالأمور الخيالية. ولكنها هنا 
ليست أي خيال. بل هي خيال خاص لبشر يريدون إشباع رغبة في العنف»03. 

ودرس صلاح سام الأساطير المؤسسة ل «الإسلام السياسي»©©. منطلقا من أنه 
يؤسس حضوره التاريخي في المجتمعات العربية» ويزعم أن له حقا في التحكم في 
مصائرهاء على عدة «أقانيم» يعتقد في صحتهاء على رغم أنها زائفة وهامشية. 
وتتأسس أسطورة هذا التيار الذي يصارع على السلطة في عالنا العربي على 
أربعة أركان هي: الدولة الشرعية. والهوية المغلقةء والمؤامرة الغربية» وضرورة 
الجهاد العسكري. 

وقام ناجي الركابي بتشريح ما سماها «الأساطير المؤسسة للعقل الثقافي 
العراقي»7”. حيث اجتهد في تفسير ظواهر اجتماعية وثقافية معاصرة. تسهم 
جوهريا في صياغة الأنساق والجذور والحواضن التي تشكل العقل العراقي المعاصر, 
ومنها الأساطير واملاحم الدينية والشعبية التي نشأت في بيئات جغرافية متجاورة. 
حيث الصحراء والنهر والحقل. وقد عدذل العراقيون أديانا وثقافات وقدت إليهم, 
مثل الإسلام وامسيحية واليهودية والزرادشتية. لتتماثى مع خصوصياتهم. 

وهناك محاولات لتفكيك بعض التصورات والمقولات المشبعة بالأساطير التي 
تحرص عليها جماعات عرقية ف العام العربي. وفي هذا الصدد تناول الباحث 
السوري غسان شاهين «الأساطير المؤسسة لمشروع كردستان الغربية»79, عارضا 
إياه من وجهة نظره في ست أساطير هي: الاستناد إلى معركة جالديران التي قسمت 
كردستان بين الصوفيين والعثمانيين» ثم اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت كردستان 
إلى أربع دولء وبعدها الوجود التاريخي للأكراد على أرض الجزيرة السورية, وكون 
الأكراد ضحية لقانون الإصلاح الزراعي في الجزيرة السوريةء الذي صدر في العام 
9 حيث صودرت أراضيهمء وعرّبت الحكومة السورية الجزيرة, وأخيراء كون 
الحركة القومية الكردية تمثل معارضة وطنية. 

وعلى المنوال ذاته درس رمضان مصباح الإدريسي ما قال إنها «الأساطير المؤسسة 
للمظلومية الأمازيغية»77, والتي انطلق فيها من عبارة دالة تقول: «إذا كانت 


36 


ععنى الخذيال النسياسي واهميته 

الجغرافيا أمازيغية فالتاريخ مغربي»». وبذا يرفض قيام أي صراع بين «فريقين لغويين» 
استنادا إلى أساطير تركها الأسلاف. وينتقد الشعار الذي يقول «عرب ظالون وأمازيغ 
مظلومون»» ويؤمن بأن للمغرب تاريخا واحداء وينادي بأن تكون الثقافة الأمازيغية 
رحبة ولا تضيقها المظلومية. 

وهذه الدراسات تبين أن «مخيال» شعب أو جماعة دينية أو تيار سياسي قد 
صنع من الأساطير ما يؤدي إلى تماسكه. وتبرير وجودهء وشرعنة مسلكه. والترويج 
مسارة. وتعزيز مصالحه الجماعية أو الفرديةء لكن هذا لا يشكل «الخيال السياسي 
العلمي» الذي نركز عليه في هذا المقام. 

وفي خضم هذا التعدد أو التنوع يصبح «الخيال السياسي» بشكل عام هو القدرة 
على استيعاب الواقع والقفز إلى ما وراءه لتحقيق هدف سيامي متقدم. وهو ما 
يعني القدرة على خلق واقع جديد طبيعي وقابل للازدهار. 

وهنا يمكن القول: «إذا كان المكان الطبيعي للفانتازيا هو الإبداع الفني» فإنها 
إن أخطأت طريقها وسكنت عقل رجل السياسة فلا بد أن تولد فيه طاقة هائلة من 
الأوهام والتهاويم التي تشعره بقوة لا يمكن تخيلها. هو يتحول إلى سفينة لا تحركها 
الريح بل هي التي تتحكم فيها. وإذا كانت الرياح أحيانا لا تأت بما تشتهيه السفن. 
فهو على يقين بأن الرياح ستخضع لا تشتهيه سفينته. ويستمر مستمتعا بهذا اليقين 
اممتع إلى أن تأتيه الضربة من الواقع المحيط به ليذكره بوجوده. أليس من المدهش 
أن اللغة العربية اشتقت كلمة توقع من الواقع.. القدرة على التوقع هي نفسها 
القدرة على فهم الواقع ثم استخدام عناصره لتحقيق الهدف السياسي»427. 

أما المعنى الأكثر تحديدا وخصوصية ووظيفية للخيال السياسي فيرى 
أنه مدى قدرة القيادات السياسية من السلطة وال معارضة. وكذلك القيادات 
الاجتماعية النازعة نحو أفعال مرتبطة بالحكم بشكل مباشر أو غير مباشر, 
وجماعات الضغط وقادة الرأي عموماء والمؤسسات الوسيطة بين السلطة 
والمجتمع. على طرح بدائل أو خيارات بغية حل المشكلات التي تعترض طريق 
النظام السياسي. وكذلك التخطيط لمستقبل الدولة. والقدرة على طرح نظم 
وأطر سياسية واجتماعية أكثر تطوراء وأعلى قدرة على تلبية احتياجات الشعب 
الآنية والآتية. وكذلك طموحاته وآماله(!6). 


37 


الخيال السشبياسي 


وبذا يبقى الخيال السياسي العلمي ليس مجرد تغيير في الأدوات والأساليب 
السياسية فقطء بل هو أيضا رؤية ذات بعد عميق تستشرف المستقبل أو تعيد قراءة 
الواقع من منطلقات ومقاربات مختلفة جوهريا عن السائد والنمطي والمتكرر. 
والخيال السياسي ليس مجرد تطوير عامل الابتكار وإدخاله لهذه الأدواتء وإنما هو 
استعمال منهج مختلف. يعاد بمقتضاه تشكيل الخطة السياسية برمتهاء على نحو 
يلائم المستقبل2. وهذه الخطة يجب أن تلبي الاحتياجات الآتية أو المقبلة للنظام 
السياسي أو الدولة بمختلق أركانها البنيوية والوظيفية. 

والخيال السياسي. سواء في تعريفه أو في حقيقته. لم يعد تهاويم عابرة أو 
شطحات مارقة. بل بات مسارا علميا له أدوات ضبطه. كما سيجري تناوله فيما بعد. 
لاسيما بعد أن انتقل علم السياسة من مجال «الينبغيات» التي صبغته سنين عددا 
في كنف القانون إلى دراسة ما هو قائم وكائن بالفعل في رحاب العلوم السلوكية. 
التي ساعدت الباحثين. من دون شكء في التنيق بالسلوك السياسي42. 

والخيال يتشابه في جوانب منه مع النبوءة, بمختلف أنماطها. أو بمعنى أدق». 
لا تأتي القدرة على التنبؤ إلا لصاحب خيال علمى خصبء كما يوجد الخيال في كل 
أنواع النبوءات التي يمكن سردها على النحو التالي440: 

(أ) النبوءات المحققة لذاتها: وهى التوقعات التي تحدث بالفعل في الواقع 
المعيشء. سواء بحذافيرهاء كما تنبأ بها أصحابهاء أو بتغييرات طفيفةء ومن الأمثلة 
على هذا ما فعله بيل غيتس 3665© 8111 حين فكر في احتكارات بممجال الحاسوب. 
على رغم أن الظروف التي كانت سائدة وقت انطلاق فكرته لم تكن لمصلحتها. 

(ب) النبوءات الهازمة لذاتها: مثل التوقعات التي تحول دون وقوع 
أحداث معينة في المستقبل. كأن يتنب أحد الخبراء بتفشي مرض معينء. فتقوم 
الجهات الصحية باتخاذ ما يلزم في سبيل تجنب هذاء أو يتوقع أحد الباحثين 
أو السياسيين اندلاع حرب أهلية في بلد ما إن استمرت الأوضاع على حالها أو 
تفاقمت فتنتفض أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع للعمل على تفادي الوقوع 
في هذا المنزلق. 

(ج) النبوءات فى حد ذاتها: وهي توقعات لا يعمل أحد على الحيلولة دون 
وقوعها إن كانت سيتةء أو على تعزيز فرصة حدوثها إن كانت حسنة. إنما هي تلفت 


386 


معنى الخيال السياسي واهميته 


انتباه الناس إلى موضوعات معينة. وتقدح الذهن في التفكير بشأنهاء حتى لو كانت 
هذه ال موضوعات بعيدة عن القضية الرئيسية التي تدور حولها النبوءة. 

والنبوءة. التي نقصدها بالقطع ليست تلك التي تقوم على «الخوارق» أو 
«الإلهام الإلهي» الذي خص به الله سبحانه وتعالى أنبياءه الكرام وأولياءه الصالحين, 
وليست القائمة على أعمال السحر والتنجيم وقراءة الطالع؛ إنما هي التي تنبت في 
حضن التفكير العلمي ذي المنهج المحدد الصارمء والمتفاعل مع الحدس والبصيرة. 
وقد حفل العام طوال تاريخه بحديث عن هذا اللون من النبوءات التي لديها قدرة 
على جذب الناس بغموضها ولعبها على المخيلات. 

فمثلاء كان الإغريق الأقدمون ينظرون إلى العرافة «أوراكل» الجالسة في حالة 
من النعاس وسط سحب البخور طيب الرائحة في معبد «دلفي» باعتبارها تمثل 
برهانا لدى المقبلين على اتخاذ القرارات المهمة في حيواتهم”*. فقد كانوا يأتونها 
ويجلسون إلى وسيطة بينهم وبينها تدعى «بيقيا» ويسألونها فتحمل أسئلتهم 
إليهاء فتجيب بأقوال مبهمة وملغزة تأتي في ثوب شعري خالصء وكل منهم يفسرها 
كيفما شاء. 

وحين قالت للتاجر «زينون»: عليك أن تتمدد بجانب الموقء» فسر ما سمع على 
أنه طلب منه لقراءة الكتب القديمة. ففعل وصار فيلسوفا. وحين سألها «خايرفون» 
زميل سقراط عن أكثر الناس معرفة وحكمة. فأجابته هذه المرة بطريقة واضحة 
وقاطعة: إنه سقراط. ووصل الخبر إلى سقراط فتشجع على مواصلة البحث ليصبح 
من حكماء البشرية عبر تاريخها المديد. 

وفي مرة. طلبت إليها بعثة من أثينا أن تعلمها بأفضل الطرق لصد هجوم ملك 
الفرس أحشوروش الأول (520 - 465 ق. م) فردت عليهم قائلة: «من أعلى قمم 
المعابد يتدفق دم أحمر غامق ككرز لسوء الحظ المحدق. فلتتركوا الغرفة المقدسة. 
ولتبقوا شجعانا إبان الويلات والخطر! فقط السور الخشبيء الذي لن يدمرء يهديه 
كبير الآلهة زيوس لابنته أثيناء لأجلك أثينا ولأجل الأطفال فلتستخدموه». 

وعادت البعثة إلى أثينا لتتداول الرأي حول ما سمعتء. ودب بين أفرادها 
اختلاف. فهناك من فسر السور الخشبي على أنه أشجار الأشواك الكثيفة حول 
«الأكروبول». لكن سرعان ما غاب هذا التفسير لحساب آخر يقول إن المقصود هو 


539 


الختال السناسي 


بناء أسطول حربيء» وانتصر هذا الاتجاه. وجهزوا الأسطول بالفعلء وانتصر الأثينيون 
في هذه المعركة وهم أقل عددا وعدة. 
وف القرن السادس عشر ظهر رجل في فرنسا يعمل صيدلانيا ومنجماء لاتزال 
شهرته تجوب الآفاق. اسمه نوستراداموسء. أو ميشيل دي نوسترادام (1503 - 
6 طم ينتظر أن يذهب الناس إليه ليسألوه فيجيبهم على غرار «أوراكل» . لكنه 
شرع في نشر نبوءاته في صيغة شعرية على هيئة رباعيات. حواها كتابه «النبوءات»., 
الذي ظهرت الطبعة الأولى منه سنة 1555. 
فعلى سبيل المثال قالت أول نبوءة في المئة الأولى: 
«اجلس وحيدا في الليل في دراسة متكتمة. 
إنها موضوعة على الحامل النحامي ذي القوائم الثلاث. 
تخرج شعلة واهية من قلب الفراغ 
وتدفع إلى النجاح ما لا ينبغي الإيمان به لأنه باطل». 
أما النبوءة الأخيرة في هذه المئة فقالت: 
«سيكون هناك اضطراب مريع في الجزر 
على رغم أن الطرء لا يسمع إلا الطرف المحب للحرب. 
سوف يكون خطر النهابين كبيرا جدا إلى حد 
أنهم سيأتون للانضمام إلى الحلف الكبير». 
وامتلأ الكتاب بظلال لرموز وردت في الكتب المقدسة وأعمال أخرى تنبئية 
أعيدت صياغتها في ثوب شعري غامضء مفتوح على تأويلات عدة. ومنذ ذلك الحين, 
كلما وقعت حادثة كيرى. اتجهت العبون والأذهان إلى هذا الكتاب. تبحث فيه 
عما يتطابق مع ما جرىء ليقول كثيرون: هذا ما تنبأ به نوستراداموسء وكانت هذه 
الأقوال تحتدم إن كانت النبوءة تتعلق بموت ملكء. أو وراثة عرش, أو هزيمة جيش. 
ويقال إن زوجة غوبلزء وزير دعاية هتلرء أيقظته ذات ليلة. عندما فرغت 
من قراءة نبوءات نوستراداموسء لتخبره بأنها تتوقع هزهة أطانياء فسارع بتوظيف 
منجم اسمه كرافت في يرد عليها بنبوءات مضادة. 
وبعيدا عن مثل هذا الفيض الأسطوري للنبوءة. هناك حالات لصورة أخرى 
من النبوءات بعضها صدقء وبعضها كذب. وكثيرا ما صدقت نبوءات في مجال 


40 


معنى الخيال السياسمي وأهميته 


الطقس واطناخء. واطال والأعمال. والعلوم والتقنيات. وتوالت الاستكشافات 
العلمية المذهلة. 

وهناك نبوءات فشلت فشلا ذريعاء مثل ما تنبأت به صحيفة «نيويورك تامز» 
في التاسع من أكتوبر 1903 من أن الآلة الطائرة التي ستحلق في الفضاء ستتطور 
بفضل جهود علماء الفيزياء والرياضيات خلال فترة من مليون إلى عشرة ملايين سنة. 
ففي ذلك اليوم نفسه بدا الأخوان رايت في تجميع أول طائرة في دكان صغير كانا 
يمتلكانه» ولم تمض سوى أسابيع قليلة حتى كانت تحلق بالفعل. 

وكثيرا ما تظهر التنبؤات الفاشلة في المجال العسكريء وا مثل الصارخ على 
هذا ما قال به قائد سلاح الجو الإيطالي في الحرب العاطية الأولى» الجترال جوليو 
دويه» في كتاب ألفه سنة 1921 اعتبر فيه أن اختراع الطائرات المقاتلة جعل 
جميع أجهزة الجيش الأخرى بالية. وغير ضرورية©. وهو ما ثبت خطؤه طوال 
العقود الفائتة. 

وحتى تكون عملية التنبؤ علمية. على من يقوم بها أن يقطع عدة خطوات. 
يمكن ذكرها على النحو التالي: 

1 - تجميع وتصنيف كل ما أنجز مسبقا في الموضوع المراد التنبؤ به. ثم تحديد 
كيفة الاستفادة منه على أفضل 58 ممكن. 

2 - تعيين وفهم الظرف أو السياق الذي يعمل به حالياء والعناصر التي تحدده 
وتتحكم فيهء سواء الآنء أم في المستقبل. 

3 - توقع ما يحتمل أن يظهر على الساحة في قابل الأيام من هذه العناصرء سواء 
كانت جديدة غير مألوفة. أو قدمة تتجدد. 

4 - جمع بيانات ومعلومات حول الموضوع اطراد التنبؤ به. ثم تحليلها على نحو 
دقيق علمياء وفق اقتراب أو منهج وباستعمال أدوات منضبطة. 

5 - سؤال من لديهم خبرة با لموضوع وسبق أن عركوه. ممن يمتلكون تصورا 
بخصوصه. عن توقعاتهم مأ سيأق» وتسجيل هذا كما أورده أصحابه.: ثم تحليله. 

6 - يتم هذا وفق عدة مبادئ» منها تحقيق وتعظيم المكاسب وتجنب وتقليل 
الخسائرء والاستفادة القصوى من كل الفرص المتاحة.ء وتفادي أي قيود أو مشكلات 
يمكن أن تحدث مستقبلاء والتعامل بواقعية مع الأهداف المبتغاة. 


4 


الخيال النسياسىي 


وهذا التنبؤ العلمي الذي يشكل جانبا أساسيا من الخيال مهم بالنسبة إلى الدراسات 
المستقبلية» إذ إن أحد الاقترابات الفلسفية للدراسات المستقبلية متصل باليوتوبيا التي 
تطالب ببناء المستقبل على قاعدة ما نتمناه لمجتمعناء وضرورة وصوله إلى الحالة المثلى 
التي نحلم بها». كما أن الدراسات المستقبلية بدورها تفتح آفاقا ل «إعمال الفكر 
والخيال في دراسة مستقبلات ممكنة 5ع15اغن1 1[ازووه8: أي بغض النظر عما إذا كان 
احتمال وقوعها كبيرا أو صغيراء وهو ما يؤدي إلى توسيع نطاق الخيارات البشرية»2, 
وهذا يعني أن العلاقة بين الأمرين تبادلية أو أن كلا منهما يغذي الآخر؛ فدراسة 
المستقبل تحتاج إلى إعمال الخيالء بمعناه العلمي والمنهجي والمنطقيء والدراسات 
المستقبلية تفتح أيوابا جديدة لتعزيز القدرة على الإبداع والتخيل. 

إن استشراف المستقبل لم يعد ترفا تقوم به المؤسسات الكبرى والدول المتقدمة. 
بل بات ضرورة لكل المؤسسات وكل الدول. وقد أطلق العام الألمانلي أوسيب فلختهايم 
على عملية التنبؤ ال مستقبلى «علم المستقبل» أو «المستقبلية» (010:نانا8, لكن 
الولايات المتحدة الأمريكية كانت الدولة الأسبق في الاهتمام بهذا المجال. ووظفته 
في صناعة القرار الرشيدء ولذا أنشأت في العام 1945 مؤسسة للدراسات المستقبلية. 
أطلقت عليها اسم «(847311». وهي التي لاتزال تصدر العديد من الدراسات حول 
مستقبل السياسات ال محلية والدولية.ء خاصة في مجال الاستخدام المستقبلي للأسلحة 
الاستراتيجية الأمريكية49). 

ويمكن استقراء ا مستقبل بالاستناد إلى نموذجين: الأول ثابت غ531 يعتمد إلى حد 
كبير على مجموعة من البيانات التي تغطي فترة تاريخية ماضية. ثم يستقرأ خطيا 
دمناءءزه22: والثاني متحرك عندمهه<(12 يواكب التغير الجاري في البيانات والمعلومات 
والمواقف. وكلاهما يعتمد على وضع سيناريو أو حالة متوقعة9؛ قد لا نصل إلى ما 
ستكون عليه كاملاء لكننا على الأقل نقترب من معرفة بعض جوانبها أو أغلبها. 

وهناك عدة خصائص منهجية يجب توافرها في الدراسات المستقبلية» يمكن 
ذكرها على النحو التالى010: 

© النظرة الكلية أو الشاملة ومدى تشابكها وتداخلها وتفاعلها بعضها مع بعض. 

© يجب مراعاة التعقد الشديد الذي تتسم به بعض الأمورء أو دراسة الظواهر 
من مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية وغيرهاء وإدراك 


42 


معنى الخيال السياسى وأهميته 


كل ما يكتنف أي ظاهرة. وعدم الوقوع في فخ التبسيط المخلء أو التجريد الذي لا 
يعين أو يحدد الأمور بشكل جيد. 

© من الضروري فهم ما يزخر به الواقع من انعدام يقين. وحركة دائبة لا تخمد. 
وما تهديه شبكة التفاعلات والعلاقات بين الأشياء والأمور. 

© من المهم القراءة الفاحصة والحصيفة للماضيء وما ساد فيه من اتجاهات 
ومواقف. وكذلك دراسة الحاضر في تناقضاته. حتى يمكن الإمساك باطفاتيح الصالحة 
لفهم الاتجاهات المحتملة في المستقبل. 

© علينا أن نقرأ تجارب الآخرين وخبراتهم كي نستفيد منها في فهم آليات 
التطور. وتعاقب ال مراحل. والوقوف على القيود التي تعيق الحركة. ومعرفة 
سبل تجاوزها. 

ويأقي الخيال ليعطي هذه الخصائص المنهجية دفعة كبرى من زاوية «الفكر 
المستقبلي», الذي حقق نجاحا يفوق بكثير ما أنجزته الدراسات المستقبلية» التي 
أخفقت في توقع تسارع الأحداث التي شهدتها السنوات الأخيرة. فبينما كانت 
الدراسات المستقبلية تتحسس خطاها نحو تجويد وتدقيق مناهجهاء. كان الفكر 
الفلسفيء بامتلاكه عمقا فلسفياء يقدم رؤية أكثر اتساعا2". 


حاجتنا إلى الخيال السياسي 

في معرض تعليقه على الانتقادات التي وجهت إلى جهاز الاستخبارات الأمريكية 
(سي. آي. إيه) عقب حدث 11 سبتمبر الرهيبء. رأى الكاتب المعروف توماس 
فريدمان إن الجهاز لمم يفشل في جمع معلومات جيدة وكافية عن هذا ال مخطط. 
لكنه أخفق في حيازة الخيال الذي يعطيه قدرة على التفكير بطريقة خلاقة في 
المعلومات المتوافرة لديه7". وكأنه أراد أن يقول لنا إنه لا يكفي أن يكون لدى أي 
فرد أو مؤسسة معلومات كافية ودقيقة, بل يجب أن يحوزا ملكة الخيال. وتكون 
لدى من يقومون عليها قدرة على التبصر. 

وما قاله فريدمان هو الحقيقة بعينهاء فالخيال يساعد في الفهم. كما تفعل 
الذاكرة. وذلك عن طريق وضع المعلوماتٍ التي يساء التعبير عنها أو التي مم تسمع 
كلها في وضعها الصحيح. وهو بطبيعة الحال قد يوقعنا في أخطاء. ولكنه مفيد 


43 


اتخيال السناسي 


عموماء بل يمكننا أن نصحح الكثير من الأمور بالتخيل2. فحتى لو م تكن النتائج 
التي يصل إليها خيالنا حاسمة. وحتى لو لمم تتصف بالدقة امتناهية. فإنها في كل 
الأحوال تقربنا من الفهمء وتجعلنا أكثر علمية في تحديد بداتل لحل ال مشكلات التي 
تعترض طريقنا. 

كما يساعدنا الخيال الاجتماعي أو السيامي على فهم التغيرات التي تقع 
في الأوساط الشخصية المباشرة (المتاعب) من خلال النظر في البناء الاجتماعي 
الأشمل (القضايا) ومدى تأثيره في حياتنا الخاصة9©. ولهذا اقترح رايت ميلز 
5 غطاع 91871" الخيال السوسيولوجي كاقتراب يرمي إلى فهم العلاقة بين البناء 
الاجتماعي والفرد الذي يعيش في قلب هذا البناء أو هامشه. ويتأثر به. فيجب ألا 
نعزو عجز العامل الذي لم يتمكن من إيجاد وظيفة أو منصب مرموق إلى عيوب 
ذاتية. فنتهمه مثلا بأنه غير قادر على التكيف مع مناخ العمل وإيجاد البديل 
ا لمناسبء بل من الضروري أن ننظر إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي 
تحيط بالعامل. وهذاء باختصار شديد. هو لب الخيال العلمي الاجتماعي لدى 
رايت ميلزء أي أنه يقيم هذا الخيال على فهم العلاقة بين البناء والفرد”5. 

وإذا كانت العلوم الاجتماعية قد باتت «تشكل المطمح المشترك فى عصرنا 
الثقافيء وبات الخيال العلمي الاجتماعي هو أشد احتياجاتنا المطلوبة للارتقاء 
بالفكر»2©. وهو «المشترك الأعظم لحياتنا الثقافية وسمتها المميزة»7©. سواء في 
حيز الانشغال بالواقع أو في معرض الاهتمامات الأخلاقية أو في مجال العمل الأدبىي 
والتحليل السياسي. فإن الخصائص النوعية بهذا الخيال العلمي الاجتماعي تصبح 
أمرا مطلوبا بصفة منتظمة. 

وإمعان النظر في تجارب الأمم التي قطعت شوطا على طريق التقدم والرقي 
يجعل من نافلة القول أن «أي خيال سياسي حافز سوف يخلق أدوات تحليلية 
وإبداعية جديدة لرؤية واقع الأمة رؤية خلاقة متجاوزة. وسوف يحرك وينشط 
البؤر الشعبية المحاصرة بالعجز وفقدان الخيال والمسكونة بتقليدية مزمنة في العمل 
والحراك السياسي. وامحبطة من شكلانية العمل السياسي السائد وميوعته وارتباطه 
إلى حد معين بالحكومات مما جعله يكون على شاكلتهاء أي بلا ماهية أو بجوهر 


فاسد لا معنى له ولا يسمن أو يعني من جوع»600). 


44 


معنى الذيال السيائسي وأهميته 

فقد بات من المسلم به أن «المجتمعات لا تتمايز بما تنتجه من أعمال فنية 
وصناعية فحسبء. وإنما تتمايز بالأحلام المشتركة أيضاء وبما تحققه هذه المجتمعات 
وما لم تحققه من تصوراتها حول الحاضر والمستقبل»'. فإن كانت منشغلة 
بالمستقبل» وهي تعي دروس الماضي وتقف بقوة على أرضية الحاضرء فإنها ستتقدم 
خطوات واسعة عن مجتمعات منشغلة بإعادة إنتاج الماضي أو التعامل مع الحاضر 
وفق قاعدة «يوم بيوم». وهي طريقة كانت تصلح في المجتمعات البدائية التي 
عاشت على التقاط الثمار. لكنها لا تنفع أبدا مجتمعاتنا الحديثة المعقدة. 

ولهذا نحتاج إلى الخيال السياسي في نجعل التاريخ يتقدم في خط مستقيم إلى 
الأمام. فنحن حين نقعد عن إعمال خيالنا في شؤوننا العامة. وقضايانا الأساسية, 
مكانناء أو ننتهي بعد لأي إلى ما بدأنا منه. وحين نفعل العكس فنحن نساعد أنفسنا 
على المضي إلى الأمام. وحتى لو كان هذا بخطوات بطيئة فإنه أفضل من التقهقر إلى 
الخلف. أو الثبات في المكان. 

وبالتالي فإنه «كلما دقت الساعة مؤذنة ببداية زمن جديدء نجد أنفسنا أمام 
واجب معرفي سياسي قومي بأن نفكر بممكنات بناء المستقبل من خلال خيال سياسي 
وإرادة لا تكلء نابعين من فهم تاريخي وإيمان عميق بأن الأمم قد تتعرض للانكسارات 
وظواهر الانحطاط والتراجع» ولكنها بفعل خيالها السياسي وإرادة شعوبها لا تمهوت 
ولا تستسلم ولا تهرب من التاريخ وتذهب إلى الإعدام والعدمية»62©. 

وتبرز أهمية الخيال السياسيء الذي من دونه لا تخلق فكرة قوية ولا يصدر 
قرار مؤثرء حين تسنح فرص تاريخية - مع وجود تحول أو تغيير أو خطر داهم - 
تتوقع فيها الشعوب بروز قيادة تاريخية أو تتطلع إلى صياغة مشروع وطني كبير 
وجامع. يحافظ على الروح القومية ضد سياسة الأمر الواقع627). و«يحتاج السياسي 
إلى الخيال. ليؤمن انتقال الأفكار والأهداف بطريقة صادمة ومبتكرة إلى وقائع 
على الأرض»©6). 

ويحتاج السياسي إلى الخيالء لأنه الأكثر مسؤولية عن الواقعء والواقع لا يقبض 
عليه. بل يقترب منه بخطط تصنعها الأحلام» ويوسّعها الخيال. والحلم خيال يسعى 
إلى هدف. أمنية يتلبسها طموح, رغبة ما لتجاوز ما هو قائم إلى شيء آخر. والسياسي 


نسهم في أن يتعرج بنا سير التاريخ, يمنة ويسرة. وصعودا وهبوطاء وقد ندور في 


45 


الخيال النسياسي 


الذي لا يمتلك هذه القدرة. يفلت منه الواقع وينعدم عنده الحس بال مسؤولية 
.-العاقلة بالخيال657. 

وقد يسقط السيامي حين يتخلى عن الخيالء أو يتخلى خياله عنه. حتى إن كان 
قد أسعفه في مرات سابقة, فمارغريت تاتشر التي تولت حكم بريطانيا الععظمى 
سنوات طويلة سميت ب«الحقبة التاتشرية» أسعفها الخيال في موقفها الصلب من 
الجيش الجمهوري الأيرلندي. وموقفها من حرب الفوكلاند. لكنه خذلها في التعامل 
مع قضية الوحدة الأوروبية, فاعتقدت وقتها أن بريطانيا بوسعها أن تشق طريقها 
بمنأى عن القارة العجوزة. ما دفع حزبها إلى التخلص منها والدفع بجون ميجور إلى 
كرسي رئاسة الوزراء©6. 

لكل هذا كان ألبرت آينشتاين محقا حين قال: «الخيال أهم من ال معرفة. فا معرفة 
محدودة حول ما نعيه ونفهمه. بينما الخيال يشمل العام وكل ما سيكون هناك 
لنعيه ونفهمه مستقبلا». وهذا القول لا ينطبق على الأمور الخاصة بالعلوم البحتة, 
إنما على العلوم الإنسانية, وقبلها الواقع الذي نحياه, والذي تؤدي السياسة دورا 
كبيرا في تحديد شكله وحيزه ومضمونه. 


46 





لله 

«لا يقتصر حضور الخيال قِ السياسة 
على المسائل الإيجابية. سواء في اتجاه 
تطوير علم السياسة نفسه أو من 


أجل تبصير السياسي بالقرار الرشيد. 


ما يمتد إلى مسائل سلبية متعددة 
مثل التحايل والتلاعب والخاتلة 
والخداع الذي يمارسه الحاكم إزاء 
شعبه, أو تفعله النخبة حيال 
الجمهور العريض» 





السياسة مجالا للخيال.. 
بين الإيهام والإبهام 


تنشغل السياسة أكثر بقضايا القوة والحق 
والعدالة والشرعية والسيادة والحرية. أما 
الخيال فلم يحظ باهتمامها على قدر استحقاقه 
وحيويته وجاذبيته وكونه ملكة عقلية ووجدانية 
لعدد هائل من البشرء إن كان الأدباء والفنانون 
والعلماء يأتون في مقدمتهم» فإن لبعض الساسة 
نصيبا بين هؤلاء. 

وهناك من ينظر إلى الخيال في مجال 
السياسة على أنه مسألة ثانوية وتزبينية 
ومصطنعة. لكن إمعان النظر فيما بين السياسة 
والخيال من اتصال يبدد هذه الأوهام, ويقيم 
الأمر على وجهه الطبيعيء. ليجعل للتخيل حظا 
ملموسا من إدارة العمليات السياسية على 
تشابكها وتصوراتها المادية وواقعيتها وتفاعلاتها 
المباشرة في كثير من الأحيان. 


47 


عتنال) العننالنلط) 


وفي معرض رده على هؤلاء. يقول إيف شارل زاركا أستاذ الفلسفة السياسية 
وتاريخ الأفكار بجامعة باريس: «ما أتمنى توضيحه هنا هو أمر مختلف تماما. إن 
وضع اليد على الخيال هو المس بمكان عصبي للسياسة على اعتبارء وهذا مؤكد. أن 
السياسة لربما هي مجال الخيال بامتيازء بل وأكثر من ذلكء فإن الأسئلة ا مطروحة 
حول علاقة السياسة بالقوة والحق والعدالة والشرعية وغيرهاء إذا نظرنا إليها جيداء 
فسنجد أن لها علاقة بالخيال»2). 

ويبني رافضو موضوع «الخيال السياسي» كمساق في العلوم السياسية موقفهم 
على عدة حجج. من بينها: 

(1) إن السياسة تحتاج إلى إمعان ورسوخ في دراسة ال معلومات المتاحة وتحليلها 
قبل اتخاذ القرارء بينما الخيال قد يعني الجموح. والتحليق بعيدا عن الإمكانات 
المتاحة. وعما يطيقه أهل الحكم. وما تتحمله الشعوب. 

(2) إن بعض التجارب السياسية أظهرت أن المجازفات وال مغامرات طالما قادت 
المجتمعات والدول إلى كوارثء. وكانت أحيانا نوعا من المقامرة.ء أو القفز في الفراغ. 

(3) قد تعيد دراسة الخيال السياسي علم السياسة إلى مدار «الينبغيات» الذي 
عاش فيه زمنا في ركاب علم القانون. ثم فارقه ودخلء عبر الدراسات السلوكية. 
إلى «ما هو قاتم». وراح يتفرع مستفيدا من مختلف العلوم الاجتماعية. وانتهى 
إلى محاولات جادة لقياس الظواهر عبر أدوات كمية. يستخدم فيها الإحصاء على 
نطاق واسع. 

(4) إذا لم يكن هناك بد من النظر إلى الأمام في رسم السياسات وتقدير المواقف 
والتخطيط للحروبء فتكفي الدراسات المستقبلية في العلوم السياسية إطارا عاماء 
أو مرجعية نظرية ومسارات إجرائية. أما الذهاب إلى الخيال في مجال صنع القرار 
واتخاذه فقد تترتب عليه عواقب غير محمودة. 

لكن أصحاب هذه الاراء يعتقدون أن دراسة «الخيال السياسي» ستكون مجرد 
تصورات نظرية هائمة, أو شطحات بلا ضابط ولا رابطء ويهملون في الوقت نفسه 
أن استعمال القياسات الكمية والأساليب الإحصائية في علم السياسة لم تحل كل 
مشكلاته, وفي المجال التطبيقي. م تساعد الحكام على إصدار قرارات رشيدة في 
كل الأحوال. 


208 


السباسية محالا لتخيال.. نين الابهام والانهام 

لقد سبق أن ألف داريل هوف كتابا سنة 1954 بعنوان «كيف تكذب بالإحصاء» 
م2151 طغذبب ءذ.آ مغ +2110 . يلفت الانتباه إلى الأخطاء البسيطة والجسيمة التي 
نقع فيها حين نستسلم تماما للأساليب الإحصائية من أرقام ومعادلات ورسوم بيانية, 
لأنها قد تعطينا انطباعا أو تصورا أو رؤية أو فكرة غير واقعية عن الظواهر التي 
نتابعها وندرسهاء بينما نحن قد تركنا رؤوسنا تماما لمقولة مفادها أن «الأرقام لا 
تكذب». فمن الناحية الشكلية يكون الأمر صحيحاء أما من الناحية الواقعية فأحيانا 
يكون خاطثا تماما. 

نحن لن نستغني بالقطع عن وسائل القياسء لكن علينا أن نعلم أنها أحيانا 
تكون سيئة وغير مفيدة إن جمعنا البيانات بشكل خطأ أو متعجل أو متحيزء أو 
قرأناها بالعيوب نفسهاء أو فسرناها على نحو غير علمي وغير عادلء أو كنا نريد أن 
نوظف الأرقام في التلاعب بالعقولء والتحايل على الحقيقة. 

هنا يقول الكاتب نفسه: «في عالم تغلب عليه ثقافة التفكير بالحقائق, 

تبدو اللغة السرية للإحصاءات جذابة جدا على الرغم من توظيفها لخلق الإثارة 
والتشويش والتضخيم والالتباس. لا أحد يستطيع أن ينكر دور الوسائل وا ملصطلحات 
الإحصائية في تطويع الأحجام الهائلة من البيانات الاقتصادية والاجتماعية. لكن إن 
م يترافق هذا مع وجود كُتّاب نبهاء وأمناء وقراء واعين فإن النتيجة لن تكون أكثر 
من مجرد هراء». 

ويعبر عام الإحصاء المصري د. حازم حسني عن الانحراف في استعمال الإحصاء 
بعبارة بليغة يقول فيها إن «البعض يستخدم الإحصاء كما يستخدم السكارى أعمدة 
النور المغروسة في الشوارع لتساعدهم على الوقوف وهم يترنحون. فتحميهم من 
السقوطء. وليس كمصدر لضوء كاشف يعينهم على رؤية الطريق»!*'. 

وهذه المزالق التي تقع فيها الإحصاءات تجعل للحدس والسليقة والإلهام 
دورا في معرفة بعض ما هو قائم. وبعض ما سيآقء. عبر الاتصال بوعينا الداخلي» 
الذي يتشكل من الفطرة السليمة. وخبراتنا وإدراكناء ومعلوماتنا المتراكمة 





(:*#) وردت هذه العبارة على لسان د. حازم حسني خلال مناقشة أطروحة دكتوراه في كلية الاقتصاد والعلوم 
السياسية (جامعة القاهرة) عن استخدام الإحصاء في تحليل ظاهرة الحشد خلال ثورة 25 يناير اللصرية. وكان مؤلف 
هذا الكتاب من أعضاء لجنة المناقشة, وذلك في ديسمبر 2015. 





49 


الخبيال السياسشى 


المختزنة في الذاكرة. عن الماضي والمستقبل معا. أو في العقل الباطنء كي نصل 
في النهاية إلى معرفة غريزية أو فطرية تتهادى إلينا تلقائيا أو عفوياء ونسميها 
أحيانا «البصيرة». 

إن الإيمان بدور الحدس في صناعة البرهان جعل كثيرين يطلبون منا جميعا أن 
نتمرن على امتلاك حدس سليم. عبر التمكن من قراءة مشاعرنا بشكل دقيق» وهي 
مسألة لا تغفل الطاقة العقلية. فأصحاب الحدس القوي يمتلك كل منهم ذهنا حاداء 
وبالتالي يمكنه أن ينظر بسرعة إلى كل الخبرات والمعلومات المختزنة لديه. ليخرج في 
النهاية بقرار صائبء أو هو الأقرب إلى الصواب. 

من أجل هذا لا يجوز استبعاد القدرة على التخيل من العناصر الأساسية في فهم 
السياسة, وتقييم السياسيين. وقد كان أحد المفكرين حصيفا حين سئل عن رأيه في 
حاكم ظل قريبا منه سنوات طويلة: 

«عنيد كأنه صخرة. وجاهل لدرجة أنك تتأكد تماما من أنه م يقرا كتابا في 
حياته. والذي خلقه لم يضع في رأسه ذرة من خيال». 

فهذا الرأي جعل من امتلاك الحاكم قدرة على الخيال فضيلة مهمة. والأمر 
بالفعل على هذا النحوء فخيال القائد أو الرئيس إن كان خصبا ثريا لا ينعكس فقط 
على اتخاذه القرارء بل يلهمه قدرة جيدة على اختيار وتوظيف العناصر اللازمة في 
مرحلة صناعة القرار. بل واختيار الشخصيات القيادية في كل موقع. 

ولا يعني الخيال هنا مجازفة أو مقامرة. حذر منها البعض كما تقدم. بل يعني 
بوضوح استبصارا وتأملا لا يدور في فراغ. إذ يعتمد بالأساس على الوعي والخيرة 
وذكاء المشاعرء. وذكاء الروح» الذي يعني «قدرة الروح. التي هي جوهر الإنسان 
وأصل وجوده. على اختيار الأفضل داتما». وعند هذا الحد لا تكاد تخلو أي علاقة 
إنسانية من دور ما للخيال©. 

وحتى الإجراءات التي وضعت لتقوية العقلء مم تخل من خيالء فهي تتغيا 
برمجة المخ في يصبح مستعدا لتحقيق هدف ماء بعد استخدام خط الزمن والتنميط 
والانفصال والاتصالء, ولذا تنتقل من تسجيل ما نريد تحقيقه إلى السير من الحاضر 
إلى المستقبلء مرورا بكتابة فوائد ما نريده. والثقة في قدرة الذات. ووضع حد زمني 
لتحقيق الهدفء وتعبئة الموارد المتاحة؛ والاسترخاء لنيل الأمان الداخلي©). 


50 


السياسة عجالا للخيال.. بين الإيهام والإبهام 


كما أن الخيال بوسعه أن يسهم في تطور علم السياسة ذاته, فلا يكون واقفا عند 
«ينبغيات» القانونيين» المنحازين إلى النصوصء يدورون حولها سلبا أو إيجاباء ولا 
عند تصورات السلوكيين الذين يعتقدون أن كل شيء إنساني قابل للقياس الدقيق. 
وأن الظاهرة السياسية - شأنها شأن الظواهر الطبيعية - من الممكن إخضاعها 
للتجريب ال معملي. بل ينطلق علم السياسة لإعمال الخيال في تحليل وتفكيك 
وتركيب العناصر التى تشكل هذه الظاهرة. عبر استخدام عطاءات العلوم الإنسانية 
الأخرىء وهو اتجاه طاما أسهم في تطور علم السياسة ورزقه فروعا جديدة ما كان 
لها أن تظهر لولا التأمل وتراكم الخبرة. 

ولا يقتصر حضور الخيال في السياسة على هذه المسائل الإيجابية. سواء في 
اتجاه تطوير علم السياسة نفسه أو من أجل تبصير السياسي بالقرار الرشيدء بل يمتد 
إلى مسائل سلبية متعددة مثل التحايل والتلاعب والمخاتلة والخداع الذي بمارسه 
الحاكم إزاء شعبه. أو تفعله النخبة حيال الجمهور العريض. وهنا يقول إيف شارل 
زاركا: «قد يكون الخيال عبارة عن تصنع أو خدعة أو قد يكون حكاية أو سردا أو 
رواية لشعب أو أمةء وربما للإنسانية جمعاء» © . 

ويطرح زاركا سؤالا مهما مفاده: هل من السهل استئصال الخيال من السياسة؟ 

يجيب عبر تحليل دلالي مفرقا بين الخيال بوصفه وهما أو خدعة. والخيال 
بوصفه شفافية, ويشرح بعدها موقع الخيال في نظام الحكم الديموقراطي. 

في مجال الوهم ينطلق في أربعة اتجاهات على النحو التالى©: 

(1) الخيال والحكومة: وهو يتأسس على اعتبار البعض أن فن الحكم هو فن 
الإخفاء. أو إظهار شيء على غير الحقيقة. ويؤيد القول بأن من يجهل كيف يخفي لا 
يعرف كيف يحكم. معرجا على ما جاء في كتاب «الأمير» لنيكولو مكيافيلي الذي بدا 
فيه جليا أن السياسة. في واقعهاء تدور حول نمط من الخيال - التظاهرء بعد أن كان 
الناس يظنون قبله أنها تدور حول الحقيقة والأخلاق. فالحاكم, وفق مكيافيلي, عليه 
أن يستعمل خياله في التصنع, وتصدير أوهام للمحكومينء تجعلهم خاضعين له طوال 
الوقتء ولذا فإن السياسة لديه يجب أن تعتمد على عنصرين هما القوة والخيال. 

(2) الخيال والمؤسسة: وذلك النوع من الخيال ترسخ حول السلطة السياسية 
نقسهاء فيعد أن كان الناس يظنون أيام الملكية المطلقة أن الملك لا يموت أبداء وإن 


51 


الحنأل اإلسناننىي 


كان الرجال الذين يتعاقبون على العرش هم في حكم الأموات كبقية البشرء أصبحوا 
يضفون نوعا من الأبدية على مؤسسات الحكم الحديثة التي تنفصل عن صورة 
الأمير أو الملك في المجتمعات القديمة, ليكون الخيال هنا في خدمة البناء المؤسسي., 
ويسعى إلى العمل على استمراريته وحضوره وربما مشروعيته. 

(3) الخيال والحقيقة: وهنا تبرز الفلسفة السياسية كمجال مشبع بالخيالات. 
وهي إن كانت تنطوي على أهداف وغايات تحاول أن تدنو من حقيقة الدولة 
والمجتمع فإنها ليست معصومة من الأوهام. وهنا تبرز أمثلة ناصعة على ذلك 
الوهمء: مثل الأساطير التي تسكن كتاب «الجمهورية» لأفلاطون, أو التي تعشش في 
رحلة البحث عن المدينة الفاضلة لدى توماس مورء. وكذلك في التصورات التي ساقها 
فلاسفة العقد الاجتماعي. 

(4) الخيال والسرد: وتتعلق بالحكايات والسرديات التي تؤرخ لأقوال وأفعال 
رجال السياسة الكبارء أو تلك التي تصنح تاريخ أمة وتؤسس أو تعزز هويتها 
الوطنيةء حيث تساق في ركاب الحقائق بعض الأوهامء بل إن الأوهام قد تتقادم 
وينظر إليها اللاحقون على أنها حقائق تاريخية دامغة. ويتناسون أو يتغافلون عن 
الجوانب الملحمية فيهاء والتي مارس الخيال دورا مهما في صياغتها وحبكها. 

ويعرض زاركا عدة خطابات لفلاسفة ومفكرين تبين أثر الخيال في 
السياسة ©. لندرك معها كيف بيخول الناس أحيانا القوة إلى عدالة. والاستعمال 
إلى حقء والعادة إلى قانون. وكيف تسعى السلطة دوما إلى إيهام الشعب بأشياء 
تحفظ لأهل الحكم مكانتهم وهيبتهم ومنافعهمء مثل الحديث المفرط عن ضرورة 
«احترام القانون» بينما تخرقه السلطة نفسها حين يعارض مصالحهاء بل إنه من 
الأساس قد سن با يتلاءم مع هذه المصالحء ومع هذا يطيعه الناس لأنهم يعتقدون 
أنه عادل في كل الأحوال. 

وهنا تنسب إلى باسكال مقولات من قبيل: «للملك فكر مزدوج, 
واحد يتحرك به كملك. وآخر يتعرف به على حالته الحقيقية. حيث كانت 
المصادفة إلى جانبه ليكون في المكان الذي هو فيه. إن الملك يخفي هذا 
الفكر. ويعلن عن الآخرء يفاوض الشعب بالفكر الأول» ويفاوض نفسه 
بالفكر الثاني». وهناك شذرة أخرى لباسكال تقول: «ينبغي ألا يشعر 


22 


السياسة مجالا نلخيال.. بين الإيهام والإبهام 
الشعب بحقيقة اغتصاب السلطةء فقد حصل هذا الأمر فيما مضى بلا 
سببء وما فتئ أن صار الاغتصاب معقولا. ينبغي أن ينظر إليه كشيء أصيل 
وأبدي مع إخفاء البدايات إذا ما أردنا ألا ينتهي في الغد القريب». 
من هنا تبدو القوانين والعادات. وإدراك الحاكم لعلاقته بالمحكومينء والطريقة 
التي تعمل بها المؤسسات. في جانب كبير منها انعكاسا لأثر خيال يعمل على وضع 
قناع على المصادفة أو القوة بتحويلها إلى حق وعدلء بل إن الخيال - الوهم له 
موقعه في بنية السلطة. ويترجم على مستوى فن الحكم. عبر ما يمكن أن نطلق عليه 
«سياسة الاستعمال». 
وعلى النقيض يأق توماس هوبز المنحاز إلى الواقعية. والذي تعد فلسفته 
السياسية محاولة لاستئصال التأثير المفرط للخيالء كأثر للتصنع والوهم. في السياسة. 
ويجعل كل السياسات نابعة من إرادة «صاحب السيادة»؛ والشعب يدرك هذا 
ويقبله. لأنه الوسيلة الوحيدة لضمان وجود الدولة التي لا غنى عنها. وبالتالي لا 
يكون التخيل عند هوبز هو الذي يحدد وظائف النظام السياسيء بل القوة والعقل. 
اللذان يخلقان عقلانية مشتركة بين الحاكمين وال محكومين. 
لكن هوبز لم يستطع أن ينحي دور الخيال في السياسة جانباء فهو إن كان قد جعل 
العقل هو الذي يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فإنه عاد ليضع مبدأ العقلانية 
محل تساؤل عن طريق الآراء الوهمية التي ينتجها أصحاب القرار فيما يخص حقوق 
البرلان في مادة الضرائبء. والتناقض بين القوانين الإلهية والقوانين المدنية. ووجود 
فجوة دائمة بين الوضع المثالي للدولة كما يريده الناس وحقيقة واقعها. 
لكن. هل الواقع يعني نفي الخيال؟ الإجابة: لاء كما يرى الفيلسوف العربىي 
حسن حنفيء وذلك لأن النظرة اللمتأنية تجعلنا نكتشف أن «الواقع هو مادة الخيال 
السياسي وليس أمرا واقعاء فالأمر الواقع مجموع الحوادث والإرادات. وفي الوقت 
الذي تنتزع فيه الإرادات من التاريخ تتحول الحوادث إلى أمر واقع. ومن دون خيال 
يجري الاستسلام له»220. 
وإذا كان جل ما مضى يخص الخيال بوصفه وهماء كمسألة سلبية. فماذا عن 
الجانب الإيجابي الذي يجري التعامل فيه مع الخيال كشفافية؟ هنا يطل جيرمي 
بنثام بفلسفة النفعية التي تقوم في جانب منها على نقد الأوهام التي تنتجها 


53 


الحيال النسياسي 
المؤسسات السياسية. والخطاب الفلسفي حول السياسة. ليحدد منبعين يتغذى 
منهما الخيال. وهما: المجتمع الطبيعي والمجتمع السيامي. ومع الأول يأتي الخيال 
بمعنى الوهم.ء ومع الثاني يأق الخيال متأسسا على المنفعة أو المصلحة التي تجعل 
الناس يخضعون راضينء. وهنا يقول: «يخضع الناس كذلك طويلا بالقدر الذي يجعل 
الآثام المحتملة للخضوع أقل من الشرور المحتملة للمقاومة». 
ويربط بنثام بين الخيال الشفاف وأفكار مثل الحق والإلزام والاستثناء والسلطة 
والامتياز. ويعتقد أن الإلزام هو اللبداً الذي نبعت منه جميع الكيانات الخيالية 
كاللذة والأط. ويرى أن مجال القانون محدد كليا بالخيال الشفاف. وأن الدولة 
نفسها تعتبر في القانون الدستوري كيانا خياليا أعلى!!". 
وفي كتابه «الدولة نظريا وعمليا» يركز هارولد لاسي على هذه الطبيعة الإلزامية 
للدولةء حتى لو كانت قائمة على تسويق السلطة لنفسها باعتبارها ترعى مصالح 
الأفراد. وتضع تطلعهم إلى حياة كريمة نصب عينيهاء مع أنها في حقيقة الأمر تحافظ 
بقوة على مصالح الطبقة المهيمنةء التي تتصرف وكأن مصالحها هي المصلحة العامة 
وتصوراتها هي ما يجب أن يتبناه الجميع في سبيل الحفاظ على وجود الدولة. 
وينهي لاسئي الكتاب بعبارة دالة يعلق فيها على جوهر الدولة المرتبط 
بالإلزام والدفاع عن مصالح الطبقات العلياء فيقول: «إن إماطة اللثام 
عن هذه الحقيقة وجعلها أمرا حاسما يتطلب جهدا! طويلا شاقاء وجميع 
التنظيمات التي تمتعت بماض مجيد تستطيع حتى في تدهورها أن تؤخر 
موعد ظهور التنظيمات الجديدة. لقذد اعتدنا هذه التنظيمات القدممة 
حتى صارت سجنا مألوفاء بل وعزيزا بفضل ارتباطه بتاريخ العمر. ويخيل 
لمعظمنا ونحن نمكث في داخل هذا السجن أن النظر خارج نوافذه غامض 
يدعو إلى الشك. ويتطلب الجهود ال مضنية. ونحن نزن في قلق تمن الهرب 
من أسوار السجنء دون أن تكون لدينا الشجاعة الكافية للهربء غير أن 
بذل المجهود هو الذي يجعلنا نتقدم املينء وبغير هذه الطريقة لا نستطيع 
أن نضيف للمغامرة الإنسانية وقارها الخلاب»(012). 
إن لاسكي يريد أن يقول بوضوح هنا إن الخيال حيال الدولة. من حيث سبب 
وجودها وشرعيتها ودورها وسيادتها ورمزيتها وأدواتها في التحكم. هو الذي يجعل 


54 


النسياسة مجالا للخيال.. بين الايهام والإبهام 


الشعب يصبر عليهاء بل يستعذب قهرها أحياناء ويتعوده. ويبرره, لأنه يتخيل أن 
عكس ذلك لا يطاق أبدا. 
لهذا كان من الطبيعي أن يصدر كتابه بعبارة للويس ديكنسون يقول فيها: 
«العدالة قوة. وإذا لم تستطع أن تخلق شيئاء فإنها تستطيع على الأقل أن تدمر, 
ومن ثم فإن السؤال الذي يواجه المستقبل ليس هو السؤال: هل ستنشب ثورة؟ 
بل هل ستكون هذه الثورة نعمة أم نقمة؟». فخيال الناس حيال طبيعة الدولة 
وتاريخها وسماتها يجعلهم ميالين أكثر إلى الإبقاء على الأوضاع القائمة. وقلة منهم 
فقط هي التي لديها استعداد للمغامرة. وتمتلك خيالا جامحا يمكنها أحيانا من 
التفكير في الثورة ثم إطلاقهاء ويظل هذا الخيال ملازما للثوار مادامت الثورة قانئمة 
وماضية في طريقها. وحتى حين تتعثر أو تنتكس أو تهزم على يد القوى المضادة لها. 
فإن خيال الثوار يعمل في اتجاه آخر ممتزجا بالحنين والصبر والقنوطء انتقالا إلى 
الأمل والتخطيط للموجة ثورية أخرىء بعد أن تعبأ الجماهير من جديد. 
وقد التفت علماء الاجتماع. بعد استبصار الشعراء والفنانين الرومانسيين» إلى 
الجوانب الخيالية أو اللامعقولة للمجتمع. وهذه مسألة جديرة بالنظر والتقدير 
حسبما يرى المؤرخ الأمريكي كافين رايليء حيث قال: «الناس لم 
يخلقوا ال مجتمع بعقد اجتماعي كما يتخيل ال مفكرون الوضعيونء وم 
يحدث أن وافق أحد على الانضمام إلى المجتمع كما ينضم اللرء إلى 
جمعية من الجمعيات. بل إن المجتمع - كما يبين إميل دوركايم - 
كالدين. يتقبل الطرء تعاليمه وسلطانه لأنه عضو فيه. واطرء لا يختار 
العضوية في المجتمع الإنساني. إن المجتمع والثقافة هما اللذان منحا 
الفرد إنسانيته وفرديته» كما أدرك سقراط ولوكء وشبيه بهذا ما ذكره 
ماكس فيير أن الناس لا يطيعون القوانين لأنهم يوافقون عليهاء فكثير 
من الناس يطيعون القادة بسبب سحرهم وشخصيتهم الكاريزمية 
أو قد يطيعون القوانين من باب الانقياد للعرف أو عدم الاكتراث 
البيروقراطي. وقد أدت معرفة أهمية العوامل اللاعقلية في ال مجتمع 
ببعض علماء الاجتماع من فلفريدو باريتو واختصاصيي العلاقات 
العامة والدعاية الحديثة إلى المناداة بالتحكم في عقول الناس والتمويه 


55 


إلحيال التيئاشنى) 


عليهم. وهناك آخرون مثل جورج سوريل استخدموا الأساطير الشعبية 
أداة للثورة الاجتماعية»(13). 

ودور الجماهير في الحياة السياسية هو أيضاء في جانب واضح منهء يبدو من نتاج 
الخيال. وهذا الوضع قسمة مشتركة بين السلطة والثوار. فالسلطة تتعامل مع المبدأ 
الذي يقول: «في الحقيقة لا توجد جماهير, بل هناك أساليب تمكن بها رؤية الناس على 
أنهم كذلك»2". آما أعضاء الطليعة الثورية فيتملكهم خيال يكون أحيانا محض وهم 
مقنع بأن الجماهير في قبضتهمء ويتصرفون على هذا الأساس. ويقولون لأنفسهم دوما: 
الناس معنا لكنهم خائفون وعلينا أن نشجعهمء وحين ينفجر الناس بالفعل غاضبين 
يهلل الثوار: أم نقل إن الناس معنا. فإذا انحسرت عنهم القاعدة الشعبية. وراحت 
تخذل الثورة وتناقض نفسهاء تعود الطليعة الثورية إلى إلهاب خيالها بتصورات. بعضها 
من قبيل الأمل أو الصبر. تذهب إلى أن الجماهير تصطف معهاء وستطيعها. 

وعلى النقيض التام يتوهم الحاكم المستبد أن الناس يتفقون مع رؤاه طوال 
الوقت. بل قد يشحذ خياله أحيانا ليتصور أن الجمهور قد اندمج في القائد. أو وضع 
فيه ثقته. وسلمه مفاتيح أحلامه. وينتظر إشارة من إصبعه ي يفعل ما يريدء وهو 
«يتحكم في الأمر ظنا منه أن هذا في مصلحة شعبه. أو أن الظروف تتطلب هذاء وأنه 
في حاجة ماسة إلى هذا التحكم ولو لبعض الوقت حتى يصل إلى الخير الذي يسعى 
إليه ولا يصبر الناس عليه حتى يبلغة» !5. 

هنا لا بد من الانتباه إلى أمر مهم. فالاستبداد «لا يعني في كل الأحوال انتهاك 
الحاكم للقانونء» أو تحويل أفعاله وتصرفاته هو إلى القانون, إذ إن أغلب المستبدين 
يصنعون أو يرعون القوانين التي يقهرون بها شعوبهم» بل قد يعملون على إيجاد 
نظام قانوني شاملء وفق شرعية أو مشروعية شكلية. يتيح لهم الانفراد بإدارة كل ما 
يتعلق بالمجتمع»©". وهنا لا بد للمستبد من أن يوهم شعبه بأنه يحترم الدستور 
والقانون. وأن ما يصدر عنه من قرارات هدفها تحقيق المصلحة العامة. وعملية 
الإيهام تلك تتطلب منه إطلاق قدر من الخيال كفيل بأن يجعل شعبه مقتنعاء أو 
على الأقل متماشيا أو متواطئا مع هذا التصور. 

وقد اعتبر رجال الدولة الكبار في كل العصور والعهود والبلدان كافةء بمن 
فيهم الأكثر استبداداء أن في الخيال الشعبي أكبر دعم لسلطتهم. ولهذا جارّوه. 


56 


اللننئانبيهة مدألا تلتخبال.. بن الإيهام والانهام 


وكان أكثرهم براعة في هذا نابليون بونابرت الذي قال ذات يوم في مجلس 
الدولة الفرنسي: 
«لم أستطع إنهاء حرب الفاندي إلا بعد أن تظاهرت بأني كاثوليي 
حقيقي. وم أستطع الاستقرار في مصر إلا بعد أن تظاهرت بأنى مسلم 
تقي. وعندما تظاهرت بأني بابوي متطرف استطعت أن أكسب ثقة 
الكهنة في إيطاليا. ولو أنه أتيح لي أن أحكم شعبا من اليهود لأعدت 
من جديد معبد سليمان»”'". 
وهنا يقع الاثنان في حالة من الخيال المتبادل. فالحاكم يظن الشعب راضياء 
أو يوهم نفسه بهذاء والشعب نفسه يوهم نفسه أحيانا بالرضا لأنه غير قادر على 
تحمل ثمن التذمر. فكل فرد يتخيل أن الذي بمشي إلى جواره في الشارع, أو يجلس 
إلى جانبه في المقهى. أو يقطن بجواره في البيت» أو يجلس مقابله في مكتب العمل 
لن يشاركه الغضب إن تمرد. ويؤدي هذا التخيل دوما إلى إعاقة الحراك السياسي, 
الذي قد يأتي في شكل مظاهرة أو احتجاج أو انتفاضة أو هبة أو فورة أو ثورة. 
ووقتها سيجد الجمهور ما ينفس به عن مكبوته, ويفرغ فيه همه وشجنه. حين 
يغرق في خيالات مصطنعة قد تكون رجاءً دينيا أو ديموقراطية شكلية. ليعوض بها 
بؤسه السياسيء أو يواجه القهر الذي بمارس ضده من سلطة ترفض مشاركته!12!). 
في المقابل. قد يتخيل الحاكم المستبد أن الشعب قد صمت إلى الأبد. والرأي 
العام قد مات. وآن الأمور قد دانت له تماماء إلى أن يفاجاً بانفجار الناس في وجهه. 
ووقتها سيعجز خياله عن تصور خروج ناجع من أزمته. لأن ما يجب عليه أن يتخيله 
وقتها يتناقض مع خيالاته السابقة: التي لا يريد أن يدرك أنها كانت مجرد أوهام. 
ولو انفجر الناس غاضبين وفاضوا في الشوارع واميادين فإن الخيال لا يموت. بل 
يستيقظ في طور جديد. عبر عنه عام الاجتماع تارد حين اعتبر في كتابه «قوانين المحاكاة» 
أن السلوكيات الاجتماعية تنشأ من الإيحاء المتبادل أو المحاكاة التي تشبه المشي في أثناء 
النوم. ويكون الجمهور فيها في حالة تنويم مغناطيسي, أو يعيش في شكل من أشكال 
الحلم. حيث يكون كل فرد عائشا تحت سيطرة الحشود التي تتصرف بلا وعىي 7". 
وتهذا الرأي أساس ورد في كتاب «سيكولوجية الجماهير» للطبيب 
وعاط الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون, حيث قال: «الخيال الخاص 


57 


الخبيال الننيياسى 


بالجماهير كخيال كل الكائنات التي لا تفكر عقلانياء مهيأ لأن يتعرض 
للتأثير العميق. فالصور التي تثيرها في نفوسهم شخصية ما أو حدث ما 
أو حادث ما لها نفس حيوية وقوة الأشياء الواقعية ذاتها. فالجماهير 
تشبه حالة النائم الذي يتعطل عقله مؤقتاء ويترك نفسه عرضة لانبثاق 
صورة قوية ومكثفة جداء ولكنها سرعان ما تتبخر على محك التفكير. 
وما كانت الجماهير غير قادرة لا على التفكير ولا على المحاكمة العقلية. 
فإنها لا تعرف معنى المستحيل أو المستبعد الحدوث. ونحن نعلم أن 
الأشياء الأكثر استحالة هي عادة الأكثر إدهاشا وتأثيرا»200. 

وبناء على هذا يقر لوبون بالتاللي في إطار تصوره لخيال الجمهور!:2: 

(1) ما دامت الجماهير عاجزة عن التفكير إلا بواسطة الصورء فإنه لا جمكن 
جذبها والتأثير فيها إلا عبر الصور التي يجب أن تكون مؤثرة وصريحة وخالية من 
أي تأويل جانبي. وغير مصحوبة إلا بوقائع ساحرة عجيبة كالنصر الكبير, أو ا معجزة 
الكبرى. أو الجريمة المدوية:ء أو الأمل المفرط. 

(2) ليست الوقائع في حد ذاتها هي التي تؤثر في المخيلة الشعبية. بل 
الطريقة التي تعرض بها هذه الوقائع, فتقديمها مكثفة سيؤدي إلى إيجاد صور 
أخاذة تملأ النفوس. 

(3) أحيانا تكون العواطف المستوحاة من الصور قوية إلى درجة أنها تميل إلى 
التحول إلى ممارسة وفعل تماما كالمقترحات العادية. 

(4) أدى اندهاش الجماهير حيال الساحر والأسطوري من الأحداث إلى أن يكونا 
هما الدعامتين الحقيقيتين للحضارة. وبذا أدى الخيالي دورا أكثر أهمية من الواقعي 
في حركة التاريخ. 

(5) من الخيال الشعبي نيعت قدرة القادة الفاتحين والغزاة. وتشكلت قوة 
الدول.ء حيث جيشت الجماهير الغفيرة حول الأديان والأيديولوجيات والغزوات أو 
التوسع الإمبراطوري. 

في هذا الاتجاه يصبح المتخيلء الذي هو نشاط جمعي يقوم على تصورات 
وجدانية غير حقيقية وغير واقعية. ساكناء في جانب مهم منه.ء في قلب التاريخ., 


لأنه يجد فيه تصورات أثيرة. ويستمد منه وقائع لم تحدث. وشخصيات لم 


58 


السياسة مجالا للخيال.. بين الإيهام والإبهام 


توجدء وأحداثا مختلقة وسيرا مركبة أو منتحلة. وبطولات وهمية. تعينه في 
مجاراة الحاضر. 
وقد عبر نيكوس كازانتزاي عن هذا الوضع ببراعة في روايته الشهيرة «زوربا». 
من خلال هذا الحوار: 
«دع الناس مطمئنين. أيها الرئيس لا أعينهم. إذا فتحت أعينهمء فما 
الذي سيرون؟ بؤسهم. دعهم إذن مستمرين في أحلامهم. 
وصمت لحظة . وحك رأسه. كان يفكرء وأخيرا قال: إلاء إلا إذا... 
ماذا؟ دعنا نر قليلا. 
إلا إذا كان لديك. عندما يفتحون أعينهمء عالم أفضل من عام الظلمات 
الذي يعيشون فيه الآن. ألديك هذا العالطم؟ 
لم أكن أعرف. كنت أعلم جيدا ما سيتهدم. لكنني لا أعرف ما الذي سيّبنى فوق 
الأنقاض»22, 
وعلى سبيل المثال. يبدو الخطاب السياسي العربي في مجمله موجهاء في الأغلب 
الأعم: إلى جماهير تعيش في التاريخ المتخيل. لذلك ينشط هذا الخطاب بالمتخيل 
الجمعي لا بالخيال الفرديء وهناك أمثلة ناصعة على هذاء من بينها الخطاب 
الطائفي بين الخصوم السياسيين. الذي يقوم في الأساس على استدعاء المتخيل 
التاريخي لصراع الطوائف السياسي والديني وقذفه إلى قلب الحاضرء عبر استعماله 
في البرهنة على المواقف الآنية. والكيد للخصومء وإيجاد الللاذ اليسير للأتباع. 
والسياسي, عموماء في صراعه المرير على الموارد والسلطة. يستعمل «المتخيل» إن 
فقد الخيالء فيستعيد التاريخ, ويعود بالواقع إلى الوراءء وقد يلجأ إلى تحريض الجماهير 
على القيام برد فعل قاس ضد كل من يصنفهم مخيالها الجمعي بأنهم أعداء22. 
إن المخيلةء إضافة إلى التفكير والمشاعرء تعد هدفا مهما للتلاعب بالوعي» لأنها 
ترتبط أكثر بالهواجس التي تحدد نصيبا كبيرا من سلوك أفراد المجتمعات البدائية, 
وهي عرضة للتأثر بأشياء من خارجهاء وتخلق مخاطر نفسية تكون أحيانا أشد إثارة 
للرعب من الأوبئة والزلازل. و«من هنا نفهم أنه للتحكم بسلوك الناس من المهم 
جدا التأثير في العمليتين المرتبطتين بالمخيلة. وهما إنتاج الصور انطلاقا من الواقع, 
وإنتاج استراتيجية السلوك وتكتيكه انطلاقا من الصور الناشئة في الوعي»22. 


59 


الخيال) النتبياسني 


وترتبط لعبة التخيل بدرحة تلبية حاجات الإنسانء. فالحاجات الملباة لا تثير 
المخيلة, أما إن اتتقص من الإنسان شيء. فتبدأ صورة هذا الشيء تتراءى طمخيلته. 
ويشرد ذهنه في كيفية الحصول عليه. وبذا تصبح حاجات الناس أداة قوية للتحكم 
في مخيلاتهم, وأحيانا يلعب المتلاعبون بوعي الناس إلى درجة جعلهم يشعرون 
بالاستياء الشديد والإحباط والقمع وانسداد الأفقء بما يغذي «امخيلة السلبية» 
بالتهيؤات والأحلام والآمال. وعندها سيتركز كل انتباههم على الحاجة غير املباة, 
ما يلهيهم عن الأشياء والحاجات والقضايا الأخرى التي تكون أهم بكثير. وبالتالي 
يتمكن المتلاعب من تغيير سلوك من يتلاعب به واستبدال برنامجه. وتحديد جدول 
أولوياته» وإجباره على أن يرغب فيما لا يرغب فيه. وهو ما يبرز في أعلى صوره في 
الدعاية السياسية والدعاية التجارية59©. 

لهذا أصبح بوسع السياسيين المتلاعبين أن يقدموا الغذاء للمخيلة؛ ويديروا اللعبة 
بمهارة فائقة تصل إلى حد خداع شعوب بأكملهاء عندها «قد تصير اللعبة مرعبة ومدمرة 
وحتى انتحارية. فقد ينشغل الشعب بها إلى درجة يصير معها من غير اللطفيد التعويل 
على تعقله. وف أثناء ذلك يكاد كل فرد تقريبا أن يوافق على التقومات اللاعقلانية 
للواقع الحقيقي؛ بكلمات أخرىء القضية ليست في في الخداع. ولا في نقص المعلومة»26. 

إنها حالة أشبه بخشبة المسرح التي تتمتع بقوة سحرية كنافذة على العام 
المتخيل. وهناك من يشبه السياسة بال مسرح. ليس فقط من زاوية الإيهام والتخييل, 
بل أيضا من باب مهارة العرضء وتوزيع الأدوارء وإقبال الناس بغية الفرجة. وهنا 
يقول عماد عبد اللطيف في مستهل دراسته العميقة للخطاب السيامي لثورة يناير 
المصرية: «ما أشبه السياسة بالمسرح الكبير! وما أشبه حقل التواصل السياسي بخشبة 
المسرح التى تقف عليها القوى السياسية بأحزابها وجماعاتها وكياناتها لتعزف 
خطاباتها أمام جماهير محتشدة. تجتمع في قاعة رحبة, رحابة الوطن. من الطبيعي 
أن تتغير المقطوعات المعزوفة من حين إلى آخرء وأن يتغير العازفونء بل يمكن أن تتغير 
نوعية الجمهور نفسه. وشكل علاقته بالعازفينء لكن خشبة المسرح وحدود الوطن 
تظلان ثابتتين عادة»227. 

ويمس حديث بول ريكور هذه المعضلة فيما سماه «اطفارقة السياسية» لهء201101 
*200هم: ويراها في جمع الدولة بين نقيضين. وعملها على أن يتعايشا. فالدولة 


60 


السياسة مجالا لاخبال.. بين الإيهام والإبهام 


الحديثة, التي هي دولة القانون والحقوق وامواطنة. تعاني تناقض الصورة مع الواقع, 
فهي في الوقت الذي تقول فيه إن ما ينظم علاقتها با محكومين هو الدستور. وتفرط 
في الحديث عن احترامه. وعن رعايتها الأكيدة للمواطنينء فإنها تستعمل العنف 
والقوة والقمعء وتؤكد أنها وحدها التي تمتلك مشروعية ذلك. فتنزلق بذلك من 
حكم الشعب إلى التحكم فيه. ومن السلطة إلى التسلط. وبذا تصبح الدولة القائمة 
على الحد الأقصى من العقلانية في قوانينها وأنظمتها وتنظيمهاء قد انجرفت إلى مسار 
آخرء مشبع بالقمع والكبت. ويغلب على خطابها وتصرفاتها نوع من اللاعقلانية79. 

وهناك سياسات وإجراءات لم يطلقها الخيال السياسي ققطء بل كانت هي 
نفسها محض خيالء وهو ما يمكن أن يصل إليه الذهن بعد مرور الزمن واسترجاع 
اللحظة التاريخية الذي انتهجت فيه هذه السياسات. «لقد تمت معظم القرارات 
الثورية في أوائل ثورة يوليو 1952 في مصر بالخيال السياسي: الإصلاح الزراعيء 
والتأميم ضد الشركات العاللية. وتوزيع الأرض على الفلاحين المعدمين. ومشاركة أكبر 
للعمال في المصانع. وللطلاب في معاهد التعليم»27. وربما لم يكن الشعب نفسه 
يتخيل أن يحدث هذا قبل أيام من الثورة. 

ويؤثر الخيال تأثيرا كبيرا في تحديد حركة الأحداث بوجه عام. إذ إنه «كثيرا ما تخرج 
محاولات تصحيح الأوضاع المعوجة؛ ودفع حركة التاريخ. من الخيال. أكثر من خروجها 
من قلب التحليل الطبيعي لسير الأحوال... فكل فكرة خرجت من خيال أصحابهاء وكثيرا 
ما برزت الأماني وتطور الخيال من قصة اضطهاد متكررة وخسائر مستمرة»0©. 

وعلى نطاق أضيق تلجأ بعض الأحزاب السياسية إلى نوع من الإيهام بأنها تمتلك 
برامج قوية معبرة عن مصالح القاعدة العريضة من الجماهير. وأن لها أنصارا في 
كل مكان. وقدرة فائقة على صناعة البدائل في السياسات الاقتصادية والاجتماعية 
والثقافية والأمنية والعلاقات الدولية, ولهذا تسارع إلى تبرير إخفاقاتها بالحديث عن 
التضييق الذي تمارسه عليها السلطة. وهي في هذا لا تخالف الحقيقة كل الوقت. أو 
عدم رغبتها في الاستحواذ. أو أنها تعبئ إمكاناتها لجولة أخرى حاسمة. وتجد أحيانا 
من يصدق روايتهاء ويستمر في مساندتهاء ويردد تصوراتها النابعة من الأيديولوجية 
التي تشكل إطارا لعملها. وحتى لو لم تكن تمتلك هذا الإطار فإن تصريحات القائمين 
عليها تشكل مادة جيدة للإيهام المطلوب. ‏ 


1ن 


الخيال السياسى 


وحتى على مستوى التحليلات السياسية. كثيرا ما يجد المحللون أنفسهم في 
خاجة إلى استعمال خيالهم في التخمين والتكهن واستكناه ما وراء المعاني الظاهرة 
لاسيما حين يواجهون نقصا في المعلومات. أو مواراة ومداراة في خطاب السلطة. أو 
تضارب في الروايات المتداولة, أو رغبة في تبني رؤية متجاوزة للسائد والمألوف الذي 
يجري تدويره في وسائل الإعلام. 

وهناك صحافيون وكتاب يستعملون نوعا من الإيهام ليوحوا للجمهور بقربهم 
من السلطة. أو ضلوعهم في صناعة القرار.ء ويفرض عليهم هذا الادعاء أن يطلقوا 
خيالهم السياسي كي يصدق من يقرأون لهم أنهم عالمون ببواطن الأمور. فيختلقون 
وقائع وأحداثاء ويطرحون تكهناتهم وتصوراتهم على أنها معلومات موثوق بها. 


62 


متابع الخيال السياسى 


حتى لا يكون الخيال وهما أو أضغاث 
أحلام, يجب أن يقوم على أسس علمية سليمة. 
لن تمنحنا بالقطع فرصة توقع كل شيء كما 
سيجري في ال مستقبل من دون تغيير ولا تبديل 
ولا تحويرء فلا يعرف الغيب كاملا إلا الله, لكنها 
ستقربنا من إدراك الآتيء وبالتالي تعطينا إمكان 
أن نستعد له على أفضل وجه ممكن. 

فدراسة المستقبل تتطلب استيعاب الماضي 
وفهمه العميقء وكذلك الفهم الدقيق والمتكامل 
لكل ما يدور في الحاضرء وتوظيف كل عناصر 
المعرفة الممكنة)؛ ولذا برزت العديد من 
التصورات العلمية الرامية إلى كشف غموض 
الآقي» عبر استقراء التاريخ, والإحاطية التي تعني 
الاعتماد على الدراسات عبر النوعية, والتعامل 


«في الرواية السياسية خيال سيامي . 
بروح الفريق. أي إشراك باحثين من مختلف 


يمكن التقاطه والاستفادة به» 





03 


الخذيال السياسي 


التخصصات في دراسة مستقبل الظواهر والقضايا الإنسانية. وتوظيف المنطق 
عموماء والرياضيات خصوصا. والاستفادة من إلهام الفلاسفة وامبدعين والفنانين 
وبصيرتهم أو حدسهم وإلهامهمء واستخدام الوسائل المتعارف عليها في إماطة اللثام 
عما سيكون من قبيل نظرية ال مباريات والمحاكاة, إلى جاتب تعزيز الوعي بال مستقبل» 
عبر الاشتغال بهء والإيمان بأن هندسته ضرورة لا فكاك منها للأمم التي تسعى إلى 
الأفضل دوما. 

ولتكن لنا عبرة في فيليب ال مقدوني الذي أطلق مشروعا جسورا يرمي إلى هدم 
الإمبراطورية الفارسية. وكان خياله جامحا وقتها حد الجنونء إذ بدا ما كان يعتزم 
الإقدام عليه. في نظر من حوله. ضربا من المستحيل. فمقدونيا كانت مجرد مملكة 
بائسة من ممالك البلقان. بينما كان الفرس على درجة فائقة من القوة في كل شيء. 

وفي بناء مشروعه هذا لم يكتف المقدوني بتكوين قوة عسكرية: أو تنظيم جهاز 
إداري كفء ومتماسك. إنما فعل ما لمم يتوقعه كثيرون. حيث استقدم الفيلسوف 
الكبير أرسطو طاليسء ليكون مربيا لابنه. الإسكندر. الذي لم يكن ينام إلا وتحت 
وسادته نسخة من الإلياذة» بشرح أستاذه أرسطو. وحين أقدم الأستاذ على تدوين 
معرفته غضب التلميذء لأنه كان يريد أن يستأثر بالعلم لنفسه. وألا يصل إلى عموم 
الناس. وكان الإسكندر يقدر أرسطو إلى درجة أنه قال ذات مرة: لو خيروني بين 
مملكتي التي صارت شاسعة وبين العلم الذي تلقيته من أرسطو لاخترت العلم من 
دون تردد. 

هكذا أدت الأفكار دورا عميقا في بناء مستقبل الأمم. وكانت للفلاسفة 
والمفكرين والحكماء مكانتهم في صناعة مجدهاء وعمد الساسة إلى تحويل الأفكار 
والقيم المتماسكة إلى إجراءات وقرارات. لكن الأمر تغير مع بزوغ فجر الولايات 
المتحدة الأمريكية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية» حيث اعتمدت هذه القوة 


وأثقاله. على العكس من الاتحاد السوفييتي الذي قام وجوده على فكرة عميقة. 
وبذا انتقل السياسي من إهاب الفكر إلى قبضة المصلحة اللادية الراهنة. 

وهناك من يرى أن ملكة الخيال السياسي يمكن اكتسابها بمزيج من الأعمالء 
منها القراءة الواعية لسير الزعماء التاريخيينء والتواصل مع الجماهير لمعرفة أقصر 


604 


منابع الخيال اتنسناسي 


الطرق إلى عقولهم وقلوبهمء ومنها كذلك الاستعمال الواعي لوسائل الإعلام والاتصال 
الحديثة. والمناقشة الهادفة مع السياسيين المعاصرين المؤيدين والمعارضين2. 

لكن يبقى الخيال في حاجة إلى فلسفة. بمعناها الدقيقء الذي يتعدى الوقوف 
عند الأفكار العامة المجردة إلى الصيغ المعاصرة من التفلسف الأكثر عملية وإجرائية 
وتوزعا على حقول معرفية شتى. ولعل في النقاط التالية ما يبين هذاء وهوء في كل 
الأحوال. يعين على التخيل السياسيء لأنه يمثل منابع أصيلة له. 


أولا: استقراء التاريخ 

ينظر البعض إلى التاريخ على أنه شكل آخر من أشكال الأدب التخيلي ه10]ء51 
القديمة قدم التاريخ نفسه. وأن هناك مجتمعات لا تفرق بين التاريخ والخيال؛ ولا 
يخلو هذا التصور من منطق: فالعلاقة بين التاريخ والخيال الأدبي تبادلية إلى حد بعيد. 
إذ نجد أن «الصلة بين الرواية والتاريخ تندرج في إطار العلاقة بين المادة التاريخية 
وتجلياتها في سياق التمثيل السردي». فيما يستفيد الأديب من استدعاء التاريخ 
كإطار يتحرك من داخله الرواي مستعينا بالخيال. ليعالج قضايا معاصرة وملحة0©. 

غير أن «الحكاية التاريخية تنفصل عن الأدب التخيلي لأنها تحتاج إلى نوع 
مختلف من المصداقية. هذه الحاجة عرضية وضرورية معا؛ فهي عرضية بقدر ما 
أن بعض الحكايات تتحرك على الخط الواصل بين الرواية التخيلية والتاريخء بينما 
تشغل حكايات أخرى موقعا غير محدد يبدو أنه ينكر وجود هذا الخط ذاته. وهي 
حاجة ضرورية بقدر ما يكون على جماعات محددة تاريخيا أن تقرر - عند لحظة 
معينة - هل هذه الحكاية أو تلك تنتمي إلى التاريخ أم إلى الأدب التخيلي؟ بكلمات 
أخرىء يكون التعبير عن القطيعة الإبيستمولوجية بين التاريخ والأدب التخيلي داتما 
بشكل عينيء. من خلال تقييم متموضع تاريخيا لحكايات بعينها»©. 

في الوقت ذاته. هناك ارتباط كبير بين التاريخ والسلطة. باعتبارها جوهر 
العملية السياسية. فالصراع على السلطة يبدو عملية تاريخية محددة بظروف 
مكانية وزمنية وبنية اجتماعية ومرحلة حضارية معينة. وفعل السلطة نفسه 
عملية تاريخية. تتحدد بمعطيات الماضي الحيء وتحدد بدورهاء جزتيا أو كلياء مسيرة 
الحاضر نحو المستقبيل©. ١‏ 


05 


الخيال النتيياسي 


ويقر جورج بالاندييه في دراسته للأنثروبولوجيا السياسية بأن الصلة بين التاريخ 
والسياسة ظاهرةء حتى في حالة المجتمعات المتروكة للعلوم الأنثروبولوجيةء ويقول: 
«ما إن يكف الواحد منا النظر إلى المجتمعات كأنظمة مجمدة, حتى يتعذر تجاهل 
التشابه الأساسي بين ديناميكيتها الاجتماعية وتاريخهاء وثمة سبب آخر يفرض 
نفسه بقوة أكبر أيضاء فدرجات الوعي التاريخي مترابطة مع أشكال تمركز السلطة 
السياسية ومداه؛ ففي المجتمعات المجزأة غالبا ما يكون المحافظون على المعرفة 
المتعلقة بالماضيى هم وحدهم أصحاب السلطة. وفي المجتمعات الدولتية يبدو الوعي 
التاريخي أكثر حدة واتساعاء ووسط هذه المجتمعات نقع بوضوح على استخدام 
التاريخ الأيديولوجي في أغراض استراتيجية سياسية»2. 

ولهذا الارتباط القوي بين التاريخ والسياسة. فإنه من الضروري استلهام أحداث 
الماضي في فهم الحاضر السياسي والتنبؤ بالمستقبلء ويممثل هذا الاقتناع رؤية تتسم 
بالحيوية والحركة. وليست ثابتة في مكانها أو جامدة. تعتمد على فهم وتحليل 
تفاصيل الوقائع والأحداث الفريدة التي مضت وانقضت؛ فاماضي يؤدي دوره 
الواضح في تحريك الحاضرء «ولا يتوقف الأمر على ملامح تكوين الذات المجتمعية.: 
بل يتخطاها إلى الظهور في صلب ملامح التجديد.ء لاسيما المظهرية والذوقية منها»”. 

ولهذا يقر الجغرافي والمفكر المصري الشهير جمال حمدان بأن البعد التاريخي 
يعد مدخلا مهما إلى أي دراسة عملية جادة وعميقة لواقعنا السياسي. وتصوراتنا 
الاستراتيجية. ويقول: «بغير هذا تبدو الحقائق مقتلعة., والتعميمات. رماء مبتسرة 
مفتعلة. وتخرج الصورة كلها ولها مسطح. ولكن ليس لها عمق»229. 

وامشكلة تقوم حين نفرط في الحديث عن الماضيء ويحضر التاريخ دوما ككابوس 
مرعبء ليس لاستلهام الحكمة منه أو التبصر به بل للعيش فيه. والبكاء الدائم على 
اللبن المسكوب. 

إن الإطام بما قد مضى لا يعني امتلاك الإنسان بعض القصص والحكايات التي 
تسليه في أوقات فراغه. أو تجعله قادرا على أن يتباهى أمام أصدقائه بما لديه من 
معلومات عن الذين رحلواء بل هو وسيلة مهمة لقياس ما يجري أمام عينيه الآنء أو 
ما يتوقع حدوثه في ا مستقبل على ما حدث لآخرينء ي يحاول أن يتفادى الأخطاء 
التي سقطوا فيهاء ويستفيد من الصواب الذي سلكوه. 


606 


منانع الخيال اأسياسي 


فعلى الرغم من اختلاف السياقء. أو الزمان والمكانء فإن بعض الممارسات 
الإنسانية تتشابه. بل قد تتطابق. حتى لو فصلت بين الواحدة والأخرى قرون من 
الزمن أو آلاف من الأميال. ولذا يقول البعض إن «التاريخ يعيد نفسه». وهو قول 
فيه بعض من الصوابء وصوابه يزيد كلما تعلق الأمر بظاهرة السلطة وما تنتجه 
من أقوال وأفعال. 

وحتى لو سلمنا بمقولة «التاريخ اختيار» التي يستريح لها بعض المؤرخينء. فإن 
هذا الاختيار - على ما فيه من تحيز وانتقاء - يتطوي في باطنه على عظات وعير, 
تزداد جدواها إن حررنا التاريخ. وفق منهج علمى صارمء. من بعض تحيزات كاتبيه. 
التي تنبني على اعتبارات عدة. وإن تمكنا من رسم ملامح السياق العام الذي وقعت 
فيه الحوادث والوقائعء أو اجتهدنا في الحصول على اختيارات بديلة لمؤرخين آخرين. 

ومع هذاء فهناك من بين عوام الناس من يسخر من علماء التاريخ الذين يقولون 
إن في استطاعتنا أن نخرج من الماضي بكثير من العظات والدروس» ويصرخ في 
وجوههم: «التاريخ لا يعيد نفسه». وهنا يرد عليهم الأنثروبولوجي الكبير ويليام 
هاولز في كتابه «ما وراء التاريخ». ويصيح في وجوههم: «هذا قول هاثل في الغباء 
والسخف الزعم القائل بأن الصاعقة لا تصيب المكان نفسه مرتين... فالمؤكد أن 
القولين يتمتعان بقدر واحد من الصحة والصدق. ورما كانت الصاعقة لا تصيب 
الشيء ذاته مرتينء ولكنها تعرف على أي حال الأشياء التي تحب أن تصيبها. ولذا 
كانت تصيب بناية 56866 :1م822 كلما هبت إحدى العواصف الرعدية. وإذا كان 
التاريخ لا يكرر الدور نفسه بالدقة نفسهاء فذلك راجع إلى أن الثقافة المتغيرة تغير 
الموقف كله. ولكن هذا م بمنع أحد الساسة المؤرخين. مثل تشرشلء من أن يتنبأ بما 
ستفعله بريطانيا في المستقبل مما فعلته في الماضي»!!". 

وحتى يمكن الخروج من هذه المعضلة التي تنطوي على تناقض بين من 
يعولون على التاريخ في فهم ما سيأقٍ ومن يستهينون بهذاء علينا أن نمزج 
«الحكمة الكلية للتاريخ» مع ما يجود به العقل والفؤاد من قدرة على التبصر 
يجعل في استطاعتنا التنبؤ بما سيجريء. وفي هذا يقول حجان ج. تايلور: «من 
اممؤكد أن المستقبل يخبئ للإنسان إنجازات أخاذة. ولكن أهمها سيتعلق بتلك 
الميزة الخاصة التي يمتلكهاء ألا وهي تدوين خبراته حتى يستفيد منها الآخرون؛ 


الخيال النسياسي 


فهذه القدرة الفريدة تسمى الترميز 522020112261011. وبها تكون الكلمات 
المكتوبة رموزا للأفكار... وبالمزج بينها وبين الخيال يستطيع الإنسان أن يخطط 
للمستقبل عن طريق إدراكه الواقعي لنتائج حدث معين مختار من بين عدد 
من البدائل والاحتمالات»02. 

ويتفق دليل بيرنز مع الرأي السابقء إذ يقول في كتابه المهم «المثل السياسية»: 
إن «التاريخ هو تفسير للكيفية التي نفعل بها ما نحن فاعلون. واهتمامنا بما حدث 
يرجع أكثر ما يرجع إلى رغبتنا في فهم ما هو حادث الآنء وهذه الرغبة بدورها 
نابعة إلى حد كبير من حاجتنا إلى التأثير فيما سوف يحدث في المستقبل. وعلى 
ذلك يصبح التاريخ عديم الجدوى ما م بمدنا بجانب من المعرفة له قيمة عملية. 
فمهمته أن يبين لنا الوسيلة التي تمكننا من أن نجعل من الحاضر مستقبلا أفضل. 
وذلك بفهم الطريقة التي أصبح بها الماضي حاضرا... ويجب أن ننظر إلى الماضي 
كأنه كان ذات يوم مستقبلاء وأن نفكر فيما حدث من تغير كأنه كان يتحرك أمام 
نظرنا لا كشيء ذهب وانقضى... ونحن إذ نتلفت إلى الوراء فإنما نفعل ذلك ي نتجه 
بأبصارنا إلى الأمام»”"". 

ويجب ألا يقتصر الأمر على تاريخ البشر وما ينتجونه من ظواهر إنسانية 
متعددة. بل من الضروري أن يمتد إلى تاريخ الأفكار؛ فالمعرفة ذات طابع تراكمي. 
وسيكون من الحماقة أن نبدأ من الصفر في التعامل مع أي مشكلة نريد حلهاء أو 
قضية نسعى إلى الإطام بمختلف جوانبهاء بل من الضروري أن نبدأ من حيث انتهى 
الآخرون. ونضع لبنة جديدة فوق كل ما تركه لنا أولتك الذين سبقونا على دربي 
العلم والخيرة الإنسانية. 

فهناك. مثلاء من حاول أن يقف على المعاني الأساسية والقيم الأصيلة والتصورات 
الكبرى في تاريخ الفكر العربي كله بغية خدمة الحاضر والمستقبل. وتوجد 
مشروعات متكاملة الأركان. مثل ما سطره محمد عابد الجابري في «نقد العقل 
العربي». وحسن حنفي في «التراث والتجديد»». وما كتبه أدونيس وأطلق عليه 
«الثابت والمتحول». وهناك ما أنتجه قسطنطين زريق والطيب تيزيني ومحمد 
أركون وفؤاد زكريا وهشام جعيط وفهمي جدعان ومحمد جابر الأنصاري وعلي 
حرب ونصر حامد أبو زيد وعبدالله العروي وغيرهم. 


608 


متابع الخيال التسناننتى 


لكن هذه المشروعات الكبرى ليست ما يهمنا في هذا المقام, بل المحاولات 
الجزئية التي رمت إلى تحليل تاريخ الفكر بدرجة أساسية. وتوجد ثلاث حالات لهذا 
المسلك المعرفي الكليء يمكن ذكرها على سبيل ال مثال لا الحصر: 

() الكتاب الذي ألفه الدكتور حسين مؤنسء. ووسمه ب «تاريخ موجز للفكر 
العربي». ووصفه بأنه محاولة لإعادة النظر في التراث العربي الفكري كله. منذ العصر 
الجاهلي» وحتى عصرنا الحديث,. وهو ليس تاريخا للأدب العربي أو أدباء العربية, 
بل هو تاريخ للفكر العربيء يوضح مسار الكتاب في كلمة على غلافه الخلفي قائلا: 
«عنيت هنا بتتبع الأفكار والحركات وتطوراتهاء واهتممت بالجوانب الإنسانية 
والصدق وأمانة الفكر ومسؤوليته. ورأيت أن أساس أي فكر نافع هو الحرية 
والعدل... لقد كانت غايتي أن أعيد تقييم الفكر العربي ووزن رجاله وثمراته بالميزان 
الصحيح... نحن هنا نبحث عن الأفكار الأصيلة النابعة من الإسلام أولاء ومن العروبة 
ثانياء والآراء التي تعطي الفكر العربي قيمته الحقيقية»22. وقد طاف اللمؤلف عبر 
مقالات عديدة في مسيرة الفقه والتصوف والأدب والعلوم الإنسانية والتطبيقية التي 
أنتجتها القريحة العربية - الإسلامية. 

(ب) ما كتبه لويس عوض في كتابه «تاريخ الفكر المصري الحديث». وتناول 
فيه تاريخ تكون الفكر السياسي والاجتماعي والثقافي في مصر والعام العربي. 
وما طرأ عليه من تطورات نتيجة المؤثرات الأجنبية» واليقظة القومية والثقافية 
الشاملة. وذلك عبر خمسة عناصر رئيسيةء أولها يتمثل في التجارب المختلفة لبناء 
هيكل الدولة وتنظيمها السياسي والإداري والقانوني على الطراز الحديث؟؛ وثانيها 
عن التطورات المادية المستجدة في العام العرني ومصر بفعل تصفية الإقطاع التري 
المملوي وإعادة تنظيم العلاقات القومية والطبقية أيام الحملة الفرنسية؛ ونتيجة 
للثورة الصناعية والتقدم التقني الذي جاء مع حكم محمد على باشا؛ أما الثالث 
فيتعلق بالتطورات الاجتماعية التي استجدت عن طريق الأدب والصحافة, والكلمة 
المكتوبة بوجه عام, أو عن طريق الاختلاط الثقافي المباشر وغير المباشر للمصريين 
بأوروباء عبر البعثات العلمية والسفرء وارتياد أوروبا مصر عن طريق الجاليات 
الوافدة والبعثات الدارسة؛ والرابع يرتبط بالتيارات الفكرية الناتجة عن الالتقاء 
بالحضارة الغربيةء تعاونا وصراعاء خاصة ما يتصل مختلف الأيديولوجياتء وعلاقة 


69 


الحبال النئبناسىي 


العلم بالدين؛ والخامس هو التيارات الأدبية والفنية, ولاسيما ما يتصل منها بتطور 
اللغة وأشكال التعبير الأدبي والفني05. 

(ج) كتاب «الفكر العربىي ومكانه في التاريخ» الذي ألفه المستشرق ديلامي 
أوليريء ويعرض في صياغة كلية لنشأة الحضارة العربية - الإسلامية, والظروف التي 
اكتنفت تكوينها وجذورهاء والمؤثرات التي عملت على تشكيل مسارها. ويبدأ 
هذا العرض بتحليل المقدمات التي قادت إلى الفكر العربي. من فلسفات سريانية 
وهيلينية» والتي نقلت إلى العربية, ثم نشأة الحركات الفكرية والفلسفية» والتفاعل 
بين مختلف تيار اتهاء التي تأثرت بالثقافة الوافدة والنزعة العقلانية التى سادت في 
العصور الأولى» وتلك التي نزعت إلى الحفاظ على الموروث. ويتتبع الكتاب تطور 
الفكر العربي في العصر العباميء. ودور المعتزلةء وفلاسفة المشرق العربيء وامتصوفة., 
ومسار السلفية الإسلامية. وفلاسفة المغربء ودور اليهود في الحضارة العربية. ثم أثر 
الفلسفة العربية في الثقافة اللاتينية2. 

لكن تبقى هناك مشكلة في «نقل ال معرفة الجاهزة من سياقها الزمني ودمجها 
في تفاعلات ثقافية واجتماعية شديدة الاختلاف. لاسيما ما يتعلق بالآليات التي 
تفرضها طريقة التفاعل المباشر مع الوقائع والأحداث. سواء شفاهة أو كتابة... 
فالمؤثرات التي تفرزها كل مرحلة تكون لها مقايساتها الخاصةء ورؤاها المرتبطة 
بطبيعة الممارسات السائدة. والوظائف الخاصة للمعانى. من خلال حقبة تاريخية 
معينة»7!). ومع هذا يبقى لمعرفة ما جرى في الماضيء للبشر أو للأفكار, الأثر المهم 
في تخيل ما سيأتي. 

وعلاوة على تاريخ الفكر والفعلء أو السلوك الإنساني وما ينتجه من وقائع 
وأحداث وظواهر وتاريخ للأفكار.ء يجب أيضا استقراء تاريخ الخبرة الشخصية 
والنفسية عبر «الاستبطان». الذي يزاوج فيه الإنسان بين التجريب والحدس.ء الذي 
طاما أدى دورا مهما في علم الاجتماع الكلاسيكي؟'"'. في تحصيل معرفة بديهية 
للأشياء القانئمة. أو تخيل الخطوة القادمة. سواء بالبحث داخل النفس والتحقق 
من الأمور التي يحملها الذهن ويحتفظ بهاء أو بتفحص بعض الخبرات الذاتية9". 

في كل هذه الأنواع والأصناف يلهمنا التاريخ برؤية المستقبلء لأنه ينطوي في 
ذاته على نوع من التفكير ال مبصرء لاسيما بعد مساعي المؤرخين ليضفوا على الوعي 


0م 


عتابع الخبيال السياستى 


التاريخي ما أضفاه كانط على الوعي العلمي من قوانين عقلية بحتة بمعزل عن 
حقائق الحس؛ ولذا بيات من الممكن أن نتحدث عن «التفكير التاريخي» الذي يشبه 
الإدراك الحسي في ناحية من النواحيء لأن كلا منهما يختص بالنظر في الشيء الجزثي. 
ويبدو هنا التاريخ شبيها بالعلم, إذ المعرفة في كل منهما تقوم على الاستدلال أو 
البرهنة العلمية. وإن اختلفا في أن ما يناقشه المؤرخ ليس من قبيل المجردات» ولكن 
من قبيل الموجودات اطادية. والعناصر الجوهرية في التاريخ هي الذاكرة والحجة في 
الموضوع. والرواة الثقات200). 

كما يلهمنا التاريخ بالقدرة على التخيل السياسي؛ لأن التاريخ في جانب منه قائم 
على الخيال. وهو ما يسميه علماء التاريخ «الخيال التاريخي» الذي لا يعتمد على 
التعسف في تخيل الأحداث التفصيلية. لكن على إدماج ما يتوقعه هو بشكل علمي 
منضبط من تفاصيل ١م‏ ترد في إفادات الرواة الثقات. 

ويضرب ر. ج. كولنجوود. وهو واحد من أهم دارسي هذا الحقل ا معرفي في العام 
بأسرهء مثلا على هذا بقوله: «لو أننا نظرنا إلى البحرء ورأينا مركبا ثم عدنا بعد خمس 
دقائق. فنظرنا مرة ثانية ووجدنا ال مركب في مكان آخر غير الأول. لكان علينا أن نتبين 
حينئذ أن المركب مر عبر مساحات مائية فى أثناء سيره بين النقطتينء في الوقت الذي 
لم نكن فيه نتتبع سيره. ولنا في هذا مثل على التفكير التاريخي» ونحن بهذا الأسلوب 
نفسه. نجد أنفسنا مضطرين إلى أن نتصور أن قيصر قد سافر من روما إلى الغالء 
حيث يقال لنا إنه في هذين المكانين المختلفين في هذه الأوقات المتتالية»(21. 

ومن ثم يقوم «الخيال التاريخي على الاستدلال العقلي البحت. وهو هلأ 
الفراغات التي يتركها الرواة الثقاتء بما يجعل القصص أو الوصف التاريخي حلقة 
متماسكة متصلة. والمؤرخ الكامل يجب أن يكون على درجة من الخيال الجبار الذي 
لا يضفي على قصصه قدرا من التأثير والجمال فقطء بل يعينه على تبيئة الوقائع 
التاريخية المحددة, وتكييفها مع السياق العام الذي م يسجله الرواةء وبذا يبدو 
الخيال هو الملكة العمياء التى لا غني عنهاء لأنه ليس في وسعنا أن ندرك العالم من 
دونه. فهو ضروري للمؤرخ: وهو إن كان أدنى من الحقيقة فهو أبعد عن الخرافة. 
وهو في كل الأحوال ليس نوعا من الهذيان لا ضابط لهء أو مجرد جنوح عن عام 
الحقائق. بل يخضع لتفكير ممنهج. لأن ما يتخيله المؤرخ: على النقيض من خيال 


7/1 


الخيال الشتياننى 


الروائي.» مثلا ينبغي أن يكون في حدود الزمان وال مكان. وخاليا من التناقضء أو 
متسقاء وذا صلة وثيقة بامادة التاريخية المسنودة إلى مصادر22). 

إن الحكمة التي تقول «من ليس له ماضء ليس له حاضر ولا مستقبل» لم 
تأت من فراغ. بل هي استخلاص لفهم عميق لطبيعة جريان الأحداث الآنية, 
والتي ستكون فيما بعد ماضيا. ويترتب على هاتين الطبقتين المتعاقيتين المشحونتين 
بالأفكار والتصرفات والتفاعلات تحديد ما سيقع: أو على الأقل كشف جانب منه. 
أو بناء المؤشرات الدالة عليه. 


ثانيا: الوعي بال مستقبل 

في الاتجاه المضاد للنظر في التاريخ. من أجل فهم ما نحن فيه وما سنقبل عليه. 
هناك صلة وثيقة بين الوعي بالمستقبل وإدراك الإنسان لقوى التغيير والتجديد. 
وقدرته على التأثير في البيئة التي تحيط به والتحكم فيهاء وتسخيرها لمصلحته. مع 
التخلص تدريجيا من رواسب الأحاسيس القديمةء أو البدائية التي لاتزال ترى أن قوانين 
ا مستقبل تحكمها عوامل جبرية أو حتمية تماماء ولا مجال فيها لحرية الاختيار”©. 

ويعرف توم لومباردوء. أستاذ علم النفس والفلسفة والدراسات المتكاملة في كلية 
ريو سالدو بولاية أريزوناء الوعي بالمستقبل بأنه «المجموعة الكلية المتكاملة من 
القابليات والعمليات والخبرات النفسية التي يستخدمها الفرد في تفهم المستقبل 
والتعامل معه. وهو يشمل أبعادا عاطفية وتحفيزية وذات علاقة بال موقف 
وبالشخصية. ويتضمن الاستشراف ووضع الأهداف والتخطيط والتفكير النقدى 
وصنع القرار وحل المشكلات والأخلاقيات وفضائل الشخصية.ء ثم يقول: «سواء كان 
امرء مثاليا أو واقعياء متساميا أو براغماتياء كونيا أو متمركزا ذاتيا في اللوقف والميل. 
فإن الوعي بالمستقبل يزود الدماغ الإنساني بالطاقة, ويغنيه ويفيده»22. 

ويقوم الوعي بالمستقبل على أبعاد معرفية, هي 2537: 

1 - التخيل. حيث القدرة على خلق تخيلات ووقائع افتراضية في أذهاننا. 

2 - الاستشرافء بمعنى القدرة على تصور أو تخيل ما سيأق. 

3 - تحديد الأهداف. وذلك بعد تشخيص العمل الذي نحن بصدده. وتعيين 
رغباتنا حياله. 


72 


متابع الخبال السياسىي 


4 - التفكير بالإمكانيات. ويعني تصور أنواع متعددة تشكل بدائل واضحة 
معام من الواقع الافتراضي المستقباي. 

5 - بناء السيناريوهات. بفعل القدرة على تخيل. ووصف تفاصيل معقدة 
وواقعية لأنواع من هذا الواقع الافتراضي المستقبلي. 

6 - التفكير والاستنتاج النقديء بمعنى إمكان تجاوز التفكير الذاتي الضيق إلى 
تعميق التفكير, أو التفكير عن التفكير. وتوظيف قواعد الاستنتاج الصحيح والفعال 
في الاستدلال المنطقيء ومقارنة وتقييم مختلف وجهات النظر. وتطوير الفرضيات 
والنظريات والتعبير عنها. 

7 - انفتاح الذهن على الإبداع. حيث بمتلك الفرد مرونة في التعامل مع الأفكار 
ووجهات النظر المختلفة مع أفكاره وآرائه. وأن تكون لديه القدرة على إبداع أفكار 
وأنماط سلوك غير مألوفة. 

8 - حل المشكلات. عبر طريقة للتفكير تبدأ من تشخيص المشكلات. ثم وضع 
الحلول لها وتنفيذها بنجاح. 

9 - صنع القرارء والذي يقتضي امتلاك القدرة على الاختيار من بين أهداف 
وأساليب عمل مختلفة. ثم بلورة ومتابعة ما جرى اختياره. 

0 - التخطيطء عبر سلسلة افتراضية من الأفعال المترابطة التي تقود إلى تحقيق 
الهدف المنشود. 

1 - التفكير الافتراضيء. الذي يقوم على وجود قدرة على تصور وتقويم الإمكانات. 

2 - الرؤية الشاملة الثاقبة. التي تمكن صاحبها من أن يرى الصورة كاملة على 
ما فيها من تفاصيل صغيرة. وذلك وفقا للمقولة الشهيرة التي تطلب الارتفاع الذي 
يممكننا من أن نرى الغابة كلها بدلا من أن يزيغ بصرنا بين أشجارها المتزاحمة. 

3 - الملاحظة القائمة على التجربة» والتي تجعل صاحبها قادرا على تفهم 
الحقائق وإدراكها. 

ويربط لومباردو الوعي بال مستقبل بالتفكير الأخلاقي. أي النزعة إلى تحسين 
شروط الحياة. وتقدم الإنسان إلى الأمام. وهذا مناط أخلاقية هذا النوع من الوعيء 
ويقول: «إن جميع عمليات صنع القرارات الأخلاقية هيء. بصورة عامة. نوع من 
الإدراك المستقباي؛ فعندما نختار استنادا إلى قيمناء فإننا نقرر سياق الفعل الواجب 


3 


الخبيال الننبياشتىي 


اتخاذه فيما يخص المستقبلء وعندما نفكر أخلاقياء فنحن نعتبر النتائج» والنتائج 
هي أحداثُ متوقعة في المستقبل»2". ثم يربط مسألة الوعي بالمستقبل بقيم 
أخلاقية من قبيل الشجاعة. وتحمل المسؤولية. وحب المعرفة: والتفكيرء والحكمة, 
والرغبة الدانئمة في التطور إلى الأفضل. 

ونمو الوعي بال مستقبل لا يمكن الفرد من إعادة التفكير في عدد من المسائل 
الفلسفية التقليدية فقطء بل إنه يتحدى ذكاءنا ويوسع إدراكنا ومخيلتناء ويساعدنا 
على «التفكير الممكن» بما يؤدي إلى تمديد وتوسيع عاط الأفكار والحقائق» ويعزز 
تطوير العمليات الإدراكية العلي7. وفي كل هذا ما يعزز الخيال بصفة عامة. 
والخيال السياسي على وجه الخصوص. 


ثالثا: الدراسات عبر النوعية 
يجب فهم كل فعل إنساني في سياق متعدد الجوانب. نفسي واجتماعي 
واقتصادي وسياسي وثقافي. في آن. الأمر الذي يجعلنا دوما في حاجة ماسة إلى رؤية 
إحاطية أو تكاملية. تستفيد من عطاء مختلف العلوم الإنسانية على وجه الخصوص. 
ومن دون ذلك ليس في وسعنا أن نتخيل طرقا ناجعة وناجزة للتعامل مع المشكلات 
البحثية والحياتية التي نواجهها. 
فإذا كان التخصص التزايد قد أفاد العلمء فإن فائدته بالنسبة إلى العاط 
نفسه هي محل شك؛ فالعالم الذي يكرس حياته كلها لمجال أو فرع علمي ضيق. 
يتحدد تفكيره بهذا المجال. ويصعب عليه الخروج عنه. مع الثورة الرهيبة في 
ا معلومات وال معارف. وبهذا يقع كثيرون من المشتغلين بالعلوم في فخ الانشغال 
بفرع واحدء ولا تنمو لديهم سوى ملكة واحدة:ء بل قد تضمر بمرور الوقت تحت 
وطأة الاستسلام للسير في مسرب علمي محدد. وتيدو حال مثل هذا الباحث 
شبيهة بإنسان له أنف ضخم وأذنان هائلتان لكن جسمه ضئيل معلق بهماء وفق 
تصور الفيلسوف الأماني فريدريك نيتشه. بل يطلق البعض عليه لقب «الهمجي 
المتعلم» ©5326 0عصندع.آ عط1 أو «العامم الجاهل»290. 
وربما أوضح الأمثلة التي يمكن ضربها هنا هو حكاية العميان الستة والفيل. 
فهم كانوا قد سمعوا عنه وأرادوا أن يعرفوه من كثبء. فطلبوا من رجل بصير أن 


/4 


منابع الخبال اتلنسياسي 


يوقفه لهم. وراحوا يتحسسونه. وحين وضع الأول يده على جسم الفيل صاح: «إنه 
يشبه الحائط تماما». ووضع الثاني يده على ناب الفيل وراح يكذب صاحبه: «عن 
أي حائط تتحدث؟ إنه مستدير وأملس وحاد. إنه يشبه الرمح, أما الثالث فوضع 
يده على أنف الفيل وقال لصاحبيه: «كلاكما مخطئ. إنه يشبه الثعبان. لكنه ثعبان 
ضخم جدا». واحتضن الرابع بذارعيه رجل الفيلء وقال لأصحابه متهكما: «حقا إنكم 
عميانء إن الفيل يشبه جذع شجرة»» وجاء دور الرجل الخامس وحدث أن للست 
يده أذن الفيل الضخمة فقال لهم: «الفيل لا يشبه أيا مما وصفتمء إنه مروحة 
كبيرة», أما الرجل السادس والأخير فكان لايزال يبحث عن جسم الفيل ليتحسسه. 
وأخيرا وقعت يده على ذيل الفيل. فقال لأصحابه: «إن جميعكم حمقىء فالفيل لا 
يشبه أيا مما قلتموه إنه حبل غليظ طويل». وغادروا الفيل وكل منهم مقتنع بما 
مسه. مكذبيا الآخرين. 
إن كل أعمى من هؤلاء يشبه المتخصص في فرع علمي صغيرء لا يلم بغيره. 
ويظن أنه يعرف كل شيء؛ ففي حقيقة الأمر أن «التخصص اللمفرط لا يؤدي فقط إلى 
عزل ال مشتغل بالبحث العلمي عن كل جوانب المعرفة الأخرىء بل يعمل أيضا على 
توسيع الفجوة بين العلم والإنسان؛ إذ يحول العلم إلى أداة فنية مفرطة في التعقيد. 
وإلى مجموعة من الإجراءات التي تقتضي تدريبا وتعليما مكثفين. ومن ثم يتباعد 
العلم تدريجيا عن الإنسان فى وجوده المتكامل ال ملحسوس.ء وفي مشكلاته الواقعية 
العينيةء ويزداد البحث العلمي عجزا عن رؤية الصورة الكلية للحياة الإنسانية. لأنه 
يفني عمره في قطاع شديد الضآلة من قطاعات عام الطبيعة أو الإنسان»9©, وبممرور 
الزمن قد يعتقد أن المسرب الضيق الذي بمر فيه هو الحياة بأسرهاء ولا يتخيل شيئا 
مختلفا عنه: أو متناقضا معه: أو حتى مكملا له. 
لكن التمرد على ضيق التخصص. والخروج منه إلى براح المعرفة الإنسانية 
الواسعة. أو استخدام عطاءات العلوم وا معارف الأخرى في تعزيز «التخصص» 
وإثرائه. ورؤية الجوانب المظلمة في الظواهر التي يدرسها ال متخصصون صار مألوفا 
لدى كثير من الباحثين في الوقت الراهنء ولهذا يقول رايت ميلز: «الحقيقة المركزية 
اليوم هي تحلل الحدود الفاصلة بين الأنظمة بصورة متزايدة. فالمفاهيم أصبحت 
تتحرك من نظام إلى آخر بيسر وسهولة متنامية. وفي هذا الشأن سنجد أن هناك 


5 


الخيال السياسي 


حالات بارزة في مجالات العمل ترتكز على الاقتصار على التمكن والسيطرة من لغة 
ميدان واحد ثم استخدامها بحذق ومهارة في المجال التقليدي لمجال اخر... ونحن 
نجد أن كل علم من العلوم الاجتماعية قد عملت على تشكيله تطورات داخلية 
ذات صبغة فكرية. كما أن كلا منها قد تأثر أيضا بصورة قاطعة بأحداث نظامية. 
وكثيرا ما كانت مسألتا التسامح والاختلاف في مجال الأنظمة القائمة بالفعل. وتشمل 
الفلسفة والتاريخ والعلوم الإنسانية. هما اللتين تحكمان ميادين علم الاجتماع 
والاقتصاد والأنثروبولوجيا وعلم السياسة وعلم النفس»0©, 

وقد ضرب راموند جيس مثلا ناصعا على استخدام الدراسات عبر النوعية 
في إطلاق خياله العلمي. حيث وظف معرفته الواسعة بالتاريخ والأدب والفنون 
واللغات الأوروبية والفلسفة لتحليل وضع السياسات العالية في الوقت الراهن. 
واستشراف مستقبلهاء في مقالات متتابعة متنوعة29. حاول فيها أن يثبت أن 
توظيف الخيال في صنع السياسات لا يقتصر على اطثاليينء أو النازعين إلى والراغبين 
في بلوغ الوضع الأمثلء بل يبمتد إلى أولئك الذين يتفاعلون بشكل جاد مع الواقع. 


رابعا: روح الفريق 

مع مطلع العصر الحديث اكتسب العلم طابعا جماعياء وم يعد جهدا فرديا 
بحتاء لاسيما بعد أن استقل عن الفلسفة, وتشعب إلى حد بعيد. وأصبح مع توالي 
أجيال من العلماء فروعا وحقولا يسعى كل منها إلى الاكتمال. وكان العلماء في 
البداية يتبادلون المعارف عبر الرسائل. ولكن سرعان ما اتضح أن الرسائل المتبادلة 
أسلوب بطيء لا يسمح بنشر المعرفة وإخضاعها لنقد العقول الأخرى وتحليلها؛ 
إذ مم تكن ظروف ذلك العصر تسمح للعلماء إلا بتبادل رسالة أو رسالتين في السنة 
كلهاء بينما كان عدد الأبحاث العلمية يتزايد ويتوالد بشكل لافتء ولذا بدت الحاجة 
ماسة إلى إنشاء جمعيات علمية» يتبادل فيها العلماء أبحاثهم ويتناقشون حولهاء ثم 
يقسمون أي عمل علمي بينهم وفق خطة مدروسة وممنهجة02. 

فمن يقفون خارج المشكلة ويطالعونها بعمقء يرونها بشكل أفضلء ومن 
يتأملون القضايا والظواهر وهم في منأى عن ال منغمسين في تلال من المعلومات 
حولها قد يكتشفون جوانب خفية على هؤلاء المنهمكين في التفاصيل حتى ذقونهم, 


76 


متابع الخيال الئيئاسىي 


وبالتالي يكون في وسع المبتعدين قليلا أن يقدموا حلولا إبداعية أو مبتكرة. ويضعوا 
أيديهم على ما ستسير فيه هذه المشكلة مستقبلاء بل يدركوا بشكل أفضل مستقبل 
الحلول التي يضعونها. 

ويطلق إدي فايتر وأرنولد براون على هذا الوضع اصطلاح «عجز المعلمين», 
ويلخصان تجربتهما في هذا الصدد بقولهما: «لن نعمد أبدا إلى التوجه إلى الأطباء 
وحدهم لساعدتنا في رؤية مستقبل الرعاية الصحية. أو إلى قادة الجيش فقط 
لتحديد مستقبل الأمن القوميء فالناس عموماء على الصعيدين المهني والشخصيء 
يعرفون كثيرا عما لديهم,ء إلى الدرجة التي تجعلهم آخر من يرى ذلك المستقيل 
بشكل مختلف»333. 

ولهذا كانت الاكتشافات العبقرية لأبرز علماء الفيزياء.ء وفي مقدمهم ألبرت 
آينشتاين. قد حدثت من خلال حوار مفتوح وصادق وبسيط بينهم»: بعد أن قضوا 
سنوات يلتقون ويتحدثون ويتبادلون أفكارا صارت فيما بعد تشكل أسس الفيزياء 
الحديثة2©. لقد اعتاد جوناس سولكء. مطور المصل الذي قضى على شلل الأطفالء أن 
يجمع رجالا ونساء من حقول ومجالات معرفية وعلمية شديدة الاختلاف ليتفاعلوا 
مع بعضهم في أثناء جلسات جماعية. وشعر بأن هذه الطريقة أسهمت في تعزيز 
قدرته على إبداع أفكار جديدة. كما أدرك أليكس أوزيورنء الأمريي المتخصص في 
الإعلانات. أهمية العصف الذهني في إنتاج أفكار جديدة. وسعى إلى خلق بيئة 
خالية من كل القيود.ء تشجع على إطلاق العنان للخيال لمجموعة من الأفراد تلتقي 
لتناقش فكرة أو تحل مشكلة معينة(05. 

وفي العلوم الإنسانية. يؤمن رايت ميلز بأن «الحلقات النقاشية» عن المشكلات:. 
والمناهجء والنظرياتء بوسعها أن تسهم في فهم الظواهر بشكل أعمقء والتنبق 
بمستقبلهاء ويدعو إلى ضرورة أن تنصب هذه الحلقات على العمل أو الفكرة التي 
يكون المتناقشون بصددهاء ويجب أن يهتدي العمل بنتائجها9©. ولعل فيما قدمته 
مدرستا «براغ» و«فرانكفورت» ما يبرهن بجلاء على أهمية العمل بروح الفريق من 
أجل إبداع الجديد. ومحاولة كشف غموض ما سيأق. وقد تكون القاعدة المناسبة في 
هذا الخصوص هو أن حاصل تخيل عدة أشخاص سيكون بالقطع أفضل وأكثر دقة 
من تخيل شخص واحدء ويمكننا أن نطلق على هذا «الخيال الجمعي» 


77 


الخبال النبيائنبى 


وهو حالة أكثر إحكاما وتحديدا من اصطلاحات مثل «المخيال الشعبي». الذي يعير 
عما تنتجه جماعة بشرية واسعة من أساطير وحكايات تمجدها وتحافظ على تماسكها. 

ويعول الفيلسوف البريطاني الشهير برتراند رسل على «الفهم المشترك» لإعانته في 
التوصل إلى نتائج جيدة. وتصل درجة اعتماده له في أداء هذه الوظيفة إلى حد قوله: 
«لا أرفض الفهم المشترك إلا حينما يقوم ضده برهان قاطع»7©. 

وهذا النوع من الفهمء بالنسبة إلى رسلء لا يشكل مجرد تصور أو رؤية: إنما هو 
نهج أو اقتراب علميء فها هو يوضح: «أدركت أن الاستدلالات التي يستخدمها الفهم 
المشترك أو العلم هي جميعا من نوع مختلف عن الاستدلالات التي يستخدمها المنطق 
الاستنباطي» وأنها من نوع تكون فيه النتيجة احتمالية عندما تكون مقدماته صادقة 
والتدليل صحيحا»9©. وبذا فهو يضع هذه الطريقة من الفهم في مصاف العلم. 

ويعتمد «الفهم المشترك» على مجموع ما نصل إليه من شهادات الآخرينء 
وحاصل تجاربهمء وبذا يتيح لنا ما تصل إليه عقول مختلفة. وعقلان قد يكونان 
أفضل من عقل واحدء. وثلاثة أفضل من اثنين.... وهكذا. 

ووفق رسلء الذي يضع عددا من المسلمات المنطقية للبرهنة على أهمية الفهم 
المشترك في الوصول إلى الحقائقء فإن «قدرا كبيرا مما نقبله دون شك فيه يقوم - 
بوصفه معرفة - على شهادة الغيرء وشهادة الغير بدورها تقوم على اعتقادنا بأن 
هناك عقولا أخرى غير عقولناء ووجود عقول أخرى لا يبدو للفهم ال مشترك عرضة 
للشك. وأنا نفسي لا أجد مطلقا ما يبرر لنا أن نختلف مع الفهم المشترك في هذا 
الصدد. لكن لا أشك في أنني لا أنتهي إلى الإيمان بعقول الآخرين إلا عن طريق 
خبرات وقعت لىي»7. 

وكما هي الحال في العلم فإنه في الإدارة. بدا العلماء والممارسونء على حد سواء. 
يدركون منذ مطلع ثلاثينيات القرن العشرين أن القرار الذي تصنعه مجموعات ممكن 
أن يكون أكثر دقة وعمقا واتساعاء لأنها تأي بما لا يمكن لفرد وحده أن يصل إليه. 
علاوة على أن الأفراد يكونون أشد التزاما بتنفيذ القرارات التي اشتركوا في اتخاذها. 

وهناك عدة هزايا لهذا الأسلوب في التفكير والتدبيرء منها أنه يتيح تدفق 
المعلومات والخبرات من قرائح عدة. فتتسم بالغزارة, قياسا إلى ما يمكن أن يقوم به 
فرد واحدء وأنه يسمح بتعدد وجهات النظرء وإكسابها موضوعية» مبتعدا بها عن 


/,8 


فبتائع الخيال الستانننيت 


الذاتية التي يمكن أن تعيب القرار المنفرد.ء وهي تشبع - في الوقت نفسه - الحاجة 
إلى تقدير الذات لدى المجتمعينء فتعزز انتماءهم. 

لكن هذا يشترط توافر بيانات ومعلومات كافية أمام أفراد المجموعة. وأن 
تتوافر لهم فرصة البحث في اتجاهات متعددة, فنية وإدارية وسياسية واجتماعية. 
كما يشترط عدم الاستسلام للإجراءات البيروقراطية الصارمة أو الروتين ال معتاد. 
وسيادة روح التعاون بين المديرينء وعدم سيطرة أحد الأفراد على النقاش. وفرض 
وجهة نظره على الآخرين!2". 

فتوافر هذه الشروط سيسهم - إلى حد كبير - في شحذ الخيالء لأنه سيكون في 
هذه الحالة حاصل تفاعل قدرات تخيلية لمجموعة من الممكن أن يكون كل واحد 
منها قد أتيحت له. في المسافة الزمنية بين تحديد موضوع اللمناقشة وبين إجرائها 
بالفعل. فرصة جيدة في يفكر في جوانبه كافة. أو يقلبها على مختلف وجوههاء 
ويخرج بخلاصات محددة. 

ويتجلى التفكير الجماعي في أعلى صورة من خلال خلايا أو مجموعات الأفكار 
أو بيوت الخبرة علمة؛ عاهنط1. حيث تعكف مجموعة من الخبراء على دراسة 
ا لمشكلات المقترحة عليهمء ويضعون لها حلولا. فإذا كانت المشكلة التي ينظرونها 
سياسية. فإنهم في حاجة ماسة إلى «خيال سياسي» فياض!41. 

ويعد «العصف الذهني» من الطرق التي يمكن أن تترجم بها «روح الفريق». وهو 
نوع من «إمطار الدماغ» و«القصف الذهني» و«تدفق الأفكار». ولذا فهو طريقة 
مهمة لحفز الخيالء والتدريب على التفكير الإبداعي أو الخلاق؟ إذ إنه يقوم أساسا 
على توليد وإنتاج أفكار غير مألوفة وعفوية, أو جديدة. لحل مشكلات معينة. بعد 
وضع الذهن في حالة من التحفز القوي في يعمل بطاقته كاملة, في جو من الحرية 
والتجريب المفتوح بلا تحديد ولا تقييدء والبناء على أفكار الآخرينء أو التوليد منها. 

ويمر العصف الذهني بعدة مراحل. هي: تحديد المشكلة وتحليل عناصرها 
الأساسية. ثم توفير المناخ المناسب للنقاش. ووضع تصور للحلول بواسطة المشاركين. 
وتجميعها وإمعان النظر فيها لاختيار أفضلهاء وذلك عبر آليات معينة. منها أن 
يناقش الجميع الموضوع في وقت واحدء. سواء كانوا مجموعة واحدة صغيرة» أو عدة 
مجموعات. إن زاد عددهه 2 ْ 


#9 


اتخبيال النبنانسشي 


ويبلغ حفز الخيال مداه في العصف الذهني حين يجري التعامل مع الأفكار 
الغريبة التي أوردها البعض أو المجموعة بجدية كاملة, وإعادة صياغتها بما يجعلها 
مستساغة علمياء فالعصف الذهني مرده إلى ما أسماه أليكس أوزبورن «التخيل 
التطبيقي». والذي رأى أنه طريقة أكفأ من العمل الفردي في إنتاج الأفكار43, 

ويمكن استعمال «العصف الذهني» في السياسة شأنها شأن التعليم والصناعة 
والإدارة المكتبية وإدارة الأعمال. لكن ليس من اللمنتظر أو المتوقع أن يتم هذا في 
اتخاذ القرارات لدى البنية العليا للسلطة السياسية: التي لديها طرق أخرى في صناعة 
القرار واتخاذه. إنما يمكن أن يجري على المستويات الأدنى. سواء داخل الإدارات 
ا محلية. أو المجالس الشعبية المحلية. خاصة تلك التي تعاني الجمود والاستسلام 
للطرق التقليدية في تسيير الأعمال. وبوسع الأحزاب السياسية أيضا أن تدرب شبابها 
على مثل هذا الأسلوب؛ فينطلق خيالهم السياسي إلى حد بعيد. في مناقشة برنامج 
الحزب. ووسائله في التعبئة والحشد والتربية السياسية. وتوسيع قواعده الاجتماعية, 
وزيادة درجة تأثيره ونفوذه. كما مكن للحركات الاجتماعية المسيسة أن تفعل الأمر 
نفسه في سبيل تعميق أهدافهاء وتوسيع دوائر الاقتناع بخطابها ومسلكهاء والأمر 
ذاته ينطبق على مؤسسات المجتمع المدنفيء التي تسعى إلى مساهمة خلاقة في دفع 
شروط الحياة إلى الأمام. 

ويمكن أن يتم «العصف الذهني» إلكترونياء من خلال اجتماع ا معنيين باتخاذ 
قرار في غرفة مغلقة. وأمام كل منهم حاسوبء مرتبط بجهاز تحكم مركزي. ثم 
يبدأون. كل على حدة. في وضع ما يرونه من حلول للمشكلة التي يتدارسونها كما 
يعن لهم وفي سرية تامة. ليبدأ بعدها تجميع المقترحات وتصنيفها واختيار البدائل 
الأفضل عبر التصويتء وبعدها تعتمد. توطئة للعمل بها. 

ولا نبالغ هناء ومن زاوية سياسية. إن قلنا إن حالة الحشد والتعبئة التي 
سبقت انطلاق انتفاضات وثورات عربيةء مع مطلع العقد الثاني من القرن الحادي 
والعشرين في بلدان عربية عدة. تخللها نوع مختلف من «العصف الذهني» 
الإلكتروني العفوي والجامح» عبر توظيف مواقع التواصل الاجتماعي”**. والتي 
كونت شبكة اجتماعية مفترضة بسرعة قصوىء وراكمت ال معلومات والرؤى والأفكار 
حول الهدف المقصود. لتعوض مرحليا ما عجز الناس عن تكوينه وتشكيله في الواقع 


560 


منائع الخثيال السياسى 


امعيش من شبكات اجتماعية حقيقية, وتزودهم بقدرة على الخروج من «التفكير 
الدائري» الذي كان يصم اجتماعات القوى السياسية الراغبة في التغيير2“, وتمنح 
خيالهم السيامي طاقة متجددة. 

لقد «أثبتت ثورة يناير المصرية أن مفهوم التواصل الاجتماعي الجماهيري 
وآلياته اختلفا جذريا. فمتلقو الرسائل الإعلامية على اختلافهاء أو المتخاطبون عبر 
وسائل التواصل الاجتماعيء أو متبادلو الرسائل النصية. تخلوا عن نمط المشاهدة 
السلبية حينما استشعروا أن المشاهدة المرئية للحوادث عبر أجهزة التلفزة, أو من 
خلال التخاطب عبر الشبكة العنكبوتية. استنفدت أغراضها التواصلية. لذاء غيروا 
أشكال تواصلهم الجسدي هذه المرة. فخرجواء واحتشدواء وتظاهرواء وحضروا في 
الميدان.ء وشكلوا بأجسادهم. أي عبر حشودهم البشرية» وسيلة أخرى من وسائل 
التعبير والتواصل الجماهيري كانت أفعل وأقدر وأشد تأثيرا»©. 

إن وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن صارت «منير من لا منبر له» باتت تحوي 
قدرة عجيبة على ممارسة عصف ذهني كثيف ومتواصلء عبر ما تبثه فوريا وبشكل 
سريع ومتتال من الصعب أن تجاريه وسائل الإعلام التقليدية77. 

ووسائل الاتصال الرقمية: بما وفرته من «حرية افتراضية»9*. أعادت النظر في 
الاحتجاجات الاجتماعية على عدة أوجه”*. أولها أن مرجعية التفاعل في المجتمع 
غير الواقعي هي مرجعية معرفية بالأساس؛ ذلك لأن الذي يحرك الاحتجاج عبر 
الإنترنت هم النشطاء الجدد أو النخب المعلوماتية الذين شكلوا طبقات أو نخيا 
سياسية جديدة. وثانيها أن هذه الوسائل تتيح فرصة أمام تشكل تفاعلات إيجابية 
تتسم بسهولة التواصل عبر الإنترنت. وهي مرونة تتجالى عبر تشكل ما يمكن تسميته 
الأبعاد المماثلة. حيت اتساع القدرة على توحيد الأهداف العامة للاحتجاج في العام 
الافتراضي. وثالثها هو الاستثمار العاطفي. حيث استغلت النخبة الشبكية الجديدة 
تقنيات الاتصال في التعبئة العاطفية للمتفاعلين ي يلتفوا حول الشعارات والقضايا 
التي يتبناها الاحتجاج. وذلك بدفعهم من المجتمع الافتراضي إلى المجتمع الواقعي. 

وبالطبع فإن هذه الطريقة ليست عصفا ذهنيا بالمعنى المتعارف عليه, لكنها. 
ومن دون ترتيب من أصحابهاء اتبعت بعض طرائقه واستلهمت «روح الفريق»» 
فبدا المشاركون فيه أشبه بدفقات مياه. تنهمر من كل حدب وصوبء وتتجمع 


531 


الخيال السنيياسىي 


في نهيرات» لا تلبث أن تصب في نهر عميق وواسع من الغضب والحنقء والرغبة 
الجامحة في التغيير. 

وهناك صور أخرى من العصف الذهني”©. مثل «التسجيل الذهني» صنهة:8 
8غ وهو أحد أشكال العصف الذهني غير اللفظيء ويطبق مبادئه وقواعده 
كافة. حيث يبدأ بتحديد المشكلة المراد حلهاء ثم يجتمع المشاركون في شكل دائرة, 
ويسجل كل منهم أفكاره في ورقة خاصة. ثم يسلمهاء بعد فترة يقرها قائد ا مجموعة, 
إلى زميله الذي يجلس إلى جواره» ليبدأ كل فرد في إضافة أفكاره إلى الورقة التي 
تسلمهاء مع مراعاة عدم التكرارء وتنقل الأوراق بعد هذا في الدائرة. ويتم تكرار 
تسليم الأوراق وإضافة الأفكار.ء بحيث تمضي عملية تناقل الأوراق بين أفراد ا مجموعة 
ثلاث مراتء. ويمكن تكرار العملية طرة رابعة إن اقتضى الأمرء وينتهي الأمر بقراءة 
قائد المجموعة للأفكار المدونة بصوت يسمعه الجميع: ثم تتم مناقشتها وتقييمها. 

وهناك أسلوب التأليف بين الأشتات.ء الذي يعتمد على توظيف أشكال الاستعارة 
والمجاز والتمثيل أو ال مشابهة بصورة منظمة بغية التوصل إلى حلول مبتكرة للمختلف 
المشكلات. وتجنبنا هذه الطريقة عيوب الانغماس في المشكلة والتآلف معها بما 
يجعلنا لا نرى حلولهاء عملا بالحكمة السابغة التي تقول إن من هو أبعد عن 
المشكلة يراها بشكل أفضل من المستغرق فيهاء كما سبقت الإشارة. 

وتتضمن هذه العملية نوعين من النشاط: الأول هو جعل الغريب مألوفاء 
عبر ثلاث عمليات عقلية هي: التحليل والتعميم والتمثيل. والثاني جعل المألوف 
غريباء بما يتيح للفرد رؤية جديدة للعام والناس والأفكار والمشاعر والأشياء بشكل 
أفضلء اعتمادا على عاملين: أولهما يرتبط بالحالات النفسية التي تقوم بدور مهم 
في العملية الإبيداعية. حال تجنب تذبذب ال مبدع مسألة الاستغراق في المشكلة التي 
تشغله. ويبحث عن حل لهاء ومقاومة الشعور بالرضا حيال الحل الأوَلِي الذي تم 
بلوغه حتى لا يحول دون البحث عن حلول أفضلء. وإعطاء العقل فرصة أكبر 
كي يلعب بالأفكار والصور المتصلة بالحل الذي جرى التوصل إليه. وشعور المبدع 
باستقلالية فكرته. والإحساس بمتعة إدراك الحل الأنجع. وثانيهما يتعلق بالأساليب 
الإجرائية التي من شأنها أن تقوم بدور المحفز والباعث للحالات النفسية السابق 
ذكرهاء بما يشجع على التفكير الحرء ويقاوم الجمود والتحجر الذهني. 


052 


منابع الحبأل السياسي 

وهناك أسلوب النزهة العقلية عناوتصطءء1' «منأسعداءءاظ الذي تلجأ إليه حال 
إخفاق المجموعة في التوصل إلى حل للمشكلهة المطروحة رغم تجريب العديد من 
الإجراءات الإبداعية المشار إليها سابقا أو غيرها. وتمر هذه الطريقة بأربع خطوات. 
الأوى: هي النزهة. حيث يطلب قائد المجموعة من كل فرد فيها أن يغمض عينيه 
ويتخيل أنه في رحلة. ويجرد ذهنه من التفكير في المشكلة. ثم يعود من شروده بعد 
خمس أو عشر دقائق ليدون ما دار في مخيلته. والثانية: هي رسم ال متناظرات» حيث 
يطلب قائد المجموعة من كل فرد أن يرسم ما يتناظر مما رآه في رحلته مع المشكلة 
المطروحة. والثالثة. والتي تتطلب قدرة على التفكير الإبداعي ورؤية ال مستقبل. هي 
التقييم واستيعاب النتائج. وتقوم على تحديد كل فرد المعاني الحقيقية للعلاقات 
التي ظهرت في الخطوة الثانية» بما يعين على توظيف هذه العلاقات بعد استيعابها 
لحل المشكلة. والرابعة: هي تبادل الخبرات. حيث يتبادل المشاركون النزهات 
والمتناظرات والحلولء بما يقودهم إلى التوصل إلى أفكار جديدة. 

وهناك طريقة «ماذا لو؟»., التي تقوم على طرح كل الاحتمالات والبدائل بشكل 
افتراضي بناء على دراسة جيدة لمعطيات الواقع. وتوجد طريقة تعتمد على إعادة 
طرح المشكلةء بتحديدها وتعريفها - فقد يكون التحديد والتعريف الأولي غير 
صائب - وذلك عبر طرح الأسئلة والافتراضات التي تمثل جوهرهاء وتصور الوضع 
المثالي للحلولء ثم وضع الإجراءات التي تمكننا من بلوغه أو الاقتراب منه. 

وهناك طريقة «التخيل المؤطر» الذي يعد وسيلة للتوصل إلى درجة كبيرة من 
المعرفة والحقائق والأفكار والخبرات والصور المختزنة في الدماغ. ونقلها من مدار 
اللاشعور إلى الشعور. وتبدأ تلك الطريقة باختيار ما نريد أن نتخيله. سواء كان 
موقفا أو إجراء أو حلاء وما إذا كانت هناك أشياء أخرى ترد إلى الذهن. وكيف ممكن 
وصف الشيء في حالته المثالية» والموقف أو الشيء الأفضل مما لديناء ويعدها تبدأ 
عملية الاسترخاء الذهني التام. وترك العقل يتنقل بحرية تامة بين الأفكارء وتسجيل 
كل ما يرد على الذهن منها ودراستهاء واختيار المفيد منهاء ثم الابتعاد عنه لمدة 
محددة. ثم العودة إليه. لدراسته. . 

وتوجد طريقة تسمى «لائحة الأفكار الجديدة» التي تشجع على التفكير اللتنوع» 
وتعتمد على تحديد الشيء المراد تغييره. ثم النظر في مختلف الطرق التي يجب 


03 


الخيال السياسى 


أن نسلكها في سبيل بلوغ هذا! التغيير. عبر طرح حزمة من الأسئلة عما إذا كان من 
ا ممكن استخدام هذه الطرق في مجالات أخرىء أو ما إذا كان ا مطلوب هو تكييفها 
أو تعديلها أو تصغيرها أو تقسيمها أو دمجها أو حذفها أو إعادة ترتيبها. 

وهناك الإثارة الذهنية 280702410 التي تقوم على تجريب الأفكار واختبارهاء 
كأحد أساليب التفكير الجانبي. الذي يتجاوز السبل التقليدية التي نسلكها ونحن 
نفكر في حل للمشكلات. وتبدأً الإثارة الذهنية باختيار نقطة بداية للحلء غير كل 
تلك المحددة مسبقاء حتى لو كانت حلا ساذجا أو سخيفاء وعدم التوقف أمام 
منطقيته أو صدقه. لننطلق منه نحو توليد أكبر عدد ممكن من الأفكارء تزداد 
رشادتها ومنطقيتها وصدقها بالتدريج حتى نصل إلى حل إبداعي حقيقي. 

وتوجد طريقة «افعل ذلك». وهي عملية بسيطة للإبداع تبدأ بتحديد المشكلة. 
والتفتح العقلي حيالهاء وتحديد أنسب الحلول لهاء وتنفيذ الحل الذي جرى وضعه 
وتحويله إلى واقع. 

إن كل هذه الطرق والأساليب تنطوي على تطبيق ل «روح الفريق» في التفكير, 
وهي لا تدع هذا الفريق يلتقى من دون «خريطة طريق» أو على الأقل «حزمة 
إجراءات» يجري بمقتضاها الاستفادة القصوى من حصيلة التفكير الجماعي. فإذا 
كان الأمر يتعلق باستشراف المستقبلء فإن مثل هذه الإجراءات لا تدع الخيال.» حتى 
لو كان حراء يتناثر بعيدا عن المسار المقصود., والغاية المنشودة من عملية التنبؤ. بل 
يصب فيهاء فيوسعها ويعمق مجراهاء ويصل بنا في نهاية المطاف إلى كشف غموض 
الاي بقدر المستطاع. 


خامسا: الخيال المنطقي الخلاق والتفكير الجانبي والتباعدي 

يقصد بالخيال المنطقي الخلاق «الانطلاق الذهني في المستقبلء ومحاولة 
استكشاف الأشكال المتوقعة للعالم ولسكانه استكشافا متسقا مبنيا على التعقل 
والتبصر والحجة والأناة. والخيال يوصف بأنه منطقيء بمعنى أنه ينتقل بشكل 
منظم من مقدمات يختارها ويحددها أولئك الذين يتأملون المستقبل إلى نتائج 
مستخلصة منها ومترتبة عليهاء من دون أن يتخذ ذلك شكل التقيد والالتزام المطلق 
بقواعد وقوانين وبراهين قائمة. وهنا تكتسب خاصية الخلق والابتكار معناها 


84 


منابع الحبال السيياسشىي 


الحقيقي. فهي تنبع من الشك المنهجيء بدلا من التسليم البديهي بصحته وسلامته: 
إذ لو فعلنا ذلك لما تيسر اكتشاف الجديد. أو الانتقال إلى المجهول»51. 

والعملية الإبداعية عموما هي «القدرة على تشكيل أنماط أو بناءات مستحدثة, 
لأداء أفعال جديدة.: ولحل مشكلات جديدة»2©, لكنها لا تقف عند حد الاكتفاء 
بحل المشكلات القائمة. إنما تتجاوز هذا إلى امتلاك القدرة على اكتشاف مشكلات 
أخرىء قد تكون كامنة. أو محتمل حدوثها في ال مستقبل. وكذلك وجود إنتاج جديد 
وذى قيمة37). وهنا يغذي الخيال هذه القدرة الإبداعية. كما يحتاج الخيال نفسه 
إلى إبداع» أو يكون الاثنان في حالة تواشج وتعانق وتبادل منافع ومواقع, فتكون 
القاعدة هكذا: «حتى تبدع فأنت تحتاج إلى قدر من خيال. وحتى تتخيل يجب 
أن تمتلك عقلا مبدعا». ولكن حتى لا يكون التخيل ضربا من الأوهامء لا بد من أن 
ينبني على منطق, أو يكون خيالا يتلمس طريق العلم ولا يحيد عنه. 

وهذا الإبداع القائم على العلم تحتاج إليه الإنسانية باستمرارء لاسيما في وقتنا 
هذاء حيث يقود الإبداع التغيير الاجتماعي والاقتصادي. وهذا ما حجرى خلال القرن 
الحالي. بعد أن صار الإبداع مصدرا ل «اطيزة التنافسية». وبابا لإنجاز ا مشروعات 
الاقتصادية والثقافية.ء حيث تقود المعرفة والأفكار المبتكرة إلى تكوين التروة 
والتحديث,. وتشكل التقنيات الجديدة قوام الحياة اليومية للبشر**. وبالتالي يكون 
الإنسان في حاجة ماسة إلى إطلاق العنان لخيالهء حتى يسابق الزمن» أو يلاحق 
التطورات التي تفرض نفسها بشدة على الواقع. 

لكن هناك من رأى أنه يجب ألا نتوقف عند «التفكير المنطقي الخلاق» فحسبء 
بل نذهب إلى التفكير الجانبي الذي هو أسلوب لحل المشكلات بطريقة غير تقليدية 
أو غير مألوفة. عبر شحذ الطاقة الذهنية إلى حدها الأقصى. وهو ليس شكلا سحريا 
جديداء بل طريقة أكثر إبداعية في استخدام العقل. 

وقد ارتبط هذا المفهوم بإدوارد دي بونو الذي طور هذا النوع من التفكير وفق 
تصوره عن الآلية التى يعمل بها الدماغ. موظفا معطيات علم الأعصاب. 

وببدأ دي بونو كتابه الشهير عن هذا النوع من التفكير بسؤال مفاده: «طماذا 
يأق القليل من البشر بأفكار جديدة في حين لا يفعل آخرون ذلك مع أنهم يتمتعون 
بدرجة الذكاء ذاتها؟ أعتبر التفكير المنطقي الشكل الأمثل لإعمال العقل منذ عصر 


055 


الحنا!) النندعائننئ ‏ 


أرسطو إلى أن تبين أن الأفكار الجديدة وما فيها من مناورة مم تتمخض بالضرورة عن 
عملية تفكير منطقي. هناك نوع آخر من التفكير لا يعرفه إلا قلة من الناس؛ لأننا لا 
تميزه إلا عندما يقود إلى أفكار بسيطة تتجلى فقط عند التأمل فيها»(55. 

ولا يعني هذا أن دي بونو قد طرح هذا النوع من التفكير بديلا للتفكير 
العمودي الذي يتبع التسلسل المنطقيء بل يراهما متكاملين. إذ يقول: «نلجأ إلى 
التفكير الجانبي عندما يعجز العمودي عن إيجاد حل لمسألة تحتاج إلى فكرة جديدة, 
فالأفكار الجديدة بحاجة إلى تفكير جانبي؛ لأن العمودي محاصر بحدود بنيوية تمنعه 
من أداء هذه المهمة ولا يستطيع أن يتجاهل هذه الحدود لأنها تمثل ماهيته»©5. 

ولعل المثل البسيط الذي يمكن أن يُضرب تتبيان التفكير الجانبي أن بوسعنا 
أن نصف بناية شاهقة من خلال المخطط المعماريء بدء١‏ من أساساتها تدريجيا 
حتى نصل إلى قمتها وبشكل محسوب بدقة. لكن ليست هذه هي الطريقة 
الوحيدة التي تمكننا من الوصفء. بل يممكننا أن نتجول حولها وننظر إليها من 
جميع الزواياء وبعد تركيب الصور التي جمعناها يظهر البناء أمام أعيننا أكثر 
واقعبة من دراسة اللخططات. 

والتفكير الجانبي ليس تفكيرا جنونيا ولا عشوائياء فهو يستند إلى موقف وعادة 
عقلية. وفي الوقت نفسه إلى الهروب من الفكرة السائدة. والتحلي بال مرونة المطلوبة 
في إعمال الذهن. والتبصر في التعامل مع الأشياء والأفكار. وربما تأت الإشراقة بغتة 
بعد الانشغال بالمسائل والمشكلات التي يراد حلها. 

ولي نفعل شيئا ما للوصول إلى أفكار جديدة يمكننا أن ننتهج طريقتين: الأولى هي 
محاولة تحسين السبل المتبعة. والثانية هي معرفة وإزالة كل ما من شأنه إعاقتها””. 

ويعتمد التفكير الجانبي على التفكير بالمخالفة. فمثلاء بدلا من أن نفكر كيف 
يبتكر المخترعونء نفكر في لاذا لا يخترع غيرهم؟ نبحث في الغباء ي نفهم الذكاء. 
ولذا فهو يقوم على أربعة مبادئ. هي: تمييز الأفكار السائدة والمستقطبة؛ والبحث 
عن رؤية جديدة للأشياء؛ والتخلص من السيطرة اللمتزمتة للتفكير العمودي؛ 
والاستفادة من المصادفة. 

ويساعد التفكير الجانبي على تغذية «الخيال السياسي» من زوايا عدة. فهو 
يكسر القيود التي يفرضها التفكير العمودي كمنهج لتوليد أفكار جديدة. ويفيدنا 


56 


متابع الختال النسياسى 


في توليد هذه الأفكار وتجديدهاء خاصة أنه يفتح أبوابه أمام الجميع. ويعتمد على 
الذكاء الملحض. 

أما التفكير التباعدي فيعني توليد وإنتاج معلومات جديدة من أخرى معطاة: واللجوء 
إلى حل إبداعي للمشكلات المطروحة. ويحتاج هذا إلى ثلاث خطوات أساسية. هى!69: 

(1) تأجيل الحكم على الأشياء لحين الانتهاء من توليد عدد كبير من البدائل 
والاحتمالات. 

(2) السعي نحو تحصيل أكبر عدد من الأفكارء وفق التصور الذي يرى أن 
الأفكار المميزة تنتج من أفكار كثيرة. 

(3) ترك العنان للخيال لتجاوز المألوف في البحث عن أفكار إبداعية. 

وينحو التفكير التباعدي إلى الابتكار الذي يتطلب انفتاح الفرد على الأفكار 
والمعلومات الجديدة. والبحث عنها في مختلف المصادر. ثم استخدام الحلول 
ا مبتكرة للمشكلات. عبر توليد أفكار جديدة. ثم الأخذ بوجهات النظر الجديدة, 
والإمام بالمخاطر التي تتضمنها””. 


سادسا: نظرية ال مباريات 

ويطلق عليها أيضا نظرية الألعاب ر«معط) عدمهت. وهي عبارة عن تحليل 
لتضارب المصالح أو تصارع الأهداف يستخدم الرياضيات بغية الوصول إلى أفضل 
خيار ممكن. لاتخاذ القرار الأكثر رشدا. ورغم أن أصل هذه الطريقة مستند إلى 
ما يتبع في ألعاب التسالي من قبيل «البوكر» و«الداما» و«إكس» فإنها جذبت 
انتباه علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع وخبراء الحرب وتحليل الصراعات69, 
وساعدتهم. بشكل ملموسء على دراسة البداتل والخيارات والتقاط الأفضل. من 
خلال التفسير العقلانى المجرد الذي يجمع بين ال منطق والرياضيات. 

ويرى عام السياسة كارل دويتش أن «المباريات» منهج يستند إلى وجود تشابه 
كبير بين بعض لعب امباريات الاعتيادية. وبعض الحالات الاجتماعية المتكررةء ولذا 
فحين نجد تشابها بين الأمرين فإن من الأجدى أن نحلل المباريات ابتداء. بدلا من 
الحالات الاجتماعية, فنفهم من الحالات الأولى التي هي أقل تحديداء الكثير عن 
الثانية, التي هي واسعة ومفرطة في التعدد والتعقد والغموض. 


87 


اتخبال الننئياسب 


ويتفق مارتن شوبيك مع دويتش في الرأي. ويرى أن هذه النظرية تعطينا 
طريقة مهمة لدراسة صناعة القرار في حالات الصراع أو التعاون عبر عمليات 
رياضية محددة. وهي في نظر ستيفن برامزء مجموع القواعد التي تربط اللاعبين 
أو المؤتلفين''). وفضلا عن صناعة القرار في السياسات العامة والمحليةء والمنافسة 
الحزبية. يستعمل العسكريون هذه النظرية للتنبؤ بالخطوة القادمة التي سيقدم 
عليها العدو في الحرب. 

واطباريات نوعان: الأولى مباراة صفرية» وهي امباراة التي تتساوى فيها مكاسب 
اللاعب الأول مع خسائر اللاعب الثاني أو العكسء بحيث يحصل الرابح على كل ثيء 
ولا يحصل الخاسر على شيء. ومن ثم تبقى محصلة هذه المباراة هي الصفرء وتكون 
مغامرة ومقامرة كاملة بالنسبة إلى المتنافسين أو المتصارعين. 

ومن الأمثلة على هذا النوع من الطباريات معركة «الثغرة» عط 4ه 826416 عط" 
ععآناظ بين القائدين العسكريين. الأمريى أوماد برادلىي والأماني فون كلوغ. عقب 
غزو الحلفاء لنورمانديء والتي استمرت من 16 ديسمبر 1944 إلى 25 يناير 1945: 
ضمن مجريات الحرب العاطية الثانية. وكذلك معركة بحر بسمارك البحرية خلال 
الحرب العاطية الثانية أيضا بين القوات البحرية الأمريكية واليابانية. 

أما الثانية فهي المباراة غير الصفرية. وهي امباراة التي تفرض وجود مساحة 
واسعة للتنسيق والتعاون بين طرفي عملية الصراع. حيث إنهما قد يخسران معا أو 
يكسبان معا. أي أن اللاعبين لديهما مصالح تنافسية وتعاونية في الوقت نفسه. 

وتفترض هذه النظرية وجود مجموعة من اللاعبين يرمي كل منهم إلى تحقيق 
ربح كامل على حساب غيره. أو إنجاز وضع حسن للجميع» وتختلف نظرة كل طرف 
إلى الريح والخسارة وفق عدة معايير منها: القيم التي تسيطر على سلوك الأطراف 
المنخرطة في اللعبة. والقواعد التي تحكمهاء وحجم المعلومات المتوافرة لدى كل 
منهماء وإدراكاتهما المتبادلة. وبيئة اللعب. ومراقبة كل حركة يقوم بها الطرف نحو 
تحقيق هدفه وتعديل الاختيارات بناء على هذا. 

وعلى رغم أن نظرية المباريات تستخدم بالأساس في تفسير السلوكء فإن «بنيتها 
التصورية هي التنوير»2©. ولذا يمكنها أن تساعد على تخيل ما سيأ وفق ضوابط 


أو محددات عقلانية. 


066 


متانع الخيال السنياسى 


سابعا: توظيف الخيال الإبداعي 

يخبرنا رافت ميلز بأنه حين كان بصدد تأليف دراسته المهمة عن «الطبقات 
العليا» في المجتمع الأمريكي. ظل يقرأ للأديب الفرنسي أونوريه دي بلزاك. مرة بعد 
أخرىء وأخذ كثيرا مما كرس له نفسه من اهتمام بتغطية جميع الطبقات والأنماط 
الرئيسية في المجتمع7©». وذلك يرجع إلى أنه كان يؤمن بأن «الرواتيين الذين تتجسد 
في أعمالهم أكثر التعريفات انتشارا للواقع البشريء كثيرا ما يمتلكون هذا الخيال 
العلمي الاجتماعيء ويفعلون الكثير لاستيفاء متطلباته»9. 

وليس ميلز بالقطع هو الأول ولا الأخير الذي يستفيد من الأدبء. لاسيما القصة 
والرواية والمسرحيةء في فهم المجتمع. أو تحليل سلوكيات البشرء فأمثاله كثرء 
ومسارهم ازداد رسوخا إلى درجة ميلاد علم «اجتماع الأدب» و«اجتماع الرواية», بل 
صارت الرواية التاريخية أحد مصادر التأريخ. وهي بقدر ما تضيء بعض الجوانب 
المظلمة للقديم فإنها تجلي بعض غموض ما سوف يأتي. 

فالأعمال الأدبية وما يشبهها تعد في بعض جوانبهاء أو كلها أحياناء «ابتكارات 
لعوامم اجتماعية بديلة للعامم الاجتماعي الحقيقي. وتخضع لعوام خيالية في 
الأحجام وأنماط السلوك والقيم وامثل العليا والأخلاق... إلخ. ولكنها في الحقيقة 
تكون نقدا غير مياشر للعالم الحقيقي ولقواعده المستقرة. فتصبح نوعا من المجاز 
الإيداعي الواعي والقاصد. يشير إلى المجتمع الحقيقي الفعلي القائمء أو يكون 
نوعا من الاستقرار اللازم أو البديهي ما قد يترتب على قيام واقع حقيقي يشبه 
الواقع الخيالي في مضمونه. وليس في شكله ولا في أساليبه. وإنما يشبهه أو يتعارض 
معه تعارضا رأسيا كاملا فيما يعتبره كل منهما خيرا أو شراء مرذولا قبيحا أو 
مقبولا وجذابا»5. 

لهذا يعتبر زي نجيب محمود أن الأديب هو مصباح يضيء معام الطريق» 
ويقول إنه «ليس رجعا للصدى؟ وقد تكون هداية المصباح كشفا لما هو جديد. أو 
تحليلا للقديم من شأنه أن يعري الأسس المخبوءة لتنكشف فيها مواضع التعفن 
والتأكل. أما كيف تكون هذه الهداية أو هذا التحليل. فأمر متروك لقواعد الفن 
الأدي660, وهذه القواعد تعتمد في جانب كبير منهاء فضلا عن التشكيل الجمالي 
للغة. إلى فهم التخيل والتخييل. 


59 


الخيال السياسى 


ويتفق معه فؤاد زكريا في هذا الرأي. ويذهب إلى أن «جوانب التشابه بين 
٠‏ النشاط الذي بمارسه الإنسان في العلم وفي الفنون والآداب أقوى مما يبدو للوهلة 
الأولى». ويدعو إلى التأمل في دور الخيال في هذين الميدانين» ويقول: «إننا نتصور 
عادة أن الخيال ملكة ذهنية لازمة للفنان والأديب وحدهماء على حين أن العام 
الذي يأخذ على عاتقه مهمة وصف الواقع على ما هو عليه. من دون أي إضافة 
من عنده. لا بد أن يستبعد الخيال من مجال عمله. ولكن حقيقة الأمر أن العالم, 
وإن كان يلتزم بالفعل بتلك النظرة الواقعية» يجد مجالا خصبا لممارسة ملكة الخيال 
في صميم عمله العلمي... ولو تأمل النظرية التي يتوصل إليها العالم الكبيرء بعد 
أن تكتملء لوجدناها نموذجا فريدا لعمل متناسق أشبه بالعمل الفني الرائع... 
والطريقة التي يظهر بها الكشف العلمي في ذهن العام قريبة كل القرب من تلك 
التي تظهر بها فكرة العمل الفني في ذهن الفنان... وا منبع الذي ينبثق منه الكشف 
العلمي الجديد. والعمل الفني الجديد. هو منبع واحدء والجذور الأولى والعميقة 
للعلم والفن واحدة, ومن ثم فإن العالم الذي ينمي في نفسه حاسة التذوق الفني 
أو الأدبي إنما يرجع, في الواقع» إلى الجذور الأصيلة لمصدر الإبداع في الإنسانء وربما 
كانت رعايته لملكة الخيال في ذهنه سببا من أسباب إبداعه في العلم. خاصة أن 
النظريات العلمية الكبرى تحتاج إلى قدر غير قليل من الخيال»67. 

وليس ذلك بمستغرب إن عرفنا أن الجزء الأكبر من تفكير الإنسان يعتمد على 
العقل الباطنء وعلى عواطفه. فقد توصل العلماء الذين عكفوا على دراسة وتشريح 
مخ الإنسان إلى أنه من دون تدخل العواطف في حياتنا سيكون من الصعب أن 
نتخذ كثيرا من القرارات. وهو التصور الذي سبق أن زكاه فلاسفة حين تعاملوا مع 
العواطف والعقل الباطن على أنهما المخزون الفكري للإنسان الذي تبناه ا ملجتمع 
والدين والتعليم والأساطير والتاريخ69. 

ومن نافذة الخيال بمنح الأدب السياسة بعدا جديدا ومغايراء حين يطرح الأدباء 
في نصوصهم. أو يقترحونء عاما بديلاء بعد أن ينتقدوا الأوضاع السائدة. وأحيانا 
يكون هذا العام البديل مثالياء فيه الحرية والعدالة والمساواة والسعادة. لهذا يبدو 
«الخيال السياسي» في بعض الأوقات نوعا أو فرعا من فروع الأدب يتناول الشؤون 
السياسية, أحداثا ووقائع ونظما ونظريات. 


50 


متابع الخيال السياسى 


وهناك عشرات الأعمال الأدبية. العربية والأجنبية, التي تبرهن على وظيفة 
الأدب في إثراء الخيال الاجتماعي والسياسيء من أمثال خماسية الأديب الفرنسي 
رابليه: «غارغانتوا وبانتاغرويل»» ورواية الأديب البريطاني جوناثان سويفت «رحلات 
غاليفر». ومسرحيتي شكسبر «الليلة الثانية عشرة». و«حلم ليلة صيف». ومسرحية 
توفيق الحكيم «رحلة إلى الغد». ورواية نجيب محفوظ. «رحلة ابن فطومة». 
ومسرحيات يوسف إدريس «الفرافير» و«الجنس الثالث» و«المهزلة الأرضية»... إلخ. 


ع 32 


أمثلة لأعمال أدبية أثرت في الخيال الاجتماعي والسياسي 


دون كيخوته. ميغيل دي ثيربانتس [ (1605) 0111016 دره1]2 
الغامر سيمبلسيوسء. هانس ياكوب ْ ظ (1668) قتامستادموكء لام سزك ‏ ك5تالعتام زنك 
كريستوفل فون غرهلسهاوزن 00 ل لاوا ان 
رحلة الحاج. جون بونيان ظ (1678) ووععوه22 ولسصامع 11م 01 
رسائل فارسية. مونتسيكو ظ (1721) ومعناع.آ ممنووعم 
بعلات غاليقر جونائان سويفت 22 (1726) ولعتجوس] ومعوناآن© 
كانديد. فولتير (1759) 4نقصه0 
تاريخ ومشاعرات فرق توبياس سموليت ١‏ 00000 مه نم1156 ع1" 
(1769) تممعغة صنهة آأه 
الأساطير والأمثال» إغنامسي كراسيكي (1779) وءاطوعوط قصة وع[طو] 
عوذة المفوض: دوليان أورس نيمتشفيتش (1790) بإأتاء10 عط 01 تطعا ع1" 
الخطيب. ألسلندرو مانزوني (1827) لعطاممء8 ع1" 
القائد الحزبيء ناثانيل بيفيرلي تكر (1836) «ع0هع.آ سمدممتاهدط عط1' 
بارنابي ردجء تشارلز ديكنز (1841) عع10] برطافضو8 
كونينغسبيء بينجامين دزرائيلي (1844) بزاوعصتصه ين 
سيل (أو الدولتان)» بينجامين دزرائيلي (1845) قسممنعغدل8 وكا" عط]' ننه ماتاتاك 
تانكريد. بينجامين دزرائيلي (1847) 0ع 2ج ]' 


901 


الخيال السياسي 


كوخ العم سام, هاريبت بيتشر ستو ١‏ (1852) صنطوت فصره] عاعستآ 
قصة مدينتين» تش ار رلز ديكتز. ا (1958) معنازك وو 4ه علذة 4 
الآباء والبنون, إيفان تورغيشيف ظ ظ < 0 ظ : (1862) 201 14 قرع طخو 
روايات باليسر, أنتوني ترولوبا 1١١‏ .. 0 (1879 -1964) 015 تعءولللهه 116" 
الحرب والسلام. ليو تولسعوي 2-770 ٠‏ (1869) نفع قسه عملا 
: الشياطين, فيودور اومتويفسي ‏ 1 ا (1872) قصمحيء د]1 
العصر الذهبي. . مارك توين وتشارلز دادلي وارشر. 0 (1876) عه 4164ان ع1 
الدموقراطية: رواية أمريكية. هنر آدمز (1880) ع عار حم 1 مر 
1 كاساماسيهاء هاري جب 





0 (1886) 2 تمأوفةتصدمون ووععصلوط عطل . 





0 َه 1 ل اهاري مس" 5 (1886) فصهتدمده8 16 
ظ النظر إلى الماضي. ' إدوارد بيلامي . ظ ا ْ ا نم53 عصن[هه.] 
افرع عون, بوليسلاف بروس ١‏ 0 0 0 ا (1895) امه درطم ئ 
ْ نوسارومو جوزيف كونراد 2 اك ا 1 اه 4م019 000 

ظ ا 5 (1906) عأومدرز عط . 





0 الغابة, أبتون اص ١‏ 
0 الكعب الحديدي, جاك لندن ل (1908) اءع21 دمع] عط" 
ظ تحت عيون غربية جوز يف ٠‏ كونراد ظ ظ 0 0 1ق مرق كك وما عدن 


ظ 8 نون ذوو السراود بل 1 14و فاعا هبط امملتام 0 - 1360 ع1 0 









المحاكمة, فر انز كافكا 000-00 4# (1)1925دلع1 فطذ . 
ظ القلعة, فر انز كافك 0 0 20 01926 علغمقك عط]” 
ْ مز زرعة الحيوان, جورج نر دبل ظ 0 1 ظ 0 ووه و 8411121 ظ 

والدن الثاني» بور هوس فريدريك سكينر 50000 (1948) وسكا ص1 
ْ الأخضر الداكن. الأجمر ا غور عيدال ١‏ رن أطعا:8 رمعء:0) ع1 نهدل 
[ الأمرر بي الهادئ غر اهام غرر بن ا ترما (1955) ممع تع ص4 ع0 عط 
أطلس متململا. آين را اند < 00 0 1 1957 م عتصط؟ دهاعم 


0 امرشح 1 نشوريء. ر بتشار: 6 0 1 (و195) علوت ممتعتاطاء مم81 ع 





092 


منتابع الخيال السياسي 








(1966) قسهتةعدممن عط" 

واضطن العاصمة. » غور فيداك 0 0 0 6 ا [ 

عر لبالل 73000و يق 

حرب الشوكولاتة, , . وبرت كورمير ل 974 عا عخقاهءمط60 ع1 
َ المخاره بون. » فبايار - سور اجيرا اساد ول 1 0 (1975) مه تمعن 
فبانلاند. توماس به بيشون 0 (1990) فصماع ص 


1 الولايات اد )ا 0001 موا 05 51265 عازن 1 





والأوضح أو الأبرز في هذا الصدد ثلاث روايات أولاها: رواية ألدوس هكسلي 
«عامُ جديد شجاع» 110110 71٠‏ 81537 التي انتهى من كتابتها سنة 1931 ونشرت 
في السنة التي تلتهاء وهي تدور في مجتمع شديد التحررء. ويبدي فيها تخوفه من 
تحكم العلم في حياة الناس. حيث تخيل مدينة يقطنها العلماء. وتهجرها المشاعر 
والجمال. ويستعين أهلها بالعلم في تلبية كل احتياجاتهم ورغباتهم» فيستغنون 
عن الزواج» ويكونون الأجنة في قوارير بدلا من أن تحملها أرحام الأمهات, ويكون 
الشاغل الوحيد لهم هو الاستمتاع بالجنسء ولا يهزهم الموت بل يتعاملون معه 
بمشاعر محايدة وهدوء يغيظ كأنهم آلات صماء. 

وينقسم المجتمع في الرواية إلى عدة مجموعات. كل مجموعة أو طبقة تعد 
إعدادا خاصا يلائم تكوينها الجسماني واستعدادها العقلي. أو تجري تربيتها في بيئة 
شبيهة بالمصنع. حيث يُلقَن أفرادها طوال الوقت. حتى وهم يغطون في سبات 
عميقء كل الأفكار التي يجب أن يؤمنوا بها. ويعيش الفرد في هذا المجتمع المتخيل 
في غير كبد ولا مشقة في تدبير احتياجاته الجسدية» وهو إن أراد شيئا فلن يبذل 
جهدا في سبيل الوصول إليه إنما يكفيه أن يضغط على زر أو يحرك مقبضا حتى يجد 
أمامه ما طلبه. وإن شعر أي فرد بأن هناك ما ينغص عليه عيشه. فيمكنه أن يبحث 
عن السلوى في تعاطي المخدرات. وبذا فإن هذا المجتمع به تقنية للتناسل واللذة 
الجنسية. وتقنية لتحوير العقل والجسد من خلال التلقين أثناء النوم وجراحات 


03 


الخيال النسياسي 
التجميل وأقراص تمنح السعادة وتجدد الشبابء. وتقنية للرفاهية والتسلية التي 
تشبع الحواس الخمس. لكن كل هذا لا يجعل الحياة مقبولة. وخالية من الملل. بل 
يعاني الإنسان فيها ظمأ روحيا شديدا. 

والثانية هي رواية ه ج. ولز «شكل الأشياء في المستقبل» »مقط5 156 
022" 10 5قصتاط1 04 التي صدرت سنة 1933. وحملت نبوءة بوقوع حرب في 
الأريعينيات. يتلوها حمى شديدة في الخمسينيات تقتل نصف سكان العامء فلا 
يعود التماسك إلى العام إلا في منتصف الستينيات بإيجاد «لجنة التحكم في الجو 
والبحر». وهي مجموعة من الناس تسعى إلى خلق «دولة عاطية». لكن هذا الحلم 
لن يتحقق إلا بعد 56 عاما أخرى يعيش فيها الناس موجوعين من الإرهاب والكبت. 
وعلى لسان إحدى شخصيات الرواية.ء يصف ولز ما يتوقع أن تكون عليه الحياة 
سنة 2100. حيث ممكن للناس أن يفعلوا ما يشاءون. من دون قيود ولا كوابح, لا 
يحكمهم إلا الاحترام اللائق للعقولء. بل يتنبأ بتربية سليمة للعقل والجسم وحماية 
مضبوطة وصارمة للملكية واطال العام بطريقة مم يكن بوسع الاشتراكيين الأقحاح 
أن يصدقوها9». 

أما الثالثة فهي رواية جورج أوريل «1984» التي رأت النور سنة 1949» وتنب 
فيها بسيطرة قوة كبيرة على العام تتقاسم مساحته. وتحول البشر إلى مجرد أرقام 
في «جمهورية الأخ الكبير» الشمولية. التي تعد عليهم أنفاسهم. بعد أن تتحول 
القيم الإنسانية النبيلة إلى أمور تافهة. وتصبح الحياة خالية من العواطف والأحلام: 
ويتصرف البشر كأنهم آلات صماء. وتدور أحدث الرواية التي تخيلها أورويل في 
مدينة لندنء وبطلها صحافي يعمل في «وزارة الحقيقة». يخضع مراقبة من رجال 
الشرطة والجيرانء على رغم أنه مواطن شريفء ويحرم من أن يلتقي يمن يحب. وهو 
يعرف أن السلطات تغير باستمرار المعلومات والبيانات الموثقة عن الأفراد لتتماثى 
مع رغبة ومصلحة الحزب المسيطرء وإرادة الحكومة التي يقودها الأخ الأكبر 9 

مثل هذه الروايات الثلاث. وغيرهاء فتحت أمام الأذهان نافذة عريضة لتأمل 
المستقبل الاجتماعي والسياسيء. وكانت مصدر إلهام للسياسيين أنفسهم. وجعلت 
العلماء والمفكرين يعملون في سبيل تعظيم الفوائد.ء وتجنب الخسائر التي حملتها 
تلك النبوءات. 


34 


منابع اتخبثال السياستي 


وهناك أمثلة أخرى في الأدب العربيء ففي العام 1957 أصدر توفيق الحكيم 
مسرحيته «رحلة إلى الغد». التي يعيد فيها إنتاج القصة القرآنية عن «أهل 
الكهف». لكن بطريقة مغايرة. حيث تبدأ المسرحية بإصدار حكم بالإعدام على 
طبيب متهم بالقتلء وبينما ينتظر ال موت في خوف وكمد يرمى له طوق نجاة لا 
يفعل له شيئا سوى تقليل احتمال الرحيل الأبدي؛ إذ عرضوا عليه الذهاب في 
رحلة إلى الفضاءء. العودة منها غير مضمونة إلا قليلاء فقبل العرض وراققه مهندس 
محكوم عليه بالإعدام أيضا. ْ 

بعد عودتهما من رحلة يظنان أنها استغرقت يوما أو بعض يومء وجدا أن الزمن 
على الأرض قد قفز ثلاثة قرون إلى الأمام, وأن كل شيء قد تغير بفعل التقدم التقني 
الرهيب. بل إن متوسط أعمار الناس يصل إلى الثلائمائة.ء بفعل الطفرة في مجال 
الصحة والطبء والناس يعيشون في سلام دائم وقد ودعوا الحروبء. بعد أن زالت 
أسباب الصراع بين الأممء وصار الطعام والشراب والسكن متوافرة لكل إنسان77. 

وفي العام 1966 أصدر نجيب محفوظ روايته الرمزية «ثرثرة فوق النيل». التي 
حملت نبوءة بهزيمة 1967: بعد أن رسمت معام حاضر كان فيه من السلبيات ما 
يشي بوقوع هذه الفجيعة. 

تدور الرواية في عوامة على ضفاف النيلء يلتقي فيها مجموعة من أصدقاء على 
قدر من الثقافة, لا رابط بينهم سوى البحث عما يغيّب الوعيء وفي مطلعهم انيس 
بطل الرواية الذي يهلوس طوال الوقت من فرط تعاطي الحشيشء ويبدي حنقه 
على كل شيء: واقعه ورئيسه في العمل وما يجري في البلاد.ء ويشكو دوما لأصدقائه 
الذين يقاطعون كل الناس والسياسة. ويغوصون في عبث تامء وتنتهي الحال إلى أن 
تمخر بهم العوامة عباب الماء من دون أن يدروا بما يجري لهم72. 

وقيل إن الرواية أغضبت المشير عبدالحكيم عامرء الرجل الثاني في نظام 
عبدالناصر وقتهاء فتوعد كاتبها بعقاب أليم. كما أغضبت رئيس المخابرات صلاح 
نصرء فلم يكن أحلم من سابقه. وفعل مثلهما كثيرون من رجال السلطة. صعد الأمر 
إلى الرئيس جمال عبدالناصر فطلب نسخة من الرواية وقرأهاء وكان قد وصله قلق 
نجيب محفوظ من غضب رجال الحكم. فقال: نجيب محفوظ فريد في موهبته 
وقيمته. ومن واجبنا أن نحرص عليه. وهو م يئثبت عليه سوء نية تجاه الثورة مثل 


95 


الخبيال السناسى 


غيره. وروايته بها نقدء علينا أن نلتفت إليهء ولا نضع رؤوسنا في الرمال. ونحاول أن 
نصحح مسارنا73. 

نجا نجيب محفوظ بروايته من العقاب. لكن نظام ناصر م ينج من النبوءة التي 
حملتها «ثرثرة فوق النيل»», ولايزال يشار إليها عند النقاد ومؤرخي الأدب والساسة 
بأنها «الرواية التي تنبأت بالهزيمة». 

وم يكن الأديب السوداني الطيب صالح إلا صاحب بصيرة أو خيال سياسي 
بازغ؛ حين وضع نبوءة على لسان بطل روايته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال»». 
والذي راح يقسم أنه سيفتح أوروبا بإغواء نساتهاء وهو الرجل الذي «اتسم اقتحامه 
لأوروباء وانسجامه بانسيابية مذهلة., كأول مبعوث سوداني يحقق حلم وصوله إلى 
لندن. وتوهجت فيه ملاحقة النساء الأوروبيات بهوس جنوني» فتارة تجده يتصدر 
المنصة خطيبا من أجل اقتصاد إنسانيء أو منددا بالاستعمار. أما شقته فهي خيمة 
شرقية منمنمة تعتمد استراتيجية الإغراء فيها على البخور وأعواد الصندل ال محروق» 
مضفيا عليهاء بإهابه الأسودء الأكاذيب اللذيذة عن الحياة على ضفاف النيل»72. 

وم تمر سوى عقود قليلة حتى تحققت هذه النبوءة. حين أخذ الوجود 
الأفريقي في أوروبا يتعزز. ليزحف أصحاب البشرة السوداء من الشوارع الخلفية 
إلى مؤسسات الدولء والشركات الكبرى, والأندية الرياضية. مستغلين تناقص معدل 
إنجاب الأوروبيين الأقحاح. وشيخوخة القارة العجوز. 

وم يكن مصطفى سعيد ينتقم مما جرى ل «عطيل» الأسود على يد ياجو 
الأبيض في مسرحية شكسبير الشهيرة.ء بل كان. وهو الذي صرخ «عطيل كان 
أكذوبة». يعمل في هدوء لتحقيق نبوءة الكاتب المسرحي الأطاني هاينر موللر 
بهيمنة وغزو الحضارة والثقافة الأفريقية لأوروبا بفضل ضجيجها بالحياة وزخمها 
الروحي الفياضء الذي سيفرض نفسه على الغرب الذي يموت في بطء.ء بفعل انهياره 
الروحي وتفكحكه الاجتماعي. 

وتنبأت رواية «الشمعة والدهاليز» للأديب الجزائري الطاهر وطارء التي 
نشرت ف العام 1992.ء بالسيناريو السيامي الذي جرى في الجزائر خلال العشرية 
الدموية. فبطل الرواية الذي ينتمي إلى عشيرة طاما أخرجت أبطالا للثورة 
الجزائريةء يجد نفسه. وهو الشاعر والباحث الاجتماعي ذو الليول العلمانية 


56 


منائع إلتلخبال النينناتنبى 


امنادي بعروبة الجزائر والمقاوم لحركة الفرنسة, وسط جماعات «الإسلام السياسي», 
لأن القدر أوقعه في حب فتاة تنتمي إلى هذا التيار. فيدخل المساجد ويشارك 
في مناقشة «الإسلاميين» حول الأوضاع السياسية في البلاد؛ فينفر منه بعضهم لأن 
خطابه غريب. ويرى المعتدلون منهم أنه من الممكن أن يفيد «الدولة أو الخلافة» 
الإسلامية. فيعرضون عليه أن يكون وزيرا للثقافة في حكومة يعتزمون تشكيلهاء 
لكنه يتردد في قبول كل ما يعرض عليه. ليجد نفسه منبوذا من الجميع؛ فالحكومة 
تتهمه بالأصولية. والأصوليون يتهمونه بالعلمانية» والعلمانيون يرون أنه لبس ثوبا 
غير ثيابهم» وأنصار الفرنسة يحقدون عليه لأنه العربي الأصيلء وتنتهي به الحال. 
وفي شكل رمزي نسجه المؤلف باقتدارء إلى مواجهة محاكمات سريعة. يطلق 
فيها جميع خصومه النار عليه فيردونه قتيلاء كأنه يجسد هنا الشعب الجزائري» 
المغلوب على أمرهء الخاسر الأول من غياب الديموقراطية وتفشي العنف(75. 

وفي حوار مع وطار حول روايته تلكء يتبين لنا أن نصه كان «نبوءة»». وأنه يعي 
هذا منذ اللحظة الأولىء فها هو يقول: «وأنا أكتب الشمعة والدهاليز كنت أتحاور 
مع الكاتب الجزائري يوسف سبتي عن بعض خيوط الرواية» التي هو نفسه يطلها 
الرمزيء وكان رفيقي اليومي ... واختلفت معه حول نهاية رحلة البطل. وكنت أفضل 
أن يموت مذبوحاء وكان هو يرى غير ذلكء وأنهيت كتابة الرواية وفقا ملا رأيتء, وبعد 
نهايتهاء هجم على الصديق سبتي القتلة ليلا في بيته وذبحوه بين كتبه ومؤلفاته 
وأوراق مشاريعه»7©9. 

إن الشاعر النمساوي ريلكه لمم يكن يمزح حين كان يعتقد أن مهمته الأساسية 
هي «ربط الماضي السحيق بالمستقبل البعيد». وفي هذا تكمن قدرة الأدب على 
إطلاق الخيال. وفي الرواية السياسية خيال سياسي يمكن التقاطه والاستفادة به. 


ثامنا: المحاكاة 

تعد المحاكاة تصويرا للعالم الخارجي وتمثلا له. وقد انشغل بها الفلاسفة منذ 
القرون الغابرة. فراها سقراط متجلية في الرسم والشعر والموسيقى والرقص والنحت». 
وتحدث عنها أفلاطون على المنوال ذاته. وتعمق أرسطو في تبيانها من خلال كتابه 
«فن الشعر». الذي تأثر به فلاسفة مسلمون ومنهم حازم القرطاجني وابن سيناء 


97 


الال الدب ألننبي 


الذي قسم المحاكاة إلى: محاكاة تشبيه. ومحاكاة استعارة. ومحاكاة تركيبء. ومحاكاة 
من باب الذرائع27. 

وقد «تعرضت نظرية ال محاكاة للاستبدال والدحض ف النظريات ال مختلفةء ونال 
مبناها تفكيكا ونقضا على يد جاك دريدا - مثلا - في نقضه لمركزية العقل ومركزية 
اللوغوس. لكن ذلك كله لا يعني, بأي حال من الأحوالء إلغاء الاعتماد على المحاكاة 
في تفسير وفهم الخيال الأدبي والفني ودفنها إلى الأبد»2. فالحقيقة أننا لا يمكن 
أن نستغني عنهاء لاسيما مع انتقال المحاكاة إلى مجالات علمية وواقعية عدة. حتى 
لو وقفت عند حدود الفن والتخيلء فإنها تشكل جزءا أصيلا من الإبداع الإنساني. 

فإلى جانب الحاكاة التجريبية والتقومية والتعليمية هناك المحاكاة التوقعية, 
والتي تقوم عادة على نماذج من النظم تسعى إلى توقع النتائج أكثر من تدقيق 
البيانات. فعلى سبيل المثالء يستخدم بعض الخبراء والباحثين النماذج الاقتصادية 
دوما محاكاة الاقتصاديات الوطنية والعالمية.: 9 بما يمكنهم من تحديد اتجاهات 
التغيرات الاقتصادية المتنوعة. وبالتالي توقع ما يجب على متخذ القرار الاقتصادي 
أن يفعله في سبيل تعزيز المكاسب وتقليل الخسائر. 

وفي المجال السياسيء تقوم نظرية المحاكاة على تقليد أو تشخيص مفتعل عن 
الواقع الاجتماعي الحقيقي. عبر خلق بيئة مشابهة لبيئة الظاهرة المعقدة التي 
ندرسهاء وبينما لا يكون في وسعنا أن نمسك بتلابيب الظاهرة في الواقع فإن ممكنتنا 
أن نفعل ذلك في التجربة الافتراضيةء أو في المحاكاة, بما يعطي الباحث فرصة قوية 
لتحليل الظاهرة من مختلف جوانبها””, بعد أن أحكم ما يتخيله عن تصرف الطرف 
الأصلي من خلال مراقبة المقلد أو المحاي. 

وتستعمل أجهزة المخابرات ومراكز وبيوت الاستشارة المرتبطة بمؤسسات سياسية 
رفيعة هذه الأسلوب؟؛ فمثلا إذا كانت الدولة (أ) بصدد اتخاذ قرار مهم يؤثر في الدولة 
(ب)» فبوسع الأولى أن تضع بدائل لرد فعل الثانية عبر محاكاة الأساليب التي يتصرف 
بها رئيس هذه الدولة؛ إن كان القرار في يده. بعد جمع معلومات كافية عن خلفياته 
الثقافية والاجتماعية وطرائق تفكيره ودخائله النفسية وتصرفاته وقراراته السابقة. 

وتستخدم هذه النظرية لدى علماء العلاقات الدولية والخبراء الاستراتيجيين. 
وكذلك في تعليم الطلاب كيفية اتخاذ قرار معين بشأن ظاهرة قد درسوها جيدا؛ 


0 


صنائج الحرانل اتسبائيث 


فيمكن لخمسة أشخاص مثلا أن يتخيلوا أنهم يؤدون دور متخذ القرار في خمس 
دول وهمية» بعد أن يتهيأ لهم مناخ يشعرهم فعلا بأنهم زعماء دول وعليهم أن 
يقرروا برشد وإحكام, في ضوء المعلومات الكافية التي توفر لهمء والأهداف التي 
يجب أك سيا البية وق أكة زمنية سبد 

وقد اتبع طلاب أقسام العلوم السياسية. مثلاء في العديد من الجامعات العربية 
هذا الأسلوب في الدراسة. فكونوا نماذج للجمعية العامة للأمم المتحدة: والبرهانات, 
ومؤسسات الرئاسة. وناقشوا قضايا مهمة. مطروحة في الواقع الفعلي. واتخذوا 
بشأنها قرارات: وكتبوا تقارير عما فعلواء فمنحتهم هذه العملية التخيلية في النهاية 
قدرة على فهم ما يجري ونقده.ء وتقديم البدائل المهمة للسياسات القائمة. 


تاسعا: استطلاعات الرأي 

من بين الفوائد التي تحققها استطلاعات الرأيء إلى جانب الوقوف على حقيقة 
ما يجريء معرفة ما سيأقء أو على الأقل تحصيل بعض المؤشرات التي تعين على 
الاقتراب منه. وإمكان التدخل لتطويره وتعديله أو تغييره. أو التصرف على نحو 
يساعد على تلافي الأخطاء وتجنب المزالق. وذلك اتكاء على ما جادت به الاستطلاعات 
وأظهرته. إيجابيا كان أو سلبيا. 

ولهذا فإن استطلاعات الرأي تعد وسيلة مهمة لصانعي القرار في مختلف المجالات 
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية. حيت تعينهم على إصدار قرار 
رشيد. الأمر الذي من شأنه أن يزيد مصداقية المؤسسة أو المسؤول أمام الجمهور. 

ومن ثم فإن الاستطلاعات وسيلة للحاكم في يقف على مدى رضا ا محكومين عن 
سياساته. وأداة دعاية انتخابية للمترشحين في الانتخابات ببلدان دمموقراطية عديدة, 
وأداة تسويقية لأصحاب الشركات الراغبين في الوقوف على رأي المستهلكين من 
السلح التي ينتجونهاء وأداة بحثية بالنسبة إلى الأكاديميين الراغبين في تعميق فهم 
الظواهر التي يتصدون لدراستهاء وأداة توعوية بالنسبة إلى عموم الناس المنشغلين 
بحيازة معلومات عن مختلف القضايا ا مطروحة. 

ويبداً الاستطلاع بمعرفة «مجتمع الدراسة» الذي جرى تحديده وفقا للهدف من 
الاستطلاع. فإذا كان مثلا عن المشاركة في الانتخاباتء يكون المجتمع هنا هو البالغين 


359 


الخيال النتنيياسى 
الذين لهم حق الانتخابء أما إن كان استطلاعا عن الدروس الخصوصية:ء مثلاء فإن 
المجتمع هنا يكون الأسر التي لديها أبناء في مختلف مراحل التعليم. 

وبعد هذا تأي مرحلة أخذ عينة تعبر عن المجتمع المدروس تعبيرا صادقا وأمينا 
قدر المستطاع. سواء أكانت عيّنة عشوائية بسيطة وصنامصصةك5 دملصدظ عامددذ5 
تعطي كل شخص في المجتمع فرصة متساوية في الظهور في العيّنة؛ أم عيّنة عشوائية 
طبقية ع128آم2:د5 1220051 5421560 تنفع في تمثيل كل فتات المجتمع غير 
اطمتجانس؟ أم عينة منتظمة 128ذام<اتد5 غ2)1دمء56إ5 توضع خلالها المفردات في 
قائمة وتحدّد أول مفردة في العينة بطريقة عشوائية. ثم تختار بقية مفردات العينة 
بطريقة منتظمة؛ أو عينة عنقودية وصذاصصرد5 +ع)ودان. ويقسّم فيها المجتمع 
إلى مجموعات جزئية ثم تختار عينة منها عشوائياء سواء على مرحلة واحدة أو 
مرحلتين. ولضبط العينات يمكن استخدام أدوات مثل «الأوزان النسبية» و«خطأ 
المعاينة» و«معدل الرفض». بما يجعل العينة ممثلة للمجتمع. وبالتالي تعميم نتائج 
الاستطلاع الذي يُجرى عليهاء فيكون بمكنة المستطلعين أن يتحدثوا عن مواقف 
واتجاهات وسمات المجتمع بأسره في فترة معينة!81. 

وإن واكب هذه الاحترازات «تحليل كيفي». على اعتبار أن الاستطلاع شكل 
من أشكال التحليل الكميء. وكذلك إجراء مقابلات معمقة. ثم التبصر أو التأمل في 
معطيات الاستطلاع ونتائجه. فبوسع الاستطلاع أن يمدنا بوسيلة مهمة للتنبؤء أو 
يكون بمنزلة عنصر من عناصر صناعة «خيال سياسي» علميء. أو تمهيد لهذا الأمر. 

لكن قدرة الاستطلاعات على التنبؤ تتطلب - ابتداء - سلامة هذه الاستطلاعات 
وتنزيهها عن بعض الأغراض المعوجة, وهي مسألة لا توفرها الاحترازات السابق 
ذكرهاء بل تعتمد على أمور أخرىء منها على سبيل المثال: 

(أ) يجب أن تصمم أسئلة استطلاعات الرأي. شكلا ومضموناء بما يلاثم ا مجتمع 
الذي يجري فيه الاستطلاع. فبعض الأشكال والطضامين المعدة لمجتمع آخر قد لا تصلح 
بالضرورة في سياق مغايرء وإن اعتمد عليها فقد لا تأتي نتاتجها دقيقة تساعدنا في 
التنبؤ بسلوك المجتمع اللبحوث واتجاهاته؛ فما يصلح للمجتمعات المنفتحة الحرة 
التي يشعر أفرادها بالاقتدار السياسيء والذين قد تلقوا تعليما يساعدهم في التفكير 
العلميء لا ينفع في مجتمعات منغلقة ومقيدة يفقد أفرادها الثقة في أنفسهم., 


100 


متابع الخبال النسياسي 
وتنمو فيها الشائعات والخرافات. ويعتمد الناس فيها على الثقافة السمعية في 
تحصيل المعرفة, ويغيب التفكير العلمي بما يجعل أفرادها مفتقرين إلى القدرة على 
الشك والنقد والتفنيد والتحليل واكتشاف المغالطات المنطقية والرد عليها. 

(ب) تدريب الباحثين على استكناه المستقبلء فالقاتئمون بالاستطلاع هم أناس 
تكونوا في الماضيء وفق معطياته وشروطه ورهاناته؛ وحتى الحاضر الذي يعيشون 
فيه هو ماض بالنسبة إلى من وما سيأق في المستقبلء وبالتالي فهؤلاء يسحبون 
أحيانا معرفتهم بالماضي على المستقبلء بما يخل بدقة النتائج وقدرة المنتج على 
التنبؤ بالآتي. 

(ج) ضرورة أن تكون هناك وسائل ضبط ومراقبة على الاستطلاعات حتى لا 
تستخدم, من خلال نتائج محددة سلفاء في تزييف الوعيء بما يؤدي إلى دفع الناس 
في اتجاه معين يخدم مصلحة الأطراف التي تقف وراء الاستطلاع.» سواء كانت 
السلطة السياسية أو مترشحين في الانتخابات أو أصحاب الشركات. وقد يأق الضبط 
المطلوب من قبل المجتمع. وذلك بواسطة مؤسساته وقادة الرأي فيه والذين يجب 
أن ينزعوا باستمرار إلى ضرورة أن تكون الأدوات المنهجية للاستطلاعات علمية من 
حيث الدقة والنزاهة والتجرد والحياد. وقد يأتي الضبط من خلال تشريعات وقوانين 
تحدد عقوبات على كل من يزيف استطلاعات الرأيء أو يختلق نتائج سواءء بالتزوير 
أو بطرح أسئلة إيحائية» بغية استخدام النتيجة في تزييف وعي الجمهور. 

(د) ضرورة أن تتمتح وحدات قياس الرأي العام بالاستقلال المالي والإداري. 
وأن تعلن بكل شفافية الجهات التي تمولها عن طريق الهبات المقطوعة والتبرعات 
امنتظمة. وإذا كان ال مستطلعون تابعين لوزارة أو حزب سياسي أو شركة خاصة. فلا 
بد من ضبط الاستطلاع عن طريق الرقابة والخضوع للقانونء» علاوة على المسائل 
ا منهجية والشكلية والمضمونية والقواعد الطهنية والأخلاقية. 

ومن دون شك فإن أخذ هذه الضوابط في الحسبان سيزيد من قدرة استطلاع 
الرأي على التنبؤ بسلوك المجتمع ال مبحوث أو المستطلع رأيه. مع الأخذ في الاعتبار أن 
النتائج هنا لا تعطينا بدقة ما سيأق في المستقبل المنظورء بل تقربنا منه. أو تكشف 
بعض جوانبه أمامناء وبالتالي فهي أفضلء على أي حالء من التقديرات الجزافية 
والتصورات الاعتباطية عما سيأق. ١‏ 


101 


الكدال التبديايستى 


عاشرا: القائد ال متيمصر 

من يتابع ما تقذفه المطابع لنا كل يوم يدرك تماما أنه «لا يوجد نقص في 
الكتب الخاصة مموضوع القيادة» إذ يقدر أحد الإحصاءات عدد الكتب التي يتضمن 
عنوانها كلمة قيادة بأكثر من مائة ألف كتابء كما أن أقسام الإدارة والأعمال في 
المكتبات تعج بهذه الكتبء. التي تختلف فيما بينها اختلافا كبيراء فبعضها تحليلات 
تاريخية لقادة عظماء. وأخرى سير ذاتية لشخصيات معينة على قيد الحياة غالباء 
كما أن هناك كثيرا من السير الذاتية التي كتبها أصحابهاء وهي بشكل رئيسء تتعلق 
بسياسيين ورجال أعمال ممن اعتقدوا - على الأقل في أنفسهم - أنهم قادة عظماء. 
وهناك كتب عن مستكشفينء وقادة سياسيينء وعسكريين كبارء ورجال دينء. وهم 
يسعون. بشكل رئيسء من خلال وصف حياتهم وإنجازاتهمء إلى اكتشاف العوامل 
الحقيقية التي أدت بهم إلى أن يصبحوا قادة عظماء في المقام الأول»62. 

إن عدد الكتب الصادرة عن موضوع القيادة يعكس انشغال الناس بهذا 
الموضوع.: وهو أمر ما كان له أن يكون لولا إدراكهم أهمية القائد. حتى لو في زمن 
المؤسسات. وهذه حقيقة ناصعة. فقد مارست القيادة دورا حيويا في حياة البشر 
منذ فجر التاريخ. وطالما أفرط المؤرخون في الحديث عن دور القادة الأبطال!53, 
على اختلاف أدوارهم في صناعة مجد الأمم. فرجال الحكم والسياسة الذين أصلحوا 
وبنواء والمحاربون الذين انتصروا في ال معارك الكبرى. أسهموا في صناعة مآثر هذه 
الأمم2". لكنهم ليسوا وحدهم الذين حققوا هذاء فالعلماء والفلاسفة والقادة 
الروحيون.ء أدوا أدوارا أيضا على هذا الدرب الطويل. 

وفضلا عن أن القائد الحقيقي يتميز بالتحلي بصفات مميزة في مطلعها قوة الإرادة, 
والتمثيل الجمعي والإيئار والغيرية. وامتلاك استعدادات فطرية وبدنية وخبرات 
ومهارات توفرها له تجاربه في الحياة.ء فمن الضروري أن تكون لديه بصيرة نافذة. تعينه 
على أداء وظائفه بوصفه منقذا ومخططا وواضع سياسة وحلقة اتصال بين الجماعة 
والوسط الخارجيء ومشرفا على قواعد الجزاء من الثواب والعقاب. وقدوة ومثلا أعلى 
للجماعة ومتحملا للمسؤولية. وكذلك بوصفه فيلسوفاء ورمزا للأبوة الجامعة7””. 

وبعض القادة لديهم قدرة على إلهام من هم حولهمء وهذه القدرة ليست ميلا 
فطريا فحسبء فبعضها يمكن تعلمه واكتسابه. وهؤلاء بوسعهم أن ممنحوا الناس 


102 


منتالع الخيال اتسناسنتىي 


شعورا بالهدف أو الانتماء الذي ليس له علاقة تذكر بأي حافز خارجي أو منفعة 
يممكن كسبها؛ ف «الذين يقودون الناس فعلا قادرون على خلق أتباع من الناس 
مستعدين للعمل؛ ليس لأنه جرت استمالتهم واجتذابهمء بل لأنه جرى إلهامهم. 
وبالنسبة إلى الذين جرى إلهامهم فإن الحافز على العمل مسألة شخصية في أعماق 
مشاعرهم. وهم أقل قابلية للاجتذاب بواسطة الحوافزء واحتمال استمالتهم بالحوافز 
أقل من سواهم. إن الذين جرى إلهامهم مستعدون لدفع الثمن, أو تحمل عواقب 
الإخفاق, أو حتى ال معاناة الشخصية. والقادرون على إلهام الآخرين يحشدون أتباعا 
من الناس. مؤيدين وناخبين وزبائن وعاملين» يعملون من أجل خير الجميع. ليس 
لأنه يتعين عليهم ذلك. بل لأنهم يريدون الخير للجميع»0©9. 
إن القيادة «أمر موجه إلى المستقبل. أمر يتجاوز مضمونه اللحظة الحاضرة: ويرمي 
إلى تحقيق هدف معين في مستقبل قريب أو بعيد. القيادة ليست قيادة ممعناها 
التام» إذا كانت مقتصرة على أغراض آنية»7*. وهذا ما بميز القائد الحقيقي عن 
ذلك الشخص الذي يقوم بتصريف الأعمال السياسيةء أو ينغمس في العمل الروتيني 
اليومي» ويؤديه كأي موظف كبير من دون أن يرى ما هو أبعد مما تحت قدميه. 
وبوسع القائد الملهم. ذي البصيرة. وعميق الإطلاع على وقائع التاريخ وأحداثه. 
أن ممتلك خيالا سياسيا خلاقاء يساعده على إدارة المواقف والأزمات. صغرت أو 
كبرتء. ويمنحه قدرة فائقة على الإسهام في تخطيط السياسات المحلية والدولية. 
وإذا كان من السهل أن نتلمس الطريق سريعا في هذا إلى القادة السياسيينء فإن 
بعض القادة العسكريين أيضا يؤدون دورا كبيرا في بناء أممهم إن كان لديهم خيال. 
ولهذا مم يكن مستغربا أن يصدر مايكل لي لاننغ تصنيفه لأكثر القادة العسكريين 
تأثيرا في التاريخ بقوله: 
«لا شك في أن البعوثين والديبلوماسيين والمفكرين والفلاسفة 
قد أسهموا في حركة التاريخ وشكلوا منعطفاته. بيد أنهم لمم يتصدروا 
التاريخ إلا تحت حماية القادة العسكريين الذين عملوا على ضمان 
بقاء أسلوب الحياة الذي اختاره أولتك الرواد. إن أكثر الزعماء نفوذا 
قِ تاريخ العام م يأتوا من دور العبادة. وم تقدمهم ردهات الحكم أو 
الطراكز البحثية. ولكنهم جاءوا من صفوف العسكريينء. جنودا وبحارة. 


الحبال النسبانني 


وعلى امتداد الزمن» تمكنت الشعوبء التي حظيت بعظماء القادة 
العسكريين والمبدعين في المجال الحربيء من تحقيق الازدهار والسيطرة 
على أراضيها والهيمنة على جيرانها. وقد وجدت الحضارات التي افتقدت 
القادة العسكريين الأقوياء نفسها مقهورة وخاضعة لغيرها أو معرضة 
للإبادة التامة. وفي حالات أخرىء لم يكن القادة العسكريون سوى طغاة, 
استبدوا بشعوبهمء وروعوا أعداءهم»97. 

وربما كان لاننغ هنا متحيزا ما يعرفه ويهواه. وإن كان قوله لا يخلو من منطق. 
قياسا على تجارب الأمم. لكن في الوقت ذاته نجد أن الأيام طاما منحت الشعوب 
قادة مدنيين من ذوي البصيرة. كانت لهم من الحكمة وقوة الشكيمة ما جنبتهم 
العيوب التى تصم أسلوب إدارة العسكريين للحياة المدنية القائمة على التنوع 
والاختلاف. وتصرفوا طوال الوقت مما يكفي للنهوض بواقع بلدانهم التعيس. 

وتتفاوت نسبة مشاركة القائد الملهم في صياغة القرارات واتخاذها من حال إلى 
أخرىء وهنا يمكن أن نفرق بين مستويات ثلاثة: 

1 - حين يكون القائد محتكرا للقرار أو بسيطر على الجزء الأكبر منه. 

2 - حين يعمل القائد مع مؤسسات قوية وراسخة وواعية تسهم في صناعة القرار. 

3 - حين تتسنى للقائد متابعة حركة الشارع وخطابه بدقة ووعي. 

ففي الحالة الأولى تظهر الفروق الكبيرة في التأثير على القرار بين قائد ذي 
بصيرة وآخر يفتقدها أو لا يتحصل إلا على نزر يسير منها. ولذا يعرف التاريخ 
قادة تقدموا بأممهم2. حتى في ظل نظام سياسي مستبد أو شموليء. وآخرين 
تخلفوا بها إلى حد جارح وبارح. لاسيما إن كانوا ضيقي الأفق. ومحدودي الاطلاع: 
وحرجي الصدورء ويتسمون ببلادة المشاعرء وتحركهم غرائزهم. وتسيطر عليهم 
أنانيتهم المفرطة. 

وفي الحالة الثانية تتضاعف فاعلية القرارء ويصبح أكثر إحكاما وأكثر سلاسة في 
التطبيق أو التنفيذ؛ لأن خيال القائد صار قيمة مضافة إلى التقديرات المدروسة التي 
صنعتها المؤسسات. 

أما الحالة الثالثة فهي غاية في الأهمية, إذ إن قياس نبض الناس أو الوقوف على 
نتاج «العقل الجمعي» لهم يساعد القائد على صناعة السياسة التي تتجاوب معها 


1042 


منايج الحثال السيانسني 


الجماهير, وتمتثل لهاء وتتكاتف وراءهاء وتسهم عن طيب خاطر في تطبيقهاء خاصة 
إن كانت مصنوعة بعناية. عبر مؤسسات ذات خبرة إلى جانب إلهام القائد. 
والقادة الملهّمون والهمون في تاريخ البشرية» وإن كانوا عملة نادرة, فإن تعاقب 
القرون جعل أعدادهم كبيرة. ولا يمكن الإتيان على ذكرهم جميعاء واستعراض 
تجاربهم مع الخيال السياسي في هذا المقام, ولذا يمكن التقاط بعضهه”؟, ممن 
يتوزعون على مسارات عدة. القائد السياسيء والقائد العسكريء والثائر الكبير, 
والسياسي الحكيمء والعام الثائر. 
ها هو ونستون تشرشل (1874 - 1965) الذي يراه البريطانيون أعظم زعيمء بل 
أعظم رجل مر في تاريخ بلادهمء يعطي مثلا ناصعا على مدى تمتع القائد السيامي 
بقدرة هائلة على توظيف الخيال في خدمة سياساته. لاسيما أن تشرشل كان فنانا 
مزدوج الموهبة. فهو رسام وأديبء. كتب مذكراته بلغة سردية فياضة جعلت الهيئة 
القانئمة على جائزة نوبل تمنحها له في الآداب. 
ولعل بعض المقولات التي أطلقها تشرشل تبين. إن حللناها على نحو دقيق. 
مدى حضور الخيال في رأسه وهو يفكر فى الحياة السياسية. في أوقات سكونها 
واضطرابها على حد سواء. 
فها هو يقول: 
«التاريخ سيكون لطيفا معي فأنا أنوي كتابته». 
«إن السياسي الجيد هو ذاك الذي يمتلك القدرة على التنبؤ. والقدرة 
ذاتها على تبرير طاذا مم تتحقق نبوءته». 
«إمبراطوريات المستقبل هي إمبراطوريات العقل». 
«سر الحقيقة ليس أن نفعل ما تحبء بل أن نحب ما نفعل». 
«الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتسقى بالعرق 
والدم». 
«الذي من لا يرتكب كل الأخطاء بنفسه. بل يترك الفرصة لغيره». 
إن هذه المقولات المنتقاة من أقوال تشرشلء الغزيرة. تعطي مؤشرا جيدا على 
حضور خياله بوصفه قائدا سياسيا كان مولعا إلى حد بعيد بقراءة التاريخ في إمعان 
شديد. والاستفادة القصوى من عبره وعظاته. وبالتالي امتلك قدرة فائقة على تخيل 


05 


الحنال السعناسشيت 


ما سيأق. فكلما كانت تعترضه مشكلات معقدة. قد يشعر غيره أنها بلا حلول. كان 
يستدعي معرفته التاريخية. ويطرح اقتراحات غير تقليدية. جعلته قائدا عظيما ليس 
في تاريخ بلاده فحسب. بل في تاريخ العالم بأسرهء لاسيما بعد انتصاره في الحرب 
العالمية الثانية. 

لكن خيال القادة المحاربينء وقدرتهم على إلهام من حولهم. لا يقتصر فقط على 
حالات النصرء بل ممكن للقائد أن يلهم غيره حتى بعد هزهته. وانهيار مشروعه. لأنه 
يترك خلفه ما يفيد من يأتون بعده. حين يتفادون كل ما قاد إلى الهزائم» ويحفظون 
للقائد الذي كان له شرف المحاولة هيبته ومكانته وموقعه في تاريخ بلادهم. 

هذه الحالة تنطبق على سيمون بوليفار (1783 - 1830) بطل تحرير قارة أمريكا 
اللاتينية. الذي تصدى للاستعمار ببسالة. بعد عشرة أجيال من الخضوع لسلطانه 
الظالمء وتمكن من تخليص عدة دول من بين أنيابه ومخالبه. بفضل عبقريته ومواهبه 
الاستثنائية وإيمانه العميق بالحرية؛ وقد برع في مجالات الحربء وأبدع فيها طرقا 
غير مألوفة؛ وبدا زاهدا في السياسة ومناصبهاء مكتفيا بتقديم تصورات حول الحكم 
والوحدة؛ وفي الأدب؛ كان خطيبا بارعاء وكاتبا موهوباء تدل على هذا رسائله التي 
كتبها في عفوية وتلقائية. وقد ألهمت حياته الأديب الكولومبي الحائز جائزة نوبل 
غابرييل جارثيا ماركيز. فكتب عنها رواية شهيرة عنوانها «الجنرال في متاهة». 

والرجل الذي ألهب خيال بوليفار بفكرة الحرية والاستقلال هو أستاذه سيمون 
رودريغس (1769 - 1854). الذي علمه كيف يكره الاستعباد ويثور عليه. ونبهه 
إلى أهميه مطالعة ما كتبه ال مبشرون بالثورة الفرنسيةء من أمثال جان جاك روسو 
ومونتسكيو, وأخذ عليه عهدا فوق قمة جبل أفنتينو في روماء خلال جولتهما 
الأوروبية» أن يكرس حياته من أجل استقلال بلاده. 

واقترب بوليفار من نابليون بونابرت نفسه حين سافر إلى فرنساء وتأثر به 
كثيراء وصار مثله الأعلى في مقتبل حياته. بعد أن رأى فيه رجلا مجردا من المطامع 
والرغبات» وبطلا للحرية والإخاء والمساواة» إلى أن راجع موقفه منه بعد أن توج 
إمبراطوراء ورآه يفعل كل ما يتناقض مع مبادئ الثورة. 

إن خيال بوليفار السياسي كان يدفعه في طريق المحررين العظام. والقادة 
ا ملهمين لشعوبهمء وليس أولئك الذين يبحثون عن المناصب السياسية. ويجعلونها 


10 


صنانع الحنال النسنانتعي 


نهاية لحركة كفاحهم. ثم ينقلبون فيها وبها على كل الأفكار التي آمنوا بها. وفي 
الحقيقة. «لم يكن لدى أي سياسي من معاصري بوليفار خلال ثورة أمريكا اللاتينية 
ما كان لديه: من نفاذ البصيرة وأصالة التفكير السياسي وقدرته الخلاقة ... وإن 
كان من بين بعض معاصريه من كانوا يفوقونه في فن الحكم بما يتفق مع واقع 
ظروف الحياة في ذلك الوقت. فقد كان بفضل إلهامه وإحساسه الباطن أكثر إدراكا 
للمستقبل منه للحاضر القربيب»200, 

ولهذا يصفه الأديب الأوروغوياني خوسيه أنريكي رودو (1871 - 1917): وهو 
من أوائل من كتبوا عن بوليفارء بقوله: «كان عظيما في تفكيره. عظيما في عمله. 
عظيما في مجده. عظيما في محنته. عظيما حتى في إضفاء ثوب من الجلال على 
ذلك الجانب المظلم الذي لا تخلو من مثله نفوس العظماء. كان في النهاية عظيما 
في تحمله - في قوة وعزم - تلك الضريبة التي قدر على عباقرة الرجال أن يدفعوها 
كفارة عن عظمتهم. حين تخلى عنه الجميعء. وتركوه يموت وحيدا في مواجهة 
مصيره المكتوب»”"2. 

إن خيال بوليفار جعله يوقن بأن موعد الثورة في أمريكا اللاتينية حانء ولذا 
تخألى عن حياته امرفهة الرخية. وراح يقلق على قدر حلمه الكبير. وقد عرف 
بوليفار كيف يستكشف أعماق روحه التي امتزجت فيها البطولة بالإحساس الفني 
التلقائي. وهكذا «بدا منذ اليوم الأول الذي عاهد فيه نفسه على الكفاح فوق 
جبل أفنتينوء كأنه نبي صاعد إلى لقاء وحي ربه ... كانت روحه من طراز تلك 
الأرواح التي تكمن في قراراتها طريقة غريبة غامضة للتفكير والعمل تخرج عن 
دائرة الوعي البشري. هو من نوع أولئك الرجال الذين لا يصدر سلوكهم عن تقدير 
محكم متزن للأمور. وإنما عن تلك القوة الطاغية النابعة من الغريزة. من تلك 
الغريزة الفطرية التي تلهم النحل كيف تبني خلاياها بنظام لا نكاد نرى نظيرا 
لإحكامه وإتقانه. مع أنه لا يخضع لقوانين المنطق الإنساني المتعارف عليهاء وهكذا 
نرى انتصاراته الرائعة لا تقوم على ذلك التقدير الواعي للأمورء وإنما كان يكفيه 
فيها الإحساس المفاجئ الذي يشبه ومضة الوحي في النفوس المؤمنة. ثم التنفيذ 
السريع الذي لا يتوقف أمام دواعي الحذر والتلبث. أما في الهزيمة فنحن نراه وقد 
تزايبدت شخصيته ضخامة وعظمة كما لم نر في أي بطل آخر من أبطال التاريخ. 


/ قي 


الذيال اتسنياسىي 
وكلما زادت فداحة الانكسار وشدته ولد ذلك في روحه قوة جديدة قادرة على 
مواجهة المحنة والصمود لها»(02. 

إن ما كان يدفع بوليفار إلى أن ينتصر على هزائمه هو خياله الجامحء الذي طاما 
ألهم من حوله. وجعله يتمكن على رأس خمسمائة رجل فقطء وبعد سلسلة من 
الهزائم» ومطاردته من سلطات تطلبه في تحاكمه. أن يقوم بعمل عسكري جبار 
استغرق مائة يوم. جعله يحمل فيما بعد لقب «محرر القارة» حين هبط من غرناطة 
الجديدة (كولومبيا) إلى قصر الحاكم الإسباني في كراكاس (عاصمة فنزويلا)””'. وربما 
هذا الخيال الواسع الذي خلفه بوليفار خلفه هو الذي جعل رجلا يأقي بعده بأكثر 
من قرن ونصف القرنء» وهو تشي غيفاراء يحلم بأن يتمكن مع حفنة من الرجال من 
تخليص أمريكا اللاتينية من يد الإمبريالية الأمريكية. 

لقد كان بوليفار مبدعا في طرقه الحربية» ولم يكن هذا ممكنا إلا لرجل أوتٍ قدرا 
عاليا من الخيال. فهو «مم يحارب قط كما حارب القادة العسكريون الأوروبيون. 
وهو لم يستلهم من أبطال التاريخ قبله شيئا إلا بعض العناصر المتفرقة المتناثرة في 
التجارب الإنسانية السابقة. من دون أن يضع نصب عينيه تجربة بذاتها يتخذ منها 
نموذجا له. وهو بعد لم يخلف لنا صورة تشبه أيا من صور الأبطال السابقين ... وقد 
كان يستخدم أساليب عسكرية لا تقوم على علم بفنون الحربء وإنما على الإلهام 
الغريزي الذي كثيرا ما يكون أقدر على الحركة من التخطيط العلمي المنظم»04. 

وكان بوليفار ملك قدرة على النبوءة. وهو ما يدل عليه الخطاب الذي ألقاه 
في جامايكا في العام 1815. بينما كان الغموض والشكوك تلف ثورة التحرير التي 
أطلقها. ففي هذه الرسالة تنبأ مصير كل شعب من شعوب أمريكا اللاتينية الناطقة 
بالإسبانية. فرأى أن شعب تشيلي سينعم بحياة هادئة مستقرة. وأن شعب الأرجنتين 
سيقع تحت وطأة نظام مستبد غاشم. 

وفي السياسة. كما في الحربء انطلق خياله في اتجاهين: تمكين الشعب من 
القراره ووحدة الشعوب الناطقة بالإسبانية. ففي الأولى اقترح «سلطة انتخابية» 
تقوم على أن ينتخب جمهور الناس عددا من بينهم تصل نسبته إلى عشرة في 
المائة على أن يضطلع هؤلاء بمهمة اختيار موظفي أجهزة الدولة. وبذا تبقى 
السلطة التنفيذية خاضعة لسلطة الشعب. وف الثانية كانت الظروف السياسية. 


علب 


منابع الذيال التننياشسي 


والعقبات الجغرافية. ومصالح المتحكمين في هذه الشعوبء تمثل عائقا كبيرا حال 
دون تحقيق الوحدة. لكنها ظلت طوال الوقت حلما يراود كثيرينء يتتابعون عبر 
السنين إلى وقتنا هذا 
ولبوليفار عبارات تضج بالحكمة والخيال في أن. هي خلاصة تجربته الحربية 
والسياسية وبراعته الأدبية» من قبيل(!5: 
«الذي تأصلت فيه روح العبودية لا يمكن أن يقدر الحرية الصحيحة 
حق قدرها. فهو يتملكه الهياج والرغبة في التخريب إذا وقعت الفتنة. فإذا 
فرض عليه إرهاب السلطة فإنه يخضع ويستكين». 
«إذا لمم يتوافر الاستقرار لأي مبدأ سياسي فإنه لا بد أن ينتهي إلى 
الفساد. ولا يليث أن ينهار من أساسه». 
«الذي يريد أن يلتزم الحق في الحكم على الثورات وعلى الرجال 
المضطلعين بها فإن عليه أن يراقبها من قريب ثم يحكم عليها من بعيد». 
ولعل ما قاله بوليفار وهو يضع نفسه في مقارنة مع زعماء تاريخيين يشي بأن 
خياله كان ممتلئا بحلم عظيم له ولبلاده. فها هو يقول: «لست نابليونء ولا أود أن 
أكونه. ولست أريد أن أقلد يوليوس قيصر.ء وأولى بي ألا أسعى إلى تقليد أيتوربيدي 
[هو طاغية أعلن نفسه إمبراطورا للمكسيك بعد استقلالها عن إسبانيا]ء ولست 
أكتمك أنني أعتبر هذه الأمثلة أقل مما يستحقه اسمي من مجد». 
وعلى النقيض تماما من قائدين تبصرا في الحرب والنزال. نصرا وهزيمة. هناك 
قائدان اتجهت بصيرتاهما إلى الحلم والسلمء وهما المهاتما غاندي (1869 - 1948) 
ومارتن لوثر كينغ (1929 - 1968). 
فالأول وهب حياته ل «الحقيقة» و«اللاعنف» وطور تصورات عن «امقاومة 
السلبية» وضعها الأديب الروسي ليو تولستوي لتكون أكثر كفاية وكفاءة إلى ما سماها 
«الساتياغراها». وهي أكبر حملة عصيان مدني قومية في التاريخ الإنساني» وهي إن 
كانت فى الأساس قد قامت ضد الاحتلال الإنجليزي للهند فإنها أثرت تأثيرا بالغاء بعد 
رحيل غاندي في العام 1948. في حركات تحرير أخرى مثل «حركة الدفاع عن الحقوق 
المدنية الأمريكية» و«حركة تضامن البولندية» وثورة «سلطة الشعب؟ في الفلبين 
التي أطاحت بالدكتاتور ماركوس. 


109 


الخبال الس انييف 


فذلك الرجل المسالم البسيط استطاع أن يجمع الهند على كلمة واحدة على 
الرغم من تعدد ثقافاتها واختلاف ملل أبنائهاء بشكل يجعلها أقرب إلى كونها دولا 
مختلفة لا دولة واحدة. فكانت مهمة توحيدها ضربا من الخيال. وم يكن هذا 
ممكنا لو كان غاندي نفسه يفتقد أو يفتقر إلى مثل هذا الخيالء وتلك البصيرة التي 
جعلته يواجه المستحيلء ففي «غمرة فشله الذريعء واستحالة اللجوء إلى أحد طلبا 
للمساعدة. كان مهيأ للتحول الداخلي في رحلة طويلة لاكتشاف الذات. وقد وفر له 
الحظ خوض غمار هذا التحدي»276. 

ويحكي غاندي نفسه واقعة جرت في الطفولة تدل على ما سكن خياله في سن 
مبكرة. وظل يؤثر فيه طوال حياته. فيقول: «أذن لي أبىي ممشاهدة مسرحية تؤديها 
إحدى الفرق. وقد سلبتني لبىء: فلم أمل أبدا من مشاهدتها.. ومن ال مؤكد أنني 
أديتها لنفسي عددا لا حصر له من المرات. وقد كنت أسأل نفسي ليلا ونهاراء وطاذا 
لا نكون جميعا صادقين مثل هاريش تشندراء وكانت أفضل قيمة غرستها داخلي 
المسرحية هي التمسك بالحقيقة وخوض جميع ال محن التي مر بها بطلهاء لقد أمنت 
بالقصة تماماء وغالبا ما كانت الفكرة ككل تدفعني إلى البكاء. ويخبرني عقلي بأن 
تشندرا لا ممكن أن يكون شخصية تاريخية: بيد أنه ممثل حقيقة حية»97, 

والخيال السياسي عند غاندي كان مرتبطا بالروحانية والسعي وراء الحقيقة, 
والإصرار عليها أيا كانت المتاعبء وهنا يقول في مذكراته: «إن الهدف الذي أرغب في 
تحقيقه. والذي كنت أسعى وأتوق إلى تحقيقه. على مدار هذه الثلاثين عاماء هو إدراك 
الذات. فأرى الإله وجها لوجه. وأنال الخلاص: فأنا أحيا وأعمل لتحقيق ذلك الهدف. 
وكل ما | أقول وأكتبء. وكل المغامرات التي أقدمت عليها في مجال السياسة موجهة 
إلى تحقيق الغاية نفسهاء لكن انطلاقا من إماني بأن ما ينطبق على الفرد. يمكن أن 
ينطبق على الجميع: لم أقم بتجاربي سراء بل علانية, ولا أعتقد أن تلك الحقيقة تحط 
من قيمتها الروحانيةء فهناك بعض الأمور بين العبد وخالقه لا يعلمها سواهماء وتلك 
الأمور لا يمكن البوح بهاء أما الخبرات التي أعتزم روايتها فلا تتعلق بمثل هذه الأمور, 
إنها خيرات روحانية» أو دعنا نقل أخلاقية. فالمبادئ الأخلاقية جوهر الدين»99. 

وربما كان خيال غاندي ينطلق نحو حلمه البعيد وهو يسير على قدميه خمسة 
عشر كيلومترا يوميا في شوارع لندنء وقت أن كان يدرس القانون هناك. فقد «كان 


100 


' 4 حو 1 5 0 ف , 5 ؟ 2 
م قد هر 1 0 3 


يلتمس في المشي هدوء الروح بمقدار ما كانت روحه الهادئة الكارهة العنف تدفعه 
إلى سير تقوده عينان مفتوحتان على الداخل والخارج معا. ربط ذلك الشاب الناحل, 
البسيط اللباسء بين المشي وأغراضه السياسية التي اتخذت من المسيرات الجماهيرية 
الطويلة أداة لها بدءا من العام 1913 وما تلاه. واستعار غاندي من عادة المشي 
ثلاثة أبعاد على الأقل: الاعتماد على العمل العضليء إذ الإنسان عامل في خدمة ذاته؛ 
ورفض السرعة الصادرة عن الآلات؛ وتوليد إرادة التغيير, إذ في مشي الجموع ما يقضي 
على العطالة وبلادة الروح. عبر غاندي بفعل المشي عن منظور بسيط للحياة. وعن 
بساطة فاعلة لها أغراض سياسية. فما حلم به في العام 1920. وهو استقلال الهند, 
أنجزه مشيا بعد أقل من ثلاثين عاما»09. 

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: كيف لرجل روحاني على هذا 
النحو أن ممارس دورا سياسيا عظيماء بل ويلهم كثيرين على هذا الدرب؟ هنا يجيب 
عباس محمود العقاد: «إذا قلنا إن غاندي م يكن سياسيا فنحن لا نريد بذلك أنه 
كان دون السياسيين في ملكات عقله. ولا أنه كان مفتقرا إلى الدهاء الذي تقوم عليه 
السياسة. فإنه لم يكن خلوا من الدهاء. وم يكن مقصرا عن الساسة في ملكات العقل 
والسليقة: ولكنه لم يكن سياسيا؛ لأنه كان يعمل في سياسة قومه بأسلوب غير أساليب 
الساسةء. بل غير أساليب الدعاة الشعبيين في أكثر الأحيان. كان يعمل في السياسة 
بأساليب القديسين»000). 

وتبدو هذه النقطة لافتة إلى حد بعيد, إذ يعود العقاد ليفصل فيها بعد أن وجد 
أنها بحاجة إلى شرح مستفيضء إذ كيف بمارس القديس السياسة. وهي فن الممكن. 
أو «اللعبة القذرة»؟ وهنا يواصل: 

«قد يقال: وما للناسك الجاد في نسكه وللسياسة؟ إنه غريب عنها وهي غريبة 
عنه... عليه أن يعتزلها مع الدنياء وأن يدع للناس أمر دنياهم يدبرونه على هواهم: 
وينجو بروحه وضميره من هذا الزحامء إلى صومعة من صوامع الوحدة والقنوت. 
وهذه حقيقة تقال وتسمع فى سيرة غاندي وأمثاله. ولكنها حقيقة ناقصة؛ لأنها 
حقيقة من جانب واحد. وهو الجانب الذي مملكه غاندي ويختاره. من دون الجانب 
الذي يساق إليه على الرغم منه. وهو قيادة الهند بأجمعها في طريق الخلاص. إن 
الهند لا تنفعها إلا زعامة واحدة: هي الزعامة التي تخاطب روحها وتنفذ إلى صميم 


لت 


الخيال السنناسىي 


وجدانها. إن زعامة الساسة الذين ينغمسون في الدنيا تضلها وتؤذيها وتثير فيها 
الريبة وسوء المظنة. فلم تخلق لها زعامة أصلح من زعامة الرجل الذي لا يستراب 
في مقاصده ونياته. وهو الرجل الناسك المقبل على عام الروح. فالهند لا تترك غاندي 
إذا تركها. وهو إذا تركها كان أقل من غاندي وأصغر؛ لأنه يؤثر خلاصه على خلاصها. 
وينظر فيما يريحه ولا ينظر فيما يريحها. وإنما يكون ترك الزعامة تضحية عندما 
تكون الزعامة كسبا وجاها لصاحبهاء فيقال: إنه ضحى بالكسب والجاه في سبيل 
العزلة الروحانية»(001. 

إن تميز الخيال السياسي لغاندي عن كثيرينء بل عن الأغلبية الساحقة من الساسة. 
هو إدراكه إمكانية المزاوجة بين السياسة والأخلاق» ليس على مستوى التأمل والتمني 
والتنظير فحسبء بلء وهذا هو الأهم. على مستوى التطبيق والممارسة. ومن ثم 
حل. وبطريقة عميقة وراسخة ولافتة» معضلة التناقض بين الاستجابة لشروط الواقع 
ومحاولة تغييره برؤى وأساليب لا تتجاهل القيم السامية والمبادئ الرفيعة. ولا تجهل 
دور الطاقة الروحية والأخلاقية في تغيير واقع مادي. 

ويقول العقاد: «وقد تناقض النسك والحصافة في رأي أكثر الناسء. بل قرنوا - 
قدمما وحديثا - بين الإعراض عن الدنيا وانخلاع العقل والشعورء كأنهم - لإكبارهم 
متاع الدنيا - لا يصدقون أن أحدا ينصرف عنها وله حظ من العقل الحصيف. 
ولكن غاندي على التخصيص كان نقضا بارزا لهذا التناقض ال مزعومء فقد كانت له 
حصافة وكان له دهاء. وكان من الأذكياء المعدودينء وإن لم يكن من ال معدودين 
بين أعاظم المفكرين. فقد يأقٍ بين أعاظم المفكرين في الصفين الثاني أو الثالث. 
وقد يأقِ في الصفين الثاني أو الثالث أيضا بين أعاظم الساسة وخطباء الجماهير. 
ولكنه بين جبايرة الروح فى الرعيل الأول لا مراء. وبهذه القوة الهائلة فيه قد 
استطاع ما لمم يستطعه أحد في الصف الأول من صفوف المفكرين. أو صفوف 
الساسة والخطباء»0922, 

ولعل ما أنهى به غاندي مذكراته يضيء جانبا مهما وعميقا من خياله السياسي. 
إذ يقول: «لا يمكن لمن يطمح للوصول إلى الحقيقة أن يعتزل أي مجالات من مجالات 
الحياة. ولهذا دفعني إخلاصي للحقيقة إلى مجال السياسة.. من المستحيل التوحد مع 
جميع الكائنات الحية من دون تطهير الذات. ومن دون تطهير الذات يظل الالتزام 


112 


متانع الحبال التتيناسنيي 


بقانون الأهيمسا!*؟ حلما زائفا.. ولأن الطهر ينتقل بسرعة إلى الآخرين. يؤدي تطهير 
الذات بالضرورة إلى تطهير الوسط المحيط بها»"". 

لقد تخيل غاندي في طفولته المبكرة دوره. حين فاضت مشاعره. وانقدح عقله. 
ثم آمن تدريجيا بأن ما يحققه كفرد في وسعه أن يحققه للجماعة. حتى لو اتسعت 
لتكون شعبا بحجم الهند على تنوعه الشديد, ولولا هذه البصيرة النافذة ما تحقق 
لبلاده ما حلم به فن استقلال ووحدة. 

وط يقف إلهام غاندي عند الحركات السياسيةء بل امتد إلى قضايا البيئة. فأفكاره 
كان لها تأثير عميق في الحركات والأحزاب التي تنادي بنقاء البيئة وعدم الإضرار 
بتوازن الطبيعة. وفي مطلعها أحزاب الخضر في أوروباء ووعي بيئي لدى قطاع عريض 
من الشعب الهندي نفسه!94". 

ولهذا ليس من المستغرب أن يقول أحد المتيمين بهذا القائد القديس: «سينظر 
المؤرخون في المستقبلء كما أعتقد. إلى القرن العشرين ليس بوصفه العصر النووي» 
بل على أنه عصر غاندي»0253. 

أما مارتن لوثر كينغ فقد وظف خياله السياسي الباذخ لتحرير زنوج الأمريكيين 
من العبودية أو الاضطهاد والتمييزء حين لم يذعن لدعوات الاستسلام التي وجهها 
البعض إليهمء مثل بوكر تي واشنطن «م)عدنطادهة7/ '1١‏ :ع5001 الذي دعا الزنوج 
إلى أن يستكينوا ويدعوا الزمن يصلح ما فسد. وكذلك دعوة دو بويز 8015 12 
للعشر الموهوب من السود بأن ينهض إلى العمل بكل همة. ويشدوا وراءهم 
بني جلدتهمء ورأى أنها مجرد تخطيط يفتح الطريق لصفوة أرستقراطية كي تفوز 
بنصيب الأسد. بينما يتعثر خلفهم التسعون ف المائة من غير الموهوبين. كما لم ترق 
لكينغ دعوة ماركوس غارفي (ع355) 2132115 للزنوج بأن ينتصروا على شعورهم 
بالنقصء ويحزموا حقاتبهم عائدين إلى أفريقياء موطنهم الأصليء برؤوس مرفوعة 
واعتداد بجنسهه9"'. 

كان لديه حلم مختلف تماماء وهو التحرير الكامل. وتجسد حلمه هذا في 
العبارة التي أطلقها أمام النصب التذكاري للرئيس إبراهام لينكون ١‏ (1809 - 1865), 


)«) 57 كلمة سنسكريتية, وتعني» وفق الديانة الهندوسية والبوذية والجاينية» تجنب العنف وكف الأذى 
عن الآخرين. [المحررة]. 


113 


00 1 0 84 7 

5 , 1 . ١ - - ِو‎ 0 

: 11-1 ]1 ةك ؛ 8 انالا 
2 00 7. 


الذي أعلن تحرير الزنوج في الولايات المتحدة في العام 1865. وتقول: «أحلم اليوم 
بآن أطفالي الأربعة يعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان 
جلودهم, ولكن بما تنطوي عليه أعمالهم». 

ولأن خياله السياسي ذهب أبعد كثيرا مما كان معروضا عليه من حلول جزئية: لم 
يكتف بفكرة التمثيل الرمزي للزنوج في الوظائف العامة الكبرى والمواقع والمناصب 
الأمامية في الجهاز البيروقراطيء كدليل أو إشارة إلى التقدم نحو حصولهم على حقوق 
المواطنة. ورأى أن هذا الأسلوب ينحرف بالزنوج عن غايتهم الرتيسة. وهنا يقول: 
«يمكن إرضاء الملونين بأن يعين من بينهم قاض هناء ومدير أعمال هناك. وآخر 
في مركز يؤهله للنصب وزيرء وطالب يلحق بإحدى الجامعات. ولو احتاج الأمر 
إلى أن يحرسه رجال الجيشء وإلحاق ثلاثة أطفال من السود بالمدارس الثانوية في 
مدينة كبرى... إلخ» كل تلك النماذج كانت تقدم تضليلا للزنوج باعتبارها رمزا على 
مساواتهم بالبيضء وللتستر على التمييز العنصري القائم فعلا... إن النضال اطرير 
الذي ظل قانما لعشرات من السنينء عندما بلغ الذروة لم يسفر إلا عن قدر محدود 
من النجاح. وم يتقدم إلا وشيكا»!”7. 

وتمسك كينغ ممبداً التحرير الكامل للسود. مستفيدا من التصريح الذي أذلى به 
الرئيس كيندي في 11 يونيو 1963: قبل اغتياله ببضعة شهورء من أن الولايات المتحدة 
«تواجه مشكلة أخلاقية. قديمة قدم الكتاب المقدسء. وواضحة وضوح الدستور 
الأمريكيء ألا وهي الاعتراف بأن من حق جميع الأمريكيين أن يتمتعوا بنفس الفرص 
وبنفس الحقوق.. والذين لا يعترفون بهذا الحق لا يرجى لهم إلا المتاعب والعار, أما 
الذين يعملون بشجاعة, فإنما يعترفون بحقيقة واضحة لا مناص منها»002. 

وانطلق كينغ من أن «الشعب المضطهد لا ممكن أن يبقى مضطهدا إلى الأبد. 
والتعطش إلى الحرية لا يلبث أن يثبت وجوده»7””", واختار النضال السلمي لرفع 
هذا الاضطهاد. قائلا: «أمامنا الطريقة الفضلىء وأعني بها طريقة المحبة والاحتجاج 
السلمي.. ولولا قيام هذه الفلسفة - أي فلسفة العمل السلبي المباشرء لكان كثير 
من الشوارع في أرض الجنوب غارقة في الدماء»2129. ف «الجندي النظامي عليه أن 
يفحص بندقيته. وأن يحرص على نظافتهاء بينما على الجندي المسالم أن يحرص على 
طهارة قلبه ونقاء ضميرهء وأن يكون شجاعا مؤمنا بالعدالة»(111. 


114 


شانلم الحثال لنلت لامتكا 


وأمعن كينغ النظر في الأمور التي تجري حوله. فوجد أن الذين نادوا بحمل 
السلاح في وجه الرجل الأبيض م ينجحوا في حل مشاكلهم. لأنهم اكتفوا بالتهليل. 
واستسلموا لضجيج الحماس الأجوف. من دون أن تكون لديهم رغبة فعلية في أن 
يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة, أو يخوضوا غمار معركة خاسرة. ومن دون أن يقوموا بما 
عليهم من واجب صوب الاتصال بالكتل الجماهيرية بطريق مباشرء ليدفعوها إلى 
العمل.ء بحيث تلفت انتباه أغلبية الشعب. وهنا يقول كينغ: «علينا أن نلاحظ أن 
المحافظين الذين ينصحون بالتريثء والمتطرفين الذين يطلبون منا أن نهاجم العام 
بالسوط. يقفان على طرفي نقيض. ولو أن بينهما نقطة تشابه عجيبة: فكلاهما فاشل, 
لآنهما لم يصلا على قلوب الجماهير المتعطشة للحرية»12". 

وبذلك حقنت دعوة كينغ أنهارا من الدماء كان يمكن أن تسيل في شوارع 
المدن الأمريكيةء واقترب من تحقيق أهدافه النبيلة بأقل قدر ممكن من الخسائر 
في الأرواحء فسياسة عدم الاعتداء «أثارت الارتباك بين السلطات التى هاجمتها. 
وشلت كيانهاء. وبدلا من أن تقمع تلك السلطات حركة التمرد بوحشيتها المعتادة. 
أصبحت سلبية القوة إلا في الظروف التي يتاح لها العمل فيها في الخفاء بعيدا عن 
الرقابة.. وبدت السلطات أشبه ما تكون بالسجين الهارب الذي وقع تحت شعاع 
النور الكاشف»1137). 

ومن ثم فقد استعملت الشرطة الرصاص على أضيق الحدود خلال حركة 
الاحتجاج التي نظمها الزنوج في العام 1963. وأمسكت عن الإفراط في ضربهم 
بالهراوات والعصيء لأن أنظار العالم كانت متجهة إلى حيث تدور المواجهات أيامهاء 
ورأى الجميع كيف خاض الزنوج المدربون على تطبيق مبداأً عدم الاعتداء المواجهة 
وهم مؤمنون بأن العمل السلمي قادر على هزيمة خصمهم المدجج بالسلاحء ولأن 
مئات الآلاف من الزنوج تجرأوا لأول مرة في التاريخ على أن يضعوا عيونهم في عيون 
الرجل الأبيض من دون أن يطرف لهم جفن. 

ورسخ كينغ ميدأه هذا.حين ألقيت قنبلة على منزله في 30 يناير 1956 بينما 
هو يخطب في أنصاره. مما كاد يتسبب في مقتل زوجته وابنه. فيومها تجمع السود 
عند منزله وهم مدججون بالسلاح وعلى أهبة الاستعداد للانتقام, وأصحت مدينة 
مونتغمري على حافة الانزلاق إلى حرب أهلية: فما كان من لوثر إلا أن هدأ من روع 


1095 


الذبال الننببائئتنيف 


الغاضبين. حين خاطبهم: «دعوا الذعر جاتباء ولا تفعلوا شيئا يمليه عليكم الشعور 
بالرعب. إننا لا ندعو إلى العنف». 

ناضل كينخ من أجل الحقوق السياسية للزنوج» فخطب خطبة شهيرة أمام 
نصب الرئيس الأمريكي الراحل إبراهام لينكون هاجم فيها الحزبين الجمهوري 
والدمموقراطي وردد صيحته الخالدة: «اعطونا حق الانتخاب»». واستجابت السلطات 
له. فتم تسجيل خمسة ملايين زنجي بجنوب الولايات المتحدة في جداول الانتخابات. 
وفي أواخر العام 1962 شرع كينغ في قيادة سلسلة من المظاهرات السلمية في 
برمنغهام واجهتها السلطة بعنف وبقرار يمنع كل أنواع الاحتجاج والمسيرات الجماعية 
وامقاطعة والاعتصام. فتحدى كينغ هذه الإجراءات بتنظيم مظاهرة سار خلفه فيها 
ألف متظاهر وهم يرددون: «الحرية حلت ببرمنغهام». فما كان من الحكومة إلا 
أن اعتقلته وأودعته زنزانة انفرادية. ليحرر خطابا ينطوي على فلسفته في النضال 
اللاعنيف. أصبح فيما بعد من أهم المصادر الأساسية لحركة الحقوق المدنية. 

وكان هذا العام فارقا في حركة الحقوق المدنية للزنوج, وكما يقول كينخ نفسه: 
«لم يحدث إطلاقا في تاريخ أمريكا أن لجأت الجماهير إلى الشوارع واليادين, 
واقتحمت قدس أقداس بيوت المالء وأبهاء مباني الحكومة ذات الجدران الرخامية. 
ليعبروا عن احتجاجهم وضيقهم بالظلم الذي يرزحون تحته»2'". ثم يبين كيف كان 
الاحتجاج عارما وشاملا: «قام الزنوج عن بكرة أبيهم مرة واحدة. فأغلقت الطاهية 
مطبخها وخرجت إلى الطريقء ودفع جون باب مصعده والتحق بالمتظاهرين. وشد 
بيل مكابح اللوري وانطلق نحو بني جنسه. وقام القس آرثر بالمصلين عبر الطريق. 
عندما قبض عليه أقام الصلاة في السجن»019. 

وتراءت لكينغ فكرة إتاحة الفرصة للأطفال للمشاركة في النضال ضد التمييز 
العنصريء فدفع الآلاف منهم إلى مقدمة المظاهرات. في مواجهة رجال الشرطة 
وخراطيم المياه والكلاب المسعورة. و«كان الأطفال السود يركضون ساخرين خلف 
رجال الأمن مطالبينهم بأن يقبضوا عليهمء. ومع أن هؤلاء الصبية كانوا على استعداد 
لأن يسجنوا مثل الكبار تماماء إلا أنهم كانوا يعلمون كذلك أن السجون اكتظت 
بالسود. بحيث لم يعد بها مكان لنزيل من النزلاء»9''. وما تعاملت الشرطة بوحشية 
معهم وم تراع حداثة أعمارهم. خلفت وراءها صورا تعج بالعار. واشمأزت اطلايين 


116 


عنائع الخبيال اللننتائتيضص 


وهي ترى صور الكلاب التي تنهش أجساد الصغار.ء فوقعت سلطات الدينة في أزمة 
شديدة. وباتت أكثر مرونة حيال التفاوض حول حقوق السود. والتقط كينغ الخيط 
فأعلن أن بن جلدته لن يكفوا عن الاحتجاجء لكنهم على استعداد للتفاوض من 
موقع قوة. فلم تجد السلطات بدا من تشكيل لجنة للتفاوض مع زعماء الزنوج, 
وانتهت المفاوضات الشاقة بالموافقة على برنامج تدريجي لإلغاء العنصرية. إلى 
جانب الإفراج عن المتظاهرين ال معتقلين. 

ولما حاول بعض اللمتعصيين البيض إفشال هذا الاتفاق بإلقاء قنابل على زعماء 
الزنوج» انفتح باب واسع للعنف, فانفجر الشبان الزنوج في غضب شديد. وواجهوا 
الشرطة بقوة. وحطموا عشرات السياراتء. وأشعلوا النار في بعض المتاجرء مما 
اضطر الرئيس حون كيندي إلى إعلان حال الطوارئ في صفوف القوات المسلحة. 
وهنا جاء دور كينغ ليهدئ من سورة الغصبء. فقام بجولة ناجحة على عدة مدن. 
ليقف على وجهة نظر الزنوج فيما يجري. ويطلب منهم ضبط النفس.ء والتركيز على 
النضال الدني. 

وعلى الرغم من أن رجلا متعصبا يدعى جيمس إرل راي أطلق النار على كينغ 
في الرابع عشر من فبراير في العام 1968 فأرداه قتيلاء بينما كان يستعد لقيادة 
مسيرة زنجية تؤيد إضراب جامعي القمامة, فإن حلمه وخياله السياسي الفياض ألهم 
حركة الزنوج من بعده. فتقدمت ف الحياة الاجتماعية والسياسية الأمريكية. حتى 
تمكن أحد السود. وهو باراك أوباماء من الوصول إلى البيت الأبيضء. كرئيس للولايات 
المتحدة, بعد اغتيال كينخ بأربعين سنة. 

وهناك من القادة من امتزج فيه الفكر بالحركةء وحدذ! وجهة خياله السياسي. 
ويمكن أن نضرب مثلا هنا بحالة جمال الدين الأفغاني (1838 - 1897). الذي لمم يكن 
محاربا بالسيف ولا بالبندقية مثل بوليفار. ولا في موقع سياسي رسمي مثل تشرتشل. 
ولا استشطت أفكاره من حركته مثل اطهاتما غاندي. بل كان يفكر وهو يتحرك. 
ويتحرك وهو يفكرء غير عابئّ بتدوين ما يقوله. ولا بخطر ما يفعله. على قدر ما 
فيه من جسارة. 

وقد «كان الأفغاني يريد أن يكون رجل نظرء حكيما من الحكماء العظامء ولكنه 
في الواقع كان مشغولا بالعملء راغبا في التغيير بكل الوسائل المتاحة له. من تدبير 


117 


اتحيأئ النسيايصس 


الثورة إلى التحريض عليهاء إلى الكتابة في الصحف. حتى الدردشة في مقاهي مصر. 
وتحت سماء الأستانة»1177), 

وينظر إلى الأفغاني باعتباره «داعية إسلاميا وفيلسوفا ومعلماء وهو المحفز الرئيس 
للقومية المبكرة في مصر وبلاد إسلامية أخرىء بعد أن دعا إلى العقلانية للمستنيرين 
والإسلام الراشد للجماهير مع معارضة للاستعمار البريطاني»9!). 

وبذا كان للأفغاني موقفان. الأول هو موقف المدافع عن تراث المسلمين 
والتصورات الدينية التقليدية. نظرا وعملاء والتي ترسخت خلال العقود الأولى 
للإسلام في زمن الرسول والخلفاء الراشدين. والثاني هو موقف الرجل العصري الذي 
تجري على لسانه وبسن قلمه لغة علمانية إلى حد ما. ومن جماع الاتجاهين دافع إلى 
حد ما عن الحرية. حرية الأمة وحقها في مقاومة الاحتلال والاستغلال. وإلى حد واسع 
عن العدالة, فتعامل معها دينيا على أنها السير على الطريق المستقيم: واجتماعيا على 
أنها إنهاء الاستغلال. فاهتم بممصير الفلاحء وندد بأنانية الأثرياء2119. 

وفي الحرية قال أقوالا كثيرة منها: «العبيد هم الذين يهربون من الحرية فإذا 
طردهم سيد بحثوا عن سيد آخر». وفي مقاومة الظلم قال: «أعجب من الفلاح الذي 
يشق الأرض بفأسه. كيف لا يشق بها رأس ظاطه». 

وقد كانت خطبه النارية ومقالاته الصحافية هي تركته الأساسية. ولذا يعتبر, 
على الرغم من أنه كان صاحب شخصية فذة ومحورا للعالم الإسلامي في القرن التاسع 
عشرء من رجال السياسة قبل كل شيء. ونظر إليه محبوه نظرتهم إلى وطني كبير, 
ونظر إليه خصومه على أنه مَهيج خطير. ويتفق الجميع على أنه أول فصل من 
فصول الحركات الإسلامية المعاصرة. ومصدر الإلهام للمسلمين في موقفهم من الحياة 
العصرية والتجديد. وصاحب التأثير الأكبر في الحركات التحررية والدستورية التي 
قامت بعده في الدول الإسلامية»020. 

وتمثلت منابع إلهام الأفغاني في الاطلاع على تاريخ المسلمين وفكرهم عبر الحقب 
المتعاقبة. والإمام الواسع بأفكار الأوروبيين وشؤونهم. وغذى هذا خياله ليس في 
اتجاه إنتاج أفكار مبدعة. فهو في الحقيقة م يؤلف سوى كتابين صغيرين لا وزن 
ثقيلا لهماء إنما في الحركة. حيث نفخ في أوصال الحركات الوطنية المحلية في كل قطر 
إسلامي. وصولا إلى فكرة «الجامعة الإسلامية». التي قال عنها: «لا جامعة لقوم لا 


118 


نانع الحيال الئنانيى 


لسان لهمء ولا لسان لقوم لا تاريخ لهم. ولا تاريخ لقوم إذا مم يقم منهم أساطين 
يحمون ذخائر بلادهم ويحيون ماثر رجالهم». 

وهنا يقول أحمد أمين عنكه: «كم من الناس علموا أكثر مما علم, وقرأوا أكثر مما 
قرأء ورطنوا أكثر مما رطنء ولكن لم يكن لأحد منهم شخصية كشخصيته: ذكاء متوقد. 
وبصيرة نافذة, وتوليد للأفكار والمعاني من كل ما يقع تحت سمعه وبصرهء واستقصاء 
للفكرة حتى لا يدع فيها قولا لقائل»””* . 

وقد كان الأفغاني «يجمع شتات العام الإسلامي في شخصه. وعبر عن المشكلات 
والصعاب التي عاناها ا لمسلمون في زمنه. وراح يعمل ضد تلك الصعاب بطاقة هائلة. 
وإذ كان أدرى المسلمين بمصيبة إخوانه المسلمين. فقد راح يحضهم بحماسة وثابة 
نارية على محاولة فهم وضعهم.ء والعزم على إصلاحه وتغييره. مؤكدا أن إبعاث 
الإسلام هو مسؤولية المسلمين أنفسهم. لا مسؤولية الخالق. فمستقبل المسلمين لن 
يكون عظيما إلا إذا جعلوه عظيما»22". 

ولهذا كان يقول: «لن تنبعث شرارة الإصلاح الحقيقي في وسط هذا الظلام الحالك 
إلا إذا تعلمت الشعوب العربية وعرفت حقوقهاء ودافعت عنها بالثورة القائمة على 
العلم والعقل». وكان يقول أيضا: «قيد الأغلال أهون من قيد العقول بالأوهام». 

وربما نجد اقترابا من الحديث عن خيال الأفغاني إن تتبعنا ما كان يحدوه من 
أملء وما كان يقدر عليه هو من فعل جسور في سبيل تحقيق أمانيه. فهو «كان له 
حلم عظيم يسع ما شاء الله له أن يسع»122). ووظف كل ما ينطوي عليه الأدب من 
خيال وبلاغة في خدمة الشعب. «يطالب بحقوقه. ويدفع الظلم عنه. ويهاجم من 
اعتدى عليه كائنا من كانء يبين للناس سوء حالهم ومواضع بؤسهم» ويبصرهم بمن 
كان سبب فقرهم, ويحرضهم على أن يخرجوا من الظلمات إلى النورء وألا يخشوا 
بأس الحاكم. فليست قوته إلا بهمء ولا غناه إلا منهمء وأن يلحوا في طلب حقوقهم 
المغصوبة. وسعادتهم المسلوبة. فخرج على الناس بأدب جديد ينظر للشعب أكثر مما 
ينظر إلى الحاكم: وينشد الحرية: ويخلع العبودية. ويفيض في حقوق الناس وواجبات 
الحاكم» ويجعل من الأدب مشرفا على الأمراء. لا ساتلا مد يده للأغنياء»022. 

والخيال السياسي للأفغاني امتد إلى أنه كان قادرا على شحذ خيال من تحلقوا 
حوله. وتأثروا به. ففاضوا في الحديث عنه. حتى أنهم انتقلوا أحيانا من الحقائق 


1689 


الخيال السنبيراستى 


إلى الأساطير. ووقفوا كثيرا عند شعورهم بأنه رجل ملهم وعظيمء وأن ما يطلبه بات 
واجبا لا فكاك منه. ولهذا «يمكن أن نقول إن هناك جمال الدين كما هو في ذاته, 
أو فلتقل على حقيقته. وأن هناك أيضا أسطورته كما نشرها هو ببراعة عظمى. 
واستخدم في نشرها عشرات من التلاميذ. وبعضهم كأنه شبه مسحور.. وأسطورته 
تلك هي التي عرفه الناس من خلالهاء ولايزال أكثرهم على هذه الحال حتى يومنا 
هذا في البلاد الناطقة بالعربية. وهي التي أثرت في من أثرت فيه وسيكون منهم 
رحال عظماء»0259. 

وكان من تلاميذ الأفغاني عظماء في مجالات عدة مثل محمد عبده. وأديب 
إسحقء وإبراهيم اللقاني» وسعد زغلول ومحمود سامي البارودي وغيرهم. 

آمن الأفغاني بأن الإصلاح يمكن تحصيله من فوره. شرط العمل من أجل 
بلوغه9*'). ولذا رفض طلب تلميذه محمد عبده وهما في باريس العام 1883: 
أن يذهبا معا إلى مكان غير خاضع لسلطان دولة تعرقل مشروعهما الإصلاحي: 
ليؤسسا مدرسة للزعماءء. يختارا تلاميذها من الأقطار الإسلامية. ويقوما بتربيتهم 
طدة معينة. يصبحوا بعدها مؤهلين لقيادة الإصلاح في بلدانهه27'". فالأفغاني كان 
يتصرف دوما على أنه لا وقت للانتظارء فهو خلق للدعوة والحركة في مجال العمل 
السياسي والثورة الأممية238''. والتمرد على مقتضى الحالء ولذا كان يقول لمحمد 
عبده ناصحا: «كن فيلسوفا يرى العام ألعوبة. ولا تكن صبيا هلوعا». وحين قال 
له أحد الجالسين إليه ذات يوم: «إن ال مستعمرين ذئاب» رد عليه: «لو مم يجدوكم 
نعاجا لطا كانوا ذئابا». 

ومن أمارات تمرده أن السلطة ما كانت تصبر على استئناسه طويلاء ففي بواكير 
العام 1879 أسهم في تأسيس جمعية سياسية سرية كان الأمير توفيق أحد أعضائها 
في وقت ماء لكنه حين صار «خديوا» في العام نفسه وقع تحت تأثيرات معادية فطرد 
الأفغاني من مصر. وبعد أن اتهم بمحاولة اغتيال الشاهء ذهب إلى إسطنبول وحل 
ضيفا على السلطان عبدالحميد الذي سرعان ما اختلف معه وطرده. وانتهت حياته 
بدس السم لهء ثم قيل إنه قد أصيب بسرطان لا يرجى منه شفاء. 

ولا شك في أن الأفغاني. بتحريضه على مقاومة الظلم, سواء في أحاديثه المباشرة إلى 
تلاميذه على المقاهيء أو في مقالاته التي حملتها جريدة «العروة الوثقى» أو تصرفاته 


12 


منابع الخبيال السياسىي 


التي كانت تتسم بالجرأة والإقدام, قد أدى دورا في الثورتين الفارسية والعرابية. 

ولذا لم يكن الإمام محمد عبده يجافي الحقيقة حين كان يصفه قائلا: «الشيخ 
الجليل الذي كان يجلس على قهوة متاتيا يوزع السعوط بيمناه والثورة بيسراه». 

إن الخيال السياسي للأفغاني كان أوسع بكثير من طاقته وقدرته هو بوصفه 
شخصا. لكنه صاغ منه حلما تحول إلى فكرة لاتزال تراود بعض الحركات الدينية 
المسيسة إلى يومنا هذاء على رغم أن كثيرين من أتباعها لا يدركون أن أفعال الأفغاني 
وأقواله لها بصمة على ما يتصورونه ويرددونه ويتصرفونه. وحتى لو عرف بعضهم 
فإنه لا يتمكن, في الأغلب الأعم. من تحرير رؤية الأفغانى من سياقها السيامي 
والاجتماعي الذي تبدل الآن إلى حد بعيد. 


حادي عشر: استعراض التجارب الناجحة ودراستها 

لا يريد الذين يطلقون خيالهم السياسي أن يصلوا إلى طرق مسدودة. فيقعدوا 
ملومين محسورين. أو يخفقوا في تحقيق أهدافهم التي يصَّبون إليهاء إنما هم بالطبع 
يوظفون قدرتهم على التخيل في الانطلاق إلى الأمام. 

ويكون هذا الانطلاق أسرع نسبيا إن رآكم هؤلاء على ما سبقهم إليه غيرهم. 
فالبدء من نقطة الصفر يضيع وقتا وجهدا كبيرين. وقطعا لن يراكم الراغبون في صناعة 
مستقبل أفضل على أطلال أو حطام إنما على أبنية متينة. خلقتها تجارب ناجحة. 

وقليلا ما نجد في حياتنا السياسية في العالم العربي مسعى إلى الاستفادة العميقة 
مما عركه الآخرون. وخرجوا منه مظفرينء سواء الذين سبقونا على أرضنا في تواريخ 
مضت. أو من خلال التجارب الدولية. وهذه آفة لا تقتصر على السلطة فحسب. 
بل إن مختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية تعانىي الداء نفسه. فيبداً الكل 
وكأن أحدا مم يفكر قبلهم في المشكلات التي تعترض سبيلهم. ويقطع شوطا على 
طريق حلها. 

وعلى سبيل المثال. حين أخذ بعض المفكرين العرب على محمل الجد إشارات 
السلطات إلى إمكانية الإصلاح في مطلع الألفية الثالثة. حاولوا في رحاب مكتبة 
الإسكندرية خلال «المؤتمر الثاني للإصلاح» دراسة التجارب الناجحة في قضايا عمالة 
الشباب. وتمكين المرأة» والتعليمء والبيئة والمياه. والتكافل الاجتماعي2ء وحقوق 


121 


الحذأل اللسسامدي 
الإنسان. والتنمية الشاملة والمستدامة. والصحةء والسلامء والمشاركة السياسية. 
والثقافة والفنونء والبرامج ا متخصصة والقروض الصغيرة. 

وقدمت وقتها مختلف الفعاليات التي شاركت في المؤتمر أوراقا تشرح هذه 
التجارب باستفاضة اتكاء على أنه «إذا كان الطابع الأساسي للمعرفة اليوم هو التراكم 
المولد لطاقة الإبداع, فإن الأحداث الفكرية والثقافية تكتسب أهميتها من قدرتها 
على تشكيل ذاكرة موضوعية. تختزن التجارب الفعالة. وتستخلص مقوماتها وعصارة 
الخبرة الناجمة عنهاء لا من قبيل التوثيق فحسب - مع أنه هدف عزيز في حد ذاته - 
ولكن على سبيل حفز الإرادة الجماعية على مواصلة الجهد. لتحقيق الغايات النبيلة 
الكبرى. انطلاقا من تصعيد الخطوات السابقة وإدراجها في منظومة تتحرك في سبيل 
الإنجازات القادمة»129). 

شرح وقتها مدير مكتبة الإسكندرية د. إسماعيل سراج الدين الأسباب التي حدت 
المشاركين في المؤتمر على التفكير في هذا الاتجاه فقال: «كانت الفكرة الجوهرية 
الكامنة حول مفهوم التجارب الناجحة أن النجاح ينتشر بالعدوى. مثلما يتحسن 
السلوك بالقدوة والمثل العلياء وكذلك من الإممان العميق بأن المستقبل الأجمل لأمتنا 
العربية لن يتحقق إلا باستثمار كل الطاقات الخلاقة والاجتهادات الأصيلة والعمل 
الدءوبء والنظر في الإنجازات التي تدفع إلى إعادة النظر في القضايا التي لاتزال قائمة: 
والعقبات التي لاتزال تعرقل المسار. وذلك من خلال النظر إلى المقترحات والإنجازات 
الناجحة التي يمكن أن تسهم في تذليل العقبات, والانطلاق الخلاق صوب المستقبل 
الذي نحلم به لأمتنا العربية. وذلك انطلاقا من أن حركات الإصلاح التاريخية التي 
غيرت مسارات الأمم في مختلف المجتمعات. قد بدأتها دوائر صغيرة من المزودين 
بطاقة الإيمان بأهدافهم والإصرار على تنفيذهاء وأنها سرعان ما اتسعت بالعزيمة 
وامثابرة والإخلاص»130). 

وقطعا ليست هذه هي التجربة العربية الوحيدة. لكنها ربما الأوسع, أو التي 
تتعلق بمسارات أشملء تضم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحقوقي. 
وهناك تجربة أضيق لكنها مهمة أيضا. ففى فبراير من العام 2015 عرضت المنظمة 
العربية للتنمية الإدارية. التابعة لجامعة الدول العربية, في مؤتمر لها تجارب الدول 
الناجحة في إصلاح الجهاز الحكوميء بغية رسم خطط الإصلاح الإداري» وتهيئة 


لل يعدي -. 
لد 


1 


عنايع الذبال البستناسي 


مناخ الاستثمارء وتعزيز إمكانيات الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة. وتطوير نظم 
الرقابة المالية والإدارية لمكافحة الفساد في تحقيق الإصلاح الإداري في الدول المتقدمة 
لتعميمها والاستفادة منها'”". وقد قامت جامعات ومؤسسات مجتمع مدني 
ومؤسسات خاصة في مجال امال والأعمال بالنظر في تجارب سابقة؛ للاستفادة منها. 

والسؤال ما الذي يقدمه استعراض التجارب الناجحة لحفز الخيال السياسي 
العلمي؟ 

إن الإجابة عن هذا السؤال لا تبدو يسيرة. فكثير من أولئك الذين آمنوا بضرورة 
استعراض التجارب الناجحة سيطرت عليهم النزعة إلى تقليدها أكثر من مفارقتها إلى 
ما هو أبعد منها بكثير. وقد حدث هذا بشكل أوسع وأعمق مع نقل تجارب تنموية: 
بعضها سبقته رؤى نظرية متكاملة. وشبه متكاملة. جعلته يشكل نموذجا ممكن 
استعارته. كما وضعه أصحابه من دون تغيير أو تبديل. 

لكن هذه الاستعارة أو النقل التام, الذي قد لا يراعي في كثير من الأحيان اختلاف 
العوائد التي تشمل الإمكانات المتاحة وطبائع البشر واحتياجاتهم ومعطيات الجغرافياء 
ليس هو المطلوب في صناعة خيال سياسي خلاقء إنما شيء آخر تماماء قد يجعل التجارب 
الناجحة تؤدي وظائف أساسية في إفادة الخيالء وذلك على النحو التالي: 

(1) استعراض التجارب الناجحة هو مجرد أرضية للانطلاقء وليست نهاية 
للمطاف, أو مجرد بحث عن شيء يمكن تكراره أو تدويره أو استعماله طلاء أو زينة 
في عملية دعاية سياسية لحساب سلطة أو معارضة. 

(2) في التجارب الناجحة هناك دوماء على الرغم من النجاحء» أشياء ناقصة إن 
تممناها فإن النجاح سيتسع. وعلينا أن نفكر في كيفية إتمامهاء بوسائل مبدعة. 

(3) التجربة الناجحة اليوم قد لا تحتفظ بنجاحها إلى الغد نظرا إلى تغير 
الظروف الطبيعية والبشرية. وبالتالي من الضروري إعادة تقييم وتعريف النجاح 
وفق الظرف المستجد. 

(4) التجارب الناجحة ليست تجاربنا إنما هي تجارب آخرين. كانت لديهم 
أهداف وغايات. بعضها قد يتطابق مع ما نريده. لكن هناك ما لا نريده. إما لأنه 
زائد عن حاجحتناء أو ناقص عنهاء وإما لأن لدينا أهدافا مختلفة نسبياء تتطلب أن 
نفكر بطرق مغايرة في سبيل تحصيل النجاح. 


الخيال السياسى 


(5) التجارب الناجحة قد ترضي طموح أصحابها في اللحظة التي ينجزونها فيها, 

لكنهم يجب ألا يتوقفوا عند هذا الحد من الطموحء وعليهم بالضرورة ألا يتوقفوا 
أبدا بل يذهبون بطموحهم إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. 

وفي السياسة يطرح السؤال: ما الأطراف المناط بها أن تطلق الخيال في سبيل 
الاستفادة من التجارب الناجحة؟ 

إن الأذهان تنصرف دوما إلى السلطة الحاكمة في حال تحديد الطرف الذي 
عليه أن يعمل خياله السياسي بعد امتلاكه. لكن في الحقيقة هناك أطراف أخرى 
مستدعاة لهذه المهمة. من بينها الأحزاب السياسية المعارضة. والحركات الاجتماعية 
والسياسية الفاعلة. وقوى المجتمع المدني» بل وبعض الأفراد من الشخصيات العامة 
الذين يؤدون دورا بارزا في توجيه الرأي العام أو إيصال أفكار ومعان إلى من في 
أيديهم مقاليد الأمور. 

وهناك حالتان قائمتان بين هذه الأطراف جميعا: إحداهما إيجابية. والأخرى 
سلبية. يمكن توضيحهما على النحو التالي: 

أ- الإيجابية: حين تكون القنوات بين هذه الأطراف أو القوى السياسية مفتوحة., 
تجعل ناتج الخطاب والإرادة ينساب بينها بلا عقبات أو عراقيل. ومن ثم تتعاظم 
الاستفادة. بتعزز العناصر التي تدفع الخيال السياسي قدماء وتضعه في الوقت نفسه 
على طريق العلمء فتحميه من السقوط في الأوهام والوساوس القهرية. أو أحلام 
اليقظة والتفكير بالتمني. 

ب - السلبية: التي تكون فيها هذه القنوات مسدودة, الأمر الذي يجعل طاقة 
التفكير الخلاق تتناطح بدلا من أن تتفاعل وتتكاملء وبالتالي تفقد الجزء الأكبر من 
فاعليتها في الصراع. وكلما طال أمد هذا الصراع أو انفتح بلا حد. أو تغلبت عليه 
المنافع الذاتية والانتهازية. تدهور معدل تراجع الاستفادة من التجارب الناجحة في 
التخيل السياسي العلمي بشكل ملموس. 


124 





سبل تنمبة الخيال 


السياسي ومعوقانه 


في محاضرة الافتتاح التي ألقاها ميخائيل 
أوكشوط بمدرسة لندن للاقتصاد في العام 1951: 
تحدث عما أسماه «بحر السياسة الذي لا حدود 
له». وقال: «في مجال النشاط السياسي يبحر 
الناس في بحر بغير قاع وبغير حدود. لا ميناء 
يلوذون به. ولا أرض يلقون إليها مراسيهم. 
لا يعرفون نقطة لليداية. ولا قصدا محددا 
يتجهون إليه» إن مشروعهم مثل سفينة تطفو 
حيث البحر هو الصديق والعدو معاء وحيث 
الإبحار ما هو إلا استخدام لكل ما هو متاح 
من أنماط السلوك التقليدي بقصد تحويل أي 
ظروف معادية إلى ظروف مواتية»7". 

بالطبع» لم يكن أوكشوط يتحدث بشكل 
مباشر عن الخيال السياسي. لكن وصفه البديع 
هذا ربما يفتح نافذة للتفكير فيما هو موات, 


7 
«بلغ التفكير بالتمني ذروته مع 
الانتفاضات والثورات التي اندلعت 
في عدد من الدول العربية في 
السنوات الأخيرة, فكثير من الثوار, أو 
حتى عموم الناس» الذين استبشروا 
بالثورات خيراء فكروا فيما سيأتي 
بالتمنيء من دون أن تكون هناك 
خطط واستراتيجيات منطلقة من 
الواقع تحمل أمانيهم هذه إلى 

التحقق في ال مستقبل» 





125 


تحدان المسعاندى 

وما هو معاد في السياسة. وكيف ممكن توظيف الأول في دفع الخيال قدماء والثاني 
في تعويقه, وما السبل التي تجعل بوسعنا أن نجدف إلى الأمام. فنتغلب على الريح 
المعاكسة التي ترفع أمامنا جدران المتوج المتلاحقة. 


أولا: سبل تنمية الخيال السياسي 

مثل أي شيء وأي طاقة. يمكن أن نعزز الخيال السيامي إن امتلكناه أصلا. 
فابتداء. فإن «أسباب سلوكنا الذي يشمل نشاطاتنا العقلية مثل الإدراك يمكن أن 
نجدها بصورة نهائية فيما ورثناه من عوامل وفي تاريخنا البيئي. وفيما نقابله في 
حياتنا من مصادفات تحدث ف البيئة المحيطة بنا»©. وإذا كان ما ورثناه قد حدث 
بالفعل. ولمم يكن لنا يد فيهء فإن ما نكسبه. يمكننا أن نغير فيه أو نعدلء وفق ما 
ممنحنا أقصى فائدة ممكنة, فتتحول «عوائد» البيئة أو امجتمع إلى إضافة تثري ذهن 
الإنسان. وتوقظ مشاعره. وتلهب حسه. فينطلق خياله. ليوظفه في مختلف مجالات 
الحياة. ومنها بالقطع السياسة وشؤونها. 

والسؤال عن سبل تنمية الخيال السياسي يتطلب قبله الإجابة عن سؤال آخرء 
هو: كيف نعزز التفكير الإبداعي؟ وهو تساؤلء كان ولايزال. يؤرق العلماء في مختلف 
المجالات. واحد منهم هو مايكل ميكالكو الذي خصص كتابا كاملا ليطرح فيه الإجابة؛ 
متنقلا بين حقول معرفية مختلفة وتجارب لعلماء وأدباء وفنانين» ليصل في النهاية 
إلى خريطة متكاملة أو استراتيجية للتفكير الإبداعي. يقسمها إلى جزأين: الأول هو 
«رؤية ما لا يراه الأخرون» من خلال معرفة «كيف نرى؟». وإعطاء التفكير شكلا 
مرثيا. والثاني هو «التفكير فيما لا يفكر فيه الآخرون» عبر التفكير بسلاسة وطلاقة. 
وصنع توليفات مبتكرة» ووصل ما ليس متصلاء والنظر إلى الجانب الاخرء والنظر 
داخل العوامل الأخرىء والعثور على ما لا نبحث عنه. وإيقاظ روح التعاون2. 

لكن عملية توظيف الخيال في مجال السياسة تقتضي من المتخيلين أن يبتعدوا 
بأنفسهم عن آرائهم الخاصة بشأن المجتمع. بوصفهم أعضاء فيهء وأن يستخدموا 
النظريات. ويقرأوا التاريخ جيداء لتوفير الأدلة والبراهين. من دون ربط ما يستقر 
في رؤوسهم من فهم بالخيرة الشخصية؛ لأن مثل هذا يجعلهم بممنزلة اللاعبين 
الاجتماعيينء وبالتالي لن يكون في مقدورهم أن يفهموا المصطلحات السياسية على 


1622 


95 ى لس : 4- -5 7 ١‏ عن 2 5 6 ع“ 1 د 0 1 ه 2 > ل 2 7 1١‏ 1 
ل 0 ايأ ٠ ١‏ مشا 1 ا لخ ١‏ ل بق 1-2 فيك ,+ 


نحو سليم©؛ فمن يبتعد عن المشكلة قليلا ليراها جيداء بوسعه أن يتخيل لها حلولا 
أفضل بكثير من تلك المنغمس فيهاء كما أن من صنع المشكلة لا يمكنه أن يحلها. وقد 
شرحت هذه النقطة باستفاضة من قبل. 

ويمكن تدريب الباحث على امتلاك قدرة تقنية معقولة على جمع المعلومات 
وتصنيفها وتحليلها واستخلاص النتائج. ويمكن كذلك استنهاض أو استثارة القدرة 
الكامنة لديه على التخيل والاستشراف. ومن واقع تجربته. يحدد ميلز عدة خطوات 
لهذه العملية. صاغها هو بإسهابء. لكن ربما شابها بعض الغموضء ويمكن تجليتها 
وإعادة صياغتها بشكل أكثر سلاسة ودقة على النحو التالي©: 

(1) إعادة ترتيب الملفات التي لا رابط بينها بأعلى مستوى من الدقة والواقعية: 
بحيث تمتزج الأفكارء التى كنا نظن - للوهلة الأولى - أن بينها افتراقا أو خصاما تاما. 

(2) تجنب الوقوع في فخ تعريفات المفاهيم والاصطلاحات التي تودي إلى 
ميوعة الفهم ومن ثم تمييع الخيال. وهذا يتطلب استعمال القواميس وال معاجم 
والموسوعات والكتب المساعدة بحنكة ودقة في البحث عن عمق ال معانى. بحيث 
نصل إلى تحديد صارم وجلي للمشكلة التي نريد حلها أو الفكرة التي نسعى إلى 
تجليتهاء ونصيغ هذا في أقل كلمات دالة ومباشرة وذات طابع إجرائي. 

(3) يجب أن نعلم أن كثيرا من المفاهيم العامة التي نتوصل إليها قد تكون 
قد صيغت من قبل في أنماط أو قوالب معينة» وبالتالي يكون وضع تصنيف جديد 
لها هو بداية تحقيق تطور مغاير ومثمر. ومن هناء فبدلا من مطابقة ما توصلنا 
إليه مع ما استنتجناه أو وضعه غيرنا من قبلء مكننا أن نبحث عن القواسم 
المشتركة بين ما لدينا وما تركه الآخرونء ونحدد ما تميزنا نحن به ونتقد ما طرحوه: 
من دون الوقوع في وهم يقينية الأشكال التوضيحية والرسوم البيانية وا معادلات 
الرياضية؛ لأنها في الحقيقة ليست الوسيلة الوحيدة لتبيان العملء أو شرح الفكرة. 
أو طرح الموضوع. 

(4) من الضروري التفكير في الأمور والأشياء واطعاني والأفكار والمواقف المضادة 
لتلك التي نتخذها أو نتبناهاء فبضدها تتميز الأشياء وتنجلي؛ فإذا كنا بصدد دراسة 
البؤس والتقتير علينا أن ننظر إلى الإسراف والتبذيرء وإذا كنا ندرس اليأس والقنوط 
علينا أن نسعى وراء الأمل والرجاء؛ فبهذا نصبح أكثر تحكما في المادة التي تحت 


7 


3 


الخبال التنسياسىي 


أيديناء وتوفر لنا رحلة الذهاب والعودة بين الأمر ونقيضه استنارة من دون شك. 
لكن هذا التقابل يجب ألا يترك للتخمين أو النظرة العابرة والعشوائية: إنما يجب 
أن يتم وفق أدوات منهجية محددة. وقد يكون من اطفيد أن نستخدم الإحصاء. أو 
ننظر أحيانا في حالات مقارنة من خارج البيئة التي ندرسها. 

(5) يجب عدم الاستسلام للقوالب المنهجية الجامدة. والتعامل معها على 
أنها أصنام لا يمكن المساس بهاء وتجنب الغموض كوسيلة للهرب أو التملص من 
استخراج الأحكام المحددة عن المجتمع؛ علينا آلا نكتفى بالاهتمام بالاستخلاصات 
العامة والأساسية والكبرى من التاريخ» بل علينا أن نغوصء ولو قليلاء في التفاصيل 
والجزئيات. ونفهم العلاقات القائمة بينها. ولا نقصر جهودنا على إعداد دراسات 
متتالية عن وسط اجتماعي أو قضية سياسية جزئية» بل ننظر إلى الأبنية الاجتماعية 
الكبرى. ولتبق عيوننا مفتوحة دوما على أننا في النهاية ندرس أمورا تخص الإنسان. 
ولذا فإن الإمام بالطبيعة البشرية غاية في الأهمية. والتعامل مع الفرد بوصفه فاعلا 
تاريخيا واجتماعيا ضرورة. 

ويقدم جون إلستر نصائح أخرى يسميها «أمثلة للتصرف على أساس النتائج 
البعيدة زمنيا», إن أمعنا النظر فيها سنجد أنها تساعدنا أيضا على تنمية الخيال إذ 
يجملها في ثلاث طرق ذهنية وسلوكية. هي"": 

(1) التراجع للقيام بقفزة أفضل إلى الأمام: أو التراجع خطوة ي نتقدم خطوتين. 
وتجسد إحدى القواعد الاقتصادية هذا الموضوع بجلاء. وهي تلك التي ترى أنه 
كي نستثمر من أجل زيادة الاستهلاك في المستقبلء يتعين علينا أن نستهلك أقل في 
الوقت الحالي. وإذا كانت الحالة الأدنى الراهنة ستبقي الإنسان على قيد الحياة. 
فالمكاسب التي ستعود عليه من الحالة الأعلى المقبلة ضخمة جما يكفي لتبرير 
الخسارة التي لحقت به نتيجة اختياره الوضع الأدنى. 

(2) التمهل: فهناك أمور كثيرة يؤدي التمهل فيها إلى تحسن ما نسعى إلى 
الحصول عليه أو إلى تعزيز فرصنا في اختيار الأفضل. 

(3) التصويب مباشرة نحو الهدف: فنحن حين نسعى إلى إصابة هدف متحرك 
يجب ألا نصوب على المكان الذي يوجد به الهدفء لكن على المكان الذي سيحل 
فيه عندما يصل إليه السهم أو تخرقه الرصاصة. وهذا معناه أننا حين نصوب نعمل 


168 


سبل ثنمنة الخيال السياسي ومعوثف ده 


حساب الحركة إلى المستقبل. وليس وضع الهدف في زمانه ومكانه الراهنين. ولعل 
«النظرية النسبية» تعطي فهما أشمل لهذه النقطة, وتبرهن على صحتها ودقتها. 

وحتى يكون في وسعنا أن ننمي خيالنا السياسي فعلينا ابتداء أن نزيح الكوابح 
التي تلجم الخيال أو تكبته, وأولها العقل الذي يصر - أحيانا - على فرض حدود 
وهمية على طاقته اللامحدودة. أو يوحي لنا دوما بالحذرء ويقيد رغبتنا في المغامرة. 
وثانيها البيروقراطية التي تميل بطبيعتها إلى عمل روتيني واتباع أساليب حامدة 
وفق نماذج عتيقة نسبياء ومقاومة أي ميل إلى التغيير أو أي فكرة مبتكرة.ء خصوصا 
لو جاءت من خارج المؤسسة. وهذه الآفة يعانيها الجميع في العام العربيء لاسيما 
في الدول التي تتسم باتساع جهازها البيروقراطي وقدمه وتضخم دوره في تسيير 
دفة الأمور. 

وعلينا كذلك أن نستفيد من كل ما تتيحه لنا ينابيع التخيل من استقراء 
التاريخ. وتراكم المعرفة. والاستبطان. والعمل بروح الفريقء. والعصف الذهني 
المفتوح والعميق. وعطاء الدراسات عبر النوعيةء والخيال المنطقي المحدد. والخيال 
الإبداعي المنطلق. 


ثانيا: معوقات الخيال السياسي 

على أهميته. لا يجد «الخيال السياسي». في الأغلب الأعم.ء لدى السلطات 
والنخب العربية طريقا ممهدا في كل الأحوال؛ إذ تعترضه أشياء كثيرة فتقتله. أو على 
الأقل تحد منه. وبالتالي تجعل الاستفادة منه ضئيلة وهزيلة» أو تحوله إلى خيالات 
وأوهام وأضغاث أحلام قد تحط في لحظة عابرة برأس القيادات السياسية أو الأفيال 
الكبار الذين يديرون ال مؤسسات والهيئات وال منظمات والشركات العملاقة التي تحوز 
جزءا هائلا من ركائز القوة داخل اللجتمع. 

ليس معنى هذا أن العرب المحدثين والمعاصرين عاجزون عن الخيال السياسي 
من الناحية الطبيعية أو الفطرية. أو إن شئت فقل «البيولوجية». لكنهم. شأن 
آخرين في دول نامية ومتخلفة. يجدون أنفسهم مثقلين بأحمال تمنع إطلاق الخيال. 

وهذه الأحمال أو الكوابح متعددة ومتداخلة في آن. وهذا التداخل يسمح لها 
بأن تشكل شبكة متينة الخيوطء قد تتماسك بطريقة أكثر. وتتصلب بصيغة أقوى, 


120 


الخبيال الننيياستني 


لتصير جدارا عازلا يحرم القرار السياسي والاقتصادي والثقاني والاجتماعي والإداري 
من أن ينعم بعطاء المبدعين الذين بوسعهم أن يتوقعوا ما يأقي في ضوء الإطام بكل 
معطيات الواقع. 

وتعتمد منابح الخيال السياسي على استقراء التاريخ» والعمل بروح الفريق» 
وامتلاك العقل المنطقي الخلاقء واستعمال الإبداع الأدبيء واللجوء إلى استطلاعات 
الرأيء واستعمال أدوات مثل نظرية المحاكاة ونظرية المباريات» والاستفادة من 
الدراسات عبر النوعية. ومن هنا فإن غياب هذه المنابع أو تجفيفهاء أو على الأقل 
اتخاذ ما يؤدي إلى ضحالتهاء يشكل كوابح على إطلاق الخيال السياسي. وفي هذا 
امقام. سأعرض الأسباب الرئيسية التي توجد هذاء وهي لا تخص الحالة العربية, 
إنما تنسحب على مختلف النظم السياسية في مختلف الأزمنة والأمكنة. ويمكن ذكر 
هذه الكوابح على النحو التالى: 

1 - الوقوعية: بمعنى قله الطموح. والخوف الهائل من التجريب والتغيير. 
والرضا بالموجود وال مقسوم, والاستسلام لشعار «ليس في الإمكان أبدع مما كان»», 
والاعتقاد الزائف بأن الحكمة مرتبطة وجودا وعدما بالبطء والتريث الشديد. 

وقطعا هناك فرق وتمييز واضح بين الواقعية التي تعني فهم وتقدير الموارد 
المادية والمعنوية والرمزية التي يجب تعبئتها نحو تحقيق الأهدافء وبين الوقوعية 
التي تعني عدم الإيمان بأن في وسعنا ألا نكتفي بتعبئة هذه الموارد إنما نطورها 
ونعمقها ونزيدهاء ونعتقد أنها ليست ثابتة تنقص بتزايد احتياجاتنا إنما هي متحركة. 
وعلينا أن نجعل هذا التحرك إلى الأمام. ونؤمن دوما بأن لدينا «طاقة كامنة» غير 
مستغلة. ونبحث عنها ونوظفها في سبيل الوصول إلى الغايات التي نصبو إليها. 

2 - بلادة صناع القرار: وهذه مسؤولية القيادة العلياء أو متخذ القرارء حين 
يستريح لاختيار أشخاص أقل كفاءة, وأضحل معرفة: لأنهم يتسمون بالطاعة, ويميلون 
إلى الاكتفاء بتنفيذ ما يقال لهم أو يملى عليهم من هذه القيادة. من دون مراجعة 
أو تفكير. فمثل هؤلاء يفتقدون القدرة على ابتكار الحلول. أو وضع السيناريوهات 
البديلة. لأنهم يدركون - في نهاية المطاف - أن هذه ليست مسؤوليتهم. وحتى لو 
شعروا بمسؤولية تجاه هذاء فليس في وسعهم أن يجعلوا ما توصلوا إليه يجد طريقه 
إلى التنفيذ. 


130 


سئل ثثمية الخيال السيياسي ومعوقاته 


وحتى لو كان من بين هؤلاء من لديهم قدرة على الإبداع والتخيلء فإنهم 
بمرور الوقت إما يفقدون هذه القدرة.ء وإما تتراخى عندهم إلى أدنى حدء وقد يتم 
لفظهم والتخلص منهم بمرور الوقت إن أصروا على أن يقدموا المختلف ويفكروا 
خارج الصندوق. 

3 - التحكم البيروقراطي: سلطة المكاتب تتحول أحيانا إلى طاقة معوقة, 
لاسيما إن كانت القوانين التي تحكم عملهاء والتقاليد التي تنظم إجراءاتهاء لا 
تواكب التغيرات. ولا تضع في اعتبارها ما يستجد من ظروف وأعمال. وطاما أسهم 
البيروقراطيون الأداتيون في قتل أفكار مبدعة في الإدارة والسياسة لأنهاء من وجهة 
نظرهم.ء تخالف ما اعتادوه. أو تهز ما ألفوه من نظم. وارتاحوا إليه.ء وحققوا من 
خلاله مصالحهمء سواء في الترقي أو حيازة المنافع المادية. 

4 - نقص المعلومات والاستهانة بدورها أو الاستسلام التام لها: فإطلاق الخيال 
السياسي ليس عملية اعتباطية وجزافية, أو إجراء يخضع للحظ والتخمينء أو يقوم 
على التكهن الذي يبرع فيه قارئو الطالع: إنما هو عملية يجب أن تقوم على أسس 
متينة من التفكير العلمي» ولهذا تحتاج إلى توافر معلومات غزيرة وسليمة. أو كافية 
لفهم الظاهرة أو المشكلة التي يراد وضع حلول خلاقة لها. 

وهناك آفة تتمثل في الاستهانة بالمعلومات. أو توهم أنه من الممكن الاستغناء 
عنها؛ لأن في وسع صانعي القرار ومتخذيه أن يعتمدوا على ملكاتهم المتوهمة, أو 
يعتقدوا أن الاطلاع على المعلومات يعطلهم أو يقيدهم. لاسيما إن كان الوقت ضيقا 
أمامهم وعليهم أن يتصرفوا بسرعة وحسم. 

في الوقت ذاته. وعلى النقيض من هذاء يؤدي الاستسلام للمعلومات. والإغراق في 
تفاصيلهاء وعدم ترتيبها وفق ما هو مهم منها وما هو أقل أهمية, وما له علاقة مباشرة 
بالمشكلة المنظورة. وما ليس له هذه المباشرة. إلى تعويق الخيال السياميء الذي يرمي 
إلى هضم ال مهم من المعلومات ثم إدخالها في عملية ذهنية خلاقة للتنبؤ بما سيأق. 

5 - الجهل بالتاريخ: إن معرفة ما جرى مهم لفهم ما يجري والتنبؤ بما سيأق» 
ليس لأن أحداث التاريخ تتكرر بحذافيرهاء كما يروج البعضء إنما لأنها تتشابه في 
معانيها ومراميها العامة؛ لأن منطق الصراع الاجتماعي والسياسي لا يتغيرء سواء على 
ا مستوى الدولي أو داخل كل دولة على حدة. 


الخبيال الستاستيى 


فطوال الوقت نجد أن للسلطة تصوراتها وأدواتهاء وللمجتمع رغباته وآماله. 
وهناك «تدافع» لا ينتهي في التفاعلات بين الطرفين. والتفاعلات البينية داخل 
المجتمع في أفراده وتكويناته المنتظمة. 

لهذا فحين يكون السياسي بصدد مشكلة. ويكون على علم عميق بالتاريخ, 
يشعر كأنه قد مر بها من قبل. ويعرف المسارات التى سلكها من عالجوها من قبلء 
ما كان فيها صالحاء فساعد على تجاوز الأزمة وحل المشكلة. وما كان طالحا أدى إلى 
مزيد من التأزيم والتعقيد. وقاد إلى الفشل. 

6 - الاستسلام للموروث: يعد الرضوخ الكامل للموروث. أيا كانت صورته 
ومضمونه. من الأشياء التي تعيق الخيال. وتقف حجر عثر أمام الانطلاق إلى 
المستقبل. وفي كثير من الأحيان «تصبح التقاليد قيدا حديديا على حرية الإبداع 
والتصرفء وفق مقتضى الحالء ومن ثم ينشأ الصراع بين حفظة التقاليد. بدعوى 
أنهم يصونون التراث. وبين المجددين بدعوى أنهم يبدعون كيفما شاءواء وهو 
ذلك الصراع الذي أخذ عنوان الأصالة وال معاصرة. وتزداد المعركة ضراوة إذا كانت 
التقاليد ترتبط بالثقافة الدينية؛ حيث تصبح الأصالة عنوانا للإيمان. وتصبح 
ا معاصرة عنوانا للمروق»20. 

وكثير من العادات والتقاليد والطقوس والآراء الدينية تحول أحيانا دون التغيير 
إلى الأفضلء, لعدة أسباب: 

1 - تنتمي هذه العادات والتقاليد إلى أجيال قديمة. كانت تواجه ظروفا مغايرة» 
وتطرح أمامها تحديات معينة. وأسئلة نابعة من واقعها. يؤدي التفاعل مع الظروف. 
والاستجابة للتحدياتء والإجابة عن الأسئلة. إلى خلق نمط من التفكير والأقوال 
والأفقعال قد يجمد مكانه ويرسخ. وحين يأق زمن آخر يفرض تحديات ويطرح 
أسئلة ويخلق ظروفا مغايرة. يكون ما رسخ في القديم غير صالح للتعامل مع هذه 
التطورات الجديدة. فإن تمسك به الناس حرفياء بزعم أنه يشكل مخزونا للحكمة 
والأخلاق وسير الأجداد التي يجب الالتزام بهاء يكون بلا شك عائقا أمام تقدمهم. 

2 - هذه الموروثات - بمختلف أشكالها - عبرت أو عكست ف أيام انطلاقها ثم 
رسوخها عن منافع ومصالح فئات وشرائح اجتماعية» وربما أفراد متحكمين في الأمور, 
ويحرص عليها الذين على شاكلتهم رغم تبدل الأزمنة. وتباعد الشقة بين القديم 


12 


نيئل تنمنة الخيال الشياسى ومعوفمانه 


والمعيش. ومثل هؤلاء يحاربون بكل طريقة إبداع الجديد. وخرق المألوف. وطرح 
البدائل. وهذا يقتل القدرة على التخيل السيامي أو غيره. 

3 - تجد هذه العادات والتقاليد. بكل ما تنتجه من قيم وأفكار وطقوس, 
حجيتها في إطار عملية التنشئة الاجتماعية. حيث يعلم الأجداد والآباء الأبناء 
والأحفاد ما ورثوه وألفوه أو اعتادوا عليهء ويصرون على أن هذا هو الصوابء وأن 
صلاح الجيل الجديد يكون على قدر تمسكه بهذه «الأصول». وعملية التنشئة تلك 
لها أدواتها المتعددة. وهي تفرض القديم كله. وتستعمله في معاندة أي جديد 
أحياناء ليتحول إلى كابح أو كابت للقدرة على إبداع ما ينفع الحاضرء فضلا عن 

4 - على الرغم من حاجة الناس المتجددة إلى الدينء. فإنهم لا يرونه إلا من 
خلال ما وصلهم عن الأقدمين. لا من نصوص - فهذه تتجاوز حيز الزمان والمكان 
وتفارقهما - إنما من ممارسات وتصرفات تحملها أقاويلء كثير منها لا يمكن البرهنة 
عليه بشكل قاطع؛ لأنه في النهاية تسجيل لتاريخ اجتماعيء. ينطبق عليه ما ينطبق 
على الكتابة التاريخية أحادية الجانبء أو التي تروى على لسان المتغلب. ويحملها 
هؤلاء الطنتصرون عبر الزمن» بقدر حرصهم على اندثار رواية المغلوب. 

وطاما شكلت هذه المرويات التاريخية. التي هي عبارة عن تاريخ أتباع الدين 
وليس الدين نفسه. عائقا أمام التجديد. ومثلت قيدا على الخيال. بدعوى أن 
هذا «بدعة» و«كل بدعة ضلالة. وكل ضلالة في النار». وإذا قمنا بجردة حساب 
لتصريحات وتصرفات أتباع الجماعات الدينية السياسية, أو تلك التي توظف الدين 
في تحصيل السلطة السياسية. وجدنا أن معتقداتهم في حجية وصدق وطهر ما ملا 
رؤوسهم من أقوال الأقدمين يقف حجر عثرة أمام إطلاق خيالهم السياميء ليتبنوا 
خطاباء ويبدعوا طرقاء تلائم واقعهم المعيش., أو ليتكيفوا بالفعل مع المستجد في 
ترتيبات السياسة وخطابها من قبيل الدولة الوطنية. والدساتيرء وسيادة الشعب 
وكونه مصدر السلطات. والدمموقراطية. وتداول السلطة. والحريات الفردية... إلخ. 

ولهذا اعتبر عام النفس ال معروف علي زيعور الاستسلام للموروث من الأسباب 
التى تؤدي إلى انجراح السلوك والفكر في الذات العربية, بما يؤثر سلبا في الصحة 
العقلية ويعيق التكيف الخلاق. حيث يقول: «لا يستطيع منهج الدراسة هنا 


133 


اتخيال السياسي 


أن يبقي على الثقافة التغييرية في موقف فاترء ولا في موقف محايد. أو متقبل 
ومتلق. حيال الراسخ تسميته. في ثقافتنا التراثية المعهودة. باسم الحكمة المتعالية, 
أو المسكوت عنهاء أو المضنون بها على غير أهلها... فهذه الحكمة المتحكمة. أو 
التي يطلب لها أن تبقى في عتمة. مهيمنة ولا يصح الاقتراب منها ومقاربتها 
بالتحليل وامقارنة, لا تستطيع اليوم أن تبقى محافظة على مركزها المسيطر, 
ولا على البقاء خارج مناهج العقل وطرائق الدراسة المعروفة في علوم الطبيعة 
والنفس والمجتمع., ولا على الادعاء بأنها حكمة تحتكر الحقيقة وتصلنا وحدها 
بالكائن الأسمى: لا للسياج بين مواقع النظرء ومنتوجات العقل أو ميادين الفكر. 
وتلك الرؤية الخاصة للحكمة المضنون بها خاصة جداء أو هي رؤية متميزة سلفاء 
وشديدة الغرق في الذاتاني أو العندياتيء أو حيث الادعاء بعدم قدرة العقل على 
الاختراق والنفاذ والتفعيل. لا توافق مناهج النظرء في فكرنا المعاصرء على إبقاء 
سيطرة العرفاني. والحدسانيء. والصوفى»©. 

والآثار السلبية التي يتركها الاستسلام للموروث الاجتماعي والثقافي على الخيال 
الإبداعي. لا تعني بأي حال من الأحوال. إهمال أمرين: الأول أن القديم من 
عادات وطقوس وأقوال السالفين والسابقين لا موت تماماء وليس كله شرا أو قيدا 
لا فكاك منه. فيعض ما فيه مفيد. شرط ألا يتم التعامل معه بوصفه مقدسا أو 
معيارا للفضيلة. إنما قابل للنقد والغربلة. بما يقود إلى الاستفادة من إيجابياته 
ولفظ سلبياته. والثاني» هو أن رفض قيد الموروث لا يعني أبدا إهمال دراسة التاريخ 
واستقراء وقائعه وأحداثه لتعيننا على فهم الحاضر والتنبؤ بال مستقبل. 

ويؤدي الاستسلام للموروث إلى إنتاج نوع مريض من الخيال السياسي. وهناك 
من يرفض تعظيم دور هذا النوع من الخيال في صناعة السياسة أو اتخاذ القرار» أو 
بلورة رؤية وتصور سياسيء أو أن يكون دليلا أساسيا في بلورة أي إجراءات سياسية, 
فهذا الصنف من الخيالء يقترب عند أصحابه من الأوهام التي تجعلهم يعتقدون في 
إمكان إعادة الماضي كما هو. وهنا يقص توفيق السيف حكاية تدل على هذاء حيث 
يقول: «أستذكر لهذه المناسبة حديثا أجريته مع عدد من الشباب. بعد محاضرة 
طويلة لأحد العلماء حول حكومة الإمام على بن أبي طالب. سألت أربعة منهم 
عما إذا كانت الأساليب التي اتبعها الإمام في زمنه كافية لحل مشكلاتنا الحاضرة, 


خسر اس 


؟ 
9 0 
ما 


تسبل تثمبة الخنال السياسي ومعوقانته 


فأجابوا جميعا بالموافقة. ثم سألت ال محاضر نفسه فأجاب بالنفي. موضحا أن لكل 
زمن مشكلاته, والحلول المناسبة لظرف المشكلة. وأظن أن جواب الشبان الأربعة 
يمثل رأي شريحة واسعة جدا من الجمهور العربي الذي يشعر بالإحباط إزاء تراكم 
المشكلات وتطاول الزمن عليهاء الأمر الذي يدفعهم إلى البحث عن حلول مستندة 
إلى ذاكرة تخيلية. تقدم لهم أحداث الماضي معزولة عن ظرفها الخاص»©. 

لهذا فإن الجماعات التراثية» أو التي تتمسك بال موروث الديني ولا تريد له تجديداء 
تفتقر إلى الخيال لأسباب تتعلق بكراهيتها للتنظير والتفلسف وإنتاج الأفكار المجردة: 
وانحيازها إلى صرامة التنظيم. حتى لو كان متهالكاء والسعي نحو التفكير بطريقة 
واحدة. وعدم إيمانها بالتعددية التى تفتح الذهن أمام التفكير في بدائل وخيارات. 
في ظل الاعتقاد بأن ما عليه الجماعة التراثية هو الصواب المطلق والطريق المستقيم: 
كما يؤدي الإيمان بحتمية الانتصار - لأن الطريق رباني والكفاح مقدس - إلى الشعور 
بالاستغناء عن أي فكر أو رؤية وتصور ومنهج خارج ما تتبناه الجماعة0", 

ويبقى السبب الأهم في التأثير السلبي للوقوع في قبضة ال موروثء أو الخضوع 
لسطوته على الخيال السياسي هو أن التعامل مع هذا الموروث يكون في الأغلب 
الأعم بالتسليم» بينما يحتاج الخيال إلى التفكير. والفارق الجوهري بين «التسليم» 
و«التفكير» هو ما يحدد مقدار تأثير الموروث - الذي لا يعني هنا أبدا حكمة 
التاريخ وخلاصاته العميقة - سلبيا على الخيال. فكلما ابتعدنا عن التسليم مقتربين 
من التفكير تزاد فرص إعمال الخيالء. والعكس صحيح. 

ومع هذاء لا ينبغي إهمال كل ما أ به الموروثء وإلا لن نتعلم شيئا من 
حكمة التاريخ الاجتماعي والفكري. وهنا يقول محمود أمين العالم: «ينبغي ألا 
نقف من التراث موقف الرفض أو الاستهانة أو الاستخفاف. ولا موقف التقديس 
والتقليد الأعمى, ولا موقف الانتقائية والتجزيء والنفعية» وينبغي ألا يكون موقفا 
من مضمون من دون الشكلء أو من الشكل من دون مضمون. التراث كله بكل ما 
فيه. من مدارس مختلفة. متصارعة. عقلانية, أو لاعقلانية هو ترائي الثقافي. يستوي 
في هذا الخوارج والأشاعرة وال معتزلة والصابئة والشيعة والمتصوفة وما شئنت من 
ملل ونحل ومذاهب واتجاهات أدبية أو فنية أو علمية أو إدارية. أنا لا أختار من 
بين هذه الاتجاهات, ولا أنتقيء وإنما أستوعب التراث كله استيعابا نقديا في إطار 


13 


الخبيال السشسياستىي 


واقعه التاريخي الاجتماعي الخاصء الاستيعاب النقدي ليس انتقاء فقطء أو تقييما 
لجانب منه على حساب جانب. وإنما هو إدراك ووعي موضوعي لحقيقة التراتث 
في ملابساته الموضوعية التاريخيةء الاستيعاب العقلي النقدي العلمي التاريخي 
لهذا التراث في مختلف جوانبه. وحركته المتنوعة. هو الموقف الصحيح من التراث 
في تقديري»17". 

إن المطلوب من أجل تجاوز هذه العقبة في وجه إطلاق الخيال السياسي 
العملى هو أن نتغلب على كل أسباب العقم في الثقافة القديمة. وأن نعمل على 
تجديد نظراتنا لترائنا القريب والبعيد. وإعطائه عمقا جديداء ومعنى حديداء 
وروحا جديدة12. 

ولعل ما فعله محمد عابد الجابرى يعد مثالا ناصعا على هذا الدرب. فيعد 
أن حلل العقل السياسي العربي برده إلى ثلاثة عناصر أساسية: القبيلة, والعقيدة, 
والغنيمة. نجده قد طلب تحول القبيلة إلى تنظيم مدني سياسي اجتماعي: أحزابء 
نقابات. جمعيات حرةء مؤسسات دستورية. وتحويل الغنيمة إلى اقتصاد ضريبة: أو 
تحويل الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد إنتاجي. وتحويل العقيدة: في المجال السياسي. 
إلى مجرد رأيء عبر فسح المجال لحرية التفكير والمغايرة والاختلاف. بدلا من التفكير 
المذهبي الطائفي المتعصب الذي يزعم امتلاك الحقيقة, أو الاستسلام لسلطة 
الجماعة المغلقة, دينية كانت أو عرقية أو حزبية3. إنه هنا أعمل خياله السياسي 
في تطويع القديم. إن كان لا فكاك من تأثير رواسبه بعد. في خدمه الراهن والآتي. 

7 - التفكير بالتمني: يعد التفكير بالتمنيء في الشأن العامء عائقا أمام الخيال 
السياسى العلمي؛ لأنه يقود إلى اتخاذ ال مواقف والقرارات وفق ما يرغب فيه الفرد, 
وليس وفق أدلة علمية قاتئمة على إمعان النظر في الواقع ودراسته. 

وقد أطلق الكاتب البريطاني كريستوفر بوكر على التفكير بالتمني اسم «دائرة 
الخيال» التي تتكرر في التاريخ والسياساتء مثلما تتكرر في حياة الأشخاص والقصص. 
وتبدأ بانخراط الفرد في «حلم» يعيش فيه ويعتقد في صحته. ثم لا يلبث أن يفيق 
بعد أن يدرك أن الواقع يعمل ضد أمنياته. فيدخل في قنوط؛ وهنا يسعى إلى بذل 
جهد بغية أن يطوع الواقع لحلمه. من دون جدوىء فيدخل كابوسا مخيفاء وتتبخر 
أمنياته142). 


136 


سيل تنمية الخيال السياسي ومعوقاته 


ويقول الكاتب المصري حازم دياب: «ليس على الأمنيات رقيب. هذه هي 
القاعدة التي نشأت عليهاء يشجعك كل من يحيط بك على الحلم من دون حساب: 
تمنّ كل شيء... لكن الأمنيات كالأطفال. قد تتخذ مسارا لا تتوقعه. وفي بعض 
الأحيان طريقة تهجئتك لكلمات الأمنية قد تحولها ضدك. باختصار: الأمنيات 
ليست بالضرورة حلما جميلا يتحقق أمامك. بل قد تنقلب ماردا يقتات على 
طموحك... الأمنية خطيرة. علينا الإيمان بذلك. التريّث في الحلم قبل الشروع به ربما 
يجعل النتائج أقل وطأة»05. 

ولا يقتصر التفكير بالتمني على الأشياء الإيجابية المفرطة في التفاؤل. لكنه 
يشمل أيضا الأشياء السلبية الغاطسة في التشاؤمء والذي قد يعود إلى رغبة انتقامية. 
أو يكون استنتاجا لخبرات سيئة لصاحبه. ويسمى هذا «التفكير بالتمني العكسي». 

وينطوي التفكير بالتمني على أخطاء أساسية تؤثر سلبا في بناء خيال سياسي 
علمي©". وهو الذي يممكن - إن تلمسنا خطاه - أن يقودنا إلى نتائج جيدة. لا تقف 
عند حد الأوهامء أو الخيالات المريضة. وهناك خمسة مزالق يوقعنا فيها التفكير 
بالتمني. فتعيق الخيال العلميء: ويمكن ذكرها على النحو التالي: 

(1) يجعل التفكير بالتمني صاحبه يقع في انحراف معرفء أو بمعنى أدق لا 
ينشغل بتحصيل معرفة علمية دقيقة تعينه على تصور المستقبل أو الاقتراب من 
فهمه. أو وضع خطة لتحقيق الأهداف الآتية. 

(2) يمثل طريقة سيئة لاتخاذ القرارء فالقرار يجب أن يستند إلى دراسة المعطيات 
بشكل جيدء ووضع المسارات البديلة بطريقة دقيقة. أما القرار الذي يلهث وراء 
أمنية لا تستند إلى برهان يكون محض مجازفة., وقد يقود إلى خسارة أو كارثة. 

(3) يؤدي إلى تشتيت الانتباه بعيدا عن الموضوع الأساسيء فالذي يفكر بالتمني. 
فردا كان أو مجموعة. يخرج عن تركيزه في قضيته الرئيسة. مدفوعا بخيالات هائمة 
لا تقف على قدمين. 

(4) يكرس طغيان العاطفة على العقل. ففي التمني ا محض يعلو الوجدان على 
البرهان. ويشرد الفرد في صناعة مصائر لا تعدو أن تكون تنفيسا عن أحلامه المكبوتة, 
وهي يمكنها أن تحدث له نوعا من التوازن النفسي العارضء لكنه لا يدوم لأنه قائم 
على الخداع: وسرعان ما يذوب في الهواء: أو يتحطم تماما على صخرة الواقع. 


137 


الخيال النياسي 


(5) يعزز التفكير بالتمني حضور الأوهام أكثر من الحقائقء ومجافاة الحقيقة 
والاستسلام للوهم, وبذا لا يثمر شيئا إيجابيا أبدا. 

وطبق نايجل هارفي الآثار السلبية للتفكير بالتمني على حالة سياسية معينة 
تتمثل في موقف بعض مناصري حزب ما حين يدفعهم التفكير بالتمني» أو البحث 
عن الوضع امثالي. إلى ذكر عيوب هذا الحزب خلال استطلاع آرائهم بشأنه. فيضعهم 
من يفرغون نتائج هذا الاستطلاع في خانة المعارضينء مع أنهم ليسوا كذلك. وهي 
نتيجة تتغير تماما لو تم استطلاع آرائهم في لحظة يكون وعيهم فيها حاضرا حيال 
تهديد مباشر يتعرض له هذا الحزبء فوقتها يمكنهم أن ينتقلوا من الأمنيات إلى 
الواقع, ويظهر موقفهم الحقيقي حياله؛ وبالتالي تتغير نتيجة الاستطلاعات177). 

وتضرب وفاء إبراهيم مثلا سياسيا آخر عن خطورة التفكير بالتمني. منطلقة 
من أن كل «ما لا يرتبط بالواقع ولا يمسه هو تفكير بالتمني», فتقارن بين الوحدة 
الأوروبية التي قامت على دراسة معطيات الواقع بدقة. فنجحت على الرغم من 
التباين والتفاوت بين دولها في أمور مختلفة. وبين الوحدة العربية التي كانت 
مجرد تفكير بالتمنى فأخفقت على رغم أن المشتركات بين العرب أكبر بكثير منها 
لدى الأوروبيين09. 

وهناك حالة من التفكير بالتمني وقع فيها مثلا أحمد داود أوغلو وقت أن 
كان وزير خارجية تركياء إذ أعلن - في ثقة متناهية - في أغسطس 2012 أنه لم يعد 
أمام الرئيس السوري بشار الأسد سوى بضعة أشهرء إن م يكن بضعة أسابيع فقط. 
للرحيل. وتبين بمرور الوقتء أن هذا التوقع خطأ إلى درجة يرث لها. 

وهنا يقول أحد المحللين السياسيين: «على ضوء تلك التصريحات التي أدلى بها 
أوغلو لا يسعنا إلا أن نتساءل إذا كان ما يقوم به رئيس الوزراء التري. الذي ارتكب 
أخطاء متسلسلة في الموضوع السوريء هو تفكير بالتمني بدلا من محاولة تقويم 
الوضع على ما هو عليه. ا و ا 
نتائج بالنسبة إلى تركيا في منطقة الشرق الأوسط التي تشت أنها أكثر تعقيدا بأشواط 
مما تخبّله داود أوغلو يوما»19). 

وهناك مثلان شهيران يضربان في هذا الصدد: الأول يتعلق بما قاله عام 
الاقتصاد إيرفينغ فيشر من أن «أسعار الأسهم وصلت إلى ما يشبه الهضبة دائمة 


136 


نسبل تنمبة الخيبال السياسي ومعوقاته 


الارتفاع», قبل أسابيع قليلة من انهيار بورصة وول ستريت في العام 1929: والتي 
دخل بعدها العام في كساد كبيرء مم تمح آثاره من الذاكرة إلى الآن. والثاني يتعلق 
بإدارة الرئيس الأمريكي جون كنيدي التي رأت أنه إذا انتصرت القوات الكوبية 
فسيتمكن المقاتلون الذين كان يدعمهم جهاز المخابرات الأمريكية (سي. آي . إيه) 
من الهروبء ولن يقعوا في قبضة قوات الرئيس فيدل كاسترو؛ لأنهم سيذوبون 
وسط أهل الريف في أثناء عملية غزو خليج الخنازير التي بدأت في أبريل 1960., 
وانتهت بفشل ذريعء إذ تمكن الجيش الثوري الكوبي من أسر 1179 شخصا من 
مجموعات الإنزالء التي دربتها المخابرات الأمريكيةء واستولى على خمس دبابات 
ثقيلة. وعشرات من الأسلحة الفردية. وتمانية رشاشات ثقيلة, والكثير من الرشاشات 
والأسلحة المضادة للطائرات. وعشر سيارات نقل عسكرية. وتم إغراق أربع سفن. 
وإسقاط 12 طائرة قاذفة20. 

بهذا يبدو التفكير بالتمني في المسائل السياسية أو الشأن العام أحد الأسباب 
التي تمنع صاحبه من أن يلجأ إلى الخيال السياسي العلمي الذي سيقوده إلى نتائج 
أفضل من الاستسلام لأمنيات قد لا تكون سوى مجرد طبابة عابرة يريح بها نفسه. 

وقد بلغ التفكير بالتمني ذروته مع الانتفاضات والثورات التي اندلعت في عدد 
من الدول العربية في السنوات الأخيرة. فكثير من الثوارء أو حتى عموم الناسء الذين 
استبشروا بالثورات خيراء فكروا فيما سيأق بالتمني. من دون أن تكون هناك خطط 
واستراتيجيات منطلقة من الواقع لتحمل أمانيهم هذه إلى التحقق في المستقبل. 
وبذا تحولت «ثورة التطلعات» التي اجتاحت عقولهم ونفوسهم في البداية إلى 
«ثورة إحباطات». جعلت كثيرين منهم إما يتملكهم حنين إلى الماضيء على الرغم 
من أنه هو الذي أورثهم المشكلات والأزمات المعقدة التى يكابدونهاء وإما يجلدون 
ذواتهم وينفضون عن الفعل الثوريء أو يقبلون بالمتاح» وينصاعون للأمر الواقع, أو 
يستسلمون لخيالات هانمة تفقدهم - بمرور الوقت - القدرة على فعل أي شيء عام 
إيجابيء أو يسقطون في فخ الانشغال بمصالحهم ومنافعهم الذاتية الضيقة. 

8 - الأيديولوجيا: من أي زاوية تكون «الأيديولوجيا» عقبة أمام الخيال 
السياسي العلمي؟ إن الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة. نظرا إلى تعقد مفهوم 
الأيديولوجيا ذاته» وتشابهه مع تصورات سياسية أخرىء مثل الفلسفة السياسية 


139 


الخبال النسياتتتىي 


والمذهب السياسي والدور السياسي للأديان واليوتوبيا. ونظرا إلى أن الأيديولوجيا 
تعدء في نظريء من أكبر العقبات وأعمقها أمام انطلاق الخيال السياسيء فإن تناولها 
في هذا المقام سيحتاج إلى شيء من التفصيلء مقارنة بالعقبات الأخرى التي طرحت 
في النقاط السابقة؛ ذلك لأن الأبديولوجيا قاسم مشترك بين بشر مختلفين في الطبائع 
والثقافات والإمكانات, لكنهم جميعا يقعون في فخهاء كما أنها الأكثر تسييسا من 
بين كل العقبات السابق ذكرها. 

والأيديولوجيا تعد من أكثر المفاهيم المحيرة في جميع العلوم الاجتماعية 
قاطبة2!0؛ إذ ليس هناك اتفاق على معنى واضح لهاء بل إن بعض تعريفاتها تتناقض 
بشكل جلي مع البعض الآخر. وكما يقول ماكس سكيدمورء فإن «الأيديولوجيا 
مسؤولة عن الجرية الاجتماعية بقدر مسؤوليتها عن الإبداع الثقافي الرفيع» وهي 
التي أدت إلى ظهور الدولة القومية. وفي الوقت نفسه. هي التي أطاحت بنظم 
سياسية عديدة. وهي التي تقف وراء السجون والتعذيبء. وعلى العكسء. فهي 
المرتبطة بالسعي الدؤوب إلى حماية حقوق الإنسان»22, ولذا فمن الصعب معرفة 
كم مرة استخدمت فيها الأيديولوجيا بمعان مختلفة في سياقات عديدة29©, أو جرى 
نسيان «الجدل المكروه»29*) الذي يدور حولها. هنا وهناك20©, الآن وفي أزمنة مضت. 

وعموماء لايزال تعريف الأيديولوجيا محل جدل عارم بين كل من يأخذون 
على عاتقهم التصدي له. ولم يشف أي تعريف من بين عشرات التعريفات التي 
قدمت شرحا طاهية هذا المفهوم المعقد غليل أحد. بل واجهت جميعها تحديات 
ومعارضة72. وسعيا دؤوبا إلى مواصلة الجدل والنقاش حول هذا المفهوم المركب. 

وعلى مدار النصف الأخير من القرن العشرين قفز هذا المصطلح ليصير واحدا 
من أعقد المفاهيم السياسية وأكثرها إثارة للجدل بين منظري السياسة والمؤرخين 
والفلاسفة واللغويين وعلماء الأنثروبولوجيا الثقافية وعلماء الاجتماع وعلماء 
النفس... إلخ27؛ وذلك لأن الأيديولوجيا «ليست مفهوما عاديا يعبر عن واقع 
ملموس فيوصف وصفا شافياء وليست مفهوما متولدا عن بدهيات فيحد حدا 
مجرداء بل هي مفهوم اجتماعي تاريخيء. ومن ثم يحمل في ذاته آثار تطورات 
وصراعات ومناظرات اجتماعية وسياسية عديدة»73. لايزال الأخذ والرد حولها 
محتدما إلى الآن. خاصة بعد سقوط «الروايات السياسية الكبرى»». أو الأيديولوجيات 


140 


سبل تنمنة الخبال السيياسي ومعوقاأته 


التي سادت زمناء وكان بعض الناس يعتقدون في صوابها وطهرهاء وقدرتها على 
إقامة مجتمع فاضل يستمر إلى أبد الآبدين» مثلما جرى على الشيوعية التي قام 
على أكتافها الاتحاد السوفييتي المنهار؛ أو إمبراطورية مرهوبة الجانبء بوسعها أن 
تخضع الآخرين بالقوة, مثلما ذهب هتلر في أطانياء حين اتخذ الأيديولوجية النازية 
أساسا لدولته. وموسوليني في إيطالياء حين اعتمد الفاشية ركيزة لحكمه. 

لكن هذا التعقيد. وتلك الحيرة لا تمنع من إمكانية تحديد ما تؤثر به الأيديولوجيا 
سلبا في الخيال السياسي العلميء ويمكن توضيحه في ثلاث نقاط رئيسة: 

(1) النبوءة التي تحملها الأيديولوجياء والتي تبدو أقرب إلى «الحتمية 
التاريخية» منها إلى التنبؤ العلمي. تشكل عقبة أمام أذهاننا حين نريد أن نفكر 
في المستقبل بحرية, متخففين من ضرورة تطويع أفكارنا ومقولاتنا ونتائج تفكيرنا 
لخدمة الأيديولوجيا التي ننتمي إليها. 

(2) تحدد أي أيديولوجياء بما تضعه من نظريات أو تصورات أو مفاهيم. 
المسارات التي يمكن أن يسير فيها عقل أولئك الذين يريدون أن يطلقوا خيالهم 
بينما رؤوسهم محملة بأيديولوجيا تمنحهم المرجعية أو الإطار الأساسي الذي يفهمون 
به ذواتهم ومجتمعاتهم والعالمء ومن ثم يطوعونء سواء واعين أو غير واعينء هذه 
المسارات لتتماثى مع الأيديولوجيا. 

(3) قد تجبر الأيديولوجيا أتباعها على تطويع نتائج تخيلهم لخدمة أغراضها 
النهائية. ومن ثم تحول هذه النتائج إلى أوهام بعد أن جرت أدلجتها. 

لكن الخيال السياسي كان للأيديولوجيا بالمرصاد. على ما يبدو. حيث امتد إلى 
التفكير في مستقيلهاء وشكل هذا تحديا دائما لعلماء السياسة والاجتماع والفلاسفة 
والمفكرين والأدباء في مختلف أنحاء العالمء سواء المنتمون إلى أيديولوجيات يريدون 
لها الانتصار على الأيديولوجيات الأخرىء أو أولئك الذين لا يعتدون بالأيديولوجيا 
أصلاء ويرونها قيدا على حريتهم في التفكير والتعبير والتدبير. 

ففي كتابه «عصر الأيديولوجيا» طرح جون شوارتز مانتل تساؤلا عما إذا كان 
للأيديولوجيا مستقبل في ظل النداءات والآراء العديدة التي تحدثت عن نهايتهاء وضرورة 
إلقائها في متحف التاريخ البشري. وأجاب: «إن مختلف الأيديولوجيات مهمة لتحديد 
الإطار الخارجي للحقائق المعاصرة, وهي تقترح طرقا بواسطتها يصبح التغيير ممكنا»/”2. 


11 


الخبال النتيئانسشي 


وهذا الرأي ليس الأول من نوعه. ولن يكون الأخيرء لكنه يستمد وجاهته من 
أنه يأتي على لسان شخص يدافع عن الديموقراطية الغربية. ويشاطر الذين يضعون 
أصابعهم في آذانهم حين يسمعون كلمة أيديولوجيا الرأي حيال قضايا أخرى كثيرة. 
ليس هذا فقطء بل إنه يرى أن «التفكير الأيديولوجي يحتل جزءا مهما من عملية 
الديموقراطية السياسية. حيث لا يمكن للأحزاب السياسية أن تعمل من دون مبادئ 
عامة أو أهداف إرشادية تتقيد بهاء ولذا فإنه من الممكن أن تكون نهاية الأيديولوجيا 
هي نهاية للدمموقراطية السياسية. ونهاية للمبادئ في الحياة السياسية»2. 

لكن رؤية مانتل تقف في وجه تيار في الغرب. يضم ساسة ومفكرينء. يناهضون 
الأيديولوجياء فها هو الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان يقول: 

«أنا كمواطن أتردد أو لا أحب أن أرى أي حزب قد ارتكب فعلا محرما من 
خلال اعتناق مبادئ أيديولوجية. لقد قضينا مائة وسيعين عاما في هذا البلد 
نعمل على أساس قاعدة مفادها أن الديموقراطية قوية بالقدر الكافي لتقف فى 
وجه الأيديولوجيا»07. 

وها هو مفكر بحجم كارل بوبر يؤكد أنه في العلوم الاجتماعية لا يجب 
التحدث عن حتمية أو نبوءة. وليس لأحد أن يتجاوز حدود المتاح. ويدعي أن 
بإمكانه رسم الطريق الذي ستسير فيه الإنسانية» مغلفا ادعاءاته بأطروحات تلبس 
ثوب العلم. إذ إن الواقع الاجتماعي أكثر عمقا وتعقيدا وصيرورة مما يتصور 
هؤلاء الذين يريدون أن يعينوا أنماطا أو قوانين ثابتة لحركة الحياة الاجتماعية, 
تؤهلهم لإضفاء صبغة علمية على نبوءاتهم بالحالة التي سينتهي إليها المجتمع. 
ويسهب بوبر في شرح ما أسماه «خرافة التاريخانية». منطلقا من أن التاريخ 
البشري يتأثر في سيره - بشكل قوي - بنمو المعرفة الإنسانية. وأنه لا يمكن لنا 
- بالطرق العلمية أو العقلية - أن نتنبأ بنمو معارفناء ليبرهن بذلك على أنه لا 
يمكننا التنبؤ بمستقبل سير التاريخ الإنسانيء وهذا معناه رفض إمكانية قيام تاريخ 
نظريء أي علم تاريخ اجتماعي يقابل علم الطبيعة النظريء أو نظرية علمية في 
التطور التاريخي تصلح أن تكون أساسا للتنبؤء ومن ثم يخطئ المذهب التاريخي 
في تصوره للغاية الأساسية التي يتوسل إليها بمناهجه. ويصبح من الضروري دحض 
كل أصناف التنبؤ الاجتماعي62. 


1+2 


سيبل ثلمية الخبال السنأاسى وععوقاته 


وإذا كان بوبر قد انتقد الأيديولوجيا من منظور علمي منهاجي تغلب عليه 
النزعة إلى التنبؤء فقد سبقته «نظرية التلاقي» التي ظهرت في خمسينيات القرن 
الماضي في مثل هذا النقد. لكن بأسانيد من التطور الاجتماعي. فهذه النظرية التي 
تعود جذورها إلى علماء الاجتماع, مثل ماكس فيبر وجورج زيميلء ترى أن ال مجتمعات 
الحديثة تتطور بطريقة واحدة. وطبقا لنموذج واحد كامنء ومن ثم يقود التحديث 
إلى ظهور أنماط متشابهة. على رغم اختلاف نقطة الابتداء الأيديولوجية. 

فجوهر التحديث يكمن في الترشيد في سياق نموذج الطبيعة/ المادة. وتلجأ 

المجتمعات المحدثة. رأسمالية كانت أو اشتراكيةء إلى عملية ترشيد للبيئة الاجتماعية 
والحياة الإنسانية. من الداخل والخارج. حيث يمكن تنظيم المجتمع عبر التخطيط 
المركزيء الأمر الذي يعني تحكم البيروقراطيةء وتنميط الحياة في تجاوز للخلافات 
الأيديولوجية الظاهرية. من ناحيةء ويشير إلى أن حال الإنسان في المجتمع الصناعي 
الاشتراقء لا تختلف عنها في المجتمع الصناعي الرأسمالي. حيث التشيؤ والاستلاب 
والاغتراب والتسلع... إلخ7©. لكن هذا التصور م يلق ذيوعاء لتستمر الطروحات 
الأيديولوجية حاضرة بشدة في المجتمعات كافة. 

وقد يكون موقف علماء الطبيعة من الأيديولوجيا برهانا ناصعا على أنها 
تشكل عقبة فعلا أمام خيال سياسي علميء نظرا إلى ما يتحلى به هؤلاء من التزام 
صارم بمناهج العلم وأدواته. من جهة. واعتقادهم بأهمية الإبداع وإطلاق الخيال 
وحدوث الإشراقات التي تقوم على الحدس والاستبطان. من جهة أخرى. وقد نظر 
علماء السياسة. الذين يريدون لها أن تكون في انضباط العلوم الطبيعية» إلى الفكر 
الأيديولوجي بامتعاض شديدء ظانين أن الارتباط بمعتقدات مسبقة لا تبنى على 
تجارب شخصية هو من قبيل المراهقة الفكرية22. 

ولذا رفع هؤلاء شعار «التحرر التام من الأيديولوجيا». وتعمق هذا التوجه بعد 
تفكك الاتحاد السوفييتيء إذ اعتبر البعض أن انهياره كقائد للشيوعية في العالم كان 
نهاية لعهد ما في طريقة التفكير. ونقطة بداية ذات معنى لصياغة موقف محدد 
للأيديولوجيا". ولا يعود القول ب «نهاية الأيديولوجيا» إلى تلك اللحظة التاريخية 
الفارقة فقطء بل يرجع إلى تاريخ سابق على ذلكء مرتبط بالشيوعية أيضا. فحين 
مات ستالين خرج رايموند أرون ليقول في كتابه «أفيون المثقفين» إن ستالين لم يحمل 


143 


اتحتيال السئئاستني 


معه الستالينية وحدها إلى القبر.ء بل أيضا عصر الأيديولوجيا برمته. لكن التعبير ظهر 
لأول مرة في كتابات الروائي ألبير كامي, في العام 1946 على وجه التحديد. حين انتقد 
جهود الاشتراكيين الفرنسيين لعقد مصالحة بين الماركسية والأخلاق. 

وبعد هذا بسنوات استخدم ه . ستيورات هيوزء الأستاذ بجامعة هارفارد» تعبير 
«نهاية الأيديولوجيا» في دراسة له عن مزاج المثقفين الأوروبيينء انتقد فيها اليسار 
بصيغ لاذعة. واتهمه بأنه يفتقد القدرة على الإقناع. ثم جاءت جوديث ن. شكلار 
لتتحدث في كتابها «ما بعد اليوتوبيا: اتهيار الإيمان السياسي» عن نهاية الراديكالية. 
وتصفها بأنها صارت «موضة بالية». وتعتبر أن الاشتراكية ليس لديها ما تقوله©2. 

والمشكلة في الأيديولوجيا أن التخلص منها ليس بالسهولة التي يتصورها أعداؤهاء 
فسقوط الأيديولوجيات لا يكون لإخلاء العام تماما منهاء لكن لإفساح الطريق أمام 
أيديولوجية جديدة. وفي هذا الصدد يتحدث جاك سنايدر عن أن سقوط حائط برلين 
كان رمزا لانتصار الليبرالية على أيديولوجيتين نافستاها طوال القرن العشرين: وهما 
الشيوعية والفاشية القومية. لكنه يعتبر أن هذا الانتصار جعلنا نصل إلى «نهاية التاريخ». 
حيث انهارت الديكتاتوريات. واكتسحت الدمموقراطية الدول السلطوية في أمريكا 
اللاتينية وجنوب شرق أوروبا وشرق آسياء وفي كل مكان طبق فيه اقتصاد السوق67. 

من الصعب دفن الأيديولوجياء على الرغم من أن الحقيقة الجلية التي تبين أن 
الأبديولوجيات التى عرفها العالم حتى الآن لمم تنجح في إسعاد البشرية ورفاهتهاء وأن 
الوصول إلى «أيديولوجيا حديثة» يرتضيها الجميع أمر غير يسيرء بل غير مطلوب 
في نظر كثيرين. فالتمسك بالخصوصية. النابع من إحساس قوي بالهويةء لايزال 
يلزم مجتمعات عديدة. ويسيطر على أذهان الأغلبية الكاسحة في كل زمان ومكان؛ 
فحتى في أكثر هذه المجتمعات تلمسا لطريق الحداثة. نجد القريحة الشعبية 
لاتزال حريصة على إنتاج فولكلورهاء ووضعه في وجه أي تيار يريد أن يجرف هذه 
المواريث والتقاليد الراسخة كالجبال الرواسي. 

نعم» يستعمل كثيرون لفظ أيديولوجيا للحديث عن شيء كريه أو ممقوت. 
يفسد ولا يصلحء ويشد إلى الخلف دوماء ولا يدفع إلى الأمام أبداء ويقود إلى ممارسة 
سلوك عنيف وعدواني ضد المختلفين في الرأي والاتجاه. لكن حتى أولئك الذين 
يكرهون الأيديولوجياء فإن كراهيتهم هذه حين تنتظم في أفكار محددة.ء ينتمون 


14 


سبل ثنمية الخيال السياسي ومعوفاته 


إليها ويدافعون عن اعتناقها ويبررون بها الظواهر والوقائع والسلوكيات. فإنهم 
يقعون تحت طائلة أيديولوجيا أو يعتنقون إحداهاء حتى لو كانوا لا يشعرون 
بذلك. ليس هذا فقطء بل إن أيديولوجيتهم هذه. التي قد لا تأخذ مسمى معينا 
أو اصطلاحا محدداء تبدو ممقوتة بالنسبة إلى أعدائهمء تماما كما هم يمقتون 
الأيديولوجيات التي تدفع هؤلاء الأعداء إلى تبني الصراع ضدهم. أو العمل في 
الاتجاه الذي لا يحقق مصالحهم. ولا يمكنهم من تحقيق أهدافهم. 

فالأيديولوجيا لديها قدرة عجيبة على أن تتغلغل في كل ما ننتج من أفكارء وما 
نبدع من فنونء فهي موجودة في الأفكار السياسية التي نتداولها في مراكز الأبحاث: 
وأروقة قاعات الدراسة. ودهاليز الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية: 
والجمعيات الأهلية. وهي موجودة في حياة الناس اليوميةء في السوق والبورصة. 
وفي المطاعم وأمام المخابزء وفي حديث الأسرة حول مواقد الشتاء التي تزهر باللهب. 

والأيديولوجيا متضمنة بدرجات متفاوتة في الفلسفة بمختلف ألوانهاء وفي أشد 
حالاتها تجريدا وتعقيدا ومنطقية. وفي مختلف ألوان العلوم الإنسانية, مثل الاقتصاد 
والاجتماع والتربية والتاريخ وعلم النفس والأنثروبولوجياء وفي الإبداع الأدبيء نثرا 
وشعراء وفي الرواية والقصة والمسرحية والنقد والقصائد والفولكلور الذي ينتقل من 
جيل إلى جيلء. وهي كامنة في الفن السينمائي والتشكيلي ورسوم الكاريكاتير. إنها 
موجودة بدرجات متفاوتة على استحياء أو بشكل صارخ فاضح. وتفرض نفسها حتى 
عندما نتصور أننا تتخلص منهاء ونجهز عليهاء ونفكر في غيرها. 

وإذا كان الفرار من الأيديولوجيا صعباء فإن البديل هو تفكيك أبنيتها. بحيث 
ننزع عنها بعض الأوهام. مثل الحديث عن ارتباطها بالطبيعة البشرية. والادعاء 
بعلميتها التامة. واستخدامها في تبرير حتى أكثر الأخطاء فداحة. وجمودها عند نقاط 
محددة لا تفارقها بدعوى التمسك بالجوهر. عند هذا الحد ستنجلي «الأيديولوجيا» 
وتتخلص من شوائبها العديدة, لتؤول في النهاية إلى «منظومة» من القيم السياسية. 
تختلف من أيديولوجية إلى أخرىء لكنها جميعا تمثل قيما أصيلة لا يمكن للإنسانية 
أن تعيش وتتقدم من دونها. 

عند هذا الحد يمكن تخفيف التأثير السلبي للأيديولوجيا في الخيال السياسي 
العلمي بقدر المستطاع. لاسيما إن جرى الالتزام بمناهج واقترابات ومؤشرات علمية. 


145 


الخبال السياسىي 


لكن تبقى هناك مشكلة أشد تعقيداء ألا وهي استعمال «الخيال السياسي» في 
خدمة الأيديولوجيا. 

والمثال الصارخ على هذا هو ما ذهب إليه ال مفكران الأمريكيان: فرانسيس فوكوياما 
في حديثه عن «نهاية التاريخ وخاتم البشر» بانتصار الليبراليةء وصمويل هنتنغتون في 
تناوله مما أسماه «الموجة الثالثة للديموقراطية». حيث يكسب التوجه الدمموقراطي أرضا 
جديدة في نظرهء وتسري قيمه من مكان إلى آخر باستمرار ملحوظ. فهذه التصورات 
التي أعدت في معامل الاستخبارات تبدو في ظاهرها نوعا من الخيال السيامي العلميء 
لكن باطنها ببين أنها أيديولوجيا مقنعة. أرادت الولايات المتحدة الأمريكية - من خلال 
إطلاقها - أن تبسط نفوذها على العالم بشكل أو بآخرء بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. 

وهناك من طرح رؤى مناقضة طقولة نهاية التاريخ. كنوع من الخيال السياسي 
المغرضء لكنه في الوقت ذاته لم يرق له التمسك بالأيديولوجيا. فعلى سبيل ال مثال» اعتبر 
شانتال دلسون أن أفول نجم الأيديولوجيات يفسح في الطريق أمام «دولة القانون» 
التي لا يمكن أن تتموضع إلا وسط مجتمعات فردية وعلمانية. ولأن هاتين الخاصيتين 
تفتقدهما أغلب بلدان العامم, وفقا لرأيه. فإن التاريخ يبقى مفتوحا أمام البشر ليبذلوا 
جهدا في سبيل الوصول إلى «مملكة العقل». التي تتخلى عن التفكير «الكلياني» أو 
«الشمولي» الذي تتسم به الأنظمة السياسية القائمة على أسس أيديولوجية08. 

وما سبقء. إن كان يشير إلى أن دلسون يتعامل مع الأيديولوجيا على أنها مسألة 
سلبية لأنها تعوق الوصول إلى دولة القانون فإنه لا يعني أبدا أنه قد نأى بطروحاته 
عن الوقوع تحت طائلة الأيديولوجيا. فتأسيسه لهذه الدولة على مبدأين عريضين 
هما الفردية والعلمانية جعل تلك الأطروحة تلبس رداء أيديولوجيا إلى حد ما. 

وهناك من ذهب إلى حد أن يقول إنه من قبيل الخيال السياسي المريضء وليس 
الصحيء أو من قبيل الأوهامء أن نتحدث عن إمكانية التخلص من الأيديولوجيا تماماء 
وأن الشعار الذي يدعو إلى التحرر التام منها هو «تخيل ساذج». وأن الذين يصورون 
لأنفسهم أنهم تمكنوا من تحقيق ذلك واقعون ضحية وهم كبير. «فالمرء الذي يطالب 
بإلغاء الأيديولوجيا وإزالتها من الوجود لا بد له من تقييمها أولا قبل الإقدام على 
تلك الخطوة. وعملية التقييم ذاتها تشكل في حقيقة الأمر نوعا من تبني أيديولوجيا 
معينة. ومن ثم فإن تأثير الأيديولوجيا بالنسبة إلى الواقع الاجتماعي سيظل قائماء 


146 


نتنديل ثدمية الخنال السئاسى ومعوقانه 


حيث إنها تقدم إجابة عن أهم الأسئلة التي تتعلق بحياة البشرء ولذا فإن التخلص 
منها كلية يصبح مسألة عدمة الفائدة» أو مجرد وهم كبير. 

فكل. منا يحمل أيديولوجيا ما بوعي أو من دونه. إذ إن كل شخص يثمن قيما 
محددة. مثل الحرية والمساواة والعدالة والسلطة والملكية والقانون. وكلنا يحمل 
أشياء مسبقة للحكم على الأمور. حتى الذين ينكرون ذلك أو يدعون التخلص من 
هذه الحالة. تحت حالة من التجرد العلمي تسمى «الموضوعية». 

فنحن ننظر للعام من خلال تصوراتنا وأفكارناء ونرتبط بهؤلاء الذين يحملون 
أفكارا ورؤى متطابقة أو متشابهة مع تلك التي نعتنقها*. ليس هذا فقطء بل 
هناك من يربط الأيديولوجيا بالطبيعة البشرية. فالليبرالية الكلاسيكية أسست على 
أن الطبيعة الإنسانية أنانية لكن رشيدة. ومن ثم بات لديها المجتمع المثالى هو الذي 
يوفر لأفراده أقصى درجات الحرية في تحقيق مصالحهم الذاتية» في إطار منافسة بين 
الجميع حول تلك المصالح. والاشتراكية انطلقت من أن البشر متساوون ومتعاونون: 
ولمم يجبلوا على الأنانية والتنافسء» اللذين هما سمتان لمجتمع طبقي منقسم.: يفسد 
الطبيعة الإنسانية ويحول دون تقدمها. 

وبنت الفوضويةء التي تنطوي على نوع من الخيال السياسي الجامحء رؤيتها 
على أن طبيعة البشر تتسم بالعفوية الاجتماعية. ولذا فإنها تفسد حين يمارس 
البتعض سلطة على الآخرينء ويصبح المجتمع مثاليا حين يخلو من سيطرة أي أحد 
على آخر *. أما دانييل بيل فلم يتلمس الطبيعة البشرية ليعيد التفكير في موقفه 
من الأيديولوجياء بل راقب الأحداث والوقائع» وبعد أن هاجم الأيديولوجيا بشدة 
في الطبعة الأولى من كتابه «نهاية الأيديولوجيا» المنشورة في العام 1960 ووصفها 
بأنها افتقدت حيويتها الثقافية. عاد بعد عامين فقطء لينصح بألا ندير ظهورنا لها 
تماماء وليتحدث عن «يسار جديد»22. 

لكن حتى أولئك الذين لا بتخيلون أن هناك عاما خاليا من الأيديولوجياء سواء 
لإيمانهم بضرورتها أو لاعتقادهم في ارتباطها بالطبيعة البشرية. أو أنها تفرض 
وجودها حتى في الوقت الذي يدعي فيها البعض أنهم يعملون في ظل غيابهاء م 
ينكروا أن الأيديولوجيات تعرضت لتصدع بفعل انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط 
الشيوعية في أوروبا الشرقية. | 


147 


الخيال السنياسيبف 


وهنا وجد المتمسكون بها أنفسهم ممزقين بين الانحياز لهاء وعدم القدرة على 
الفكاك من الأوضاع التي ترتبت على تصدعها واهتزاز العديد من أركانها. ومن ثم 
كان لا بد من مرونة في التعامل مع الأيديولوجياء بحيث تسشقط التصورات الجامدة 
والانحيازات المريضة والأوهام السائدة حول أي شكل من أشكالهاء وذلك في ظل 
اعتقاد واقعي مفاده أن الأيديولوجيا ستستمر بأشكال أخرىء وأنها ستظل أداة 
للصراع البشريء ومناطا للتمييز بين مختلف النظم وال مجتمعات. 

وف ضوء هذا التصورء الذي رشدته التجارب المريرة في متابعة جدل الأيديولوجيا 
في الواقع, بات من المتوقع أن تنحو الأيديولوجيات منحى عملياء بحيث تصبح ا مصلحة 
ضالتها المنشودة. حيث تجدها تستوعبها وتجعلها في قلب مبادئهاء مما يقود في بعض 
الحالات إلى توسيع نقاط التماس والتداخل بين الأيديولوجيات المتعارضة. بحيث لا 
تتحرج من الاستعارة بعضها من بعضء والقيام بتوفيق مبادئ وتصورات من هنا 
وهناك ما يحقق المصلحة الاجتماعية. مادامت كل أيديولوجيا تنقرد بتصورات وثوابت 
عامة تميزها عن غيرها في نهاية المطاف477, ومادام هناك انفتاح على «الآخر». وتسامح 
مع عطائه الفكري. وتفهم لأسلوب حياته. ورغبة صادقة في البحث عن الحقيقة. 

فالأيديولوجيتان الكبيرتان في القرن العشرين., الاشتراكية والرأسمالية,. شهدتا من 
النقد الذاتي والتطويع ما يبرهن على أن موت أيديولوجيا ماء وانقراض من يتبعون 
خطاهاء أمر غير واقعي. وهنا يقول سمير أمين: «لا نؤمن بشيخوخة الماركسية 
وبعض النظريات الأخرىء بل على العكس نعتقد أن المادية التاريخية لم تفقد بعد 
مغزاها العلمىي»2. 

علاوة على ذلك فإن اليسار أصبح اليوم, بدرجة كبيرة» يتحدث بلغة ليبرالية, 
مستخدما مصطلحات مثل الحقوق والتعددية7). أما بالنسبة إلى الرأسمالية. فقد 
جددت نفسهاء وفق ما يقول فؤاد مرسيء فهي تغلبت على أخطر التناقضات في 
اللحظة المناسبةء وصارت رأسمالية معاصرة. تستجيب للمقتضيات العصر بشكل 
حيويء وما كان لهذا أن يحدث لولا أن منظري الرأسمالية ومطبقيها تمتعوا بخيال 
سياسي علميء جعلهم يتفادون المزالق التي وقعت فيها الاشتراكية. 

فقد استطاعت الرأسمالية أن تجدد قواها الإنتاجية. وتعيد تنظيم علاقاتها 
في هذا الشأن بحيث لا تفلت من قبضتهاء واستعادت أكثر مستعمراتها القدممة, 


18 


نتبثل ثثمنة الخبال السيياسى ومعوقانته 


لتظل على الرغم من استقلالها أطرافا لمراكز الرأسمالية الرئيسة. وتختلف 
الرأسمالية المعاصرة بوجه بين عما كانت عليه في مطلع القرن العشرين وأواسطه 
بفعل الثورة : العلمية والتقنية. وقد تمكنت من تصويب مسارها في ظروف 
احتدام المواجهة مع الاشتراكية. وفقدان المستعمرات السابقة. بفعل حركات 
التحرر في دول العام الثالث. واستطاعت أن تحدث صورتها ومسلكها بطريقة 
مذهلة. لتقوم رأسمالية ما بعد الصناعة. التي جعلت العلم نفسه قوة إنتاجية. 
وفتحت آفاقا جديدة للإنتاج» ووسعت السوقء وصاغت علاقة ذات طابع خاص 
بين الإنسان والآلة467), 

وإذا كانت «مرونة» الرأسمالية وتلمسها المصلحة وامتثالها للخيال السياسي 
الخلاق. واستفادتها من عطاءات الأيديولوجيات الأخرىء إلى حد ماء مما فيها 
الشيوعية. قد حمتها من الانهيار.ء حتى الآن. فإن بعض القيم المحمولة لدى 
الاشتراكية لم تسقط بعد. إذ إن ال مساواة والعدل الاجتماعي سيظلان غايتين لكل 
من يبحث عن عاط أفضل بالنسبة إلى المسحوقين والفقراء. سواء كانوا أفرادا 
أو دولاء خاصة في ظل «توحش» الرأسمالية. وتعامل الدول المتقدمة اقتصاديا 
بطريقة «غير متكافئة» مع الدول النامية والفقيرة. وفي ضوء اتساع الفجوة 
باستمرار بين الطبقات في العديد من دول العام. وستظل هذه الرؤية تداعب 
الخيال السياسي لكثيرين. 

فسقوط الاتحاد السوفييتي. إن كان قد قاد إلى انهيار الأنظمة الشيوعية 
أوروبا الشرقية. م بمنع من انتصار العديد من الأحزاب ذات التوجه الاشتراي في 
العديد من دول أوروبا الغربية. وحركة «العولمة» التي تعد أقصى مراحل الرأسمالية 
العالميةء حتى هذه اللحظة. تجد من يناهضهاء حتى داخل البلدان الرأسمالية 
نفسهاء ويطرح بعض هؤلاء آراء ذات صبغة اشتراكية في كثير من الأحيان. 

إن قضية تطوير الأيديولوجيا لنفسها قي تتماشى مع الواقع, أو على الأقل تسليمها 
بضرورة تغيير شيء ما من بنيتها الفكرية وأساليبهاء حتى تحافظ على استمرارهاء 
لم تقتصر على الأيديولوجيات الكبرى مثل «الليبرالية» في شقها الاقتصادي المتمثل 
في الرأسمالية فقطء بل إن بعض الأيديولوجيات المحدودة, غيّرت فيما بعد بعض 
اقتناعاتها. ي تقي نفسها من الانقراضء والخروج خارج حركة التاريخ. 


“هر)؛ 


19 


الخبيال السنانسى 


أما الأيديولوجيات التي افتقدت قدرا من الخيال السياسي الخلاق. ووقفت 
جامدة عند أفكار معنية م تتعذهاء أو تجعلها تدخل في جدل حقيقي مع الحياة, 
بحيث تختبر مقولاتها على الأرضء فلم تفارق الهامش طوال تاريخهاء وتركت القلب 
لأيديولوجيات أخرى أكثر واقعية. 
ويمكن هنا أن نضرب مثالا بالفوضوية أو «اللاسلطوية» التي تبلورت على يدي 
اطفكرين الفرنسي جوزيف برودون (1809 - 1865). والروسي ميخائيل باكونين 
(1814 - 1876).: وعلى الرغم من أن هاتين الأيديولوجيتين تشكلان نوعا من 
«الخيال السياسي» الجامح. فإن هذا الجموح مم يعن تعميقا للفكرة. بقدر ما كان 
خروجا قويا على مسار الواقع: أو ما يجود به الخيال السياسي العلمي. 
فمنذ البداية رفضت الفوضوية السلطة والنظام تماماء ومن ثم لم تقبل أيا من 
أساليب الحكم التي كانت مطروحة آنذاكء الأمر الذي يكشف عنه الحوار التالى بين 
برودون وأحد الأشخاص الذين ينتمون إلى التيار المحافظ: 
- «أنت جمهوري؟ 
- جمهوري. نعم ذلكء ولكن لاء هذا لا يعني بالنسبة إلى الدولة 
واملوك. 
- آه حسنا... أنت دموقراطي؟ 
- كلا. 
- ماذا؟! ... ربما أنت ملي. 
- كلا 
- إذن دستوري؟ 
- لا سمح الله. 
- إذن أنت أرستقراطي؟ 
- كلا على الإطلاق. 
- أنت تريد خليطا من الحكومة؟ 
- حتى بدرجة أقل. 
- إذن ماذا أنت؟ 


- أنا لاسلطوي»477. 


150 


سبل ثنمية الخبال السياسي ومعوقانه 


والتصور الأول عن «الفوضوي» أنه إنسان متمردء يرفض المجتمعء ولا يقبل 
بأوصياء عليه. ويحرر نفسه من كل ما هو مقدسء وينبذ الأشخاص الرسميين» ويعتبر 
الدولة أكثر المفاهيم المسبقة ضرراء وأنها هى التي أعمت الناس طوال العصور. فكل 
دولة طغيان. وحكم الإنسان للإنسان عبودية. وهو ما يلخصه برودون في قوله: «كل 
من يضع يده علي ليحكمني فهو مغتصب وطاغية... أنا أعلنه خصما لى .»080 

أما باكونين فيعتبر الدولة تجريدا يلتهم حياة الناس. ومقبرة هائلة؛ حيث تسمح 
كل الطموحات الحقيقية والقوى الحية لبلد - بكرم وسعادة - لنفسها بأن تدفن 
باسم ذلك التجريدء ويزعم أن النظام التمثيلي بعيد عن كونه ضمانة للشعبء بل 
على العكس يخلق ويصون الوجود المستمر لأرستقراطية حاكمة ضد الشعب»49. 

ومن ثم لمم يجد باكونين في الاقتراع طريقا لتحرره من قبضة السلطة. لكن برودون 
اضطر إلى تعديل هذا الموقفء استجابة لمقتضيات الواقع, واندمج في الانتخابات 
البرلمانية. من جهة ثانيةء وجدت الفوضوية نفسها معبأة لدفع اتهامها بعدم النظام, 
فوصفت مسلكها بأنه نظام طبيعي حيوي مستقل ذاتياء يناقض النظام الاصطناعي 
المفروض فوقيا عبر سلطات الدولة. 

لكن بعض المتحمسين للفوضوية في القرن العشرين راحوا يعملون قدرا من 
خيالهم السياسي. محاولين تطوير فكرة «التنظيم» هذه. منطلقين من اقتناع يقوم 
على وجود تفسير خاطئ.ء أو على الأغلب جدا خطأ متعمد. يزعم أن المفهوم التحرري 
يعني غياب كل تنظيم. وقد وصفت هذه التصورات عن الفوضوية واللاسلطوية 
بأنها محض افتراء تام عليها. فالمسألة لا تتعلق بموضوع تنظيمء أو عدم تنظيمء 
بل بمبدأين مختلفين في التنظيم29©. ينزع أحدهماء وهو الذي تتبناه الفوضوية أو 
الأناركية» إلى مجتمع بلا تسلط. 

لكن هذه المحاولات لم تكن تجاري قط حركة الواقع أو على الأقل تلاحقهاء 
وم تكن بالكثافة المطلوبة.ء ومن ثم ظلت الفوضوية في مرحلة الطوباوية. 
حيث الحلم بإنسان متحرر من السلطة تماماء بينما كانت أيديولوجيات أخرى 
أكثر عملية فارتضت بالسلطة. وآمنت بأن الدولة ضرورةء وليست شرا لا بد من 
القضاء عليه. كما آمن بعض الفوضوبينء وكرست جهدها من أجل منع استبداد 
هذه السلطة.ء ابتداء من اكتسابها الشرعية من الشعسب عن طريق الانتخابات. 


151 


الخيال السياسي 


وانتهاء بالمساءلة البرطانية والقضائية للمسؤولين الرسميينء مرورا بتوافر العديد 
من الحريات العامة. 
وعلى النقيض من ذلك هناك أيديولوجيات لا تكفر تماما باستعمال وتوظيف قدر 
من الخيال السياسي العلميء ولذا تعيد ترتيب أفكارهاء وتلائم أوضاعها مع ما استجد 
من ظروف. وتطور رؤيتها بما يتماشى مع السياق العام ولا يخرجها من التاريخ تماما. 
لكن مهما طورت الأيديولوجيا بعض تصوراتها لتكتسب شيئا من المرونة. تظل 
في كل الأحوال حائلا أمام انطلاق الخيال السياسي. 


152 


مجالان توظيف الخيال 


قادت حاجة البشر إلى تجديد مجتمعاتهم, 
سواء على مستوى القيم التي تحكمها أو 
التنظيمات التي تشكل رافعة لهاء إلى إطلاق 
خيالهم بقوة قّ يواكب هذه الحاحة المستمرة. 
فعلى سبيل المثال لا الحصرء أدى التفكير حول 
دور وحضور المجتمع المدني إلى شحذ الخيال 
السياسي على المستوى العالمي2©. وأظن أن 
قضايا من قبيل التغير السكاني والهجرا 
والإرهاب والحركات الاجتماعية تدفع 
«تبقى اليوتوبيا درجة عالية من 0م 
الخيال السياسي. ويبقى الأخير سبيلنا ‏ 190 وطوال التاريخ الإنساني وهناك من يثبت 
إلى سم ماله عى لود ١‏ 30 دوما أن الحاحة إلى الخيال السياسى ضرورية 
العمل من أجل تحققها في واقعنل   ))7‏ 027 كا 0060© ' بسي عروري. 
كي نظفر ولو بالقليل من محاسنها» ‏ !583 ويوجد من يدرك هذه المسألة ويعيها تماماء 





م( 0 


133 


الخيال السنياسىي 


وهناك من ينخرط فيها ويممارسها دون إدراكها على النحو الذي تتعين عليه» ويتحدد 
قوامهاء أو دون تبلورها بطريقة علمية. 

وقد تعددت مجالات توظيف أو استخدام «الخيال السياسي» لتشمل قضايا 
محلية ودولية تضغط على أعصاب المجتمعات والأمم. وتشكل تحديا شديدا لا بد 
من الاستجابة له بدءا من السعي إلى عبور الأزمات وصولا إلى نحت دور دوليء 
مرورا بالحرب والتخطيط وصناعة الاستراتيجيات والبحث عن امثل العليا وتعزيز 
دور الصناعات الإبداعية في خلق التماسك الاجتماعي. والحفاظ على الكيانات 
السياسية ومنها الدولة الحديثة» واستلهام ال مثل العليا بحثا عن مجتمع أفضل: 
(آ) عبور الأزمات السياسية 

تعني الأزمة وجود تهديد لشيء جوهري أو هدف قومي مع ضيق في الوقت 
ونقص في المعلومات, ولذا يكون على من يتصدى لها أن يمتلك خيالا يرمم به نقص 
البيانات المتوافرةء ويتغلب على مأزق الزمنء فيقلل من سلبيات المفاجأة, ويتفادى 
التهديد الذي يحيق بالمصالح الوطنية. فالأزمة تؤدي إلى تصعيد تلقائي لسلطة اتخاذ 
القرار لدى القائد السياسيء وكلما ازدادت حدتها ازدادت درجة تصعيد ومركزية 
القرار. حيث لا يوجد وقت كاف للتشاور مع المؤسسات السياسية. بل قد تؤدي 
الأزمة إلى أن تفوض هذه المؤسسات القائد ليتخذ ما يراه مناسبا من قرارء أو قد 
ينص الدستور على هذا. 

وقد لا يستطيع صانع القرار أن يسلك طريقا عقلانيا يتيح له تجميع المعلومات 
وحساب البدائل. فلا يجد أمامه سوى اللجوء إلى خبرته ونسقه العقيدي وقدرته 
على التخيل لتساعده على اتخاذ ما يلزم من قرارات أو إجراءاتء. لاسيما أن وقت 
الأزمة يتسم بحالة من عدم اليقين الهيكلي تنه 2ن لوعتاءع نم25 . ومع 
تراجع فرصة التوظيف الكامل للقدرات العقلية ينفتح المجال أكثر أمام المشاعر 
والخواطر والخيال. 

ويعد توظيف الخيال السياسي في عبور الأزمة مسألة غاية في الأهمية. إذ إن 
الأزمات تسقط على الرؤوس بلا هوادة. متفاوتة في أحجامها وخطورتهاء ولا بد من 
الاستجابة لها. فالأزمات أشبه بالجلطات التى لا مناص من تذويبهاء وإلا تفاقم 
الوضع بما لا تحمد عقباه. 


1234 


مدالات توظيف الخيال السنائتتى 


(ب) الخطط والاستراتيجيات 

وهما أعلى درجة في التفكير والتدبير والترتيب ونطاق التأثير والأفق الزمني من 
«السياسة» وإن كانا مثلها يتعلقان ب «فن الممكن», والثلاثة متداخلة. ومتشاركة في 
منظومة الغايات والطرائقء» واستخدام الفكر الاستراتيجي بدرجات متفاوتة. 

وتبقى الاستراتيجية هي عملية فكرية منضبطة ذات مخرجات وغايات 
ووسائل محددة بوضوح. وهي تخدم الهدف السياسي الوطني. وتخدم السياسة 
في إطار التقلبات والتعقيدات والهواجس والغموض. ويصبح «التفكير الاستراتيجي 
هو القدرة على تطبيق الاستراتيجية في الواقع, ثم صياغة ما يخدم بنجاح مصالح 
الدولةء من دون تحمل مخاطر ممكن تفاديهاء ولذا فهو يتضمن جانبي الفن 
والعلم معا!©. 

ومفهوم الاستراتيجية هو من الفاهيم المتداولة في مختلف العلوم الاجتماعية. 
بأقلام وألسنة الباحثين والمتخصصين في الشؤون العسكرية والسياسية والاقتصادية 
والاجتماعية.» لكن تظل «الاستراتيجية عملا سياسيا محضاء أو يجب أن تكون 
كذلك على الأقل. ومثل كل الأعمال المسوسة يستلزم النجاح ممارسة حسن تقدير 
الأمور». وهذا يتطلب من دون شك قدرا لا يستهان به من الخيال العلمي. 

لكن كيف يمكن أن يكون حسن التقدير هذا بالنسبة إلى الاستراتيجية؟ 

هنا يجيب المفكر البريطاني آيزيا برلين ليعرف «حسن التقدير» بأنه: «القدرة 
على إدماج مجموعة كبيرة من اللمعلومات الأولية الظرفية المتغيرة المتشابكة 
المتعددة الجوانب. وهي التي تحول كثرتها وسرعتها وتداخلها دون تجميعها 
وتصنيفها.. والإدماج بهذا المعنى هو رؤية المعلومات الأوليةء بوصفها عناصر في نمط 
واحدء مع تداعياتهاء لرؤيتها بصفتها مؤشرات إلى الماضي والاحتمالات المستقبلية: 
حتى تمكن رؤيتها بصورة براغماتية» على معنى ما يمكن أن تفعله ‏ أو ستفعله ‏ 
أنت أو الآخرون تجاههاء وما يمكن أن تفعله ‏ أو ستفعله ‏ هي لك وللآخرين». 
وبذا تبقى هذه القدرة هي «موهبة» يفتقدها معظمناء ولا يممكن تعليمها لمن لا 
يمتلكهاء وتبقى عملية صنع القرار الاستراتيجي تترك دوما مساحة أمام تصوراتنا 
وتصورات الآخرين واعتراضاتنا واحتجاجاتنا وندمنا على النتائج. وسط أشياء تقوم 
على التكهنات والفرضيات وتدعنا في شكوك محيرة©. 


3 
يي 


الخيال السياسى 


وإذا كان من شروط وضع الاستراتيجية وضوح الأهداف وتكاملها وواقعيتها. 
إلى جانب العقلانية والتخصص والاستمرارية والإلزام والمرونة. فإن أحد أهم هذه 
الشروط هو الابتكارية والاعتماد على الذات. وهنا يكون للخيال دوره. فمثلا يحتاج 
تطوير الدول النامية والمتخلفة إلى استراتيجيات ملانئمة لظروفهاء لاختلاف مواردها 
وخبرتها السياسية وميراثها التاريخي عن الدول المتقدمة77. 

ونظرا إلى أن التفكير الاستراتيجي يتطلب كلا من التفكير النقدي والتفكير 
الإبداعي, إلى جانب التفكير في التأثير المتبادل بين المنظومات والتفكير في الزمن 
والتفكير الأخلاقيء فإن للخيال دوره المهم في صياغة الاستراتيجيات من زاوية الإسهام 
في زيادة الفهم. وتوسيع التفسيرات المنطقية الممكنة. ووضع الخيارات البديلة. 
وتحديد الفرص المحتملة. وكل هذا يصب في إطار «صياغة الثالوث الاستراتيجي 
المتمثل في الأهداف والأفكار والموارد»2. وكل منها يحتاج إلى خيال. 

وهذا الاحتياج يعود إلى أن الاستراتيجية تتسم بأنها «استباقية توقعية». إن ل 
تكن «تنبئية», وهذا الاستباق يرمي إلى رعاية المصالح الوطنية وحمايتها مما يخبته 
المستقبل. ولذا يجب ألا يقوم على التقديرات الجزافية أو الخيالات الأسطورية, 
إنما على دراسة الاحتمالات والسيناريوهات. ووضع الافتراضات والمنطلقات, والتي 
تكون بدورها مشروطة بما يجري على الأرضء وبالإمكانات المتاحة29'). وهذا معناه 
أن الخيال الذي يوظف في إنتاج الاستراتيجيات هو خيال منطقي خلاقء يبدو 
ضروريا حتى يمكننا توقع ما يأيء واستباق الأخطار. والعمل على تفاديهاء أو تحقيق 
المكاسب وتعزيزها. 
(ج) الحرب 

يفيد الخيال المحاربين سواء وهم يخططون للقتال. من حيث تحديد المكان 

والزمان والوسائل واطقاتلينء أو كانوا يديرون ال معركة في الميدان نفسه. بعد أن تقرع 
الطبول وتنطلق حمم النارء أو كانوا يجلسون ليتصوروا شكل الحرب في المستقبل. 

وربما قاد «الخيال الاستراتيجي لدى المحاربين», إن صح التعبير. مجالات عدة 
في الحياة إلى التطور والتقدم خطوات إلى الأمام. من زاوية أن كثيرا من الاختراعات 
الحديثة خرجت من رحم الصناعات العسكرية. أو كان التفكير في كسب الحرب 
دافعا للتوصل إليهاء والحاجة إلى الهيمنة أو الردع هي أم اختراعها. 


156 


مجالات توظيف الخبال السياسي 


ويقر كلاوزفيتس!* بأن «جميع القادة العظماء قد تصرفوا انطلاقا من فطرتهم: 
وحقيقة أن فطرتهم كانت دائما سليمة هي جزئيا مقياس لعظمتهم وعبقريتهم 
الطبيعية»: ويعود تركيز كلاوزفيتس على الحدس أكثر من التفكير الواعي إلى درايته 
بأن الحروب لا تديرها المعادلات الحسابية على الورقء بل إنما التصرف في الميدان(21. 

إننا إن أمعنا النظر في مسار التاريخ فسنجد أن نابليون قد حقق انتصاراته 
بالخيال العسكريء ونقل هانيبال (حنبعل) أفياله من قرطاجة إلى روما أيضا بالخيال 
العسكري. وأسس الإسكندر الأكبر إمبراطورية الشرقء ودكٌ جنود مصر الساتر الترابي 
بمدافع المياه أيضا بالخيال العسكري.2 وكذلك انتصر جيش المسلمين على المشركين 
في موقعة بدر على رغم أنه كان أقل عددا وعدة, وهزم خالد بن الوليد الروم في 
معركة اليرموك بقوة أقل من عشر قوتهمء: واستطاع البطل الإغريقي ليونيداس 
برفقة ثلاتمائة رجل أن يعيق تقدم جيش الفرس الجرار من ممر ترموييل حتى 
سقط ورفاقه بعد أن قتلوا أضعاف عددهم. ومهدوا الطريق لبلد صغير هو إسبرطة 
يي ينتصر في النهاية على إمبراطورية الفرس القوية. كما تمكن بضعة الاف من 
المقاتلين اللبنانيين من صد الجيش الإسرائياى في صيف 2006, وقبله استطاع أطفال 
فلسطين أن يتصدوا للدبابات والبنادق بكومات من حجرء ويحققوا نصرا استراتيجيا 
على عدوهم المدجج بالسلاح؛ وتمكن أربعون رجلا أبحروا في قارب صغير ذات ليلة 
من أن يحرروا كوبا من قبضة الدكتاتور. واستطاع الفيتناميون بسلاح بسيطء وزاد 
قليل. أن يهزموا الولايات المتحدة الأمريكية. 

ولو أن الداخلين إلى هذه المعارك جلسوا ليحسبوا حسابات الواقع, وأعطوها 
وحدها قرارهم. لهزموا هزائم منكرة وفي زمن يسيرء لكنهم تجاوزوا واقعا ينبئهم: 
للوهلة الأولى: بعدم تكافؤ قوتهم مع قوة عدوهم. وأطلقوا العنان لخيال جسور. 
مكنهم من الانتصار أو الصمود. 

ولهذا تحدث الخبراء والمؤرخون الحربيون عن «الفنون العسكرية». منطلقين 
من أن التاريخ العسكري هو وقائع وأحداث متتابعة من ممارسة فن الحربء التي 
كان لها دور كبير في تطور مجالات أخرى. 


(:*) كارل فون كلاوزفيتس (1780 - 1831). الجنرال والمنظر العسكري البروسي الشهيرء ومؤلف كتاب «عن الحرب» 
ععع ما حددمم7. [امحررة] ‏ 


157 


الخبيال السياسى 


وهنا يقول فرنان شنيدر في كتابه «تاريخ الفنون العسكرية»: «إن التاريخ 
العسكريء. منذ عصر أجدادنا سكان المغاور إلى عصرنا الذري. قد أسهم إسهاما 
فعالا في التطور المستمر للعلوم البشرية. هذه العلوم التي أسهمت أيضاء بنسب 
متفاوتة في تحسينه وازدهاره. إن فنون القادة الكبار قد تأثرت تأثرا كبيرا بعلوم 
معاصريهم وطرق تفكيرهمء فهؤلاء القادة يستفيدون من أنهم نشأوا على أفكار 
رؤسائهم السائدة في زمانهم. فالإسكندر اقتيس تكتيكه من الفكر الإغريقيء. كما 
استمد بونايرت غذاء نبوغه من نظريات مفكري القرن الثامن عشرء عسكريين كانوا 
أو مدنيين. أضف إلى ذلك أن المؤلف القيم الذي وضعه كلاوزفيتس عن الحربء 
وهو أفضل ما كتب في باب الفنون الحربية» لا يعتبر ثمرة دراسة لفنون نابليون 
فقط. بل إنه إضافة إلى ذلك دراسة لسلسلة من المذاهب اللمستوحاة من أفكار من 
هم أمثال كانط وهيغل»02. 

ولعل ال مثل الرائع الذي يمكن أن نضربه في هذا المقام هو المفكر الصيني «سون 
تسي». الذي عاش في القرنين الخامس والسادس قبل اليلاد غير أن أفكاره وتصوراته 
عن الحرب لاتزال صالحة للقراءةء وقادرة على إلهام الجنرالات في مشارق الأرض 
ومغاربهاء لأنه كان يمتلك قدرة هائلة على إعمال الخيالء وبالتالي اعتبر الحرب فناء 
وفي الفن يحضر الخيال غزيراء ولذا فإن إيجاز ما ورد في كتابه يبدو عملا مفيدا إلى 
أقصى حد ونحن بصدد الحديث عن توظيف الخيال في الحربء لأننا سنكتشف معه 
كيف تمكن رجل عاش في هذه الحقبة البعيدة أن يكتب نصا له كل هذه الطاقة 
من الخيالء بما جعله يتجاوز زمنه وحدود أمته. ويسيح في مشارق الأرض ومغاربها 
ليستفيد منه المحاريون المختلفون تماما في كل شيء تقريبا. 

وتسي ابتداءً هو سليل عائلة عسكرية. وسبق لأجداده أن سجلوا خيرتهم 
في المعارك. وتركوها لمن أتوا بعدهم قي يستفيدوا منهاء وقد ألف كتاب «فن 
الحرب»42"). الذي هو من أقدم وأشهر الكتب الحربية في الصين. بل هو أقدم كتاب 
حرب في العام أيضاء إذ يتمتع بمكانة بارزة في تاريخ البحوث الأكاديمية الحربية.» وهو 
جزء مهم من الثقافة والتقاليد الصينية ال ممتازة.ء ومضمونه دقيق وعميق وواسع 
جداء وقد أحدث تأثيرا بعيد المدى في تطور العلم الحربي القديم بالصين» ويعتبر 
مرجعا أساسيا وحضاريا عنها. 


158 


مجالات توظيف الخيال السياسي 

ولايزال كثير من حقائق الكتاب تحظى بأهميتها السابقة نفسهاء فهي مفيدة 
في بناء وتطوير النظريات الحربية الحديثةء واستخدام مبادتها وأفكارها في الحياة 
الاجتماعية وفي عاط الأعمال. وهي تطبق على نطاق واسع في إدارة المؤسسات 
والتنافس التجاري والمباريات الرياضية والأنشطة الأخرى. 

فالحرب هي الحربء تختلف الأزمنة. وتتطور تقنيات السلاح. لكن تبقى 
الفلسفة العامة وما تتضمنه من قواعد حاكمة للحروب كما هي تقريباء فالجوهر 
باق» وفي القلب منه ما يمكن أن يكون الجانب الذي نطلق عليه وصف الفنء بأكثر 
ما يكون الأمر مرتبطا بالعلم وتطوراته. 

يشتمل الكتاب على قلة عدد صفحاته موضوعات غاية في الأهمية منها: وضع 
الخطط. وشن الحروب. وتدبير الهجمات. وطبيعة القوة العسكريةء واستغلال 
الإمكانات المتاحة للجيوشء وأنواع أراضي المعارك. والهجوم بالنار.ء وتوظيف 
الجواسيس. ويدعو تسي في كتابه إلى ضرورة دراسة خمسة أشياء أساسية عن العدو 
منها مدى ارتباط الشعب بالسلطة. والمناخ. والتضاريسء والقيادة. ومبادئ التنظيم. 

ويرى تسي أن «القاتد المحنك هو الذي يحصل على احتياطيه من الأسلحة من 
بلاد العدو». ويرصد خمسة أخطاء يقع فيها القائدء فيقول: 

إذا كان القائد متهورا ممكن قتله. 

- وإن كان جبانا يمكن أسره. 

- وإذا كان حاد المزاج يمكن أن يستثار غضبا ويخطئ. 

- وإن كان مرهفا ذا إحساس متضخم بالذات والكرامة, يمكن استفزازه بالإهانة. 

وإن كان ذا طبيعة رحيمة فقد يضطرب ويتضايق. 

وينصح الكتاب قادة الجيوش بما عليهم أن يفعلوه حين يأخذون مواقعهم في 
مواجهة العدو ويقول: عند عبور الجبال لا بد من البقاء في الأودية المجاورة. وعند 
إقامة المعسكرات يجب اختيار الأرض المرتفعة للمواجهة الشمس.. وعند عبور نهر 
يجب البقاء بعيدا عنه. وعندما يعبر العدو المتقدم لا تقابله في وسط الاء. بل من 
الأفضل أن تسمح لنصف قواته بالعبور وحينئذ تضربه. 

ويقسم تسي الأرض وفقا لطبيعتها إلى أرض ممهدة أو معقدة خداعية أو 


رمالها متحركة أو ضيقة وشديدة الانحدار أو بعيدة. ويرى أن كل أرض لها 


159 


الخبال السياسشي 


تكتيكاتها في المعركة, ثم يشرح الأسباب التي تؤدي إلى هزيمة الجيش أو فشله 
وهي: الفرار والعصيان والسقوط والانهيار والفوضى والهزمة. ويقول «لا ترتبط 
واحدة من هذه الكوارث بالأسباب الطبيعية والجغرافية» وإنما هي بفعل خطأ 
القائد. فلو هاجم قوة حجمها عشرة أمثال جيشه فستكون النتيجة الهروب 
والفرار. وحين يكون الجنود أقوياء والضباط في ذروة الشجاعة والبسالة» ولكن 
الجنود تنقصهم الكفاءة وامقدرة. فيسقط الجيشء. وإذا سادت حالة من التمرد 
بين ضباط القيادة العلياء وسرى الشعور بالاستياء والغيظ عند القتال فلن يلتفت 
القائد إلى قدرات العدو والنتيجة ستكون الانهيارء وعند لقاء العدو المندفع إلى 
المعركة. إن كان القائد على درجة ضعيفة من الكفاءة وسلطته قليلة: ولم يقم 
بتنظيم وإدارة قواته جيداء وكانت العلاقة بين ضباطه وجنوده متوترة. وكذلك 
تشكيلات القوات مهملةء فالنتيجة لهذا الوضع هي الفوضىء وحين يكون القائد 
عاجزا عن تقدير قوة العدو تكون الهزيمة محققة». 

وبذا يضع تسي جزءا من أسباب النصر أو الهزيمة على القائد أو القيادة. وينصح 
القائد بأن يقدر قوة عدوه جيداء وطبيعة الأرض التي سيحارب فيهاء. وحجم 
إمكانات الجيش الذي يقوده.ء ثم ينصح القائد بأن يعتني برجاله قائلا: «إذا ما 
أعتنى القائد برجاله كاعتنائه بأبنائه فسيزحفون من أعمق الوديان. فالأبناء الأحباء 
سيساندون قائدهم حتى الموت. فإن كان القائد متساهلا مع رجاله يدللهم فلن 
يستطيع أن يوظفهم أو يأمرهم أو يعاقبهم حين ينتهكون النظامء عندئذ يكونون 
كالأطفال المدللين الذين لا يصلحون لأي هدف عماليء لذا لا ترجى منهم فائدة». 

ويقدم تسي عدة نصائح للقائد في التعامل مع جنوده هي: 

- اهتم بجنودك ليكونوا في أحسن حال ولا ترهقهمء. وحاول أن ترفع روحهم 
ا معنوية. وحافظ على طاقتهم. 

- ضع جنودك في موقف لا مفر منه. وسيختارون الموت على الفرارء فإذا ما أعد 
الضباط والجند أنفسهم فسيبذلون ما في وسعهم للنجاة. فهي مسألة حياة أو موت. 

- امنع عن الجنود الخرافات والشائعات. واعلم أنه في اليوم الذي يتقرر فيه 
القتال ينتحب الرجال ويجهزون أكفانهم, لكن عند وضعهم في موقف حياة أو موت 
سيأتون بضروب من الشجاعة الخالدة. 


160 


مجالات توظيف الخبال السشياسي 


وفي نقطة عن «الهجوم بالنار» يحدد تسي خمس طرق لمثل هذا الهجوم هي: 

أن تحرق الجنود في معسكراتهم. 

- أن تحرق اللؤن والمخازن. 

أن تحرق قوافل المؤن. 

أن تحرق مستودعات الأسلحة والذخائر. 

أن تحرق خطوط الإمداد والاتصال. 

وهناك عبارات أثيرة في الكتاب من قبيل: «أفضل ما في الحرب هو الاستيلاء 
على بلاد العدو كاملة سليمة». و«أن أسر حيش العدو كاملا أفضل من تحطيمه». 
كما يقول: «يجب أن يكون فن تحريك الحرب مطابقا لفن الخداع الحربي»». 
و«يجب معرفة متى نحارب ومتى لا نحارب»». ويقول أيضا: هناك ثلاث طرق 
يجلب بها القائد الضعيف سوء العاقبة لجيشه. أولاها إعطاؤه أوامر الهجوم أو 
الانسحاب من دون معلومات كافية؛ التدخل في إدارة الجيش من دون الدراية 
بشؤونه الداخلية بما يربك الضباط والجنود؛ والتدخل في توجيه الحرب مع جهل 
قاعدة التكيف مع الظروف. 

وق مقدمة أخرى للكتاب. الذي ترجم للغات عدة وأعدت حوله أكثر من 
خمسمائة دراسة مهمة. يقول الخبير العسكري اللواء إبراهيم شكيب: «معظم 
أبحاث هذا الكتاب مقبولة ومطبقة في عصرنا بكل وقائعهاء أما الأبحاث التكتيكية أو 
اللوجستية فتقدم للقارئ معلومات تفيده في كل دراسة تاريخية لهذه ال موضوعات, 
وأجزم بأن كبار القادة العسكريين على اتساع العالمم قد اطلعوا عليه ولا يخلو مرجع 
عسكري رصين من بعض أفكاره». 

وهذا الكتاب لم يفد العسكريين فحسب.ء بل الاقتصاديين ورجال الإدارة أيضاء 
وهنا يقول مترجمه: «هناك أعداد متزايدة من رجال الأعمال يركزون اهتمامهم على 
الاستفادة من عقل سون تسي وحيله في ممارسة المنافسة الاقتصادية. وكان اليابانيون 
سباقين في هذا المجال. فبعد الحرب العاطية الثانيةء حاول عدد من رجال الأعمال 
اليابانيين الاستفادة من الكتاب في النهوض بالأنشطة التجارية». علاوة على هذاء 
استخدم الكتاب في خوض غمار النضال السيامسيء وتعزيز اطهارات الديبلوماسية. 
وإدارة المفاوضاتء. وممارسة المباريات القنية». 


161 


الخيال السيبياسي 


إن قدرة تسي على الخيال جعلته ينطلق من أن الحرب بلاء. لكن قد تفرض على 
جيش وهو يكرههاء وعلى أمة مسالة لا تجد أمامها مفر من رد العدوان. فإن جاءت 
فلا بد من أن تكون مستعدة لهاء وأن تديرها ليس على أنها انعكاس لقدرتها على 
تصنيع السلاح أو امتلاكه. وترجمة للعلم ومشتملاته. إنما أيضا بوصفها فناء وهذا ما 
مميز جيشا عن جيش.ء وقائدا عن قائد. 

ولهذا كان المفكر والمؤرخ العسكري ليدل هارت يرسم لوحة بالكلمات يتخيل 
فيها وضع الحرب قائلا: «في الحرب نمائل رجلا يبذل كل جهده للبحث عن عدو في 
الظلام, والمبادئ التي تحكم تصرفنا ستكون مماثلة لتلك التي يمكن أن يتبناها على 
نحو طبيعي. يمد الرجل ذراعا لكي يتلمس طريقه إلى عدوه (استكشاف). وحينما 
يلمس خصمه يتحسس طريقه إلى رقبة الأخير (استطلاع)» وبمجرد أن يبلغها يمسكه 
من ياقته أو من رقبته حتى لا يتمكن خصمه من الفكاك أو الرد عليه بطريقة مؤثرة 
(تثبيت). ثم يضرب بقيضته الثانية عدوه. الذي أصبح عاجزا عن تفادي الضربة. 
ضربة قاضية حاسمة (هجوم حاسم). وقبل أن يستطيع عدوه أن يفيق يتابع وضعه 
المميز لكي يجعله فاقد القوة نهائيا (استثمار)»05. 

وهناك رؤى عملية أشمل عن سيناريوهات وضعت لحرب قادمة. مثل تلك 
التي حواها تقرير أعده مجموعة من الخبراء الأمريكيين برئاسة الأميرال ديفيد 
جيرماياء نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة.» يعرض مسارات الصراعات المحتمل 
وقوعها بقوة بعد انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي 
المنهار وعقب حرب الخليج 1991 ويحدد عدد ونوعية القوات والأسلحة التى 
ستستخدمها القوات الأمريكية والميزانية اللازمة لذلك. 

وحدد التقرير نطاقا زمنيا يتراوح بين العامين 1994 و1999., متصورا سبع 
أزمات محتملة قد تجر واشنطن إلى الحرب وهي: تهديد جديد في منطقة الخليج 
على يد العراق. وهجوم مباغت من قبل كوريا الشمالية على جارتها الجنوبية - 
وإمكانية حدوث هذين السيناريوهين بشكل متزامن - ونشوب توترات في دول 
البلطيق. واحتمال حدوث انقلابات عسكرية تهدد أمن أمريكا ومصالحها أو 
قيام حرب بين فصائل الجيش الفلبيني بعد تخفيض الوجود العسكري الأمريكي 
هناك. وإمكانية تحالف الإرهابيين وتجار ا مخدرات والعصابات في بنما بما يهدد 


162 


مجالات توظيف الخيال التسياسى 


الملاحة. واحتمال قيام روسيا بعملية عسكرية توسعية في أوروبا9". وعلى رغم 
أن هذه الحروب المتخيلة مم تقعء. فإنها ساهمت في تعزيز جاهزية العسكرية 
الأمريكية وتفوقها. 

لكن الحاجة إلى الخيال لا تقتصر على إبداع طرق أو أساليب للتعامل مع 
ال ميدان أو التفكير فيما سيجري فيهء إنما تمتد إلى تخيل وضع الحرب في المستقبل. 
وما إذا كانت ستظل مرتبطة بدوافعها القديممة مثل تحقيق المصلحة وتعزيز المكانة 
والانتقام وحفظ الأمنء أم أن قيودا جديدة ستطرأ على الدول في اتخاذ قرار الحرب 
على خلفية أي من هذه الدوافع7. وفي كل الأحوال فإن باب التفكير سينفتح على 
مصراعيه ليتخيل شكل الحروب ونوع السلاح المستخدم فيها والمهام الجديدة التي 
ستجد الجيوش نفسها أمامها والأماكن التي ستطلق فيها النيران9'). وفي كل الظروف 
أيضا ستبقى الحرب بمنزلة «إزميل سيئ لنحت الغد». كما قال مارتن لوثر كينخ. 

لقد بات من الواضح أن ثمة عددا قليلا من المجالات قد شهدت فيها مسيرة 
البشر تطورا هاثلاء وكان الأكثر إثارة واتساقا في هذا التطور هو مجال الحروب 
وصناعات الأسلحة,. على امتداد تاريخها. إنها مسيرة تكررت فيها إعادة تعريف 
التكنولوجيا المتقدمة وتطبيقاتها لإنتاج معدات جديدة ذات تعقيد تكنولوجي أبعد 
من الخيال في كثير من الأحيان9". 

فمجال الحروبء فنونها واستراتيجياتها وأدواتهاء يشهد تطورات لا تنقطع. فعلى 
سبيل المثالء دفعت الحرب «اللامتماثلة» والإرهاب الدولى الدول الكبرى إلى تطوير 
قدرات وتدريبات جيوشها بما يتناسب مع هذاء إلى جانب التوسع في استخدام 
الآليات الموجهة. وعلى رأسها «الطائرات من دون طيار»». وبات الطريق واسعا أمام 
ا لمستويات المتزايدة من الروبوتات الذكية: التي سيكون لها مكان راسخ في ساحات 
معارك الغد.ء وستشهد حروب المستقبل «تشكيلة متنوعة من الروبوتات من حيث 
الحجم والتصميم والقدرات والاستقلالية والذكاء. وستبنى الخطط والاستراتيجيات 
والتكتيكات في تلك الصراعات المستقبلية على عقائد جديدة هي الآن في طور 
التكون. ويحتمل أن تشمل كل شيءء بدءا بالسفن الروبوتية»ء وأسراب الطائرات غير 
المأهولة المستقلة إلى محاربي الحجيرات المكعبة الذين يديرون الحرب من مسافة 
بعيدة. وقد تمثل القوات التي تخوض تلك الحروب حكومات أو مجموعات غير 


163 


الخيال السياسي 


حكومية على السواءء وربما أناسا مهووسين يمتلكون قدرة على الفتك كانت من قبل 
في أيدي الدولء وفي تلك المعارك ستضطالعح الآلات بأدوار أكبر. ليس في تنفيذ المهمات 
فحسب. بل في التخطيط لها أيضا»0©. 

وراحت تظهر اتجاهات جديدة في العلاقات المدنية - العسكرية, وأخذ القادة 
المدنيون والعسكريون يتفاعلون على المستويات الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية 
في أنء وينتقلون من مجرد التعايش إلى التعاون في بناء القدرات. وفهم واحترام 
التفويضات الضرورية والمستقلة. وتعزيز أدوات الاتصال ومجالات التعليم والتدريب. 

وتعزز دور القطاع الخاص ف العمليات العسكرية عبر إعداد الجيوش وتجهيزهاء 
والمشتريات الدفاعية. وإدارة المشروعات وتطويرهاء وتصاعد دور المتعاقدين في 
الحروب من مقاولي خدمات دعم القوات. ومقاولي دعم المنظوماتء. ومقاولي 
خدمات الحماية الأمنية. 

كل هذا سيجعل الجيش ف القرن الحادي والعشرين يبدو مختلفا جدا عن 
الجيوش التي واجهت بعضها بعضا خلال السنوات الأخيرة من الحرب الباردة. حيث 
من المنتظر أن «يكون الجيش أصغرء وأكثر مرونة. وقادرا على توجيه ضربة أكبر 
بكثير مما يوحي به حجمه. وسيكون مملوءا بالجنود المحترفين للغايةء والقادرين 
على تنفيذ مهمات متعددة لم تكن تنفذها فيما مضى سوى وحدات خاصة. وسيرافق 
هؤلاء الجنود إلى ميدان العمليات مجموعة متنوعة من الأفراد غير العسكريين 
الذين سيكون كثيرون منهم متعاقدين لتنفيذ مهمات غير عسكرية تعتبر مهمة. 
ولكنها تتطلب أفرادا غير ماهرين. إن جيش المستقبل سوف يشبه قوة متكاملة 
البنيةء مع تزايد الأدوار التي يقوم بها الأفراد المدنيون والمتعاقدون أكثر من أي وقت 
مضى. وقد لا يكون الجيش هو العنصر الأكبرء لكنه سيكون العنصر الأهم من حيث 
ضمان أمن العمليات»220. 

وقد ظهرت ألوان أخرى من الحروب. ستتعزز في المستقبل.ء مثل «حرب 
الشبكات» التي تبدو جذابة على نحو خاص لأطراف مؤثرة من دون الدولة. مثل 
التنظيمات الإرهابية. والمنظمات الإجرامية العابرة للدول. وجماعات الضغط 
السيامي المتطرفة.ء وتصعب هزهتها لغياب هدف واحد يؤدي تدميره إلى إنهاء 
وجود الشبكة بالكامل2©. وهناك من يطلق عليها حرب الإنترنت. التي تَشَّن 


164 


مجالات توظيف الخيال السياسي 
بواسطة الحواسيب اللمتقدمة وشبكة الإنترنت. بغية إحداث ضرر في نظم معلومات 
الخصوم؛ وفي المقابل توجد حرب دفاعية من النوع نفسه لحماية النظم الخاصة 
بالمهاجمين. وهناك من يطلق عليها حرب المعلومات7. 
إنها حرب «الفضاء الإلكتروني» التي لا يمكن التعامل معها على أنها نوع 
نظيف من الحروب لا ضحايا فيهاء ومن ثم يممكن تبينها لتجنب شرور الحروب 
التقليدية؛ ففي الحقيقة هي نوع من الحرب السرية التي تبقى خافية على عيون 
عموم الناس. لكنهم هم الذين سيدفعون ثمنها أيضاء سواء الأفراد أو الشركات 
العامة والخاصة29). 
وتختلف مجالات الحروب تلك عما تسمى «حرب الأفكار» التي تقوم على 
الدعاية. والتى هي «ذخائر ينتجها العقل. وتوجه إلى العقلء. وتعد أسلحة أثبتت 
أنها لا تقل أهمية عن أي من الأسلحة التي ابتكرها الإنسان»250. 
(د) مكافحة الإرهاب 
لن تفلح طريقة رد الفعلء أو الحرب الدفاعية. في وضع حد للإرهابء إن 
لم يكن بالقضاء عليه قضاء مبرماء فعلى الأقل تقليل خطره إلى أدنى حد. وتعويق 
وجوده إلى أقصى مدة ممكنة. وهي مسألة تبدو ملحة لأي دولة وأي مجتمع يواجه 
أفعال الإرهابيين. من قتل وتخريب وتدمير. 
والحرب الناجعة في مواجهة الإرهابيين يجب أن تعتمد على «المبادأة» أو 
«المبادرة» التي تمكننا من مداهمة الإرهاب في طريقة تفكيره. ووسائل تدبيره» 
على حد سواء. بما يشتت جهد الإرهابيين. ويحبط أعمالهم. ويسهل عملية الوصول 
إليهم. والقبض عليهم للعاقبتهم بما يستحقونه من جزاء. 
لقد سمعنا وعودا كثيرة من كبار الساسة في العالم عن استئصال شأفة الإرهاب. 
لكنها لم تجدٌ نفعاء فلاتزال ترن في الآذان كلمة الرئيس الأمريكي السابق جورح بوش 
وهو يقول - عقب حدث 11 سبتمبر 2001: «سنخرجهم من جحورهم وسنسحقهم»؛ 
وبعد عقد من وعيده هذا اتسعت رقعة الإرهابء. وزادت مكنته. إلى درجة أن 
استطاعء لأول مرة في التاريخ ا معاصرء اقتطاع أرض من دولتين وإقامة «دولة» عليها. 
واستفحال الإرهاب يدل على أن الطريقة التقليدية لمواجهته لم تعد شافية ولا 
كافية» وتفرض ضرورة استعمال بعض الخيال في النظر إلى الإرهاب وصفه ظاهرة. 


165 


الخبيال السياسي 


وإلى الإرهابيين بوصفهم بشرا عدوانيينء تجمعت أسباب طيلاد هذه العدوانية في 
نفوسهمء وسعوا إلى تنفيذها في الواقع بتلك الطريقة الدموية. 

واستعمال الخيال في خطط مكافحة الإرهاب يعني أمرين أساسيين هما: 

أولا: أن نعرف كيف يفكر الإرهابيون. ونضع تصورات قبلية لمواجهة تفكيرهم. 

وثانيا: أن نعرف كيف يدبر الإرهابيون. ونضع الخطط المسبقة التي تمنعهم من 
تنفيذ عملياتهم الوحشية. 

وهذان الأمران مرتبطان - إلى حد بعيد - بتوفير معلومات وافية عن التنظيمات 
الإرهابيةء من حيث تاريخ نشأتها وأفكارها التي تتباين في بعض التفاصيل من 
تنظيم إلى آخرء وإن تطابقت في الرؤية العامة, وأماكن توزيعها وتمركزها ونشاطهاء 
وكذلك الشخصيات البارزة في هذه التنظيمات.» وخلفياتها التعليمية وشبكة علاقاتها 
البينية. وما إذا كانت هناك ارتباطات مع أجهزة استخبارات أجنبية من عدمها. وكل 
العمليات الإرهابية السابقة التي شارك أعضاء التنظيم فيهاء ومدى تقييم التنظيم 
لنتائجح هذه العمليات. 

فهذه المعلومات ستجعل بوسعنا أن نضع عشرين سيناريوء في الحد الأدنى. 
للعمليات المتوقع حدوثها في المستقبلء كأن نقول: في المرات العشر السابقة نفذ 
تنظيم «كذا» عملياته على النحو التالي (ثم نضع تفاصيل العمليات أمامنا)» ومع 
الأخذ في الاعتبار أن عناصر التنظيم قد درست طريقة المواجهة التي قامت بها 
قوات الأمن أو الجيش أو فرق مكافحة الإرهاب. فإنها من المتوقع أن تفكر في 
عملياتها القادمة على هذا النحو (ونضع السيناريوهات). وقد تصبح الأمور سهلة 
إن وجدنا أن عمليات الإرهابيين يغلب عليها التكرار والنمطية.» وستصبح أكثر 
تعقيدا إن وجدنا في هذه العمليات تجديدا مستمرا في وسائل التنفيذ وأدواته. 

ومثل هذا يخلق كفاءة عالية في التصدي للإرهابيين. سواء عبر تحصين دفاعاتنا 
- فإن هاجمونا يجدون أمامهم رجالا مستعدين تماماء ويعرفون كل ما سيُقدم 
عليه الإرهابيونء وبالتالي يحبطونه. ويلقنونهم درسا قاسيا - أو بالمبادرة بالهجوم 
عليهم أو على وسائل دعمهم لإجهاض العمليات قبل الشروع في تنفيذها. 

ويمكن تعزيز هذه الكفاءة بجمع مزيد من المعلومات عن تحركات الإرهابيين 
ا لمستقبلية. فمثل هذا الوضع سيجعل ممكنتنا أن نعدد السيناريوهات ونضبطهاء 


1656 


مجالات توظيف الخئال السياسى 


بل نحاكيها إذا لزم الأمر. على أن يتم هذا في سرية تامةء إذ من الضروري أن يحرم 
الإرهابيون من أي معلومات تساعدهم على تغيير السيناريوهات وتجديدها. 

لكن يجب الأخذ في الاعتبار أنه مهما كانت المعلومات قوية. وذات مصداقية وغزيرة. 

فإنها لا تغني عن التخيل. وسأضرب هنا مثلا ناصعا بعملية استجواب الإرهابيين. 

فإذا كانت مصادر الحصول على المعلومات الخاصة بالتنظيمات والشبكات 
والقيادات الإرهابية تتعدد وتتفاوت في مصداقيتها وثباتها وغزارتها ودرجة الاعتماد 
عليهاء فإن أهمها هو استجواب من يتم القبض عليهم من الإرهابيين. وإخضاعهم 
للتحقيق لدى الشرطة والقضاء. وتلك وسيلة مهمة من دون شك, لأنها تجلب 
ا معلومة من مصادرها الأصلية. لكنهاء مع هذاء تبدو قاصرة في مساعدتنا على تخيل 
السيناريوهات المستقبلية للإرهابيين. أو الطريقة التي سينفذون بها عملياتهم 
القادمة, وذلك لثلاثة أسباب هي: 

1 - قد ينكر الإرهابي بعض الوقائع. ويخفي معلومات عن مستجوبيهء إما 
من منطلق ولائه للتنظيم الإرهابي وأفكاره.ء خصوصا إن كان مدربا على التمويه 
والخداعء أو بغية تبرئة النفس؛ لأن معلومات حقيقية إن قيلت ستؤدي إلى إدانته. 
وتمهد لسجنه أو إعدامه. 

2 - حتى لو اعترف الإرهابي بكل شيء عن التنظيم. من حيث قباداته وأفراده 
ومصادر تمويله وما يحوزه من إمكانات في التسليح والتدريبء. فإن هذه معلومات 
عن الماضيء أو الأيام الفائتة التي كان فيها الإرهابي شاهدا على هذه المعلومات أو 
مشاركا في صناعتهاء وليست عن اللحظة الراهنة., أو المستقبل. ومن ثم لا يجب 
التعامل مع ما يدلي به الإرهاني من اعترافات باعتبارها وسيلة سهلة لتحديد الآني 
في التعامل مع الإرهابيين من دون بذل أدنى جهد. سواء بتحليل المعلومات المتوافرة 
من تلك الاعترافات وتوظيفها في تخيل سيناريوهات المستقبلء أو بتعزيز عملية 
التخيل تلك بممعلومات من مصادر أخرى. 

3 - يجب ألا نتصور أن الإرهابيين أناس سذج ومن ثم سينفذون الخطط 
نفسهاء من دون أي تعديلء. بعد عملية القبض على عناصر منهم اطلعت على 
هذه الخطط أو شاركت في صناعتها؛ ففي الواقع لا يعطي التنظيم الإرهابي 
أسراره لكل أعضائه. بل يضعها في يد حلقة ضيقة.ء ولا ممنح العناصر العاديين 


167 


الخيال السياسي 


مسألة مهمة. فليس بوسع الإرهاب أن يهزم سلطة أو دولة يلتف شعبها حول 
تصورات وإجراءات لكافحة الإرهابيين. ومن الخطر أن يقف الشعب على الحياد 
في المعركة ضد الإرهاب, ولذا من الضروري أن تفعل السلطة دوما ما يرضي الشعب 
عنهاء ويجعل العلاقة بينها وبينه عامرة. 

(9) الحاضن الاجتماعي: فالإرهاب ليس في وسعه الاستمرار إن كانت البيثئة 
الاجتماعية تلفظه. والعكس صحيح. ولذا علينا أن نقف بدقة على الفروق بين 
البيئات الحاضنة للإرهاب والمنتجة والموظفة له. 

وتركيب أو تعبير أو حتى مصطلح «البيئة الحاضنة» صار الأكثر تداولا واستعمالا 
بعد أن بلغ الإرهاب مداه. وانتقل من «الكر والفر» تحت جناح من السرية والكتمان 
إلى الإعلان الظاهر عن نفسه. واطباهاة الصاخبة بما يفعل من قتل وتدمير. وتطور 
وتحور من جماعات وتنظيمات موزعة على أرض دولة واحدة.ء أو داخل إقليم واحد 
منها إلى أخرى عابرة للحدود وموجودة في بلدان عدة, وانتقل من تنظيمات تكتفي 
ب «إزعاج» السلطة إلى أخرى تطلب السلطة السياسية وتحصل عليهاء مثل حالة 
«داعش» الذي اقتطع أجزاء من أراضي العراق وسورية وأعلن قيام دولة عليهاء 
معتبرا إياها نواة ل «خلافة». أو بمعنى أدق «إمبراطورية» تمتد من غانا في غرب 
أفريقيا إلى فرغانة في آسيا الوسطى. 

وهذا الاصطلاح مستمد من علم «البيولوجيا» الذي يسهب في الحديث عن 
علاقة الطبيعة بالكائنات الحية. نباتا وحيوانا وبشراء ليفصل بين بيئة مناسبة لعيش 
كائن معين ونموه وترعرعه. وأخرى غير مناسبة على الإطلاق. وقياسا على هذا يصبح 
في وسعنا أن نتحدث عن بيئة اجتماعية, أو سياق اجتماعيء. يسهم أو يسهل تفاعل 
وانتشار أفكار وتصرفات معينة. فإن كان الأمر يتعلق بالإرهاب نجد أن وسطا 
اجتماعيا يكون أكثر تقبلا واحتضانا له. كفكر منحرف وممارسات مدمرة. من وسط 
اجتماعي اخرء يستهجنه ويلفظه. 

لكن علينا أن نفرق في هذا المضمار بين ثلاثة مستويات على النحو التالي: 

- البيئة المنتجة للإرهاب: حيث يتفشى الجهل والفقر.ء ويضعف وجود الدولة 
في مختلف مؤسساتها وخدماتهاء ويندر أو ينعدم وجود تنظيمات أو أحزاب تعتنق 
أفكارا مدنية, يسارية أو يمينية. بينما يشتد وجود أنصار الجماعات الدينية ال متطرفة 


10 


مجالان) توظيف الخيال السياسي 


التي تنفرد بالناسء» وتكون هي وسيلتهم الوحيدة لتلبية الطلب على ال معلومات 
والمعرفة الدينيةء وبالتالي يسهل عليها أن تقوم بعملية «غسل مخ» لكثير من الأفراد. 
يتم تجميعهم أو تكتيلهم حول الأهداف التي حددها قادة الجماعات ال متطرفة. 
الذين يتخذون من أعمال العنف - وعلى رأسها الإرهاب - وسيلة لتحقيق أهدافهم. 
وحدث هذا في مناطق داخل باكستان. خصوصا بيشاورء وداخل أفغانستان. لاسيما 
قندهار وما حولهاء وتم في مناطق معزولة في صعيد مصرء خلال ثمانينيات القرن 
العشرينء بالنسبة إلى تنظيم «الجماعة الإسلامية». وكذلك في الجزائر والصومال. 
وبعض الأحياء ال مهمشة والمنسية في المدن الضخمة. ويمكن هنا أن نضرب مثلا بما 
جرى في حي «إمبابة» بالقاهرة» في مطلع تسعينيات القرن العشرينء حين زاد تمكن 
المتطرفين إلى درجة أن قائدهم قال: «أصبحنا دولة داخل الدولة», لكن هذه الدولة 
زالت في ساعات حين زحف إليها آلاف من قوات الأمن. 

- البيئة ا منسجمة مع الإرهاب: وهي بيئة لا تنتج الإرهاب. لكن إن جاء إليها 
إرهابيون يجدونها مهيأة للتعاطف معهم أو مساعدتهم في مواجهة الدولة» من 
دون التزام بتبني أفكارهم أو حتى الانضمام إلى صفوفهم. ويحدث هذا في ال مناطق 
الطرفية المهمشة التي أهملتها الدولةء خصوصا أن التنظيمات الإرهابية يروق لها أن 
تنشط في المناطق أو الأطراف البعيدة عن قبضة الدولة, والتي هي في الأغلب الأعم 
بعيدة عن المركز. والمثل الصارخ لذلك في بعض مناطق شبه جزيرة سيناء المصرية. 
والمناطق الجبلية في اليمنء» وصحراء الجزائر ومالى. 

- البيئة الموظفة للإرهاب: وهي بيئة لا تنتج الإرهاب ولا تنسجم معه بالضرورة 
إنما توظفه لخدمة سياسات معينة. ومن هنا ممكن لأصحاب المصلحة أن يصنعوا 
إرهابيين أو حالة إرهابية يستعملونها فزاعة للداخلء بغية تأجيل المطالبة بالإصلاح 
أو للخارج الذي يعلن حربا لا هوادة فيها على الإرهابيين. وهذا الوضع امتد من 
أنظمة مستبدة أو شمولية لدول صغيرةء مثلما فعل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح 
حين كان يستحضر «القاعدة» ليستدر تعاون القوى الدولية. ومثلما تفعل الولايات 
المتحدة الأمريكية نفسهاء حين وظفت طاقة «الجهاد» ضد الاتحاد السوفييتي 
السابق. على أرض أفغانستانء في إنهاء الحرب الباردة وتركيع موسكوء. وكما توظف 
الآن «الطاقة المدمرة» لتنظيم داعش في خدمة أهدافها في الشرق الأوسط. 


1/1 


الخيال السياسى 


هذه البيئات الثلاث في تدرجها تشكل ما يطلق عليه «البيئة الحاضنة» للإرهابء. 
مثلما يطرح كل من يتصدى لهذه المسألة. لكن التفرقة بين تلك الدرجات مهمة 
في وضع خطط مواجهة الإرهابيين. سواء بالمبادأة والهجوم أو التمترس والدفاع: 
وقبل كل ذلك الرؤى الفكرية البديلة التي تنظر إلى الإرهاب باعتباره عملية تبدأ 
من الأذهان. 

(10) المواقف الدولية: أي مدى تعاطف الدول الخارجية مع الدولة التى تواجه 
الإرهاب. وتفهمها للإجراءات التي تتخذها في سبيل مكافحة الإرهاب وتأييدها لها. 
(ه) مواجهة الفساد 

يدفع الإرهاب الدولة إلى شحذ طاقاتها في مواجهته؛ أما الفساد فيدمر هذه 
الطاقات أصلا. وإذا كنا نتحدث عن حرب ضد الإرهابء والأمر فعلا كذلك, فالحرب» 
كما يقول الفيلسوف الأطاني هيغل. تكون في بعض الأحوال «الحجر الذي يلقى في 
البحيرة الراكدة فيمنعها من التعفن»». أما الفساد - في نظري - فهو بمنزلة ماء آسن 
يزيد هذه البحيرة ركودا وتعفنا. 

لا يعني هذا - بأي حال من الأحوال - التقليل من خطورة الإرهاب. لاسيما في 
موجته الخامسة”* المدعومة بأموال طائلة., والمدفوعة بنوايا أكثر خيثاء والوظفة 
لخدمة أهداف أطراف لا تريد خيراء لكنه يعني أننا يجب أن نحارب الفساد بالقوة 
ذاتها التي نحارب بها الإرهاب. وربما بقوة أشد. 

فمما لا شك فيه أن «محارية الفساد أمر مهم لأسباب عديدة. والسبب البديهي 
الأول هو أن تداعيات الفساد تؤدي إلى موت أشخاص أيرياء. وخسارات اقتصادية 
ضخمة... فالفساد يزيد من كلفة الأنشطة الاقتصادية. ويخرب قوانين المنافسة. 
ويلغي إمكانات تمكن الزبون من اختيار الحل المناسب لمشكلته»29. 

وعلينا أن نعمل خيالنا حيال ثلاثة أمور ونحن ننظر في العلاقة بين الفساد 
والإرهاب. سواء في تأثير كل منهما في الآخرء أو في ترتيب أولوياتناء ألا وهي: 





(*) الموجة الخامسة من الإرهاب. أو «الإرهاب العشائري». وفقا للأكاديمي الأمريكي جيفري كابلان (م. 1954) 
صقامه؟ بإع*1»6. تتخذ طابعا انعزاليا محليا مرتبطا بالعلاقات الاجتماعية والدوائر الأولية أكثر من ارتباطه بالعقيدة 
الدينية أو السياسية بيوصفها محفزا للإرهاب. والموجة الخامسة تتبع الموجات الأربع التي حددها ديقيد سي. رابورت 
(م. 1929), وهو أحد مؤسسي دراسات الإرهاب» بالتالي: الإرهاب الفوضويء الإرهاب الموجه ضد الاستعمارء الإرهاب 
الاشتراي. والإرهاب الديني الذي ظهر وتصاعد في تسعينيات القرن العشرين. [المحررة]. 


1/2 


مجالات توظيف الخيال السياسي 


أولا: لا يممكن تأجيل اللمعركة ضد ال مفسدين بدعوى أننا نحارب الإرهاب. فمثل 
هذا الوضع يؤدي تباعا إلى إضعاف قدرة الدولة على المواجهة الشاملة للإرهابيين. 

ثانيا: لا يمكن أن نربح المعركة ضد الإرهابيين إن استعنا بالمفسدين في وسط 
رجال امال والأعمال وجهاز الأمن وبيروقراطية الدولة والإعلاميين والمثقفينء» فولاء 
مثل هؤلاء يكون لأنفسهم.ء واستعدادهم لبذل الجهد والتضحية يكاد ينعدم أو هو 
ضئيلء مما يجعل مساهمتهم في مواجهة الإرهاب مظهرية وعابرة ومترددة. 

ثالثا: إن الإرهاب يسعى إلى توظيف الفساد وما يحدثه من إنهاك لقوة الدولة 
في تبرير ما يفعله القتلة وا مخربونء وخلق دوائر من المتعاطفين. أو على الأقل دفع 
الشعب إلى الوقوف على الحياد أو أقرب إليه في المعركة ضد الإرهاب. وهذا وضع 
غاية في الخطورة لا يفيد سوى من يقتلون ويدمرون. 

على وجه العموم هناك أمران أساسيان يجب أن يقالا في تشخيص الفساد أو 
وصفة هما: 

1 - يتدرج الفساد من الصغير الذي نلمسه في دهاليز الجهازين البيروقراطي 
والأمني وساحات القضاء والتعليم والتطبيب. وصولا إلى العمليات الاقتصادية 
الضخمة التي تقدر قيمتها باطليارات. وبالتتايع يتزايد حجمه.ء وتتسع دائرته. 
وتتشابك حلقاته. وتترابط آلياته؛ فممارسة الفساد. من رشوة ومحسوبية ووساطة. 
لم تعد مقصورة على الكبار فقطء بل امتدت إلى الصغار أو الفقراء. بفعل سياسات 
الإفقار. وتفاوت الدخولء والارتفاع المستمر للأسعار. وغياب القدوة في قمة هرم 
السلطة والمجتمعء وتآكل دور أجهزة الرقابة على قطاعات الخدمات الحكومية 
وغير الحكومية!”". 

2 - لا يقتصر الفساد على الجانب امالي» إنما يمتد إلى الفساد الإداري والسياسي. 
فالأول على بشاعته هو الأقل ضرراء لأن بعض الفاسدين يعيدون تدوير ما حصلوه 
من أموال في عجلة الاقتصاد الوطني. أما الثاني فهو مهلكة. لأنه يجعل الأردأً يصعد 
والأكفأ يهبط. فتحرّع الدولة من عطاء العقول المبدعة. وتتحلل قواها تدريجيا. ولعل 
المثل الذي يذكر دوما في هذا المضمار هو العميل الذي جندته الولايات المتحدة 
الأمريكية في الاتحاد السوفييتي الذي انهار. وطلبت منه فقط أن يختار الأقل كفاءة 
إذا عرضت أمامه أسماء من سيتولون المناصب القيادية في البلاد. والفساد السياسي 


103 


الخنال انسياسشىي 


له أضرار جمة مميتة: ولا نبالغ إن قلنا إنه أس الفساد والبلاء. وقد يكون جانبا لا 
يستهان به من النوع الأخير من الفساد مرده إلى فقر الخيال السياسيء. الذي يجعل 
مَنْ بيدهم مقاليد الأمور يعتقدون أن في وسعهم أن يفعلوا ما يشاءون باستمرار 
ومن دون تحسب. وأنهم في كل الأوقات والأحوال سيمرون بسلام. 

ووفق هذا التداخل والتواشج بين أشكال الفساد تلك فإنه «عادة ما يحدث 
الفساد الكبير على ال مستويين السيامي والبيروقراطيء: مع ملاحظة أن الأول يمكن 
أن يكون مستقلاء بدرجة أو بأخرىء عن الثانيء أو يمكن أن يكون بينهما درجة 
عالية من التداخل والتشابك. إذ عادة ما يرتبط الفساد السيامي بتفصيل قوانين 
الانتخابات», وتمويل الحملات الانتخابية. وعدم سن التشريعات التي تضمن غياب 
تضارب المصالح اطالية لدى النواب والوزراء وكبار اللوظفين. حتى لا تتحول الوظائف 
الإدارية العليا إلى أدوات للإثراء الشخصي المتصاعد»(25. 

وقد تنيه ابن خلدون في «المقدمة» إلى إفساد السلطة بالمال» فتحدث عن 
الجاه المفيد للمال» فاطال في نظره بات تابعا للجاه. مع اختلاط التجارة بالإمارة. 
وهنا يقول: «اعلم أن السلطان لا ينمي ماله ولا يدر موجوده إلا الجباية» وإدرارها 
إنما يكون بالعدل في أهل الأموال. والنظر إليهم بذلك. فبذلك تنبسط آمالهم, 
وتنشرح صدورهم للأخذ في تثمير الأموال وتنميتهاء فتعظم منها جباية السلطان. 
وأما غير ذلك من تجارة أو فلاحة فإنما هو مضرة عاجلة للرعاياء وفساد للجباية. 
ونقص للعمارة. وقد تنتهي الحال بهؤلاء ال منسلخين للتجارة والفلاحة من الأمراء 
والمتغلبين في البلدان أنهم يتعرضون لشراء الغلات والسلع من أربابها الواردين 
على بلدهم. ويفرضون لذلك من الثمن ما يشاءونء ويبيعونها في وقتها لمن تحت 
أيديهم من الرعايا بما يفرضون من الثمنء وهذا أشد من الأولىء وأقرب إلى فساد 
الرعية واختلال أحوالهم»27. 

ويمكن توضيح تقسيمات الفساد بالتفصيل في النقاط التالية00©,: 

أ- الفساد السياسي. ويقوم على إحداث انحراف في التوجهات وصنع الأهداف 
الخاصة بالمنظومةء. سواء كانت الدولة أو مؤسسة كبرى أو حزبا سياسيا أو جمعية 
أهلية. بما يخلق مناخا يسمح بالنفع الخاص على حساب المصلحة العامة ويراكم 
الفواكد غير المشروعة. 


14 


مجالات توظيف الخبال السياسى 


ب - الفساد الإداري. ويعني عطب عمليات إخضاع تسيير الأعمال من حيث 
التعيين والتقييم واختيار القيادات طا يتماشثى مع ما تقتضيه المصالح الخاصة: بما 
يؤدي إلى تراجع كفاءة المنظومة. 

ج - الفساد امالئي. ويظهر في شكل احتكارات وسرقات ورثى وعمولات. ويمتد 
إلى تخصيص أراضي الدولة لأفراد محددين وحرمان الأغلبية الكاسحة منهاء والمحاباة 
وال محسوبية. وإعادة تدوير المعونات الأجنبية. وقروض المجاملة. وعمولات عقود 
البنية التحتية.ء وصفقات السلاح. والعمولات والإتاوات التى يجري الحصول عليها 
بحكم المنصب أو الوظيفة العامة07. 

وهناك من يقسم الفساد الإداري وامالي معا إلى صنفين: «نشط» و«سلبي». 
وقد فصل قانون العقوبات الفرنسي مثلا في هذا طويلاء فعرّف الأول بأنه سعي 
الموظف الحكومي بنشاط من أجل الحصول على هدية أو منفعة أو رشوة قبل 
تقدممه الخدمة أو منح العقد. أما الثاني فقد عرّفه بأنه «قبول المسؤول هدية أو 
مكافأة أخرى بعد منح العقد أو تقديم الخدمة»2©. 

والفساد ظاهرة مركبة. متعددة الأوجه والأساليب والتوجهات. فهو ممكن أن يولد 
ويترعرع ويتمدد رأسيا وأفقيا داخل كيان مجتمعي من دون أن نشعر به أو نلمسه. 
في البداية على الأقلء وهذا ما يسمى «الفساد الصامت». ويمكنه أيضا أن بمارس نوعا 
من الخداع المزدوجء فتبدو المؤسسات الفاسدة في البداية كقؤة وناجحة في نظر الناس, 
وقد تظل هذه الصورة قائمة لمدة., إلى أن يجري اكتشاف الأمر وفضحه. ويمتلك الفساد 
قدرة على الانتشار الذاتي» فيتنقل كوباء ذي وضع خاص من بيئة إلى أخرى بالعدوى, 
فنظرا إلى ازدياد عدد الفاسدين في الأوساط الاجتماعية المحيطة بالفرد النزيه والمؤسسة 
النزيهة. يمكن أن يفسد هذاء وتفسد تلك بانتقال عدوى الفساد إليه وإليها. كما يمكن 
للفساد أن يتصاعد حلزونيا في المجتمع بمصاحبة انتهاك الأمانة. حيث يبرر الفاسد 
لنفسه خروجه على مقتضيات الأمانة. أو يقع تحت ضغط ما يدفعه إلى هذا دفعاء 
أو يجد فرصة مواتية لارتكاب الفساد وهو موقن أن في وسعه أن يفلت من العقاب. 

ويختلط الفساد أحيانا بالحافز الفردي لدى بعض الشركات والمؤسسات. ويسعى 
المفسدون والفاسدون إلى صناعة وإحكام ترتيبات وإجراءات تكفل استمرار عملية 
الفساد وحمايتها بأقل تكاليف ممكنة. ويستفيد الفساد من أجواء الاستبداد. إذ إن 


175 


الخبيأل السياسي 


المساءلة والرقابة اللتين يتسم بهما النظام الدمموقراطي تعملان معا على تقويض 
أركان الفساد وملاحقة المفسدين033. 

وللفساد عواقب وخيمةء منها: تآكل الرأسمال البشري. وتداعي إمكانات 
المجتمع وقدرته على الفعل الإيجابي. وإفساد ثقافة الملؤسساتء وانتهاك الأمن 
الإنسانيء وسرقة الدولة بعد تضمين ال مسروق والمنهوب في التكاليف. وبالتالي تراجع 
قدرتها على التنمية وتقديم الخدمات للواطنيها. 

وفي ظل التفاوت الطبقيء والتهميش الاجتماعيء. ووجود خلل في السوق يظهر 
انحدار في القيم الإنسانية وتدهور في الأخلاق. وفقدان الإحساس بالمصلحة العامة, أو 
الشعور بالأمان حيال ا مستقبلء حيث ما يمكن أن نسميه «تدوير الفساد وتعويمه». 
حيث يسعى كل فرد إلى تحصيل ما يسد رمقه وذويه بأي طريقة» وفي صورة مفرطة 
في الأنانية. ومن دون أي اهتمام بما يفرضه القانون من واجباتء وما يجرمه من 
تصرفات. ومن دون توقف أمام أي سلبيات تنجم عن الرشاوى والاختلاسات, والتربح 
من المناصب والواقع الإدارية العامة حتى لو كانت من الدرجات البيروقراطية 
الدنيا. ويتم هذا في حالة من التبجح واللامبالاة. في ظل الاقتناع العام بأن التعفف 
يعني الوقوع في فخ الهلاك. وقت أن يعجز الناس عن ملء بطونهم. 

وبذا بدأ كثيرون يخرجون على المفهوم التقليدي للفساد الذي تبنته «منظمة 
الشفافية الدولية». والذي اقتصر على الفساد في معاملات الأعمالء وكذلك التعريف 
الأوسع الذي يعرّف الفساد بأنه «اتخاذ القرارات في الشأن العام, فيما يتصل بتخصيص 
ا موازد الاقتصادية وتوزيع العائد الاقتصاديء. وفق اعتبارات المصلحة الخاصة. وليس 
وفق المصلحة العامة. أو بالتضاد معها». ليصبح الفساد هو «الاكتساب غير المشروع.: 
أو من دون وجه حقء لعنصري القوة في ا مجتمع, السلطة السياسية والثروة»64. 

وحين يصل الفرد إلى المستوى الذي تتساوى عنده كل الاحتمالات. مع الشعور 
العام بوصول الفساد إلى النخاعء: تتصاعد المخاطرة في شقها الرديء والإجرامي عند 
أعداد غفيرة. فيقدمون على تحصيل الأرزاق عبر وسائل غير مشروعة. بأعصاب 
باردة. وضمائر ميتة.ء ويسعون إلى انتزاع أي موقع في الزحام, بأي طريقة. خوفا من 
أن تدهسهم أقدام الصاعدين سريعا إلى قمة المجتمع. ممن يتحكمون في الجزء 
الأكبر من حركة السوقء. ويرسمون معاط الاقتصاد الوطني فوق تلال هاوية. 


1/6 


محالات توظيف انخيانل السياسىي 


وهذا السلوك لا يقتصر على المنخرطين في صفوف الجهاز البيروقراطي» بل يمتد 
ليطوق حتى أصحاب المهن الحرة بمختلف ألوانهاء والأعمال الهامشية والموسمية: في 
ظل حركة عشوائية غير صحية وغير صحيحة لإحداث أي قدر من التوازن أو الترميم 
الطبقي. حتى لو كان طفيفا. 

وهنا يصطف أفراد ال مجتمع» كل وفق موقعه في السلم البيروقراطيء أو نوع 
المهنة التي يحترفهاء في طابور طويلء ليضع كل فرد يده في جيب من يقف أمامه. 
ويترك جيبه لمن يليه. في استمراء للسرقة الجماعية/5©. 

بالطبع هناك استثناءاتء لكن المبتعدين عن التردي في السرقة العامة. لتعفف 
أو بعض ضمير ووطنية. في ظل خوف من الله سبحانه وتعالى أو تهيب للقانون. 
قد يتقلصون بمرور الأيام. مع استمرار فشل السياسات الاقتصادية. وارتخاء الدولة» 
وتأكل قدراتها على سد احتياجات الشعب. وانكسار مكانة القانون بعدم تنفيذ 
الأحكام والنفاذ من الثغرات التي تعيبه. 

ويفتح هذا الوضع الباب على مصراعيه أمام تساؤلات لا تنتهي عن الهوة 
الواسعة بين النصوص القانونية والدينية والواقع الذي ينحيها جانباء وبقسوة. 
ليفرض شرائعه الخاصة. المشبعة بالفساد. والقادرة على الإفساد. 

لهذا فإن محاربة الفساد يجب ألا تتوقف عند الطرق التقليدية التي امتلك 
الفاسدون قدرات عجيبة في التحايل عليها وتفريغها من مضمونهاء وتحديها 
السافر بالتصرف كأنها غير موجودة, أو الإفلات منها إن اكتشف فسادهم وقدموا 
إلى المحاكمة. وفي حال وصول هذا الفساد إلى مستوى واسع وعميق في الدولة 
وا مجتمعء يكون 0 من د مسؤولية أشد في البحث عن طرق مبتكرة 
للتصدي له بشكل حقيقي وليس مظهرياء كما يحدث في كثير من الحالات التي 
يتحدث فيها مسؤولون عن جهود تبذلها مؤسسات مكافحة الفساد. بينما يشعر 
المواطن العادي بأن الأمور تقف عند حالها القديمة. إن لم تكن تتدهور. 

إن الفاسد يستجمع كل قدرته على التخيل. وهو يخطط لسلب امال العام, 
أو التهرب من الضرائبء. أو الاتجار في سلع منتهية الصلاحية. أو تشييد مبان غير 
مطابقة للمواصفات المطلوبة... إلخ, .ومن ثم فإن من يواجهه يجب أن يتمتع بقدرة 
أكير على التخيل في الاتجاه المضاد. 


177 


الخيال السياسي 


وهذا الخيال يبدا بالقوانين التى تقي المؤسسات والهيئات والأفراد الوقوع في 
الفساد. فالقانون يجب أن يكون سابقا وليس لاحقا على المسائل التي يعالجها. 
والسبق ليس في الزمن فحسبء بل في تخيل المشرع حالات عدة من الخروج على 
القانون. أو السلوكيات التي تظهر في المستقبلء والثغرات التي يمكن أن تنشأ من 
عدم دقة في الصياغة. 

لكن هذا يتطلب توافر إرادة سياسية حقيقية تضمن توسيع المشاركة ال مجتمعية 
في القضايا المتعلقة بالسياسات العامة. ويتطلب توافر برامج لمكافحة الفساد. وتوفير 
ميزانيات تضمن استمرار تلك البرامج. كما يجب وضع نظام عقوبات فاعل ومستمر 
لدعم أهداف الإصلاحء وكذلك العمل على بناء نظام حكم رشيد يقوم على الشفافية, 
والمساءلة. وسيادة القانون. وفعالية التشريعات. والفصل بين السلطات. وامواطنة. 
وإشراك الأطراف الفاعلة في صياغة السياسات والإجراءات والتدابير العامة الرامية 
إلى مكافحة الفساد. وتوظيف تكنولوجيا المعلومات في إقامة الحكومة الإلكترونية. 
ليس فقط للحصول على الخدمة. إنما أيضا لتقليل مستوى احتكاك طالب الخدمة 
بالموظف العمومي. بما يقلل من الفساد!6”". 

فمواجهة الفساد هي عملية إدارية سياسية. هي حزمة من العمليات الفكرية 
والعملية والفنية. ومن دون إدراك هذه الأبعاد. وتقسيم هذه المواجهة وفق خطط 
قصيرة المدى وبعيدة المدى. فمن الصعب أن تنجح. يتطلب الأمر كذلك أن تكون 
المواجهة واسعة وعميقة. بل حادة, فالتدرج في محارية الفساد من أسفل إلى أعلى. 
سيعطي من دون شك فرصة للفاسدين الكبار فقي يهربواء ولهذا يجب قطع الطريق 
على مجموعات وتوازنات الفساد بحصرها وتحديد أفرادها بقدر الإمكان. وكشف 
خطوط وخلفيات التواصل بينههم!”©. 

وهناك من يفضل أن تبدأ محاربة الفساد من أعلىء اتكاء على الحكمة المتداولة 
التي تؤمن بأن «السمكة تفسد من رأسها». وهنا يقول أمادو توماني توريء الجنرال 
الذي أطاح برئيس مالي موسى تراوري من الحكم في العام 1991. وسلم السلطة في 
العام 1992 إلى حكومة مدنية منتخبة: «عند تنظيف المنزلء على المرء أن يبدأ من 
الطوابق العلياء وأن يرمي بالنفايات إلى الطابق الأرضيء. هكذا تماما تكون الحرب 
على الفساد. بالبدء من أعلى مستوى في الدولة». 


178 


مجالات توظيف الخيال السناسى 


إن مكافحي الفساد يجب أن يطلقوا خيالهم كي يصلوا إلى طرق ناجعة بغية 
تحقيق هذه الغايةء وأولاها أن يجعلوا الفساد عملية تنطوي على أقصى مخاطرة وأدنى 
عاتد. وأن يفكوا الارتباط بين الفساد وبين العمليات الأخرى التي يعتمد عليهاء فهو 
أقرب إلى النبات الطفيلي الذي لا بد من أن يلتصق بنبات آخر يقتات على زاده: وأن 
يجرسوا ال مفسدين. بما يردع غيرهم الآن وفي المستقبلء وعدم التهاون مع أي فساد 
صغير. حتى لو كان يبلغ حدا كبيرا من الضآلة: ولعل المثل الشعبي المتداول الذي يقول: 
«من يسرق بيضة يسرق جملا» أشمل وأقرب تعبير إلى الذهن بهذا الخصوص. كما 
يجب ألا تترك مهمة مكافحة الفساد للهيئات الحكومية فقطء وفي الوقت نفسه يجب 
ألا تقتصر هذه المهمة على القطاعين العام والحكوميء بل تمتد إلى القطاع الخاص أيضا. 

لكن كل ما سبق يخص الطرق «الدفاعية» التي تبدأ بعد وقوع الفساد. بيد 
أن الأفضل هو «البادرة» التي تعني وجود سياسات عامة وتشريعات تشكل 
جدارا عازلا أمام الفساد. بدءا من التعليم الجيد. وتوافر الحريات العامة. وإزالة 
الاحتكارات. ومنع هيمنة طبقة أو شريحة أو فتئة أو أتباع مهنة على الوظائف 
العليا في الدولة, والمراجعة الدائمة لنظام الرواتب والأجور والحوافزء وكذلك نظام 
الضرائب. بما يحفظ العدالة الدائمة, والأهم هو وجود قضاء مستقل 08. 
(و) الحس الأمني 

ويعني أن يمتلك الفرد إحساسا يجعله يستشعر الجرائم قبل وقوعها بغية 
منعهاء سواء كان عبر المبادأة بضبط من يعتزمون ارتكابهاء أو من خلال الدفاع 
والتصدي لهمء وهو في كل الأحوال عامل مساعد على أداء الواجبات الشرطية في 
ظل المخاطر الأمنية. من أجل حماية الأمن العام وضمان تحقيق السكينة العامة 
والسلامة. والآداب العامة. وتمكين رجل الأمن من القيام بمهمات الضبط الإداري» 
والضبط الجنائي. على أفضل وجه ممكن. 

وهذه القضية على الرغم من خطورتها لم تحظ عند البعض بالاهتمام الكافي 
في معرض الحديث عن رفع كفاءة الجهاز الأمني. على رغم اتطوائها على أهمية 
قصوى”". نظرا إلى أن جل هذا الحديث ينصرف إلى علاقة الأمن بقضايا سياسية. 
منها الإرهاب والقمع والتدخل في مختلف المؤسساتء وليس بالأمن العامء أو الأمن 
المجتمعيء على ما له من أولوية لدى القطاع الأعرض من الناس. 


1/9 


الخيال السياسيىي 


ويعتمد الحس الأمني على عنصرين”»: الأول وجدانيء حيث يتولد لدى الفرد 
شعور أو انطباع داخلي بأن شخصا ما أو تدابير ما ستؤدي إلى حدوث جريمة. وتعتمد 
تلك العناصر الذاتية أو الوجدانية أو الشعورية على مجموعة من المكنات وال ملكات 
الداخلية أو القدرات الخاصة التي غالبا ما تتوافر في الإنسان بسبب طبيعة خلقته 
أو جيناته واستعداداته. ومن ثم يختلف فيها كل فرد عن الآخر بحكم الفروق 
الفردية بين الأشخاصء ال مستمدة من عوامل فطرية ومكتسبة. 

وتتحقق تلك العناصر الذاتية عبر الإحساس بأن هناك شيئا غير عادي في تصرف 
فرد ماء والشعور بالخوف حيال خطر سيأق من مصدر ماء والتشكك في أمر مريب 
على وشك الوقوع أو ممكن وقوعه. والانتباه وجدانيا إلى تصرف غير طبيعي. 
والشعور بالقلق إزاء موقف ما أو شخص معين. 

أما الثاني فهو عنصر موضوعي أو عقلانيء يعتمد على الوعي والخبرة» التي تبدأ 
عطاءها بعد الومضة الداخلية, أو الإشراقة. التي يوفرها العنصر الأول. حيث يبني 
فرد الأمن على شعوره الأولي أسبابا عقلية تبرره» وتعززه. وتدفع هذا الفرد إلى 
التصرف السريع. 

ويزيد الحس الأمني من قدرة رجل الأمن على الإبداع والابتكار في أداء 
مهمته. بعد أن يساعده في التوصل إلى نتائج إيجابية. والسيطرة على المواقف. 
وهنا تبدأ مهمة التخيل والخيالء إذ إن المراقبة والتأمل والتحليل السريع والقدرة 
على التنبؤ بالأخطارء فضلا عن دقة الملاحظة وسرعة البديهة» ومهارة الربط بين 
نقاط مبعثرة للحصول على صورة كاملة. لا يمكن لها أن تقوم على الوجه السليم 
في ظل فقر الخيال. 

كما يساعد خيال رجل الأمن في بناء الحس الذي يعينه. بمستوى هائل أحيانا؛ 
حين تضعف الأدلة أو تتضارب. وإلى جانب الخيال لا بد من التعليم والتدريب 
الميدانيء والممارسة والتوجيه المستمرء والنقد الذاتيء الذي يتم في ظل الإحساس 
بالمسؤوليةء والاستجابة لأي تحديات يفرضها غموض الجريمةء أو سرعة ارتكابهاء أو 
ذكاء المجرمين في التمويه والتخفي. 

وهناك أمثلة عديدة تضرب لتبيان حالات معينة للحس الأمني الناتج عن تفاعل 
الحدس والخبرة والوعي والخيال. 


130 


مجالات توظيف الخيال السياسي 


فمن الطبيعي أن يرتاب رجل الأمنء مثلاء في سيارة تقل رجلين وامرأة. تذهب 
وتعود إلى منطقة سكنية محددة., من دون أن تتوقفء بينما ينظر الركاب الثلاثة في 
اتجاه واحد عند مكان معين من الشارع كل مرة: أو في سيارة نقل توزع المرطبات 
مساء في منطقة سكنية. وتتوقف من وقت إلى آخرء أو في سيارة متوقفة في جانب 
الشارع: وبجوارها سائقها يقف صامتا لساعات. بينما الغطاء الأمامي لها مرفوع. 
إن شكوك رجل الأمن لا بد من أن تثار هناء وتدفعه إلى العمل سريعا لضبط جريمة 
أو منع وقوعها. 

وقد تزداد هذه الشكوك إن كانت السيارة محملة مواد ثقيلة. ويتركها 
سائقها بالقرب من محطة وقود. ويترجل ليمضي في طريقه. أو يركب سيارة أخرى 
ويذهبء أو كانت السيارة تتدلى من أرضيتها أسلاك كهربائتية إلى الجانب الخلفي 
منهاء أو أن أرقام اللوحة المعدنية غير واضحة. مغبرة أو مشطوبة:. أو أضيفت إليها 
خطوط تغير حقيقتهاء أو أن زجاجها معتم: أو أن سيارة توصيل مأكولات مكتوب 
عليها اسم مطعم ومحملة بأسطوانات غاز ومتوقفة لفترة طويلة في مكان ليس 
به مطعم. 

ولو أن أشخاصا يخرجون من مسجد عند العاشرة مساء. من دون مناسبة تبرر 
وجودهم فيه. أو عمالا يشذبون الأشجار والزروع النابتة في الشوارع وعلى جوانب 
الطرق» بينما هم يلبسون ملابس لا تناسب هذا العملء أو أن صبية يجلسون في 
مكان معين من الشارع في أوقات منتظمة. أو يمرون بمنطقة غير مرة وهم ليسوا 
من أهلهاء أو امرأة تسير في أحد الأحياء الراقية وتتلفت حولها دوماء ولا يبدو على 
سمتها أنها من سكانه. فإن هذا كفيل بلفت انتباه رجال الأمن. 

وإذا رأى رجل الأمن في المطار أحد الأشخاص يتلفت حوله مرتبكاء أو يراقب 
ضابط الجوازات باهتمام شديد. ثم يتحرك من صف إلى آخرء أو رأى شخصا يرتدي 
معطفا ثقيلا في الصيف. أو يخفي شيئا تحت إبطه. أو يشير بيده أو يغمز بعينيه 
إلى آخرء فهذا يسترعي انتباهه. وعليه أن يتعامل معه على محمل الجد. 

إن كل هذه الأمثلة تبين أن خيال رجل الأمن فضيلة مهمة لحفظ الأمن العام 
الذي هو جزء لا يتجزأ من السياق الاجتماعي - السياسيء لهذا فإن هذا النوع من 
الخيالات هو حدس سياسيء حتى لو كان يجري بطريقة غير مباشرة. 


161 


الحتال النسيانيب 


(ز) تقدير ال موقف 

هو عملية مركبة تقوم على جمع وتحليل وربط بيانات جمعت بعناية. ووفق 
طريقة علمية. لتتشكل في صياغات متعددة الأبعاد تسهم في إمدادنا بالقدرة على 
اتخاذ القرار السليم حيال القضية أو ال مشكلة أو الموقف الذي نحن بصدده. 

وهذه العملية تحتاج إلى خيال. على الرغم من الخطوات العلمية الصارمة 
التي تمر بهاء والتي تحتاج في بعض الأحيان إلى تحليل كمي. فإن كان لدى 
مقدري الموقف تفكير إبداعي. وحدس سليمء وبصيرة نيرةء فإن النتائج التي 
يتوصلون إليها تكون بالقطع أفضل بكثير مما لو كانوا يفتقرون إلى هذه الملكات 
العقلية والوجدانية. 

وقد نبت مفهوم «تقدير الموقف». الذي تتداخل فيه عدة أنساقء في العلوم 
العسكرية. وامتد منها إلى مختلف مجالات الحياة. السياسية والاجتماعية والأمنية 
والنفسية والثقافية. وبذا فهو عملية مهمة يحتاج إليها الساسة ورجال الإدارة والمال 
وال محاربون ورجال المخابرات والإعلاميون والقائمون بتعبئة المقاتلين أو الجمهور 
في أوقات الانتخابات والاحتجاجاتء بل يحتاج إليها كل إنسان لديه دراية بأهمية 
تخطيط مسار حياته. 

وقد صار «تقدير الموقف» نهجا معتمدا كنقطة انطلاق إلى مستوى ممتد 
من التفكير والتدبير يبدأ بكتابة دراسات ومقالات تنطوي على ألوان من التنبؤ 
بالمستقبلء وينتهي عند إطلاق تصريحات في اتجاه عموم الناس أو الجمهورء مرورا 
بامتلاك القدرة على التحاور والتخاطب الفعال. 

وهناك عدة شروط يجب توافرها لتكون عملية «تقدير الموقف» سليمة. 
ونتائجها مضمونة إلى حد بعيد. وهذه الشروط هي: 

1 - جمع بال معلومات الكافية: فلا يمكن تقدير الموقف من دون الإطام بكل 
المعلومات ال مرتبطة بالقضية أو المشكلة التي يُنظر فيها. وا معلومات تكون مكتبية 
تجود بها الكتبء وميدانية تجمع من أفواه الجمهور المرتبط بالقضية التي ندرسها 
ونستشرفها. ويجب أن يُبدّل أقصى جهد ممكن ف سبيل استكمال المعلومات, وألا 
يتم التعجل في هذا الإجراء؛ فا معلومات الناقصة نقيصة. ولن يكون في مقدورها أن 
توجد الحالة الملائمة لاتخاذ القرار الصائب. 


122 


مجالات توظيف الخيال السياسي 


2 - العقلانية: وتعني هنا اتباع المنهج العلمي في التفكير ابتداء. ثم تحديد 
التصورات بما يتناسب مع الإمكانات المتوافرة لدى مقدري الموقفء وما يتماثى مع 
الواقع. الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه في حال من التغير ا مستمرء وأن ما نقدره 
الآن قد يطرأ عليه تغير غدا. 

3 - الاستمرار: فتغير الواقع يفرض ضرورة الاستمرار في تقدير الموقف,. وبذا لا 
تصلح التقديرات القديمة في فهم وضع جديدء إنما لا بد من أن تلاحق التقديرات التي 
نعدها الأوضاع التي تتبدل بلا هوادة. ولذا فإن القائمين على هذه العملية يضعون في 
مخططهم دوما خانات فارغة يخطون فيها كل مستجدء ويعيدون التقييم بناء عليه. 

4 - التمسك بالرشد: وهذه قيمة مهمة في تقدير ال موقف. فالخطل والنزق 
والتسرع والعشوائية ستقود إلى مسار آخر بعيدا عما نصبو إليه, أو نستهدفه. وبالتالي 
لن نتمكن من وضع أيدينا على حلول ناجعة للمشكلات التي تعترض طريقنا. 

5 - الإطام بالبيئة المحيطة: فعملية تقدير الموقف يجب ألا تتم بمعزل عما 
يجري ف ال مجتمع من وقائع وأحداث يقوم بها الأفراد في تفاعلاتهم مع التنظيمات 
وا مؤسسات والأفكار السائدة. والمصالح والمنافع المادية. وكذلك ما يتعلق بالهيبة 
والكرامة وتقدير الذات. 

6 - امرونةء فهي ليست عملية جامدة. تتم وفق تصورات ثابتة» بل يمكن لكل 
فرد أو مؤسسة تقوم بها أن تدخل عليها التعديلات التي تعن لهاء مادامت أنها 
تخدم الهدفء وتتسم بالانضباط العلمي. ولهذا تختلف المقالات والدراسات التي 
تقدر المواقف من حالة إلى أخرىء. ومن فريق عمل إلى آخر. 

وكل هذه الخطوات على تكاملها تعد ناقصة إن تمت عملية تقدير اللوقف 
بشكل ميكانييء متكثة على تحليل الأرقام. على جفافها وجفائهاء أو استعراض 
المعلومات الغزيرة التي جمعت من مصادر مختلفة, متناسية أو مهملة. عن جهل 
أو غفلة. ضرورة إعطاء مكان للخيال كي ينطلقء وللتفكير الإبداعي أن يمارس دوره 
في استنطاق البيانات بشكل أفضلء ومنحها طاقة خلاقة. 

(ح) تفادي سلبيات الدهموغرافيا السياسية 

على الرغم من أن حقل الدموغرافيا السياسية!*. الذي يُعنى بدراسة حجم 
السكان وتركيبتهم وتوزيعهم وعلاقة ذلك بالحكم والسياسة, م يحظ باهتمام كاف 


3ًظ1 


الذيال السرياسشني 


من علماء السياسة. يليق بأهميته وحيويته. فإنه يعد من أبرز المسارات العلمية 
والحياتية التي تستوجب إعمال الخيال السياسي العلميء لاسيما أن هذا الحقل 
يتحدث في جانب مهم منه عما سيأق. وليس فقط عن الوضع الراهنء بدءا من 
المحليات وانتهاء بترتيبات النظامين الإقليمي والدولي. 

فاليوم تكاد الديموغرافيا تسيطر على أي نقاش تقريبا يتعلق بالتوجهات بعيدة 
المدى على المستوى امالي أو الوضع الاقتصادي أو السياسة الخارجية التي ينبغي أن 
تنتهجها الدول المتقدمه. 

وقد أمضى جيرار فرانسوا دومونء. وهو أستاذ في جامعة السوربون ومدير لحلقة 
بحث عن «الجيوسياسات» في معهد الدفاع التابع لقيادة أركان الجيوش الفرنسية. 
ومدير مجلة «السكان والمستقبل»., أمضى قرابة ربع قرن من الزمن وهو يبحث عن 
الإجابة عن السؤال التالي: «هل يمكن للديموغرافيا أن تمنح قوانينها لعلم السياسة»؟ 
ثم جاء علماء سياسة أمريكيون. في مقدمتهم جاك غولدستون وإريك كوفمان 
ومونيكا توفتء. لينشغلوا بالإجابة عن سؤال مفاده: كيف تعيد التغيرات السكانية 
تشكيل الأمن الدولي والسياسة الوطنية؟ 

والأولى بالخبراء والباحثين والكتاب العرب أن ينشغلوا بالإجابة عن مثل هذه 
الأسئلة. وأن يكون الخيال حاضرا في أسئلتهم وإجاباتهم» وينطلقوا من طرح رؤية 
عامة حول السكان والسياسة. ليناقشوا أهمية دراسة الدموغرافيا السياسية, 
ويشرحوا الوضع السكاني الراهن عبر مسح عام لتكوينهمء ولمسألة الهوية الدينية 
والتركيبة السكانية من زاوية الطوائف وال مذاهب وأنماط التدين. ثم الثقافة 
والسكان والسياسة. وبصمات تنوع معارف المجتمع وقيمه على التوجهات 
السياسية. والسكان كعنصر من عناصر قوة الدولة من حيث الكم والكيف». 
والقوانين والتشريعات والخطط والسياسات التي تتعامل مع طبيعة السكان. 
وعلاقة النمو السكاني بالتطور الحضريء وتوسع المدنء والتجنيد الإلزامي. وقضايا 
الهجرة والنزوح» ومطالب الجيل الجديد من الشباب. وصعود دور النساء في العمل 
والتعليم والحياة الاجتماعية. ووضع الشيخوخة بين رعائية الدولة وتوريث التقاليد, 
والصحة الإنجابية وبناء الجيل القادم. وتأثير الدموغرافيا في الجغرافيا السياسية, 
والسياسات امالية. والصراعات الإثنية والدينية. وأنماط الاقتراع. ثم مستقبل الدولة 


14 


مجالات توظيف الخيال السياسي 
القومية. وتأثير حجم السكان والبنية العمرية في ميزان القوى العالمي. ومستقيل 
الحروب - بعد أن ثبت أن بوسع جيوش كثيفة العدد ومتخلفة تقنيا أن تهزم جيوشا 
قليلة العدد مزودة بأحدث الأسلحة والمعدات والعتاد - وكذلك وضع ما يسمى 
«حرب الأرحام»». والتي تبدو ظاهرة في حالة فلسطين وأيرلندا الشمالية» حيث تؤدي 
سيطرة البنى العمرية الفتية على اميل إلى العنف. والعكس صحيح. 

وبذا تبدو الدمموغرافيا مكونا بالغ الأهمية في صياغة العملية السياسية. وتأثيرها 
يمكن أن يكون مباشرا أو غير مباشرء وقد تحتل المرتبة الأولى أو الثانية أو الثالثة, 
وهي ضرورية لكنها نادرا ما تكون كافية» ويمكن أن تعمل بوصقها عاملا مسببا أو 
شرطيا. على أنه بصرف النظر عن طريقة عمل الدمموغرافياء فإنها بكل أوجهها تحتاج 
بصوة ماسة إلى أن تدرَج في الاتجاه السائد للعلوم السياسية. ولا يمكن لدراسة الأمن 
الدولي والسياسة العاللية أن تمضي قدما من دون استيعاب الكيفية التي تؤثر فيها 
ا مفاهيم والبيانات الرئيسة المتعلقة بالتغيرات السكانية في هذه القضايا. 

وإعمال الخيال في قضايا الديموغرافيا يسير في اتجاهين على النحو التالي: 

1 - عدم النظر إلى الدمموغرافيا باعتبارها قدرا حتمياء بما يؤدي إلى مقاومة آثارها 
السلبية. خصوصا تلك التي تتعلق برؤية توماس مالتوس الذي رأى أن السكان يتزايدون 
بمتوالية هندسية. بينما الموارد تزيد بمتوالية حسابية**». بما يقود إلى خلل شديد يحتاج 
إلى تدخل عوامل خارجية بغية إعادة التوازن بين نمو السكان ونمو المواد الغذائية. مثل 
الحروب والمجاعات والأوبئة والأمراض؛ فالتقدم العلمي والتقني عالج - بمرور الوقت - 
بعض هذه الآثار السلبية. لاسيما من خلال التقدم في البايوتكنولوجي والهندسة الوراثية. 

2 - تخيل ما يحدثه التطور الدمموغرافي من تأثيرات في مختلف المجالات 
السياسية والاقتصاديةء ووضع الخطط والاستراتيجيات التي تساعد في تقليل الآثار 
السلبية للنمو السكاني غير المتوازن. كما وكيفاء على المستويين المحلي والدولي. 
وتحويل السكان من عبء إلى ميزة. 

وتبدو قضية استيعاب الشباب وإرضائه والاستفادة من طاقته الخلاقة هي 
المجال الأكثر إلحاحا الآن. إن كنا نفكر في تفادي سلبيات الدمموغرافيا السياسية. 

وقد ذاع صيت مفهوم «تمكين الشباب» أخيراء لاسيما في مجتمعات أوصدت 
الأبواب طويلا أمام تقدم جيل جديد ليشغل مواقعه في مؤسسات الدولة السياسية 


1835 


الخيال السياسى 


والبيروقراطية في سلاسة, علاوة على ترجمة أشواقه إلى التقدم والتحرر والعدالة إلى 
سياسات وإجراءات وقرارات. وذلك في وقت م يعد فيه «تمكين الشباب» مسألة 
ترفيه أو منة. أو حتى خياراء إنما ضرورة ملحة وفريضة واجبة» مع دراسات سكانية 
تخبرنا كل يوم بأن نسبة من هم في سن الشباب إلى السكان جميعا في تصاعد 
مستمرء وأن ثورة تطلعات الشباب قد صاحبت الحراك الذي شهدته بعض الدول 
العربية في السنوات الأخيرة. ولذا فمن الكياسة والحصافة والسياسة أن تحول 
كتلتهم الكبيرة من عبء إلى ميزة. ومن غرم إلى غنم. 

وللتمكين محفزات لا يمكن نكرانهاء وهي تلح في سبيل تحقيقه إلحاحا ظاهراء 
ولها أبعاد نفسية عميقة لا يجب تجاهلهاء وهي في مجموعها تشكل مستويات 
متوالية ومتداخلة من الرغبات. مثل الرغبة في النشاطء والرغبة في الطلكية. 
والرغبة في السلطة. والرغبة في الهيبة أو المكانة الاجتماعية. والسعي إلى الإنجاز 
والعمل على تحصيل الاحترام» وتحقيق الانتماء. وحيازة السلطة؛ فالتمكين لا 
يطلب لذاته إنما لتلبية هذه الرغبات التي يتسيب وجودها وتفاقمها. من دون 
أن تلقى استجابة بغية تحقيقهاء في توتر الفردء ومن ثم توتر الشريحة العمرية 
أو الاجتماعية غير الْمّكنةء أو المهمّشة والمستبعّدة. ويقود هذا في النهاية إلى 
توتر ا مجتمع بأسره. 

ومفهوم التمكين توزع على السياسي فارتبط بإسهام الشباب في صنع القرار 
واتخاذه., والاقتصادي وتعلق بالحصول على فرص عمل مناسبة. والاجتماعي وتمثل في 
حيازة المكانة. من خلال أدوات طبيعية وشفافة للحراك الاجتماعي وعلى رأسها التعليم. 

لكن مفهوم «تمكين الشباب» اختلط بمفاهيم أخرى أصابته بميوعة أو أفقدته 
قيمته وفرغته من مضمونه. بل إن بعضها حل محله. أو حاول هذاء في خطاب 
السلطة وممارساتها. ويمكن ذكر هذه المتشابهات مع «التمكين» على النحو التالي: 

© التدجين: ويعني إخضاع الشباب ما يحقق مصلحة السلطة السياسية. أو 
احتواءه عبر أيديولوجيات وسياسات وبرامج تثقيف. أو من خلال إيجاد منافع 
تربط ممثلين له بمسؤولين في الحكم ومؤسساته. وتستعملهم في استمالة البقية نحو 
الخيارات التي تتبناها السلطة. 

© التسكين: وهو تثبيت ممثلين للشباب في وظائف عليا في الجهاز التنفيذي 


156 


عجالان توظيف الخيال السياسي 

أو التشريعي للدولة. وتوظيف هذا في خلق صورة ذهنية عن إيجابية علاقة نظام 
الحكم بالشباب. وتسويقها على أوسع نطاق لدى الجيل الجديد. 

© التوثين: ويعني هنا النظر إلى عملية التمكين باعتبارها شيئا مقدسا في حد 
ذاتهء بغض النظر عن توافر الشروط التي تجعل من تصعيد الشباب في المجالات 
الإدارية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية عملية مفيدة للمجتمع والدولة. وليس 
عبئا على كل هذا. 

© الاستحواذ: إذ ينظر بعض المتعجلين من الشباب إلى عملية التمكين على أنها 
فرصة سانحة لاقتناص الفرص في كل المجالاتء. والسيطرة التامة عليهاء وحرمان 
الكهول والشيوخ منهاء بدعوى أنهم قد حصلوا على فرصتهم من قبلء أو أنهم ليس 
لديهم ما يقدمونه. 

© الاستعلاء: وهنا يقع الشبان في آفة الزهو على الآخرين لمجرد أنهم أقل عمراء 
بمما يعني امتداد سنوات عطائهم أكثرء واستطاعة أعلى على تحقيق الأهداف. 

وهذه المتشابهات الخمسة تجعل من الضروري التفرقة بين التمكين كإدارة 
وسياسة وبينه كدعاية. ففي الثاني تكون السلطة متلاعبة خادعة. وفي الأول تكون 
جادة في تصعيد الشباب ليأخذ مكانه في الهيئات والمؤسسات السياسية والاقتصادية 
والاجتماعية والثقافية والأمنية والحقوقية... إلخ. وفق تصور متكامل يعني بالنسبة 
إلى الشباب ما يلي: 

© تعزيز القدرات: فلا تمكين حقيقيا من دون أن بمتلك الشباب القدرة التي 
تجعل منه إضافة إلى قَوةٌ الدولة وليس خصما لهاء وذلك عبر إطلاق المواهب. 
وامتلاك روح المبادرة. 

© توسيع الخيارات: لا تمكين من دون أن تتوافر أمام الشباب بدائل متعددة 
يممكنه أن يختار من بينها.ء وليس طريقا واحدا يُفرض عليه أن يمضي فيه حتى لو 
كان غير مقتنع. 

© تحمل المسؤوليات: لا تمكين من دون أن يقوم الشباب بما عليه من مسؤوليات» 
بعد أن يتم تعيينه في الوظائف القياديةء أو تفويضه بصلاحيات واسعة. 

© تحسين الخبرات: وذلك عبر عملية تدريب مستمرة تساعد في صقل المهارات» 
والإلمام بكل جديدء بما يؤهل الشباب للواكبة التطور في كل المجالات. 


187 


الخيال التتدتاينى 


© دعم الحريات: إذ من اللازم أن يكون الشباب حرا في التفكير والتعبير 
والتدبير. والحرية هي التي تعزز القدرة على الإبداع والابتكار.» وهي التي تصون 
عملية التمكين إن بدأت. وتمنع التوقف عنها أو سحبها أو تقليصها. 

© تعميق المشاركات: وتعني هنا مساهمة الشباب في وضع الخطط والأهداف. 
وفي الوقت ذاتهء توافر ال مشاركة السياسية التي تضمن طوال الوقت أن يكون رقما 
كبيرا في معادلة الحكم. 

© توافر المتابعات: وهي امتلاك الشباب آليات لرقابة السياسات ومتابعتها. 
وتقييم نتاتجهاء وتقويمها إن دعت الضرورة إلى ذلك. 

© التولي والتخلي: وهي تسلم الشباب المسؤوليات في الحكم والإدارة. وتخلي 
القيادة والإدارة العليا عن الانشغال بالتفاصيلء. وترك هذا لمن تم تعيينهم وتفويضهم 
من الشبابء ليجربوا ويخطئوا ويصححوا أخطاءهم فيتعلموا. 

والسؤال الذي يفرض نقسه دوما في هذا المضمار هو: متى يمكن الشباب؟ ووفق 
أي مبدأ أو تصور؟ وهنا يمكن تصور ثلاثة مساراتء. هي: 

الأول: مثالي» ويرى أن عملية تمكين الشباب لا يمكن لها أن تتم إلا ضمن تمكين 
المجتمع كله بكل فتثاته وطبقاته وشرائحه ومكوناته المتنوعة. 

والثاني: واقعي. وينطلق من افتراض مفاده أن المشكلات التي تعترض طريق 
الشباب تختلف عن تلك التي تواجه المجتمع بأسره. ومن ثم يكون من العبث أن 
ننتظر حل مشكلات المجتمع حتى تحل مشكلات الشبابء إنهما يجب النظر إلى هذه 
الشريحة على حدة. وبذل الجهد في سبيل تمكينهاء لأنها الأولى بالرعايةء وقضيتها 
الأجلى عدلاء وغضبها الأعلى تأثيراء وتوظيفها الأكثر نفعا. ش 

والثالث: تبادليء ويرى أن التغيير يجب أن يكون شرطا واضحا للتمكين؛ فإذا 
أراد الشباب أن يكن فعليه أولا أن يتغير إلى الأفضل. بما يجعل من تمكينه ميزة 
وليست عبئا. 

والمسار الثالث يعني أن للتمكين متطلبات لا ممكنه أن يتم من دونهاء أولها 
القيادة. فالممكن يكون في وسعه أن يتقدم في الوظائف ولمواقع إلى أن يحوز 
الصدارة. وثانيها هو الالتزام» ويعني أن يكون لدى الشباب الذي مكن القدرة على 
الاستجابة للتحديات المطروحة أمامهء والتعهد بتحقيق الأهداف التي يصبو إليها 


158 


مجالات توظيف الخبال السياسىي 


امجتمع ومؤسساته الإدارية والسياسية. وثالثها يتمثل في اطهارة. إذ يحتاج الشباب 
دوما إلى امتلاك الطهارات اللازمة لأداء المهمات الموكلة إليه. ورابعها يتعلق بوضوح 
الهدف. ويتم هذا عبر الاتفاق على الأهداف بعد مناقشتهاء ثم إخبار الناس بهاء 
وتحديد الفترة الزمنية لتحقيقها. 

وحتى نضمن أن تكون آليات التمكين قنوات جيدة ومتينة ومفتوحة في طريق 
الهدفء لا بد من توافر عدة قيم أساسية. تشكل إطارا أو تسهم في صناعة مرجعية 
لهذه العملية التي باتت ضرورية. وهي: 

© المساواة في الفرص: وهى غير المساواة الحسابية التي تجعل الجميع في منزلة 
واحدة رغم تفاوت الذكاء والجهد والدأب والإصرار. فهنا يجب أن نحقق تكافق 
الفرص بين كل الشباب. رغم تفاوت الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية 
التي يتحدرون منها أو ينتمون إليهاء بما يحقق منافسة شريفة بينهمء تعلي من قدر 
الأكثر موهبة ودأبا. 

© إعلاء مبدأا الاستحقاق والجدارة: وهو مرتبط بما سبقء ويعني غياب أو 
تغييب ظاهرة «الفرز العكسي» التي تعني ترقية الموالين أو أهل الثقة من الشباب 
على حساب أهل الخيرة. 

© التجدد: أي إيمان المجتمع أو الإدارة السياسية أو كتلة معتبرة فاعلة 
من الناس بأن تجديد النخبة ضرورة.ء وفتح الباب أمام أجيال جديدة لتتقدم 
الصفوف واجب. 

© التقدم: وهو يقوم على العمل المستمر في سبيل تحسين شروط العيش. من 
منطلق الاعتقاد في ضرورة أن يكون الغد أفضل من اليوم بالنسبة إلى المجتمع. 

© الاستدامة: مما يجعل من «تمكين الشباب» مسألة دانئمة. وليست موسمية. 
تطرح أحيانا من قبيل الدعاية السياسية. ومن ثم تظهر وتختفي وتعود كلما 
كانت لها مناسبة. وهذه الاستدامة هي التي تخلق تراكم الخبرات والآليات 
والقيم لعملية التمكين تلكء. وتدفعها إلى الأمام. وتوسع من دوائر المقتنعين بهاء 
والعاملين في سبيلها. 

© الأمان: والذي يقوم على التعامل مع الدولة على أنها حامية وراعية وليست 
جابية أو باطشة. ْ 


19 


الخبال السياستني 


© العدالة: وهي تعني غياب الظلم في توزيع المزايا والأعباء بين الشباب. وهو 
وضع خطير فاسد تخلقه المحسوبية وامحاباة وتفشي الرثى. مما يفرغ عملية 
التمكين من مضمونها. 

ولا يمكن فصل عملية «تمكين الشباب» عن السياق السياسي والاجتماعي. 
فهي توجد وتزدهر أكثر في ظل الحكم الرشيد الذي يقوم على سيادة القانون. 
والمحاسبة والشفافية. والمشاركة المجتمعية: بينما تتراجع في النظم المستبدة 
والطغمائية والشمولية. 

ولتمكين الشباب ثمار طيبة للمجتمع. حيث إنها تطلق الطاقات الإبداعية لأفراد 
المجتمع من الجيل الجديد. وتحقق الرضا الاجتماعي. وهو مسألة جوهرية في 
تعزيز شرعية السلطة الحاكمة. وتعمق الثقة والاقتدار عن المحكومية بما يسهم في 
توسيع المشاركة السياسية. والإقبال على الأعمال العمومية. والحرص على امال العام 
كما تقود إلى تجدد المجتمع. مما يكسبه حيوية مستمرة. ويحافظ على حدوث 
الحراك الاجتماعي بانتظام, بما يفرغ الطاقة الغضبية بطريقة سلسة وطوعية. ومن 
ثم يعزز تماسك المجتمع وترابطه. وهذه مسألة باتت ضرورية بالنسبة إلى الدول 
العربية في أيامنا الراهنة. 

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: ألا يوجد إجراء بوسعه أن يحقق 
ولو جانبا من تمكين الشباب بعد أن طال أمد تغييبهم عن المشهد العام. وحرمانهم 
من أن ينالوا فرص تعلم إدارة الدولة؟ 

إن المشكلة في الإجابة عن هذا السؤال هي أن الشباب أنفسهم يجيبون بشكل 
ينحرف أحيانا عن جوهر عملية التمكين. ويمكن أن نضرب مثلا ناصعا هنا بما 
يجري في مصرء التي وجدت هذه القضية على قمة أولوياتها مع تصاعد نسبة تمثيل 
الشباب من المجتمع إلى ما يربو على 60 في المائة, علاوة على أن الحراك الثوري الذي 
بدأ في 25 يناير 2011 مثل الشباب طليعته وأغلبية الفاعلين فيه. وبالتالي فالنموذج 
المصري يبدو معبرا في هذا المضمارء ويفيد في نظر ودراسة نماذج في بلدان أخرى. 

فامبادرات التي قدمها بعض الشياب المصري انصيت في الأساس على الاستفادة 
من طاقاتهم في تطوير العمل المؤسسي داخل مؤسسات الدولة التنفيذية» من 
وزارات وهيئات مختلفة تتدرج حتى تصل إلى مؤسسة الرئاسة. عبر دمج عدد 


190 


مجالات توظيف الخيال السياسى 


كبير من الشباب. بمختلف تخصصاتهم. داخل هذه المؤسسات. وفق برنامج 
تدريبي محدد معد بالتعاون بين عدة وزاراتء ينفذه أساتذة متخصصون من 
مختلف الجامعات الحكومية في فنون السياسة والإدارة والحكم ال محلي وإدارة 
المؤسسات وتطويرها. 

إن الهدف من مبادرات على هذا النحو هو خلق جيل جديد شاب من 
المسؤولين التنفيذيين لأجهزة الدولة ال مختلفة. عبر تصعيد أو إدخال مجموعة من 
الشباب داخل الوزارات والهيئات المختلفة, مدربين وفقا للبرامج السالف ذكرهاء 
لنرى جيلا جديدا من نواب في البرطان ومساعدي وزراء ومحافظين ووكلاء وزارات 
ومديري الهيئات ورؤساء المدن والأحياء والمطراكز والقرىء» حتى نصل إلى أصغر 
هيئة حكومية ينتشر بها هؤلاء النواب والمساعدون الجدد يتعلمون ويطبقون 
ما درسوة. 

وهناك عدة خطوات وضعت لتنفيذ مثل هذه المبادرات. تبدأ بتحديد الفئة 
العمرية للشباب المستهدفء وتنظيم مسابقة ترعاها الدولة. ويتقدم إليها الشياب 
بأوراق توضح مؤهلاتهم وخبراتهم ورغباتهم. بعد أن توضع معايير متساوية 
للاختيار تتواءم مع المناصب الراد تولي الشباب لهاء ثم تدريب من يقع عليهم 
الاختيار على أيدي مختصين يجهزونهم لأداء هذه المهمة. 

وهناك مبادرة أكثر تماسكا وشمولا قدمها مركز «تواصل لدراسات وبحوث 
الشباب» في مصر تحت عنوان «نحو خارطة مستقبل لتمكين شباب مصر بعد ثورة 
يونيو». ووضعت لهذا عدة خطوات وشروط هي: 

1 - تعيين نائب للرئيس أو نائب لرئيس مجلس الوزراء من الشباب تحت سن 
أربعين سنة؛ يكون مسؤولا عن إصدار سياسة وطنية للشباب في مدة لا تتجاوز 
سنة من تاريخه. وإجراء تغيير كلي وشامل في البيئة المؤسسية والقانونية الملنظمة 
للعمل الشبابيء. وعدم الاكتفاء بالتغييرات القطاعية أو إعادة تصحيح الأولويات» 
وتنظيم مصالحة حقيقية بين كل شباب الوطن. بالمشاركة مع مؤسسات الدولة 
المختلفة. وأهمها الأزهر الشريف ووزارات الشباب والتربية والتعليم والتعليم 
العالي والإعلام والأوقاف والثقافة... إلخ. والتنسيق بين عمل الوزارات والأجهزة 
ا مختصة بالعمل الشبابى. ١‏ 


151 


الخيال السياسي 


2 - اختيار شخص مستقل غير حزيي لتولي حقيبة الشباب. وذلك لتلاقي سيطرة 
اتجاه أيديولوجي أو حزي على الوزارة التي تشرف على إعداد شباب مصر وتنشئته 
وتمكينه في جميع المجالات. 

3 - تعيين الشباب مساعدين للوزراء وال محافظين ورؤساء المدن والأجهزة 
التنفيذية ال مختلفة. ومنحهم الصلاحيات التى تمكنهم من أداء أعمالهم» وذلك بناء 
على اعتبارات الجدارة والكفاءة, وبما يتيح الفرصة أمام الشباب غير المسيس لتقدم 
صفوف العمل التنفيذي. 

4 - وضع الشباب في موقع متقدم في القوائم الحزبية في قانون انتخابات مجلس 
النواب القادم وفي غيره من قوانين الانتخاب. وذلك بما يضمن تمثيلا برطانيا يتلاءم 
مع عدد الشباب ودورهم ف المجتمع. 

5 - الالتزام بخفض سن الترشح للشباب إلى 21 سنة عند إجراء انتخابات 
ا مجالس المحلية؛ وفقا لما نصت عليه أمادة 188 من دستور 2012 المعطل. 

6 - وضع قانون جديد للشباب يكون بديلا لقانون الهيئات الشبابية والرياضية 
الرقم 77 لسنة 1975. وذلك بما يتيح فرصة أكبر للشباب في إدارة جميع الهيئات 
الشبابية.ء ووضع إطار منظم لعمل الحركات والائتلافات واطبادرات الشبابية 
الموجودة ف الشارع. 

7 - مراجعة كل القوانين واللوائح التمييزية ضد الشباب. خصوصا في المجال 
الاقتصادي. ويشمل ذلك بصورة عاجلة تغيير اللوائح المنظمة لعمل الصندوق 
الاجتماعي للتنميةء بما يتيح استحداث نطاق تمويلي خاص بالشياب يختلف عن 
مثيله الماخصص لجميع المقترضين. 

8 - زيادة التمويل ال مخصص للأنشطة الشبابيةء ووضع إطار تمويلي واحد يتم 
الصرف منه على البرامج المشتركة, بما يقضي على ازدواجية الصرف وإهدار المال العام. 

9 - الاتجاه نحو مزيد من اللامركزية في تخطيط الأنشطة الشبابية وتنفيذها. 

0 - إشراك القطاع الخاص ومنظمات المجتمع ال مدني في مويل الأنشطة الشبابية. 

1 - دعم قدرات العاملين في مجال الشباب؛ لأن عدم وضوح أهداف السياسات 
المنفذة مع الشباب يؤدي إلى الخلط بين الأهداف والوسائلء بل رما اعتبار البرامج 
وا مشروعات غايات في حد ذاتها. 


152 


مجالان توظيف الخيال السياسي 
وكما نرى فإن البادرة الأولىء اختزلت قضية التمكين في تولي الوظائف. أما 
الثانية فقد وضعت مبادئ وشروطا أساسية لكنها لم تقدم لنا رؤية إبداعية لحل 
هذه المعضلة. وهنا يأقي دور «الخيال السياسي» ليعين على إيجاد حل من الجذور أو 
القواعد الشعبية وليس من أعلى. كأن يتحدث رئيس الجمهورية عن إشراك الشباب, 
ويتخير بعضهم في مواقع.ء أو يقوم وزير بإحاطة نفسه ببعضهم. أو يعين محافظ 
إن الدولة, أي دولة» لن يكون في وسعها أن تجد مناصب لكل الشباب الغاضبين أو 
الحانقين. عن حق أو عن وهم. ولذا فإن المسار الأفضل هو ذلك الذي يشعر الشباب 
بأنهم مشاركون في صناعة المستقبلء بل هم.ء بالدرجة الأساسية. الذين يخططون له. 
وسأحاول هنا أن أطرح فكرة مغايرة تنيني أساسا على شباب تم اختيارهم وفق 
مبدأ «الاستحقاق والجدارة». بعيدا عن اختيارات الأجهزة الأمنية والبيروقراطية: 
وتتوالى في عدة خطوات: الأولى هي أن يحدد كل محافظ شهرا لشباب كل مركز 
من مراكز المحافظة. بعد أن يجري اختيار ثلاثة شبان ممثلين عن كل قرية من 
قرى المركزء يشترط فيهم التعليم الجيد والخبرة والكفاءة. ويجتمع هؤلاء يوميا 
في مقر «المجلس امحلي». ومعهم ممثلون عن أحياء المدينة التى تمثل عاصمة 
المركز. ويطلب منهم جميعا أن يقدموا اقتراحات تصب ف ثلاثة اتجاهات: الأول 
حول تنمية ال مركز. والثانى يتعلق بتنمية المحافظة. والثالث يرتبط بتنمية الدولة 
بأسرهاء وهي التنمية الشاملة التى تتوزع على الاقتصاد والسياسة والثقافة والتعليم 
والقوانين والمجتمع المدني والتقدم العلمي. وتجمّع الأوراق وتناقش باستفاضة, 
وبعدها تختار لجنة لصياغة الرؤية النهائية في الاتجاهات الثلاثة. 
وتتم هذه الاجتماعات أو تلك المناقشات على التوازي في كل مركز (القرى 
واطدينة). وفي نهايتها ينتخب الشباب ثلاثة ممثلين عن المركز ليحضروا اجتماع 
المحافظة العام لجميع مراكزهاء وفيه تستعرّض كل الاقتراحات وتناقش مرة أخرى 
في روية وأناة مع لجنة علمية من أساتذة الجامعة في كل محافظة. بحيث ممُثلون 
كل التخصصات المطلوبة» ويختارون أيضا وفق المبادئ ذاتها التي اختير على أساسها 
الشباب. وتبلور هذه اللجنة رؤية علمية متكاملة عن المحافظة بممراكزهاء وكذلك 
تصور شباب المحافظة حول تنمية شاملة للدولة. 


اتخيال الشسياسي 

ويتم هذا في كل محافظات الجمهورية على التوازي. ثم يختار ممثلون عن 
المحافظة لاجتماعات ومناقشات تالية بشأن الرؤى الخاصة بتنمية الدولة. ويحضرها 
خبراء أكفاء في التخصصات كافة. ويستفيضون في النقاشء. ليصيغوا في النهاية «وثيقة 
الشباب» ويجري نشرها في كتاب. ويتولى الإعلام المقروء واللمسموع واطرني الترويج 
له. ثم يترجمه البرمان المقبل في تشريعات وقوانينء وتترجمه الحكومة في خطط 
وبرامج. ويترجمه الرئيس في قرارات. ويشارك الشباب في التنفيذ من خلال تولية 
أكفاء منهم مواقع ومناصب إدارية. 

إن هذه الطريقة قد تبدو أكثر ملاءمة لاستيعاب الجيل الجديدء بعد أن أدت 
الطرق التي تجعل التمكين مجرد فرصة عمل إلى إغضاب الشباب أكثر من إرضاته: 
لأنه في النهاية «رغيف واحد وجوعى كثيرون»؛ فالوظائف القيادية ليس في وسعها 
أن تستوعب جميع الشباب». حتى لو شغلوا كل الوظائف. إنما إشراك الشباب في 
صناعة القرار بوسعه أن يطمئنهم أكثر إلى أن النظام السيامي يترجم تصوراتهم 
وأمالهم إلى خطط وبرامج ومشروعات واستراتيجيات. 

في كل الأحوالء يبدو تقديم اجتهاد أو اقتراح بشأن مشاركة حقيقية للشباب. من 
أسفل إلى أعلى. أفضل بكثير من تضييع الوقت في تجريب ما ثبت فشله أو استمراء 
لعبة «الحرث في الماء» التي رأيناها كثيراء ويبدو في الوقت نفسه متجاوزا لتفكير 
يفتقر إلى الخيال تنتهجه سلطة سياسية تميل بالغريزة والمصلحة إلى الشخصيات 
والأفكار القديمة. رغم الحديث المتكرر عن ضرورة أن يكون الشباب حاضرا في كل 
شيءء والنداء المتواصل لهم بأن يشمروا عن سواعدهم وينخرطوا في العمل. 

إننا في سبيل تجاوز هذه المعضلة الدموغرافية, وما لها من انعكاسات سياسية 
واجتماعية خطيرةء يجب أن نحاول إشعال شمعة بدلا من لعن الظلامء لعلها تنير 
ولو مسربا ضيقا نحو معرفة الصوابء أو تهز رؤوس أولئك الذين استمرأوا الإنصات 
لقديم وغث تنطق به ألسنة أناس يفتقرون كثيرا إلى الخيال. 

(ط) البحث عن «الكمال الاجتماعي» والمثل العليا 

وهي «الأشياء أو الأحوال التي يرغب الناس فيهاء وتنطوي على تعديل للقانون 
أو الحكم أو تعديل في الأوضاع القائمة فيما يرتبط بالعلاقة بين الجماعات»3. 
والمثل الأعلى هو «الفكرة التي تتكون عما يشبع حاجة يحس بها أناس كثيرون بعد 


154 


محالات توظيف الخيال السياسي 


أن يتأثر كل منهم بغيره». ولذا يجب أن نستبعد هنا «كل الحاجات العابرة التي 
تنشأ عنها مثل عليا موقوتة. وكل التخيلات الشاعرية عن الأشياء المرموقة مادام 
الناس لم يحسوا بها أو يفهموها كقوى دافعة إلى إعادة تنظيم أي وضع قائم»49. 

وفي أي مجتمع., وأيا كانت الظروفء زاخرة أو بائسة. هناك من لا يتنازل عن 
التمسك بامثل العلياء أو لا يكل ولا يمل السعي إلى بلوغ الوضع الأفضلء أو المثاليء 
فيبشر به: وينتقد السائد. ويتخيل سمات المجتمع الإنساني الأرقى. أو «المدينة 
الفاضلة», مؤمنا بأن بلوغها ليس مستحيلا؛ فيما يرى الأديب الإنجليزي كلايف بل 
في كتابه «المدنية». وإن لم يغب عن أذهاننا أن مدنية كاملة لم تنشأ في التاريخ: ألا 
نفقد الأمل في تحصيلهاء إن كف الإنسان عن السير وراء غرائزه. ويقول «اللدنية 
وليدة التأمل والتربيةء إنها مصطنحة»045. 

والسياسة عموما تتناول تنظيم ال مجتمع بغية الوصول إلى حياة كرهمة. و«اهتمام 
المفكر السياسي ينحصر في المحافظة على الحياة المتحضرة وتنميتها من دون أن 
يكون سنده الرئيس أو الوحيد في ذلك مجرد توفير الحاجات المادية التي تتوقف 
عليها الحضارة بأكملها»5*». بل هناك من المفكرين من حذر من طغيان المادة, 
ورفض «تشيؤ» الإنسانء وقاوم التوحش الرأسمالي. 

ولهذا تخيل المفكرون دوما المجتمع امثالي أو «المدينة الفاضلة». فوجدنا 
يوتوبيات الإغريق وعصر النهضة والثورة الإنجليزية وعصر التنوير في أوروباء 
ويوتوبيات القرن التاسع عشرء ثم اليوتوبيات الحديثة”*. وسيطر على الفكر 
اليوتوبي عبر العصور اتجاهان رئيسيان: الأول يسعى وراء سعادة البشر عبر توفير 
قدر كبير من الرفاه المادي وتذويب فردية الإنسان في الجماعة ومجد الدولة, والثاني 
يطلب حدا مناسبا من امادية لكنه يعتبر أن السعادة الحقيقية تنجم عن التعبير 
الحر عن شخصية الإنسانء والتي يجب ألا يضحي بها لأجل قانون استبدادي أو 
مصلحة الدولة. وهنا تقول ماريا لويزا برنيريء بعد استعراض كل اليوتوبيات عبر 
التاريخ الإنساني: «سوف نشعر بالضعة عندما نقرأ عن الدول والمدن اطثالية» لأننا 
سنتحقق من تواضع طموحاتناء وفقر رؤانا. لقد دافع زينون عن النزعة العاطية. 
وعرف أفلاطون المساواة بين الرجال والنساءء ورأى توماس مورء بوضوح. العلاقة 
التي ينكرها الناس حتى اليوم بين الفقر والجريمةء. وتبنى كامبانيلاء في بداية القرن 


15 


1 


الخبيال السياسى 


السابع عشرء الدفاع عن نظام العمل اليومي المكون من أربع ساعات. وتحدث 
الأماني أتدريا عن العمل الجذابء واقترح نظاما للتعليم مازال من الممكن أن يعد 
اليوم نموذجا يؤخذ به»!. 

وتنقل لويزا عن الأديب الفرنسي الشهير أناتول فرانس قوله المعبر والمؤثر عن 
فضل اليوتوبيا على البشريةء حيث يرى أنه: «لولا يوتوبيات العصور الأخرى. لظل 
الناس يعيشون في الكهوف عرايا بؤساء. إن اليوتوبيات هي التي رسمت خطوط 
المدينة الأولى. ومن الأحلام السخية تأتي الوقائع النافعة. إن اليوتوبيا هي مبدأ كل 
تقدم, وهي محاولة بلوغ مستقبل أفضل». وبالتالي تبقى اليوتوبيا درجة عالية من 
الخيال السياسيء ويبقى الأخير سبيلنا إلى رسم معالمها على الورق» ثم العمل من 
أجل تحققها في واقعناء كي نظفر ولو بالقليل من محاسنها. 

وفي درجة أدفى من انتظار «المدينة الفاضلة» يقودنا البحث عن امثل العليا إلى 
تبني نوع من «الرومانسية السياسية». وهي صنف من التفكير والتدبير السيامي 
يستلزم خيالا خصبا بقدر احتياجه إلى عاطفة جياشة نبيلة. ولا يقتصر وجود هذا 
التفكير على اتجاه سياسي أو أيديولوجيا واحدة. ففي إيطاليا كان الرومانسيون في 
أغلب الأحيان من الليبراليينء في حين أن الرومانسية ارتبطت في أمانياء بوجه عام. 
بالتيار المحافظء بينما سلك الرومانسيون الإنجليز سبلا متناقضة. فهناك من دافع 
عن ال موروث. وهناك من كان يحرض على الحرب في سبيل الدفاع عما يراها الحداثة 
والتنوير والاستقلال49, 

والرومانسية السياسية تتصف بعدة سمات72. الأولى: المعنى المسرحي الذي 
يقوم على البطولة والتضحية والعظمة والدم المسفوح المرتبط بالثورات الرامية 
إلى إنهاء بؤس الأوضاع القائمة. والثانية: الشفقة على البسطاء والانشغال بهمومهم 
الاجتماعية والنفسية. حيث تتجلى المطالبة الداتمة بعدالة توزيع الثروات. وتطبيب 
العوزء ومقاومة الفقرء والشفقة على الشعوب المغلوبة والانحياز إليها إن كانت 
تكافح في سبيل التحرر من الاستعمارء أو تقاوم الطغيان. أو تواجه كوارث كبرى. 
والثالثة: وجود تصور عاطفي للسياسة. بما يجعل النظرة إليها تختلف عن تلك التي 
تتعامل معها على أنها «فن ال ممكن»؛ لتصبح دعوة إلى التمسك بامثل العلياء وتهتم 
بالخطاب ال مفعم بالبلاغة. لأنها تؤمن بقوة الكلمة. والرابعة: هي النظرة الكلية 


106 


مجالاب توظيف الخيال السدياسى 


إلى الأمور بما يؤدي إلى عدم الاكتفاء بجدولة ال مشكلات إنما طرحها بكل ضخامتهاء 
ومدها عبر أرجاء الكون والتاريخ. 

ولعل إريك فروه'7, كان أيضا يبحث عن امثل العليا حين كان ينشد «المجتمع 
السليم». في كتاب يحمل هذا العنوان. ناقش فيه مشكلة الإنسان الحديث الذي 
يعان في مجتمع يضع كل همه في الإنتاج الاقتصاديء ولا يعبأ بتنمية العلاقات 
الإنسانية الصحيحة بين أفراده. ولذا يسقط في خلل نفسي وعقلي في ظل غياب 
الاستجابة للحاجة إلى الاتصال والترابط الحميم والتفرد والتعقل. ومع الخضوع 
لتحكم التقنية والتنظيم اللذين جعلا الإنسان عبدا لهما. 

ويبني فروم حجته هنا على فشل النظامين الرأسمالي والاشتراي في رد ا مجتمع 
إلى صوابهء والفرد إلى طمأنينته. ثم يبشرنا بأن حل الأزمة الإنسانية التي نعيشها 
يكمن في «اشتراكية اجتماعية» جديدة تكفل للمجتمع سلامة العقل. وتحمي الفرد 
من أن يكون مطية لتحقيق أغراض غيره من الناس, وتدفعه ليكون منتجا ومسؤولاء 
عبر الانشغال بالجوانب الإنسانية, وإخضاع النواحي الاقتصادية والسياسية والثقافية 
لغاية واحدة هي «تنمية الإنسان». 

ويقول فروم «إننا في الوقت الحاضر نقدس أوثانا كثيرة ونعبدهاء ولو آمنا بالله 
لحطمنا هذه الأصنام. فنحن نؤله الدولة. ونؤله في الدول الدكتاتورية القوة, ونؤله 
الآلة. ونؤله فكرة النجاح في الحياة. وفي سبيل ذلك ينفصل نشاطنا عن احتياجات 
نفوسناء ونضعف في الإنسان صفاته الروحانية» ومهما يكن من أمرء فواجب الإنسان 
الحر أن يستنكر عبادة هذه الأوثان. سواء كان من اللؤّمنين بوحدانية الله أو من دعاة 
دين جديدء وواجبنا أن نهتم بالجوهر دون العرضء وباللباب دون القشورء وبالخبرة 
دون اللفظء وبالإنسان دون النظمء وبهذا الإجماع على استنكار عبادة الأوثان الجديدة 
تتألف القلوب حول عقيدة مشتركة أساسها المحبة والتواضعء والإيمان بالعاللطية, 
والتعاليم الإنسانية في الديانات العظمى في الشرق والغرب, والنظر إلى الأمور بعين 
العقل. والاهتمام بالحياة نفسها لا بالمعتقدات والمذاهب. وبهذا الاتجاه الجديد تنشأ 
طقوس جديدة: وتعبيرات فنية جديدة. تؤدي إلى احترام الحياةء وتماسك الناس»52. 

وتطرق فروم أيضا إلى هذا الأمر. مطلقا العنان لخياله السياسي بحثا عن المثال. 
في كتابه «الإنسان بين الجوهر والمظهر»” محاولا أن يجد اثتلافا وتناغما بين بنية 


197 


الخيال السياسي 
الشخصية الاجتماعية للإنسان العادي من جانبء والبنية الاقتصادية والاجتماعية 
للمجتمع الذي يعيش فيه من جانب آخر. وهو يراهن على تغيير الشخصية 
الإنسانية عبر عدة شروط مثل اطعاناة مع الوعي بهذا وكشف أصوله. والإيمان بأن 
هناك مخرجا من هذه الحالة. وأن هناك ضرورة لتغيير الممارسات الحياتية الراهنة 
في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية التي ولدت في إطار الرأسمالية. حتى يمكن أن 
نصل إلى «الإنسان الجديد» المستعد لنبذ التملك في يحقق كينونته كاملة. ويشعر 
بالأمان والحرية والثقة والانتماء واستقلال الذات والتفكير النقدي غير الانفعالي 
واحترام الحقيقة. والشغف بالعاط والتكافل مع الآخرينء ومحبة الحياة واحترامها 
في مظاهرها وتجلياتها كافة, في ظل الإيمان بأنه لا قداسة للأشياء ولا السلطة. وكل 
ما لا روح فيه ولا حياة. ومع الحد من الشراهة والكراهية والأوهام وخداع الآخرين 
والنزوع إلى التدميرء وباتباع طرق لتنمية خيال الإنسان لا كوسيلة للهروب من 
الظروف المحتملة» وإنما عبر استشراف المستقبل دون القفز على الواقع3©. 

ويبدو أن الرؤية التي بثها فروم وغيره في الفضاء الأكاديمي والاجتماعي الغربي 
قد لاقت آذانا صاغية, أو ربما جاء من يفكر في الطريقة ذاتهاء ويعمل خياله 
السياسي على نطاق واسعء. حتى لو لم يكن قد سمع بما صرخ به فروم أو من جاءوا 
قبله وتعلم منهم» ومن جاءوا بعده وتعلموا منه. فقد عكف فريق بحثي من «مركز 
البحوث للتنمية الدولية» على دراسة مستفيضة استهدفت وضع الإطار النظري 
الذي يمكن أن يقام عليه مجتمع جديد في أمريكا اللاتينية بصفة خاصة©*©. وهذا 
ال مجتمع ليس استهلاكيا على الصورة التي نراها اليوم في البلدان المتقدمة والغنية. 
بل هو مجتمع منتج.ء والإنتاج فيه تحدده الحاجات الطبيعية الضرورية إلى كل 
إنسان. لا الربح الذي يجيء أو لا يجيء. ونظرا إلى اختلاف الحاجات الضرورية تلك 
من ثقافة إلى أخرى. اقترح الباحثون ألا يترك تحديد هذه الحاجات إلى أفراد يقرونه 
وفق هواهم أو مصالحهم الضيقة. إنما لا بد أن يتم هذا بمشاركة أفراد الشعب عن 
طريق القنوات ال مشروعة. 

وهذه التصورات التي تنطوي على خيال خيرء إن صح التعبيرء تحتاج في جانب 
منها إلى تعديل السلوك الإنساني. بعد أن ثبت أننا في حاجة ماسة إلى تغييرات واسعة 
في هذا المضمارء وهذا لن يأقي بمساعدة الفيزياء أو البيولوجيا فقطء مهما حاولنا. 


ا 


مجالاب: توظيف الخيال السنياسشى 


فهناك انهيار في التعليم وسخط الجيل الصاعد ونقمته. ولا صلة للفيزياء والبيولوجيا 
بهذاء ولا يكفي في الوقت ذاته أن نكرس التكنولوجيا في خدمة احتياجات الإنسان 
الروحية» ودما نحتاج إليه حقا هو تكنولوجيا للسلوك. فحينئذ يمكننا أن نحل 
مشكلاتنا بسرعة معقولة. إذا ما استطعنا ضبط نمو سكان العام بالدقة نفسها التي 
نضبط بها مسار سفينة فضاءء أو تحسين الزراعة والصناعة بشيء من الثقة التي 
نسرع بها ذرات الطاقة العالية, أو السير نحو عام ينعم بالسلام بشيء شبيه بالتقدم 
المطرد التي تقترب بها الفيزياء من الصفر المطلقء على الرغم أن كليهماء السلام 
والصفر المطلقء. افتراضان بعيدا المنال»050. 

لكن ما وصلنا إليه حقا الآن في الرومانسية السياسية لا يبلغ ما ارتقاه خيال 
كانط في البحث عن «السلام الدائم» وفقا طا سيشرح لاحقاء لكنه يقف عند حد 
مقبول من الناحية النظرية. وما ينقص حقا هو تفعيل هذه المبادئ الخيرة. التي 
تقوم على إرساء التواضع والرأفة والرضا والحب والتسامح والتعايش والإيمان بقدرة 
الإنسان على تجاوز الصراعات وتحقيق السلم. وسعيه الدائم إلى معرفة الحقيقة. 
وتحليه بال مسؤولية حيال الآخرين. وتضامنه معهم من منطلق الإيمان بوحدة 
المصير الإنساني» وبحثه عن القيم المشتركةء وإرساء أخلاقية كونية تعمل على خدمة 
الإانسان والإنسانية56). 

وقد دعا عام اللاهوت الأطاني هانز كونغ إلى إنشاء «إعلان عامي للأخلاق» على 
غرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. يقوم على ثلاث ركائز(57): 

أ - لا مكن للإنسانية أن تعيش وتبقى من دون أخلاق عالية. 

ب - لن يكون هناك سلام عالمي من دون سلام بين الأديان. 

ج - لن يكون هناك سلام بين الأديان إلا إذا تحاورت. 

وقد التقت شخصيات حازت جائزة نوبل للسلام بمناسبة إحياء الذكرى الخمسين 
للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وصاغت بيانا حول «ثقافة السلام». دعا كل فرد 
إلى أن يحترم الحياة. ويرفض العنفء ويتعامل بسخاء. وينصت من أجل التفاهم, 
ويكتشف قيمة التضامنء. ويحافظ على كوكب الأرض09. 

ويمثل توماس ه. غرين (1836 - 1882) في إنجلترا وبنديتو كروتشي (1866 
- 1952) في إيطالياء مرحلة جديدة في «المثالية» لا بعد كانط9©. حيث أسسا 


1539 


الحبيال السياسى 


مثالية وثيقة الصلة بالليبرالية. فكان للأول مثالية متكاملة مع فلسفته. تسعى إلى 
إيجاد بديل للنفعية المباشرة. متماشية مع ما تطلبه الديانة ال مسيحية. حيث ترى 
أن تحقيق الذات لدى كل فرد يحقق الوحدة للمجتمع ككلء. وتعتبر هذا فضيلة 
أخلاقية وغاية مشروعة. بدلا من التصور النفعي للحرية الذي يدفع الفرد إلى إشباع 
رغباته من دون حد ولا قيد. 

ونادى غرين بحرية إيجابية. تعمل على تحرير جميع الناس بالتساوي من 
أجل المساهمة في المصلحة العامة. وبذا تبقى حرية الفرد مطلبا مشروعا للمجتمع 
والدولة. ورأى أن الدولة المثلى هي التي تهتم بتهيئة الظروف الضرورية لتمكين 
الفرد من تحقيق ذاته. عن طريق حماية حقه وواجبه. وتدرك أنها ليست أعلى 
شأناء ولا أرفع مكانة. من الشعب الذي تخدمه. 

وقد ألهم غرين جيلا كاملا من الشباب بفلسفته تلك فانخرطوا في أعمال خيرية 
وتعليمية. وتعلمت منه الليبرالية الجديدة في بريطانيا كيف تتخلى عن اللطيادئ 
الجامدة حول التجارة الحرة والحرية السلبية في تشجيع تدخل الدولة في تدعم 
الأخلاق والرفاه. 

أما الثانيء كروتشي. فقد قاوم الفاشية. وسعى إلى استنباط الحكمة العامة من 
التاريخ الذي ولع بدراسته. وعمل على تعزيز كل ما هو نافع وحقيقي وجميل 
وصالحء وحاول أن يفرض إطارا أخلاقيا للممارسة السياسية. لتصبح السياسة مجالا 
للأخلاق فى النهاية. 

وكان طلب «اطثل العليا» قد بلغ مدى واسعا وعميقا لدى الفيلسوف الأطاني 
الشهير إيمانويل كانط (1724 - 1804). فطرح مشروعا للسلام الدائم. وشرح 
بأسلوب دال وبليغ ما دفعه إلى هذاء حين قال: «ليس من شأننا أن نتساءل عما 
قصد إليه صاحب فندق هولنديء حين رسم على ناصية فندقه مقبرة كتب فوقها 
عبارة: إلى السلام الدائم». ترى هل أراد بذلك الشعار الساخر أن يوجه اللوم إلى 
البشر عامة. أم خص به رؤساء الدول المتعطشين إلى الحروبء أم قصره على الفلاسفة 
الذين يراودهم هذا الحلم اللذيذ؟! لكننا نود أن نضع الشرط التالي: مادام أصحاب 
السياسة العملية ينظرون إلى أصحاب السياسة النظرية بأّفة واستكبارء ويعدونهم 
حكماء لا خطر منهم على الدولة التى يجب أن تستمد مبادتها من التجربة, 


2000 


مجالات توظيف الخيال النتنبانننى 


وماداموا ينظرون إليهم نظرهم إلى لاعبين غير مدربين يمكن التغلب عليهم بشيء 
من ال مهارة. فينبغي على السياسي الخبير أن يكون منطقيا مع نفسه حين تصطدم 
أراؤه بأراء الفيلسوف فلا يستنكرها ولا يجد فيها على الدولة خطرا: هذا شرط وقائي 
يحاول المؤلف به أن يدرأ عن نفسه كل تأويل يسيء الظن به أو يتجنى عليه»©. 

وانطلق كانط في رؤيته تلك من ثلاثة مبادئ: الأول عقلي يقوم على أن أكبر 
الشرور التي أصابت الشعوب المتمدينة جاءت بسبب الحروب. أو الاستعداد لها. 
والثاني أخلاقيء يتأسس على عدم الخلاف بين الأخلاق والسياسة. والثالث سيامي 
يرتبط بتمكين الشعوب من القرارء وانقضاء الاستبداد. فحين تصبح سياسة العام 
أخلاقية. ويوم أن يكون لكل دولة دستور دمموقراطي ينص على عدم إعلان الحرب 
إلا بتصويت المواطنين جميعاء ويوم ينتهي الطغيان. وتحترم كرامة كل مواطن في 
بلده. ستصبح الحروب شيئا من الماضي البغيض. 

وينطوي مشروع كانط على ست اغيقة أساسية, أو تمهيدية. أشبه بالمحظورات 
أو النواهي. هي1: 

1 - لا تعد . معاهدة سلام معاهدة بالمعنى الحقيقي إذا انطوت نية عاقديها 
على أمر من شأنه إثارة الحرب مجدداء نظرا إلى أن مثل هذه النية الخبيثة تجعل 
من المعاهدة مجرد هدنة. 

2 - لا يجوز لدولة أن تملك بطريق اليراث أو التبادل أو الشراء أو الهبة دولة 
أخرى. صغيرة كانت أو كبيرة. فالدولة يجب أن تكون كالفرد. له وحده حق التصرف 
في نفسه. 

3 - يجب ألا تشكل جيوش دائمة. لأن وجودها يشكل تهديدا للسلمء وقوانيتها 
تتعامل مع الجندي على أنه آلة قتل وليس إنسانا. 

4 - يجب على الدول ألا تقترض من أجل النزاعات. فهذا من شأنه أن يشجع 
على اندلاع المعارك. ويودي بالدول إلى الإفلاس. 

5 - يحظر على أي دولة أن تدس أنفها أو تتدخل بالقوة في شؤون دولة أخرى. 
فالدول كالأشخاص لها حرمتهاء ولها وحدها حق التصرف في شؤونها. 

6 - لا يسمح لأي دولة في حال حرب ضد غيرها أن ترتكب أعمالا عداتية كالقتل 
والتسميم ونقض شروط التسليم والتحريض على الخيانة. 


201 


الخبال السياسي 


ووضع كانط ثلاث مواد نهائية على هذه النواهيء. أولاها أن تكون السلطة 
التشريعية التي تقرر الحرب صادرة عن إرادة الشعب. فمثل هذا يضمن منع 
الحرب. إذ إن الحكام المستبدين يستهينون بأرواح الناس ومصائرهمء ومن ثم فهم 
أكثر جرأة على شن الحروب. والثانية هي قيام اتحاد بين الدول الحرة: بما يقلل من 
الهمجية أو الانحطاط البهيمي لدول تعتقد أن الحق ينبع من القوة, وأن الحرب 
هي الملجاأ الوحيد لتحقيق النصر. والثالثة تخص إكرام أي أجنبي يحل في بلد ماء 
وعدم معاملته على أنه عدو62. 

إن مثل هذا الطرح. الذي أهمل طويلاء حتى بعث من النسيان في القرن 
العشرينء لا يمكن أن يتأق إلا لشخص ملك خيالا سياسيا ممزوجا بحلم نبيل وتفاؤل 
مفرط وإيمان راسخ ب «العقل الخالص» الذي يفترض أن يقود الإنسان في النهاية 
إلى الاعتقاد الجازم بأن الحرب عمل أخرقء ويقود العام برمته إلى النظر في التقارب 
المتواصل حتى يصل إلى «تحالف أممي» أو «اتحاد عالمي». وكان كانطء. بكل تأكيد, 
يستعمل خياله هذا في سبيل خدمة مثل علياء أو مثل لا يعلو عليها شيء. 

وهناك رؤية عربية حاولت تكريس الجهد على تعديل السلوك الإنساني عبر 
الأخلاق والعقل. أبدعها قسطنطين زريق في كتابه «ما العمل: حديث إلى الأجيال 
العربية الطالعة» وسماها «العقلانية - الخلقية» مؤسسا إياها على اقتناع بأن 
الأيديولوجيات السائدة في العام العربي «م تفلح في إزالة الأوضاع السيئة أو 
تخفيف شرورها»2”©. ويحصر هذه الأوضاع في مشكلات الفساد. والتسلطء. 
وتعثر التنمية» وتغليب الكم على الكيف في حياتناء إلى جانب ما أسماه القصور 
الوطني والقومي629. 

وعرض زريق خريطة ممواقف الأفراد والجماعات في العام العربي من هذه 
الأوضاع «المضطربة والضاغطة». مقسما إياها إلى نوعين©: الأول يشمل من 
وصفهم با مهزومين. وهم أولئك الذين تغلب الأوضاع المأساوية عليهمء فينهزمون 
أمامهاء ولا يحاولون تغييرها. ويتوزع هؤلاء على «الغائبين» الذين يمثلونء في نظره: 
الكثرة المطلقة من الجماهير العربية» ال منشغلة بأعباء الحياة اليومية. حيث السعي 
الدائب وراء لقمة العيشء. ومكافحة مختلف الأمراضء والمعاناة من وطأة ظلم 
الحكام. وبذل الجهد في سبيل الحفاظ على البقاء.ء ومن ثم لا يبقى لديهم ما 


202 


مجالات توظيف الخيال السياسي 


يكفي من الوقت والجهد للشعور بضرورة تغيير الأوضاع. أو على الأقل اكتساب 
القدرة على ذلكء. و«القدريين», الذين يشعرون بوطأة الحاضر ومشكلاته المعقدة, 
فيستسلمون لهاء ويعتقدون أن ما يجري ليس من صنع أيديهم. ولا يمكنهم تغييره: 
وأن أي محاولة يقومون بها في هذا الاتجاه مآلها الفشل. ومن بين هؤلاء من يحملون 
فهما خاطئا للدين. وهم كثر في عاطنا العربي؛ و«الهاربين» الذين يفرون من هذه 
الأوضاعء سعيا وراء الرزق أو الأمنء إما إلى الخارج (هجرة العقول العربية)» وإما إلى 
الداخل. حين تأنف النخب من الأحوال الجارية في «المراكز» وتخشاهاء فتهاجر إلى 
الهوامش أو الأطراف الجغرافية» لتنأى بنفسها عن أي مشكلات مع السلطةء وتنعزل 
عن المجرى الرئيس لحركة الحياة. وهناك «الندابون واللوامون وال مستهزئون». وهم 
إما ينوحون على مصيرهم القاسي وحظهم العاثرء أو ينحون باللائمة على هذا أو ذاك 
من الحكام والزعماء والمتزعمينء وإما يسخرون من أي بارقة أمل في إصلاح الأحوال. 
وأخيرا هناك «المستغلون». الذين يجدون في استشراء الفساد فرصة سانحة للقفز 
على ال مناصب. وجمع الثروات. 

أما النوع الثاني فيشمل «الملتزمين», وهم في رأي زريقء أولئك الذين اختاروا 
مذهبا أو أيديولوجية. فاعتنقوهاء وسعوا إلى تطبيقها في الواقع, الأمر الذي أدخلهم 
في علاقات ما مع السلطة وال مجتمع. وهؤلاء يتوزعون على التيارات السياسية 
الرئيسة في العالم العربيء وهي القومية, والإسلام السياسيء واليسار بمختلف ألوانه 
بدءا من الاشتراكية الاعتدالية إلى الشيوعية. لكن جهود هؤلاء لم تثمر المأمول من 
بذلهاء وم تترك أيديولوجياتهم, في نظره. أثرا إيجابيا يذكرء يمكنها من تغيير الأوضاع 
السائدة. ومن ثم إخراج العرب من وهدتهم الراهنة. 

وأمام هذه المشكلات المعقدة. والبشر الموزعين على مشارب ومواقف عدة., 
تفتق الخيال السياسي لزريق عن أن الحل يكمن في تحويل السكوني إلى حري. 
والقلق السلبي إلى قلق إيجابيء والانتقال من العجز إلى القدرة. ثم إلى التحرر. ولن 
يتم هذاء في رأيه. إلا عبر مبدأين أساسيين هما العقلانية والخلقية9©). والعقلانية 
تقوم على «إخضاع كل شأن من شؤونناء وكل قضية من قضايانا لأحكام العقل 
المتفتح, الضابطء الساعي إلى التمييز بين الصواب والخطأ. والمعرفة والجهلء والخير 
والشر»(67). وترتكز العقلانية إلى عدة أسسء أولها الموضوعية, التي تعني دراسة 


203 


الختال السبناسني 


الأمور بشكل مجرد. بالاعتماد كليا عليها ذاتهاء والاستقلال عن أي وهم أو شهوة أو 
اعتبار لدينا. وثانيها الخضوع للنقد. أي فتح أبواب النقد الذاتي على مصاريعها. في 
ظل جو من الحرية والمسؤولية. وثالثها العزم والجَلد. فنحن لا نصل إلى الحقيقة 
دفعة واحدة. ولا نقفز إليها مرة واحدةء ولكن عبر جهد طويل في ظل إرادة حية 
وسعي مستمر ومتراكم. من أجل اكتشافهاء ومن ثم ممارستها. ويجب أن نكون 
مستعدين لتحمل أي صعاب تواجهناء مهما كانت قاسية. في رحلة بحثنا عن 
الحقيقة. أما الخلقية. فتقوم. في رؤية زريقء على قاعدة أولية تتضمن الاهتمام 
بالآخر قبل الاهتمام بالذات. وهذا الآخر قد يكون فرداء وقد يكون مجموعة. تصل 
إلى حد الوطنء والإنسانية برمتها. 

ولا يقدم زريق هذين المبدأينء اللذين اشترط توافرهما حتى مهكننا بناء إطار 
فاعل للحركة السياسية العربية. وهما في حالة انفصال أو سكون. بل في حالة تفاعل. 
أو تأثير متبادل فالعقلانية هي في الوقت نفسه مزية أخلاقية, والعقلانية لا تتمء ولا 
يمكن تحصيلها بالتخلي عن الخلقء بل بالاستناد إليه. 

(ي) الجماعات المتخيلة !69 

ويقصد بها «القوميات» القائمة على أساس العرق أو الدين أو اللغة أو الجهة أو 
الظرف التاريخي والمصلحة المشتركة. حيث يتخيل أفراد كل قومية منها حدودهم 
الجغرافية وحدودهم السياسية والإدارية» أو يتخيلون سيادتهاء وقد يخترعون لها أساطير 
وحكايات. بل قد ممتد الاختراع هذا إلى ميلاد دول بأكملها باعتبارها «دولة مخترعة», 
مثل تركيا التي أقامها مصطفى كمال أتاتورك على أنقاض الإمبراطورية العثمانية» ومن 
بقايا كل الأجناس التي انحسر عنهم سلطانها الذي امتد نحو خمسة قرون. 

إن الدولة العثمانية. التي يعود نسبها إلى عثمان بن أرطغرل زعيم إحدى قبائل 
وسط أسياء هي مثل واضح في هذا المضمارء فهي حين صارت دولة مرهوبة الجانب 
عند منتصف القرن الخامس عشرء ثم صارت إمبراطورية واسعة الأرجاء بقوة الغزو. 
راحت تصنع تاريخا لهاء وتخترع تراثاء زعمت بمقتضاه أن أصل مؤسسيها يعود إلى 
سيدنا نوح عليه السلاه 69). 

وإذا كانت الدولة هي التجسيد السياسي الأبرز في عالما المعاصرء بعد أن ترسخت 
أقدام «الدولة القومية» التي نشأت في أوروبا خلال القرن السابع عشر.ء فإن كيانا 


204 


مجالات توظيف الخيال السياسي 

اجتماعيا ينشأ على أرض وله سلطة يعد بدوره مرحلة مرتفعة من الخيال السياسي. 
فلو أن القادة التاريخيين أو المجموعات النشطة التي أقامت هذه الدول لم تكن 
همتلك خيالا سياسيا واسعا ما كان في وسعها أن تعلن قيام دولة. سواء على أنقاض 
الاستعمار, أو بعد انتهاء زمن الإمبراطوريات التي تعاقبت على التحكم في العام 
القديم والأوسط والحديث. 

هناك بلدان كثيرة صنعت فيها الدولة الأمة, التي تقوم على حقائق اقتصادية 
واجتماعية وإقليمية. لكن هذا تم عبر إجراءات شمولية نفذتها إدارات اقتصادية 
وضريبية وتعليمية إلى جانب التوظيف والتجنيد ووسائل الإعلام والمنظمات 
الثقافية. وكل ذلك جعل الأمة حقيقة أو أمرا واقعا يفرض نفسه على إدراك وتخيل 
أعضائهاء لكنه لم يفرض بالضرورة شعورا بالتضامن أو الولاء بين الأشتات التي تشكل 
هذه الأمة70, 

وقد ينطبق هذا الأمر على الآباء الأوائل الذين أعلنوا قيام الولايات المتحدة 
الأمريكية بعد حرب أهلية ضروس.ء أو على القادة المؤسسين في دول عديدة. الذين 
تحمسوا لدمج مجموعات بشرية مختلفة في بعض الخصائص. كالدين أو المذهب 
أو العرق أو اللغة. لتكون دولة مستقلة لها علم ونشيد. ولها دستور يشكل الإطار 
العام والأساس الذي يحكم العلاقة بين مواطنيها. وينطبق هذا أيضا على التجارب 
الوحدوية في بلدان عدة. 

ويمتد تخيل تاريخ الجماعات البشرية إلى حد قيامها باختراع تراث لهاء فكثيرا 
يكون «ما نتصوره ثقافة أصيلة يجب المحافظة عليها أو عدم الخروج عليها ما هي 
إلا ثقافة مخترعة أو مستحدثة أو مبتدعة أو مستزرعة نشأت فى ظروف معينة»77, 

ولا يقف اختراع التراث أو اختلاق تاريخ الجماعات على الغزاة وا مستعمرين, 
بل يقصد بعض الأفراد والجماعات التي لا تاريخ لها - يستحق الذكر - إلى تخيل 
تاريخ وأصول تتفق مع ما آلت إليه أحوالهم من ثروة وجاه ونفوذ. 

إن في وسعنا هنا أن نتحدث عن «التقاليد المبتدعة»» أو التراث المتخيلء بمعنى 
واسع. «يشمل تلك التي ابتدعت فعلاء وتلك التي أنشئت وأخذت شكلا مؤسسياء 
وتلك التي تنشأ بطريقة يتعذر تتبع مسارها خلال مرحلة زمنية قصيرة يمكن تحديد 
تاريخهاء والتي تثبت نفسها وترسخ قواعدها بسرعة بالغة»72. 


اتلخبيال السانسمىيف 

لقد اخترع سكان المرتفعات في أسكتلندا تقاليد لهم سبكوها لتصير طقسا 
لاحتفالهم بشخصيتهم الوطنية. التي سعوا إلى أن يكون لها طابع مميز عن جميع 
الجزر البريطانيةء على رغم أن سكان المرتفعات الأسكتلنديين لم يشكلوا في أي حقبة 
تاريخية شعبا مميزاء على الأقل قبل السنوات الأخيرة من القرن السابع عشرء بل 
كانوا ببساطة ممثلون الزائد من التدفق السكاني الوافد من إيرلنداء ليجعلهم البحرء 
مثل جميع البريطانيين» مدفوعين إلى التوحدء ومع هذا اختاروا الفرقة والتميزء وم 
يكن هذا ممكنا إلا باختراع تاريخ اجتماعي وفولكلور مختلف37”. 

وأعاد الدارسون والوطنيون في ويلز اكتشاف تقاليدهم التاريخية واللغوية 
والأدبية الغايرة. بعد أن كانت شخصيتهم الاجتماعية تكاد تطمس تماما تحت سطوة 
العادات الإنجليزية» وتفقد جاذبيتها المعروفة. وعندما وجد هؤلاء أن التقاليد التي 
عملوا على إحيائها ليست كافية. راحوا يتخيلون ماضيا لبلادهم غارقا في الرومانسية 
والأساطير الجاذبةء م يكن له وجود في واقعهم البعيد72. 

وأعاد البريطانيون أنفسهم اختراع طقوس حافلة بالأبهة والفخامة ليربطوها 
بالملكية.ء ويحافظوا عليهاء على رغم تعاقب القرون. وهي طقوس تعود إلى أكثر 
من ألف عام. وقت أن كان هناك تنافس دولى حاد, وكان الانتصار يستحق كل 
هذه الأبهة. وبينما كانت الملكية تغور في بعض بلدان أوروبا وتأخذ معها تقاليدها 
القديمة. كانت الملكية في بريطانيا تنتعش. وتنتعش معها «التقاليد المبتدعة». من 
استعراض التيجان والأوسمة واطفاتيح الذهبية والعصي والصولجانات البيضاء. 
والقصبات السوداءء والفراء الأبيض الناعمء وباروكات الشعر... إلخ72. 

وعمد الاستعمار الأوروبي لأفريقيا إلى اختراع تقاليد وثقافات راحت ترسخ 
جذورها بمرور الزمنء وصارت طيعة بين أيدي ال مؤرخين والسياسيين ودعاة القومية 
وجامعي الموروث الشعبي ودارسيه. وقد توزعت في سبيلين: الأول مستجلب من 
أوروبا ذاتهاء وبات له نفوذ على الطبقة الحاكمة في البلدان الأفريقية, على رغم 
أنها موروثات تراجعت وبلى بعضها في الثقافات الأوروبية. بل صارت مصدر فخر 
لهذه الطبقة. التي تحرص طوال الوقت على أن يبقى الحبل السري بينها وبين 
المستعمرين. خصوصا من تبقى منهم مقيمين في البلدان الأفريقية. غليظا ومتينا. 
أما الثاني فيتمثل في الثقافات الأفريقية المحلية الذي أسهم في اختراعها وتكريسها 


206 


موظفو الإدارات الحكومية الاستعمارية, وال مبشرونء والترائثيون التقدميون من أبناء 
البلاد. وكبار السنء وعلماء الأنثربولوجيا©7. 

ك - توظيف «الصناعات الإبداعية» في خلق التماسك الاجتماعي/ السياسي 

تنبع فكرة الصناعات الإبداعية من تقارب نظري وعملي بين الفنون الإبداعية 
بوصفها نتاج الموهبة الفردية والصناعات الثقافية باعتبارها منتجا جمعيا أو 
جماهيريا. ويتم هذا التقارب في ظل تقنيات إعلامية جديدة داخل اقتصاد معرفي» 
ينتج سلعة مختلفة أو «بضائع رمزية» عبارة عن أفكار وصور وتجارب يستهلكها 
مواطنون متفاعلون بدرجات متفاوتة مع هذا امنتج!”. 

فال معرفة والأفكار تقود عملية تكوين الثروة والتحديث. حيث تشكل العوطة 
والتقنيات الجديدة قوام الحياة والخبرة اليومية, في ظل الاعتقاد الجازم بأن الإبداع 
هو الذي سيقود التغير الاجتماعي والاقتصادي خلال القرن الحالي. وأن الصناعات 
الإبداعية ستكون عنصرا مهما في تكوين الاقتصادات المتقدمة. وستنشأ طبقة 
اقتصادية جديدة أفرادها ليسوا من أصحاب الياقات البيضاء ولا الزرقاء مثلما هي 
الحال بالنسبة إلى طبقتي العمال والموظفين اللتين تقدمان الخدمات في الاقتصاد 
التقليدي. ولن تكون لهم ساعات عمل محددة. ولا يمكن إجبارهم على العملء وإن 
كانوا لا ينقطعون عن العمل أبداء وستنتقل هذه الطبقة من الهامش إلى قلب التيار 
الاقتصادي السائد. وستسقط الطرق الهرمية التقليدية للتوجيه التي تعتمد عليها 
الإدارة في الوقت الحاليء لتحل محلها أشكال من الإدارة الذاتية» أو التوجيه الناعم, 
الذي يصاحبه إقرار المساواة والعمل السريع الناجزء وطرق حقيقية من التحفيز2”. 

وبذا تحتاج الصناعات الإبداعية إلى ابتكار ومغامرة وقدرة فائقة على 
إطلاق مشروعات مختلفة وجديدة. وأصول غير ملموسة. وتطبيقات خلاقة 
للتقنيات الجديدة. ويتم هذا في إطار مؤسسي قد يكون «مدنا إبداعية» أو 
«مناطق إبداعية»77. 

ويمكن لهذه المشروعات أن تذهب في طريق تحقيق عوائد اقتصادية جمة. 
ويمكنها أن توظف في سبيل تحقيق غايات اجتماعية وسياسية مهمة. ففي الشق 
الأول مثلا انتبهت الدول المتقدمة صناعيا في أواخر القرن العشرين إلى الأهمية 
الاقتصادية البحتة للصناعات الإبداعيةء و يكد القرن الجديد يبدأ حتى أخذت 


207 


الخبيال السياناتبى 


تجني ثمار انتباههاء فقد قدر صافي عائدات صناعة حقوق النشر الأمريكية بنحو 
2 مليار دولار أمريكي في العام 2001, وهو ما عادل وقتها نحو 8 في امائة 
من إجمالي الناتج القومي. وهي صناعة يعمل بها 8 ملايين عاملء ويبلغ إسهامها 
في الصادرات الأجنبية نحو 89 مليار دولار. وهو ما يفوق إسهام الصناعات 
الكيميائية. والسيارات. والطائرات. وقطاع الزراعة, والقطع الإلكترونية. والكمبيوتر. 
وفي بريطانياء قدرت عوائد الصناعات الإبداعية في العام نفسه بنحو 122.5 مليار 
إسترليني ويعمل بها 1.3 مليون شخص. وتسهم ب 10.3 مليار جنيه من الصادرات» 
وتشكل 5 في اطائة من الناتج القومي الإجمالي90. 

أما بالنسبة إلى الشق الثانيء فإن المستثمرين الثقافيين في وسعهم أن يؤدوا دورا 
حاسما في تعزيز التماسك الاجتماعي. وتقوية الشعور بالانتماء. فالفن والثقافة 
والرياضة في وسعها أن توفر ملتقيات راسخة وفسيحة لأشخاص يعيشون في مجتمع 
يزداد تباينا وانقساما وتفاوتا مزرياء وقد كانت تلك ملتقيات يوفرها فيما مضى 
العمل أو الدين أو النقابنات7!؟). وليس معنى هذا أن تلك المسارات الثقافية تشكل 
بديلا للملتقيات التقليدية تلك. بل يمكن أن تعمل إلى جانبها وتعزز دورهاء وتخدم 
معها عملية تعميق الانتماء للدولة الوطنية والقيم والرموز الاجتماعية السائدة 
والتي تعمل على صهر الجماعة الوطنية في بوتقة مكينة ومتينة. 

من هنا فإن صناع السياسة يجب أن بممتلكوا القدرة على تخيل ما للصناعات 
الإبداعية من دور في تعزيز السياق الذي يغذي المدنية والديموقراطية والدولة 
الوطنية, أو يستعينوا بمن لديهم هذه القدرة على التخيل. بحثا عن مسارات 
وشبكات وأدوات جديدة تساعد الدولة على أداء وظائفها وتعطي النظام السياسي 
قدرة فائقة على تبرير وحجوده واستمراره. 

ليس معنى هذا أن تستخدم الصناعات الإبداعية كجزء من عملية تدجين 
وتنميط للمجتمعء, وتكون أشبه بحالات التثقيف التي تقوم عليها النظم الشمولية 
والمستبدة وال مؤدلجة. بل يتم الحوار مع القاتئمين على هذه الصناعات بحيث تعمل 
في الاتجاه الإيجابي. ليس فقط فيما تدره من عائد اقتصادي. بل فيما توجده من 
قيم وتصورات تعمل في اتجاه الخيرية والتماسك والتنوير وتحسين شروط ال معيشة 
مما يؤدي إلى التقدم في الحياة. 


2([08 


مجالات توظيف الحبال السشسباسدي 


(ل) صناعة دور دولي 

لا يغلق زحام التنافس الشديد بين الدول الكبرى في العالم على المكانة السياسية 
والاقتصادية والعسكرية الطريق تماما أمام أي دولة راغبة في أن تنحت لها دوراء 
سواء على المستويين الإقليمي أو الدولي. لكن على النخبة السياسية في هذه الدولة 
أن تجلس قليلا أو كثيرا لتتخيل هذا الدور. وتوظف إمكاناتها المادية والبشرية 
والعلمية في تحقيقه. 

وهذا الأمر ينطبق على العام العربي. الذي سأطبق هذه النقطة في وظيفة 
الخيال السياسي عليه لحاجته الماسة إليها أكثر من أي نقاط سبق ذكرها. فالعرب 
خاضوا معارك التحرير في منتصف القرن العشرين ضد الاستعمار ليجدوا 
أنفسهم الآن منهكين بفعل تعتثر الثورات والانتفاضاتء. وتوحش التيارات الدينية 
المتطرفة. بعد أن عانوا طويلا فسادا واستبداد! صاحبا مرحلة ما بعد الاستقلال؛ 
التي أخفقت في تحقيق التكامل الوطني والانصهار الاجتماعي الطوعي عبر 
الدمموقراطية والتنمية والعدل الاجتماعي وحقوق المواطنة. وتركت الدول هشة 
في مواجهة أي تقلبات تهز أركانها الاجتماعية على أساس طائفي أو عرقي أو 
جهوي أو طبقي أو أيديولوجي. 

وبمرور السنين تغيرت موازين القوى. وتراجعت قدرات العرب. الذين كان يقال 
إنهم القوة السادسة في العام عسكريا قبل خمسة عقود فقطء لتصبح إمكاناتهم 
مجتمعة في التسليح أقل من إسرائيل. وفي الاقتصاد أضعف من إسبانياء وفي عام 
الترجمة والنشر أدنى من دولة أوروبية صغيرة فقيرة هي اليونان, أي أنهم فقدواء إلى 
حينء القدرة على أن يجعلوا من أنفسهم رقما ذا بال في المعادلة الدولية. 

وكان هناك منطقان لإيجاد هذا الرقم. الأول هو انتظار مشروع عرب كبير 
وشامل. طرح تارة في إطار الوحدة وأخرى في الاكتفاء بتنسيق السياسات وتعزيز 
العلاقات في مختلف المجالات؛ أما الثاني فكان يحتاج إلى خيال لم يتأت حتى الآن: 
يدفع في اتجاه الانتقال من إدارة المعارك الكبرى في عاط الحرب واطالء إلى الصغير 
من المعارك. لجني فوائد سريعة ترمم بعض الشروخ التي مزقت البنيان العربي على 
مدار العقدين الأخيرينء. وتخلق أفقا جديدا أمام كتلة بشرية وجغرافية ولسانية 
ودينية. صار ينظر إليها غالباء حتى من بين أبنائهاء بأنها بلا مستقبل. 


209 


الخبيال السبياسشي 


فبدلا من انتظار لحظة تاريخية فارقة يستعيد فيها العرب جزءا من مجدهم 
الضائع وحضاراتهم العظيمة التي أهدت الدنيا عطايا مادية لا تنسى. ونفحات 
روحية لاتزال متوهجةء على العرب أن يعملوا بجد واجتهاد في سبيل تحسين 
أوضاعهم الراهنة بالقدر الذي يسمح لنظامهم الإقليمي بالبقاء على قيد الحياة: أو 
على أقل تقدير الحيلولة دون تدهور أوضاعهم إلى الحد الذي يخرجهم تماما من 
«زمام التاريخ». أو يؤدي إلى «إعلان وفاتهم» وفقا ما قاله الشاعر الشهير نزار قباني 
ذات يوم في قصيدة بكائية أبدعها في لحظة يأس جارفء تصور فيها أن الغد سيكون, 
بالضرورة. أسوأ من اليومء وأن العروبة تسيرء لا محالة» إلى ذهاب أبدي. 

إن معطيات التاريخ تهدي إلينا حكمة عميقة وناصعة عن أمم لم تقعدها 
الهزائم الكبرى, أو النكسات الشاملة, أو الوهن العام الذي تمكن منها حتى النخاع: 
عن محاولة كسب النزال المحدود والاشتباك المحدد مع وقائع حياتية جانبية. نراها 
صغيرة وهي من عظائم الأمور. حتى خرجت من ضيق إخفاقها إلى براح الإنجازات 
العريضة التي دفعتها إلى مقدمة الصفوفء, بعد أن كانت قبل عقود في عداد الأمم 
امغيبة عن التدفق الرئيس لحركة العلاقات الدولية. 

ولعل ما مرت به الصين والهند. مثلا لا حصراء يدلل على هذا الأمر بجلاء لا 
يشوبه غموضء ووضوح لا يصيبه لبسء. وم يكن في وسع هاتين الدولتين الكبيرتين أن 
تنطلقا إلى مصاف القوى العظمى في العالم لولا امتلاك نخبة الحكم والقوة الفاعلة 
قدرة هائلة على تخيل أدوار من عدم. ثم الانتقال من هذا الخيال الإيجابي الخصب 
إلى وضع استراتيجيات للتقدم في الحياة. 

فالصين ما ظن أحد أنها ستفيق من حرب الأفيونء وتسترد وعيهاء وتطلق طاقتها 
في اتجاه المزاوجة بين ما في القيم التقليدية الكنفوشيوسية من جوانب أخلاقية إيجابية 
وما في ثورتها الحمراء من اتجاه صارم وقوي إلى تهيئة ال مجتمع لحياة عملية مختلفة. ثم 
تقررء بعد الدخول في جدل عميق حول اللامح النهائية للأيديولوجيا وحدود التفاعل 
المرن مع العالم. أن تخط لنفسها بثقة طريقا مستقيمة. جنت منها ثروة طائلة. وحققت 
لبكين وجودا اقتصادياء ومن ثم ثقافيا وسياسيا أحياناء في كل مكان على سطح الأرض. 

وم تشأ الصين أن تستمر في مناطحة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق 
في عالم التسلح الرهيبء بل امتلكت فقط في هذه الناحية ما يكفي للدفاع عن سيادتها 


210 


مدالات توظيف الكنال السيائنيي 


الوطنية» ولم تجار القطبين الكبيرين إبان الحرب الباردة في بلوغ أجواز الفضاء الرحيب, 
بل قررت أن تبدأ من مجال هامشي ضئيل في عاط المال والقوة, لكنه بالغ التأثير في دنيا 
الحضور الثقافي والرمزيء ثم الاقتصادي فيما بعد. وهو صناعة «لعب الأطفال», التي 
م تلبث أن اتسعت لتطوق مجالات صناعية تلبي الاحتياجات اليومية البسيطة للفرد 
والأسرة في أرجاء العالمم جميعا. من ملبس وأدوات كتابية وزينة وهدايا... إلخ, وأنجزت 
في هذه الناحية إلى الدرجة التي تثير حنق وحقد الولايات المتحدة. 

أما الهند. التي اختارت العصيان المدني طريقا للمقاومة في أداء عبقري قاده 
رمزها العظيم امهاتما غانديء. فإن توصلها إلى السلاح النووي لردع غرمتها التاريخية 
باكستان لم يدفعها إلى التلويح بهذه «القوة الخشنة» طريقا لحيازة مكانة دولية. 
بل التفتت إلى إدارة معركة صغيرة كان انتصارها فيها مظفراء بكل المقاييسء إلى 
درجة أن الدولة التي كانت تحتلهاء بريطانياء باتت في حاجة ماسة إلى الاستفادة من 
مظاهر هذا النجاح الهندي. 

والمعركة التي اختارتها الهند بدأت بالسينما والموسيقى ووصلت الآن إلى عام 
الاتصالات والبرمجيات. فإذا كانت الموسيقى الهندية قد اكتسبت شهرة عالية 
بتفردها وسحرها وعذوبتها وخصوصيتها التي تنبت من ذائقة الهنود ووجدانهم» فإن 
سينما الهند خطت طريقها باقتدار» وفرضت أسواقهاء ونافست السينما الأمريكية 
في آسيا وأفريقياء على وجه الخصوص. وباتت تشكل مصدرا مهما من روافد الدخل 
القومي للبلاد. في وقت يزيد فيه الطلب يوما إثر يوم على مهندسي ومبرمجي 
الكمبيوتر الهنود للعمل في أرفع المؤسسات الاقتصادية والعلمية الأوروبية. 

على النقيض من ذلكء يقع الخطاب السياسي والثقافي العربيء على اختلاف 
المناهل الفكرية والأيديولوجية التي ينبع منهاء في فخ الينبغيات العريضة. فهو 
يطالب بمشروع نهضة كاملة وتمكن واسع ينتج مكانة وقوة دولية بارزة» دفعة 
واحدة. وفي سرعة فائقة. حتى بعد انهيار بعض الدول العربية ودخولها في نفق 
الصراع السياسي والمذهبي. وهذا الطرح لا يعبر عن طموح بقدر ما يشي بتجاهل 
حركة الواقع وسنن التاريخ. وجهل فى قراءة الإمكانات الراهنة للعرب. فتكون 
نتيجته إما إسسام للبقاء في الظل واستمراء الضعف والهوان والتفكك بعد تكرار 
الفشل في تحقيق نجاح كاسح دفعة واحدة: أو الميل إلى التفسير التآمري لكل شيء. 


211 


الخيال السياسى 


وكأن العالم لا شغل له سوى الكيد لناء وهذا يتم تحت وطأة خيال كسيح. لاسيما 
. أن القادرين على التخيل مستبعدون من صناعة القرار في أي مجال ولأي اتجاه. 

وقد يكون العرب معذورين جزثيا في استعجالهم وإحساسهم بأن هناك ما يدبر 
ضدهم في الخفاء. في ظل التحيز الأمريي الجلي لإسرائيل. ومع احتلال العراق تحت 
ذرائع واهيةء في الوقت الذي تتمسك فيه الولايات المتحدة بالخيار السلمي طريقة 
لحل المشكلتين الكورية الشمالية والإيرانية. وفي ظل همزات الوصل بين أجهزة 
استخبارات غربية وجماعات وتنظيمات إرهابية تعمل على تفكيك الدول العربية, 
وكذلك في ظل توظيف قوة مدنية داخلية مرتبطة بالغرب في تعميق الاستتباع 
العربي للولايات المتحدة وحلفائها. 

لكن العيب أن يُضخم هذا العذر, ليصبح بمنزلة مرض نفسي عضالء يكرس 
حالة الهروب من مواجهة التفاصيل اليومية العربية. أو تجاهل مسائل مهمة 
صغيرة,ء وصغرها ليس طبعا ولا طبيعة أصيلة فيها بل نتاج قيامنا بتهميشها بإرادتناء 
وانحيازنا في الوقت نفسه لحساب «الكليات» الكبيرة, التي هي بنت الأيديولوجيا 
أكثر من كونها الإفراز الطوعي للواقع الذي يتبدل باستمرار. 

لقد حان الوقت للعرب, الشعوب قبل الأنظمة والناس قبل الحكام: أن يلتفتوا 
إلى المعارك الصغيرة فيخوضوها بثقة واقتدارء بدءا من معركة تغيير الصورة النمطية 
المغلوطة عنهم, التي تطفح بها مناهج التعليم ووسائل الإعلام الغربية, وانتهاء بتقديم 
إسهام ولو بسيط في حركة الحياة المائجة. قد يكون في تلبية احتياجات الباحثين عن 
«الامتلاء الروحي». وما أكثرهم على سطح الأرضء وما أحوجهم إلى بساطة ومنطقية 
وسلاسة العقيدة الإسلامية بتبنيها التوحيد. شرط أن نخلص نحن الإسلام من الحمولات 
الثقيلة لتاريخ ال مسلمين. وقد يكون فرض احترام ال موسيقى الشرقية الخالصة. التي 
تتفرد باكتمال لحني لا يتوافر لنظيرتها الغربية. وقد يكون التخصص في سلعة خارجة 
من رحم البيئة العربية أو غير ذلك من مجالات حياتية تبدوء على قوتها وأهميتها, 
بسيطة في نظر المتعجلينء الذين لا يرون الإنجاز إلا من خلال دق طبول الحرب. 

إن هناك مجالات عدة يمكن للعرب الإسهام فيها في الحضارة الإنسانية المعاصرة. 
لكن عليهم أن يجلسوا أولا لتخيل هذا الدور ومفرداته. ثم تخيل كيفية دفعه في 
أوصال العام من شرقه إلى غربه. 


212 


0 هناك نماذج عديدة جزثئية وكلية لمحاولة 
إطلاق العنان للخيال السياسي بغية الخروج 
من ضيق الواقع إلى رحاب الآتيء سواء على 
١‏ المستوى النظري أو التطبيقي العملي. 

0 فعلى المستوى النظري حاول رايت ميلز 
)) أن يخط معام الخيال الاجتماعي في كتاب 
© يوصف بأنه يمثل: «مقدمة رائعة وملخصا 
للنزعة الإنسانية الكامنة وراء علم الاجتماع 
كعلم.. يربط بين الأبعاد الاجتماعية والشخصية 


هه والتاريخية لحياتناء ويتخذ موقفا نقديا من النزعة 


00 : 9 تك الزنة. .+ . 

بتدرعظ اتسديات اي تجاه ل الإمبريقية المجردة والنظريات الكبرى في آن». 
تؤرقناء تكون هناك حاجة ماسة و وهذا الاصطلاح يعني «رؤية اجتماعية وأسلوبا 
وملحة إلى الدرس والتأمل والبحث ‏ 5111 ١‏ 

على أسس رحبة. وبحيث يجري ©1294 للنظر إلى العام يمكن أن يدرك الارتباطات بين 
استبيان العوامل والمتغيرات والقوى ‏ 1113 اا ا ل 00 
المؤثرة والتيارات الفاعلة في حركة ‏ 0" المشكلات الفردية التي تبدو شخصية في الظاهر 
المستقبل العربي» 1 والقضادا الاجتماعية المهمة»17). 


213 


الخيال السياسي 


أما على ال مستوى التطبيقي فقد توزعت معامه على ما هو عامء وما ينصرف 
إلى حالات بعينها. ومن الحالات العامة تلك المحاولة التي قام بها غاريث ستيدمان 
وإيرا كاتزنيلسون2. حيث تخيلا تأثير التفكير الديني والعلمنة في الحالة السياسية 
في ا مستقبلء بعد أن فحصاها جيدا في الماضيء وتحديدا منذ بداية القرن السادس 
عشرء ليوفرا وسائل جديدة للتفكير في إلحاح المسائل الدينية على عالنا المعاصر. 
وعلى ما سيأ فيما بعد. 

وتوجد رؤية أخرى سعت إلى قراءة «الفدرالية» في الولايات المتحدة الأمريكية 
باعتبارها مثالا ناصعا للحلم السياسي. وكيف ممنحنا «الخيال المستيقظ» أو 
الحاضر دوما قدرة على تشكيل السلطة العامة والحفاظ عليها عبر الزمن. وكيف 
يهينا إمكانية وضع استراتيجيات لتعزيز ولاء المواطن للحكومة الاتحادية وليس 
على مستوى الولايات المحلية فقط. وكيف يجعلنا نتلاق أي عيوب تظهر في 
النظام الديموقراطي©. وهي محاولة لتقديم نموذج طاما ألهب بعض خيال 
المفكرين السياسيين. بل وممارسي السياسة. في البلدان التي تعاني مشكلات 
عرقية وطائفية وجهوية. 

وهناك مثل تطبيقي بالغ الدلالة. قدمته المعارضة السياسية في بولندا. حين 
تخيلت خلال حكم نظام شيوعي مستبد أنها تعيش في مجتمع حرء ووسعت من 
هامش الحريات الضيقء بعد سنوات من قرارها الانفصال عن النظام الرسمي 
والعمل بشكل مستقلء وإيجاد حياة عامة بديلة. حيث خرجت من تحت الأرض, 
ونشر المعارضون أسماءهم وعناوينهم وأرقام هواتفهمء ووزعوا منشورات على 
الناسء فكسبوا أرضا جديدة. وقفوا عليها ليسقطوا النظام فيما بعد". وهم هنا 
مم يكتفوا بالإغراق في حلم التغيير.ء بل صنعوا هذا الحلمء. وحولوا «الافتراضي» 
إلى «واقع». وما «ينبغي أن يكون» إلى «كائن». فقد تجاهلوا السياق السياسي 
- الاجتماعي المقبضء الجاثم على صدورهم. وتصرفوا كأنهم يعيشون في دولة 
ديموقراطية. فكسروا حاجز الخوفء. وتعدوا الخطوط الحمراء التي كانت قد 
رسمتها السلطة المستبدة أمام أقدامهم, فحققوا بالخيال ما أرادوه. 

لكن هذه الخطوة الشجاعة المتكئة على خيال سياسي جارف بنيت على خطوة 
سابقة لا تخلو أيضا من خيالء قام بها البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان. حين 


214 


نماذج للتخيل السياسي 
زار بولندا الشيوعية وخرج اللايين طقابلته.ء حيث خاطب البولنديين: «لا تخافواء 
تصرفوا كأحرارء وغيروا وجه بلدكم». وقد اعترف الرئيس البولندي ليخ فالينساء 
الزعيم الأسطوري لمنظمة التضامن التي ناضلت سنوات ضد النظام الشيوعيء بأن 
البابا قد لعب الدور الرئيس في إسقاط الشيوعية في بلاده. 

وقال إنه لم يتمكن في فترة السبعينيات من تجميع عشرة أشخاص كانوا على 
استعداد لمقارعة النظام الشيوعي لأنه لم يكن أحد يصدق أن هذا النظام يمكن أن 
يُهزم» وفجأة يصبح مواطن بولندي بابا للفاتيكان. وبعد عام من ذلك يزور بلده. 
ويخرج املايين لملاقاته. وعلى إثرها يتخلى الناس عن خوفهم.: وبعد أن كان فالينسا غير 
قادر على تنظيم عشرة:, بات قادرا على تحريك عشرة ملايين» وهو أمر لم يكن ممكنا 
قبل زيارة البابا التي جعلت الناس تفيق وتنهضء لتنطلق الاحتجاجات والإضرابات©. 

وتوجد نماذج جزئية. فردية أو مؤسسية. على الخيال السياسيء منها ما قدمه 
بريجنسكي في كتابه «الاختيار», والذي يصفه بأنه «تنبؤي من جهة وتوجيهي من 
جهة أخرى»©. فيما يصف صموئيل هنتنغتون الكتاب بأنه «تحليل ألعي موجز. 
ولكن ثاقب البصيرة للسياسة العاللية المعاصرة والدور الأمريكي فيها». ويقول كوفي 
أنان» الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة. إن بريجنسكي «يقدم حجة بارعة لمصلحة 
التعددية بتفكيره الواضح المألوف. وسعة بصيرته. ويكشف لاذا يجب أن نسعى 
إلى بناء مجتمع عالمي ذي مصالح مشتركة. وكيف يكن أن تساعد الولايات المتحدة 
في قيادة هذا الملسعى». 

حاول بريجنسكي في كتابه هذا أن يجيب عن أسئلة من قبيل: ما هي التهديدات 
الرئيسة التي تواجه أمريكا؟ وكيف تتصدى لها؟ وهل يحق لها أن تكون الأمة الأكثر 
أمانا في العالم. وهل في وسعها أن تدير بكفاءة علاقاتها الاستراتيجية مع العام 
الإسلامي الذي ينظر إليها غالبا بوصفها عدوا؟ وهل بمكنتها أن تحسم الصراع 
العربي - الإسرائيلي؟ وما يلزمها لجلب الاستقرار إلى بلاد البلقان؟ وهل بمقدورها أن 
تؤسس شراكة حقيقية مع أوروبا؟ وهل ممكن ضم روسيا إلى إطار أطلسي تقوده 
واشنطن؟ وما الدور الذي يمكن أن تمارسه أمريكا في الشرق الأقصى؟ وما احتمال أن 
تؤدي العوطة إلى إيجاد مذهب مخالف أو تحالف مضاد لأمريكا؟ وما هو حجم 
تهديد الزيادة السكانية والهجرة للاستقرار العالمي؟ وهل تتواءم الثقافة الأمريكية 


2152 


الخيال الننيياسي 


مع المسؤولية الإمبريالية بالضرورة؟ وهل تتوافق دمموقراطيتها مع دور الهيمنة 
السياسية؟ وكيف تتفاعل واشنطن مع التفاوت في القضايا الإنسانية”)؟ 

أما المحاولات المؤسسية الخاصةء فمنها تلك التي أخذها على عاتقه أحد الناشرين 
في بريطانيا خلال عشرينيات القرن العشرينء حيث تبنى مشروعا طموحا لاستكشاف 
المستقبل. فطلب من مائة عام وخبير وباحث وأديبء أن ينتجوا عدة كتبء كل في 
تخصصه. يتصورون فيها حياة الناس بعد نصف قرن. وحين جاءت سنة 1970. أخذ 
البعض يقارن بين ما تنبأ به هؤلاء وما تحقق بالفعل في الواقع المعيش. فوجدوا أنه 
على الرغم مما وقع في تقديرات المؤلفين من أخطاء. فإنهم قد بلغوا من دقة الحساب 
حدا يلفت النظر. فأحدهم تنبا بهبوط الإنسان على سطح القمرء وكاد التاريخ 
الذي حدده لذلك يطابق ما جرى فى الواقع. وكانت هناك أيضا نبوءات في الفيزياء 
والكيمياء والبيولوجياء وهذا ليس مجاله هنا. أما النبوءات التي ترتبط بهذا المقام 
فمن بينها تلك التبوءة التي توقعت انهيار الاقتصاد البريطاني وأفول الإمبراطوره ية التي 
لم تكن تغرب عنها الشمس. وهناك باحث تنبأ بقيام إسرائيل ثم توقع سرعة تفككها 
وانهيارها معللا هذا بزوال عقدة الاضطهاد التي كانت سببا في نشأة هذه الدولة©, 
وهي النبوءة التي لايزال كثيرون ينسجون على منوالها في وقتنا الراهن. 

وقام مركز دراسات الوحدة العرن بية خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن 
الماضي بتنفيذ مشروع حول «استشراف مستقبل الوطن العربي»2. انطلق من 
خلال دراسة إرث الماضي للتعلم منه. بتفادي السلبيات وتعزيز الإيجابيات. إلى 
الحاضر بمعطياته. ليضع ثلاثة سيناريوهات للمستقبل استنادا إلى الواقع ال معيش. 
على التحو التالي: 

1 - مشهد التجزئة. حيث درس النسق العالمي والإقليمي. والتطورات 
الاقتصادية. والتفاعلات الاجتماعية. وحال المجتمع والدولة. وحصيلة السياسات 
بمختلف أنواعهاء والسياسات الممكنة التي تحكم الصراع من أجل البقاء. 

2 - مشهد التنسيقء وهنا درست الملامح العامة للمشهد الراهنء والتحديات 
المطروحة والاستجابة الفعالة. والقوى الدافعة للتعاون العربي. والتطورات 
الاقتصادية. والسياق الإقليمي والعالميء والتداعيات الاجتماعية وحصيلتهاء ثم 
السياسات والآليات. 


216 


3 - مشهد الوحدة العربية. حيث النزوع إلى الكيانات الكبيرة. وهنا درس 
التحول الدمموقراطيء, وتلاحم المجتمع العربيء وأنساق القيم الجديدة. وشكل 
الدولة وطبيعتهاء وقضية المواجهة مع الخارجء» سواء الدول الكبرى أو إسرائيل. وهنا 
توزعت الدراسات على ثلاثة محاور: محور العرب والعامء ومحور المجتمع والدولة: 
ومحور التنمية العربية. وأعد الباحثون ال منفذون للمشروع «نموذجا» يساعد في 
امقارنة بين هذه المحاورء وقياس متطلبات ونتائج كل منها. 

وعلى الرغم من أن استشراف المشروع انتهى إلى توقح خيار «التجزئة» فإنه 
دعاء كخطوة وقائية. إلى إطلاق مشروع نهضوي عربي يقوم بغية تحقيق ستة 
أهداف: الوحدة العربية. والدمموقراطية. والعدالة الاجتماعيةء والتنمية ال مستقلة: 
والاستقلال الوطني والعدلء والتجدد الحضاري. 

وفي مطلع ثمانينيات القرن العشرين أيضا شجعت جامعة الأمم المتحدة باحثين 
وطنيين في أقاليم مختلفة من العام الثالث على استشراف مستقبل بلادهمء كان 
في مطلعها العالمم العربي. حيث اشتغل باحثون في مشروع يحمل اسم «المستقبلات 
العربية البديلة». والذي ركز على الديناميات الاجتماعية والاقتصادية والحضارية 
التي يحتمل أن تؤدي إلى خلق مسارات لتنمية بديلة» وقد صدرت حصيلة هذا 
الجهد في كتاب تحت عنوان «صور المستقبل العربي»9". شارك في تأليفه عدد 
من الباحثين والخبراء الاقتصاديين المرموقين. وهم إبراهيم سعد الدين. وإسماعيل 
صبري عبد الله. وعلي نصار. ومحمود الفضيلء. وساعدهم خبراء آخرون. 

وانطلق القانئمون على هذا المشروع من اقتناع بأن التفكير في ال مستقبل العربي 
بات ضرورة. إذ قالوا في مستهل عملهم اللافت: «في ضوء كل صعوبات التقدير 
والاختيار والتأثير في حركة الأوضاع المستقبلية» تبرز أهمية التفكير والتأمل العلمي 
الشامل من خلال نشاط ذهني متسع ومتصل.. فبقدر عظم التحديات التي 
نجابههاء وبقدر اتساع دائرة الطموحات التي تؤرقناء تكون هناك حاجة ماسة 
وملحة إلى الدرس والتأمل والبحث على أسس رحبة. وبحيث يجري استبيان 
العوامل والمتغيرات والقوى المؤثرة والتيارات الفاعلة في حركة المستقبل العربي. 
حتى يمكن استشراف أبعاد صور المستقبل العربي كافة بما تحوي من مشاكل 
وتحديات وبما تنطوي عليه من طاقات وإمكاناتء فالأمور قد تطيب أو تخبث 


217 


الخيال النسياسسى 


بالنسبة إلى المشاهد الاحتمالية للمستقبل العربي بقدر ما تنجح من الآن. ومن دون 
إبطاء. في إعداد العدة للمستقبل عن طريق حسن الدرس والتقديرء وحسن التدبير 
معاء وذلك حتى لا تجري الرياح بما لا تشتهي السفن»21". 

بدأ ا مشروع بوضع «المستقيل العربي» في إطار مقارن مع النماذج العالمية 
المتداولة, والتي اختبرت في مناطق وأقاليم ودول أخرى في العالم. ليحدد ملامح 
المستقبل العربي في بعض الوثائق الخاصة بالاستراتيجيات العربية في مجال الأمن 
الغذائ» والتنمية الصناعية الرامية إلى الوفاء بالحاجات الأساسية إلى المواطنين 
العرب. والأنماط البديلة للتنمية وأساليب الحياة, وتوفير الطاقة. وتطوير التعليم 
والتربيةء وتطرق المشروع إلى نقاط تفصيلية أكثر شمولا من قبيل العلاقة بين 
البنى الاجتماعية السياسية والتنمية. وعملية صنع القرارء والدمموقراطية والاتصال 
الجماهيري والمشاركة الشعبية. والاتجاهات الاجتماعية والسياسية والثقافية. 
وآليات التبعيةء والعلاقة مع النظام العال مي المتغير. والآثار غير المدروسة للثروة 
النفطية. واموارد البشرية وسبل تنميتهاء وموارد واستخدامات العلم والتكنولوجياء 
والفنون والآداب. والإطار المؤسسي للتكامل العربيء والتوحد العربي وقضايا الأقليات. 

وانتهى القائمون على ال مشروع بآمال عريضة علقوها على إمكانية أن تؤدي مثل 
هذه الدراسات العلمية إلى تحسين شروط الحياة في العالم العربىي من الخليج إلى 
المحيطء إذ قالوا في ختام ما قدموه: «والأمل كل الأمل أن تساعد هذه الدراسات 
والحوارات جميعا في إلقاء مزيد من الضوء على العوامل الحاكمة لصناعة ال مستقبل 
العربيء. وأن تساعد بالتالي على تحديد ماهية الافتراضات التي يمكن الاستناد إليها. 
وماهية طبيعة القيود التي لا بد من أخذها في الحسبان عند محاولة رسم الصورة 
التجميعية للتطورات العربية المحتملة. سواء اتخذت هذه المطحاولات شكلا كميا 
أو تأمليا»02. 

وهناك محاولة قام بها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية مع 
مطلع القرن الحادي والعشرين. حيث وجه دعوة إلى نخبة متميزة من المفكرين 
والباحثين ذوي اطكانة العلمية الرفيعة. كل في مجال تخصصه. بغية استقراء بعض 
ملامح المستقبلء وتقديم رؤية عميقة ومدروسة تسهم في إجلاء غموض ما سيأق 
وتحديد معالمه بصورة دقيقة. وفي ركاب هذا قدم المؤرخ المعروف بول كندي إجابة 


210 


1 9 7 3 0 1 . 
نصادح لتتكثل اتتنن انانف 


عن سؤال محوري عن التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين. 
وعرض المفكر ألفن توفلر صورة ناصعة لموجات التغيير التي لحقت بمختلف 
الثقافات وتأثيرها في الفرد والأسرة والمجتمعء. ودرس جيرمي ريفكن دراسة عن 
الآثار التى تخلقها هندسة الجينات على البشر». وشرح زبغنيو بريجنسكىي محددات 
النظام الدولي في القرن الحالي» وبين كينيشي أوماي ما يتصوره عن طبيعة الدولة 
في القرن نفسه. وقدم إيرل تيلفورد ما يتوقعه عن شكل الحروب في المستقبل., 
وقدم آخرون تصوراتهم عن نظم الصحة والتعليم والإعلام والاتصال وا معلومات, 
والصيغة التي ستأخذها المنافسة الاقتصادية وحركة الأسواق!213. 

وتوجد محاولات قامت بها مؤسسات عامة في دول أو عبر منظومة دولية, 
منها تلك التي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1975 بمناسبة مرور 
قرنين على استقلال البلاد.ء حيث أعد اثنان من علماء الفيزياء هما هيرمان كان 
ووليام براون ومعهما ليون مارتل. دراسة بعنوان «العامم بعد مائتي عام» محاولين 
أن يقفوا على معام الثورة العلمية والتقنية خلال القرنين المقبلين» ومنطلقين من 
مقولة مفادها: «نحن في زمن ذاعت وراجت فيه دراسات تشير إلى أن مستقيبل 
البشرية مظلم وكتيب». لتبدأ الأسئلة: ما العمل؟ وما هو المصير؟ وهل تنتظر 
البشرية كارثة محققة؟ وكيف يمكن أن نتفادى هذا؟ ثم قدموا رؤية حول المنظور 
الصحيح للنمو وسبل البحث عن طاقة بديلة ومتجددة ومستقبل المواد الخام. 
وحجم الطلب على الغذاء. ووضع البيتة.ء ومشكلات الانتقال إلى مجتمع ما بعد 
التصنيع. وصارت هذه الرؤية نواة لسلسلة من الدراسات المستقبلية ظهرت فى 
العقود اللاحقة لتستشرف ما سيكون عليه العام 4'). 

وهناك الجهد الذي تقوم به «جمعية مستقيل العالم». واحدة من أهم رواد 
ا مستقبليات. وهي تجمع علمي وتربوي غير حزبي غير هادف للربح. يضم خمسة 
وعشرين ألفا من المهتمين بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية التي تؤثر 
في المستقبل. وتتخذ الجمعية. التى تأسست في العام 1966. من الولايات المتحدة 
الأمريكية مقرا لهاء ويتوزع أعضاؤها على عدد من أقطار العالم» وتصدر عددا من 
المجلات والدوريات العلمية. علاوة على نشرة إخبارية على شبكة الإنترنت. وتعقد 
مؤتمرات في مختلف الموضوعات التى تناقش المستقبل. 


3 1 مه 
١ 35 >,‏ 


الخبيال السياسى 


ويمكن هنا أن نشير إلى المؤتمر الذي عقدته الجمعية في العام 2005 بمدينة 
شيكاغو بالولايات المتحدة. وشارك فيه ستة وثلاثون باحثا ينتمون إلى ثمانية 
بلدان. ونشرت أوراقه في كتاب حوى ثمانية أقسام72. الأول عرض منظورا شاملا 
للاتجاهات حول التجديد والأثر. من العام إلى الخاصء بما في ذلك بحوث عن 
الهندسة الجينية والطب النانوي؛ والثاني دار حول العلم والروح والجسد والعقل. 
حيث تتبع الأفكار حول دوري العلم والدين في التاريخ الإنسانيء. وتأثيرهما في 
مستقبل البشر؛ والثالث يستقصي القضايا العالمية مثل استخدام الموارد وإهدارهاء 
وسبل الوصول إلى التنمية المستدامة. والرابع يتطرق إلى الابتكارات والاستراتيجيات 
التي تطبقها المنظمات والشركات التجارية والحكومات. 

أما القسم الخامس فيعرض أفكارا جديدة ترمي إلى تقدم البحوث المستقبلية, 
والطرق التي يعمل بها الباحثون في مجال المستقبليات. والسادس يعرض دراسات 
حالة في المستقبليات. ليصور تطبيقات عملية لتوظيف الاستبصار في وضع حلول 
مشاكل معينة., والسابع عن التعلم لعالم الغد. والذي لا يقتصر على تناول مسألة 
وضع التفكير في المستقبل ضمن برامج التربية والتدريب. وأخيراء يعرض الجزء 
الثامن الدروس المستفادة من الماضيء والقيم والأفكار التي يصنعها الذين سبقوناء 
وكيف يمكن أن ترشدنا إلى مستقبل أكثر حكمة. 

وهناك المحاولة التي قامت بها المؤسسة الفنلندية للبحث والتنمية في العام 
1 تحت إشراف رئيس وزراء البلاد لاستشراف توجهات التطور العالمي» 
والوقوف على القوى الرئيسة التي ستحرك الأحداث. وقد انتهت إلى وضع خمسة 
سيناريوهات محتملة:12 أولها أسمته «المخطط الكبير» 2122 ,5435 ويرى أن 
الاندماج العالمي سيقود إلى تناغم اقتصادي وسياسيء. وتنمية مستدامة. في كنف 
التعاون الدولي وتقوية المؤسسات العالية؛ وثانيها هو سيناريو المال والتكنولوجيا 
طعع1' بإعده88. وهو يتوقع دخول العام في مرحلة انتقالية اقتصاديا وسياسيا 
بفعل التطور الصناعي الذي تغذيه الشركات متعددة الجنسيات يصاحبها نمو 
غير عادلء. وتفكك البنى الاجتماعية؛ أما ثالثها فسيناريو عام الاختلافات 1802105 
ععصءع1016 4ه. حيث يعود الصراع الأيديولوجي الذي كان سائدا في سنوات 
الحرب الباردة. لكنه هذه المرة بين الحضارات الإنسانية الكبرى في العام المعاصر. 


220 


نماذج لتتختل النسشياسى 


ورابعها يسمى سيناريو ما بعد السقوط 1311 ع2 على حيث تتراكم المشكلات 
الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية التي يعاني منها العالمء فتنجم عنها 
اضطرابات تحتم مراجعة جذرية طفهوم «التطور الاجتماعي» وتدفع في اتجاه 
إعادة تشكيل النظم الاجتماعية والسياسات الاقتصادية؛ والأخير هو سيناريو المراكز 
واأطحيطات و5ع151ع1ط1صلءء2 3220 246625عر). إذْ تقود الصراعات الحادة بغية الهيمنة 
إلى بروز مراكز عاطية جديدة للسلطة. 

وفي العام 1994 عكف أكثر من مائتين وخمسين باحثا خبيرا فنيا من كبار 
المهنيين من المكاتب والشركات الهندسية والمتخصصة والأكادميين من كل 
الجامعات في إسرائيل وممثلين لعشر وزارات. وممثلين عن الوكالة اليهودية 
وسلطة المياه ودائرة أراضي إسرائيلء على الإجابة عن سؤال مفاده: كيف ترى 
إسرائيل نفسها في العام 752020 وقادهم خيالهم إلى التفكير في جميع الجوانب 
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخاصة بصورة إسرائيل كدولة يمكن 
أن تكون في مصاف الدول الصناعية الأولى. وعلاقتها ب «الشعب اليهودي» في 
مختلف أنحاء العالم.» وموقف إسرائيل من الدول العربية التي تطوقها. وقد بينت 
الدراسة. التي صدرت في عدة مجلداتء أن هدف إسرائيل هو التوسع الجغرافي 
والاقتصادي على حساب الدول العربية لحل معضلة الانفجار السكانىء. لاسيما 
مع استهداف ربط إسرائيل بكل يهود العاط. باعتبارها مركزا لقوتهم العسكرية 
والاقتصادية والحضارية. 

وعلى مستوى المنظومة الدولية بأسرهاء هناك محاولة قامت بها الأمم المتحدة. 
حين شكلت لجنة عاطية للبيئة والتنمية برئاسة رئيسة وزراء الترويج انذاك. 
وطلبت منها أن تعد. ممساعدة فريق من الباحثين والخبراء. دراسة عن مشكلات 
البيئة والتنمية فوق كوكب الأرضء وكيف يمكن استخدامها من دون الجور على 
مقدرات الأجيال القادمة. بل وصل الأمر إلى مساهمة الآلاف في هذه الدراسة. وهو 
ما عبرت عنه رئيسة اللجنة بقولها: «لقد أسهم الآلاف من الناس من جميع أنحاء 
العالم في عمل اللجنة بالوسائل الفكرية واطالية. وبمشاركتنا في تجاريهم بواسطة 
التعبير عن حاجاتهم ومطالبهم». وقد وجهت اللجنة نتائج عملها إلى الحكومات 
ومنظمات المجتمع المدني والقطاعات الخاصة عبر العالمم كله. ودعت الجميع إلى 


221 


أتحبال السبياسى 


التضافر من أجل مواجهة التحديات التي تجابه البيئة والتنمية*'). وهناك دول 
استفادت من نتائج هذه الدراسة. وأخرى ١‏ تلق لها بالا. 

وبالقطع فإن ما غرض سابقا ليس كل المحاولات التى سعت إلى إعمال الخيال 
بغية التنبؤ بما سيأقي. فالعلماء والأدباء في كل مكان. وفي أزمنة متعاقبة. كانوا 
مشغولين دوما بالسؤال عن المستقبلء وعارفين لأهمية التخيل في كشف المجهول 
وإجلاء الغامضء وأنتجوا في هذا الشأن تصورات ورؤى عديدة. لا تخلو أمة ولا 
زمن منها أبدا. 

ومع مطلع تسعينيات القرن العشرينء وفي إطار الأمم المتحدة. اجتمعت لجنة 
«إدارة شؤون المجتمع الدولي» والمكونة من تمان وعشرين شخصية عالية. متنوعة 
الخبرات والاهتمامات والمسؤولياتء. لدراسة الأساليب التى من شأنها أن تساعد 
المجتمع الدولي على إدارة قضاياه. ومواجهة تحدياته. وحل مشكلاته. على أفضل 
وجه ممكن. 

واعتقدت هذه اللجنة. التي م تكن تعني قط إقامة حكومة عالية أو عام 
لا نظم فيه ولا قواعد. أن وجودها هو جزء من تطور الجهود الإنسانية لتنظيم 
الحياة على كوكب الأرضء ورأت أنها لا تقدم برنامج عمل يصلح لكل العصورء 
لكنها رأت أن الوقت قد حان ي ينطلق العام من مخططات تراكمت وتطورت على 
مر القرون حتى وصلت إلى الأمم المتحدةء التي عليها أن تجدد أدواتها في سبيل 
مساعدة العالم على عيش أفضل. 

واستهدفت اللجنة إقامة «عالم جديد». منطلقة من أن «قدرة الناس الجماعية 
على تشكيل المستقبل هي أكبر الآن من أي وقت مضى.ء كما أن الحاجة إلى ممارستها 
أصبحت الآن أكثر إلحاحاء والتحدي الرئيس الذي يجابه هذا الجيل هو حشد تلك 
القدرة من أجل جعل الحياة في القرن الحادي والعشرين أكثر دمموقراطية. وأكثر 
أمنا واستمراريةء والعالم في حاجة إلى رؤية جديدة يمكن أن تحرك البشر في كل 
مكان لتحقيق مستويات أعلى من التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك. 
والمصير المشترك»197). 

وحوى التقرير الذي أصدرته اللجنة دراسة للظواهر والحالات والمشكلات 
التي يمر بها العالم مثل العومطة. وسباق التسلحء وتصاعد النزاعات المدنية 


ا 


نماذج للتخيل السييناسى 


والعنف واسع النطاقء. والفقرء ومستقبل القطاع الخاصء وأوضاع السكانء» 
وموارد الأرضء ووسائل الإعلام» والتغير الذي طرأ على المجتمع امدنيء وكيفية 
تمكين الشعوبء وإيجاد القيادة المستنيرة. وبعدها طرح التقرير عدة قيم من 
شأنها أن تزيد من متانة الجيرة في العالم بأسره بمعالجة أسباب التوتر وفرض 
أخلاقيات للجوار. وخددت هذه القيم في احترام الحياة والحرية والعدل 
وامساواة والاحترام المتبادل ومراعاة الغير والنزاهة. ثم طرح عدة معايير لإقامة 
نظام أخلاقي مدني عامي مثل الحقوق العامة. والمد الدمموقراطيء ومكافحة 
الفساد. وإقامة الديموقراطية. وتعزيز الشرعية. وواءم بينها وبين المعايير القديمة 
مثل السيادة وحق تقرير المصير. 

ونظر التقرير في إمكانية تعزيز الأمن الإنساني عبر إجراءات لتجنب الحروب 
والعنف والفوضىء والإنذار المبكرء وإرسال بعثات تقصي الحقائقء والتسوية 
السلمية للمنازعات. وخلق أدوار جديدة لحفظ السلم. وتحمل نفقاته. وتفعيل 
العمل بالفصل السابع لمجلس الأمن الدوليء وإنشاء قوة متطوعين تابعة للأمم 
المتحدة. وإنهاء التهديد باستخدام أسلحة الدمار الشاملء وتجريد ال مجتمع الدولي 
من الطابع العسكري. 

كما تطرق التقرير إلى المسائل الاقتصادية. فدعا إلى إدارة الاعتماد المتبادل 
في المجال الاقتصاديء. ومواجهة الفقرء. وتعزيز النمو. واستغلال الطاقات البشرية 
المعطلة وامطهملة. وإقامة نظام تجاري متعدد الأطراف يتسم بالقوة, وإصلاح 
عمل صندوق النقد الدولي وتوظيف جهوده لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العامي» 
وإعادة التفكير في مبادئ الإدارة. ومعالجة أزمات الديون. وإطلاق تقنيات من 
أجل التنمية, والتصدي للكوارث البشرية والطبيعية» والنظر في إنشاء «مجلس أمن 
اقتصادي»., والعمل على حماية البيئة العامية. 

ونظر التقرير في إمكانية إصلاح الهيئات التابعة للأمم المتحدة نفسهاء 
لاسيما الجمعية العامة ومجلس الأمن والقطاعات الاجتماعية والاقتصاددة 
والهياكل التنظيمية. وخلق ال مجتمع المدني العالمي. وتعزيز سيادة القانون على 
الصعيد العالمي. 


003 


























خلاصة وتوضيات 


سعى هذا الكتاب إلى الإجابة عن التساؤلات الأساسية حول «الخيال 
السياسي» من حيث تعريفه. وأهدافه. ومجالات توظيفه. ومتابع استنباطه. 
وسبل تنميته أو تعزيزه. ثم قدم بعض التطبيقات العملية عليه. من خلال 
استعراض تجارب عديدة فردية وجماعية. خاصة ورسمية. وهو بذلك يضع 
تصورا أوليا حول هذا الموضوع. الذي مم يحظء على أهميته. بانشغال الباحثين 
العرب. على رغم الحاجة اماسة إليه في واقعنا ا معيش. حتى نخرج من ضيق 
الحالي والآنيء إلى براح القادم والآي. 

وأرى أن النظرة العلمية للخيال السياسي. وفق ما جادت به هذه الدراسة, 
تتطلب منا أن نراعي ابتداء ثلاثة أمور: 

أولاء يجب ألا نقول في الخيال السياسي «حتما». فقد لا نتخيل كل ما سيحدث. 
بل قد تسقط نبوءتنا تماما تحت أقدامناء لأننا في النهاية لا نعرف كل شيء عن 
المستقبل مهما حاولناء بل إننا في أغلب الأحيان لا تتوافر لنا هذه المزية عن وقتنا 
الحاضر أو عن الماضي القريبء. فكثير من المعلومات تحجب أو يتعذر وصولنا إليها. 
وإن وصلنا إليها فإن تحليلنا لها قابل للوقوع في أخطاء مهما توخينا الحذر. 

ثانيا يجب ألا نقول في الخيال السياسي «مطلقا». فالأمور التي نفكر فيها 
نسبية, والأدوات التي نستعملها نسبية أيضاء ومختلف على حجيتهاء كما أن ما 
سنتوصل إليه يبقى نسبياء وهذا من سمت العلم أو صفته. وإذا كان هذا ضرورياء 
ولا يمكن تفاديه حيال المسائل محددة المعالم. فإن ذلك لا ينطبق على مسألة 
الخيال على ما فيها من سيولة. 

ثالثاء يجب ألا نقول في الخيال السياسي «أبدا». فالنتائج التى سنصل إليهاء 
حتى لو كانت غاية في الدقة والإحكام. هي مؤقتة. إذ إن زحف التاريخ إليها 
وبلوغها يفكك بعض جوانبهاء وقد يفرض علينا أن نفارقها إلى نقطة أكثر تقدماء 
ونحن نتفاعل بلا هوادة مع شبكة معقدة جدا من المواقف والحالات والظواهر 
والظروف المستجدة دوما. 

وكثيرا ما يبرهن الزمن وحده على أن ما تخيلناه كان صوابا أو خطأء حقيقة 
أو وهماء ولهذا فما نتخيله الآن» ونسجله على الورق. ونضع على أساسه 
تصوراتنا للمستقبلء قد يتسرب من بين أيديناء ويذوب في الهواءء لأن الأيام 


227 


الخيال السياسي 
التي تقدمت حاملة تصاريفها ووقائعهاء ويمكن أن تجرف في طريقها كثيرا مما 
اعتقدنا رسوخه وتباته. 

بناء على هذه الخلاصات الأساسية. أو وفق ما تهديه إلينا من سبيلء نحتاج إلى 
أن نوسع دراسة الخيال السيامي. نظريا وتطبيقياء في حياتنا المعاصرة, وأن يكون 
له نصيب في كل ما يأتي: 

1 - تقديرات المواقف التي يقدمها أو يعدها مساعدو الساسة أو متخذو 
القرار وكبار موظفي الجهاز الإداري للدولة ومستشاروهم. وقد يتفرغ فريق 
منهم ممارسة تمارين في الخيال السياسيء وكتابة نتائج ما تخيلوه وتقديمه إلى من 
يصيغون التصورات النهاتية. قبل تقديمها لمتخذي القرار. 

ولعل القراءة الدقيقة لأسباب الإخفاق في كثير من السياسات التي تنتجها 
حكومات عربية عدة. تظهر للوهلة الأولى افتقارها إلى الخيال. ووقوعها في فخ 
الجمود والتكلس. ومن ثم افتقارها إلى الفاعلية. 

2 - توصيات الأطروحات الجامعية والكتب العلمية التي تتصدى لدراسة 
المشكلات التي يستعر بها واقعناء ونسعى جاهدين إلى وضع حلول ناجعة لها. 
فأغلب التوصيات السائدة من هذا النوع لا ترى إلا تحت الأقدام. ولا تنظر إلى 
الأمام أبداء وتكونء في الأغلب الأعم. مجرد استرجاع لبعض المقولات أو شيئا من سد 
الذرائع. أو إبراء الذمة. أكثر منها تبصرات مستقبلية حقيقية. 

3 - البرامج التي تضعها الأحزاب السياسية, وكذلك المتنافسون على المناصب 
التشريعية والتنفيذية في الدولة. وهنا قد تتنافس الخيالات أيضا بما يؤدي إلى تجويد 
البدائل وتعميق الحلول المقدمة للتغلب على الصعوبات والمشاكل. وهي عديدة 
وعميقة في الحالة العربية. ويبدو توظيف الخيال السياسي أمرا ملحا بالنسبة إلى 
الأحزابء لاسيما إن كنا نعول عليها في بناء نظم ديموقراطية. فهذه الأحزاب تعاني 
غالبا من شيخوخة في التفكير والتصرفء. ووضعها هذا أثر سلبا في الحياة السياسية 
في كثير من الدول العربية. 

4 - التصورات الأمنية الشاملة. المرتبطة بالقضايا السياسية الجوهرية. مثل 
الحفاظ على الاندماج الاجتماعي الطوعي داخل الدولة؛ والدفاع عن سيادتهاء 
وتلبية احتياجات الناس الأساسية. وفهم طبيعة ثورة التطلعات الدائمة لديهم. 


22 


خلاصة وتوصياتب 


وفهم الحركات واللاحركات الاجتماعية. ومواجهة الإرهاب الذي يتناسل ويتجدد 
ويزداد خطره. 

5 - الخطط التي تضعها المؤسسات والهيئات المنوط بها رسم ملامح السياسات 
العامة في الدولة على اختلاف أنواعها. فحين نتحدث عن «خيال سياسي» لا نقصر 
هذا على السلطات الحاكمة,. الرئيس أو الملك أو الأميرء بل أيضا على مختلف 
اطؤسسات الرسمية. مثل الوزارات والإدارات التي تصنع الهيكل الإداري في الدولة. 
وتمثل جهازها العصبي. 

6 - الخطط والبرامج التي تضعها مؤسسات وقوى المجتمع المدني. بوصفها 
مؤسسات اجتماعية وسيطة. لا غنى لأي مجتمع ديموقراطي حديث عنهاء وكيف 
يمكن لها أن تمارس دورا مهما في الواقع» وتعززه بما يقود إلى تعاظم تأثيرها 
ونفوذها. فكثير من مؤسسات المجتمع المدني العربي مستسلمة لتصورات تقليدية 
قتلت بحثاء أو قضايا حددها لها من يقومون بتمويلهاء من دون أن تفكر بإبداع في 
مسائل تؤدي مناقشتها إلى النهوض بالواقع. 

7 - التصورات التي تهندسها الحركات الاجتماعية الجديدة. التي تموج بها 
الساحة الداخلية في دول عربية عدة. وهي ظاهرة قابلة للتصاعد في العقود 
المقبلة. لاسيما مع اتجاه هذه الحركات إلى مزيد من التسييسء مع ضعف الأحزاب 
السياسية. وتزايد عدد الرموز الوطنية الراغبة في ممارسة أدوار سياسية من خارج 
الحياة الحزبية. 

8 - الخطط التي ترمي إلى بلورة اتفاقيات ومعاهدات تخص تعزيز التنسيق 
والتعاون والاعتماد المتبادل بين الدول العربية في المستقبل. لاسيما أن كل ما يتم 
في هذا الشأن يبدو غارقا في تفاصيل الحاضرء. مستسلما للوقائع والأحداث الجارية. 
وكلما كانت هذه الوقائع التفصيلية قابضة وخطرة. كانت الحاجة أشد إلى تخيل ما 
ينهي هذا الوضع الصعب أو يخفف من وطأته بقدر المستطاع. 

9 - التصورات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تحدد علاقة الدول العربية 
بدول الجوار الإقليمي المتفاعلة معهاء أو الراغبة في لعب دور فيهاء يتراوح بين 
التعاون والصراعء مثل تركيا وإيران وياكستان. وهي الدول التي تدخل في الحيز 
الجغرافي الذي حدده الغرب لنطاق «الشرق الأوسط». 


2019 


الخال السباسي 


0 - التصورات الخاصة بعلاقة الدول العربية - كل على حدة. أو بها جميعا 
عبر جامعة الدول العربية أو غيرها - مع العالمم الخارجيء لاسيما القوى العظمى, 
وف مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية., التي تدافع عن مصالحها في العام العربي» 
وتضع الخطط والاستراتيجيات الرامية إلى تحقيق هذا الهدف باقتدار. 

وقبل كل هذاء فالفرد نفسه في حاجة إلى إعمال الخيال السياسي قبل اتخاذ 
قرارات حيال أمور تتعلق بالسلطةء فعندما يقدم مواطن على الاختيار من بين 
متنافسين في الانتخابات المحلية والبرطانية والرئاسية. من دون أن يكون متقيدا 
بالتزام حزبي ماء فعليه أن يتصورء ولو قليلاء شيئا عما يمكن أن يفعله مستقبلا أي 
من امتبارين الذي يتحير في التفضيل بينهمء. وعندما يكون بصدد فعل احتجاجي 
ضد السلطة. عليه أن يعمل الخيال حتى لا يقفز فى الفراغ. 

فالكل يحتاج إلى خيال. ولولا الخيال لبقي الجميع واقفين في مكانهم. من دون 
أن يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام. 





2300 


الهوامش 














الهوامش 


التقديم 

(1) عبدالسلام بن ميس, «الخيال ودوره في تقدع المعرفة العلمية». (المغرب: جامعة محمد 
الخامس.ء كلية الآداب والعلوم الإتسانية. 2000) الطبعة الأولى. ص 9 - 11. 

(2) د. شاكر عبد الحميد. «الخيال: من الكهف إلى الواقع الافتراضي». (الكويت: المجلس 
الوطني لثقافة والفنون والآداب). 2009, ص 22. 

(3) اعتبر سيد عويس أن ما يكتبه المصريون على هياكل السيارات والعربات والشاحنات من 
كلمات وعبارات لجلب الرزق ومنع الحسد من الأساليب الشعبية لمواجهة المجهول. 
انظر: سيد عويسء «هتاف الصامتين: ظاهرة الكتابة على هياكل المركيات ف اللجتمع 
المصري المعاصر». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب) 2000. 

(4) جابر عصفورء «نحو ثقافة مغايرة»»: (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب) الطبعة 
الأولىء 2008. ص 33. 

(5) سعود الكابلي «الخيال السياسي», 

4 .1578د-ت«#/تنه0ء.لقة130خلة .8 بناير 2012. 

(6) صالح النملةء «السياسة وافتقاد الخيال». صحيفة «الرياض» السعودية. 12 مارس 
3. 

(7) انظر في هذا الصدد: إسماعيل أبو البندورة, «الخيال السياسي وبناء ا مستقبل»» 

تصخغط.0022_080108ضط/2008/0108_دعلعتعة_عةو/أاعم_ طععةططتامطة. مع كو نامة ننجيب 

تاريخ الاطلاع: 24 أغسطس 2013. 

)8( إدى فأيثر وأرنولد براون, «التفكير المستقباي: كيف تفكر بوضوح قِ زمن التغير». (أبو 
ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية), 2008, ص 7. 

(9) محسن أحمد الخضيريء «إدارة التوتر: مقدمة في علم إدارة التوتر ا محلي والدولي». 
(القاهرة: مكتبة إيزاك. 2009). ص 173. 

(10) خير الدذين حسيبء «العرب ... إلى أين؟: نحو خطة طريق للخروح من المأزق العربي 
الراهن», ورقة مقدمة لندوة «مستقبل التغيير في الوطن العربي» الذي نظمها مركز 
دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية. بيروت. 9 - 12 
نوفمير 2015. ص 5. 

(11) لزيد من التفاصيلء انظر: إقبال محمد رشيد صالح الحمدانيء «الإغتراب, التمردء قلق 
المستقبل». (عمان: دار صفاء للنشر والتوزيع. 2011) الطبعة الأولل. ص 156 - 172. 

(12) هبة رؤوف عزتء «الخيال السياسي للإسلاميين ما قبل الدولة وما بعدها». (بيروت: 
الشبكة العربية للأبحاث والنشر) الطبعة الأولى. 2015. ص 34. 

(13) انظر: 

ته 112387521028 أقعناتآه2 عا لصة بإاعك50 لكان .1 قطهز 220 11م0تقهرمن) هآ مسطاه[- 

.199 ,طه قال 151 ,كوع:2 ميقعقطت 01 راتوا انونآ عط1' بوعتاتاععموجء2 [ه 1ن بمعتكم 
(14) انظر: 

5ك عط1 ,ومتتقسماأئقص!آ لدعتاتاه2 مقعائعصسة عط ها حصنطت (يلء) اأمعللتييء81 مامعةر)- 

,3مفأقل» 151 .ن).0آ صماأصسصنطوة/]/؟ ,وءنلتاذ لقدمت3اةضععاصا :15 تعاوعب) ,ووعورط 

(15) سيرج بوغام. «ممارسة علم الاجتماع», ترجمة: منير السعيداني. مراجعة: ميشال عواد. 
(بيروت: المنظمة العربية للترجمة) الطبعة الأولى» 2012. ص 66 - 75. 

(16) موريس دوقرجيه. «علم اجتماع السياسة». ترجمة: سليم حداد. (بيروت: المؤسسة 
الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع)ء الطبعة الأولى. ص 106. 


2033 


الخبال السياستى 


(17) ديفيد هيوم» «تحقيق في الذهن البشري»». ترجمة: محمد محجوب. (بيروت: المنظمة 
العربية للترجمة). الطبعة الأولى. 2008. ص: 47 - 49. 

(18) عبدالله الغذاميء «النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية». (بيروت: المركز 
الثقافي العربي). 2000. ص 17. 

(19) مصطقى الفقي. «الدولة المصرية والرؤية العصرية: من فكر المراجعة إلى فكر 
المستقبل». (القاهرة: الهيئة المصربدة العامة للكتاب) 2007. ص 256. 

011لا بناعءل20 ,0602جم18 ,طاعموءوع1 لوأع50 ذا لانلقنا0) 30ئة 0112:1115 ,لتقتتتوطوظ صدلاة (20) 

5 :م ,1995 120311011 طأك ,عملع1انده11 

(21) لمزيد من المعلومات انظر: 

غ538 ,تطكء2آ موعل8 ,مملوما ,لطعوعدع1 لم50 01 دوعغناه عط لإع1ك مع لمتسصدط موؤعدكخ- 

5 ,10 لظ )15 .عصآ ودمعدع1 اطاط 

(22) راجع: توماس كونء «بنية الثورات العلمية». (الكويت: المجلس الوطني للثقافة 
والفنون والآداب) 1992. 

(23) طزيد من التفاصيل عن هذه النقطة انظر: هانز جي- مورجنتاو, «السياسة بين الأمم: 
الصراع من أجل السلطان والسلام». ترجمة: خيري حماد, (القاهرة: الدار القومية 
للطباعة والنشر) الطبعة الأولى. 1965 (ثلاثة أجزاء). 

(24) د. عمار على حسنء «النص والسلطة وال مجتمع: القيم السياسية في الرواية العربية»., 
(القاهرة: دار شرقيات للنشر والتوزيع. 2007) الطبعة الثانية. ص 101 - 119. 

(25) انظر: 

لدعنناه2 لهة وإطأممدملنط2 ,ععنا لوطع نآ مضأ أداء32ن 82 1١‏ دععلعف متقة 20205 صطه[- 
320 ع1165211115.آ ,(5نه5أتلع) 8311111615663 .1" دع تلصف لتنة وصماعه21 صطمز صا معدل 
.7 -8 نمم ,1996 ,760آكتاطتام 151ب21ملا ؟9ع[1 كقنة دده لم1 ,ومن ستعدصناآ أمعتتامط 


الفصل الأول 

(1) شاكر عبدالحميد. مرجع سابق» ص: 52. 

(2) نفسه. ص: 53. 

(3) نفسه. ص: 88. 

(4) نفسه. ص: 50. 

(5) ابن منظورء «لسان العرب»». مادة: خال. 

(6) د. محمد عاطف غيثء «قاموس علم الاجتماع». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة 
للكتاب) 1979 ص: 183. 

(7) غاستون باشلارء «الماء والأحلام: دراسة عن الخيال والادة», ترجمة: علي نجيب إبراهيم. 
(بيروت: المنظمة الحربية للترجمة) الطبعة العربية الأولى. 2007. ص: 9. 

(8) شاكر عبدالحميد. مرجع سابق». ص: 8. 

(9) توماس هوبزء «اللفياثان: الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة». ترجمة: ديانا 
حبيب حرب وبشرى صعبء مراجعة وتقديم: رضوان السيدء (بيروت/ دار الفارابي - أبو 
ظبي/ مشروع كلمة) الطبعة الأول. 2011. ص: 27 و28. 

(10) حول الفارق بين الاثنين انظر: د. محمد عزيز الحبابيء «مفاهيم مبهمة في الفكر العربي 
امعاصر». (القاهرة: دار المعارف) 1990. ص: 155 - 157. 


234 


الهوامش 


(11) د. زي نجيب محمود. «ثقافتنا في مواجهة العصر». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة 
للكتاب) 1997.ء ص: 250 - 251. 
(12) لمزيد من التفاصيل حول هذه النقطة انظر: د. عبدا لحسن صالح. «التنبؤ العلمي 
ومستقبل الإنسان». (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب) 1981 ص: 
4 - 45. 
(13) أحمد شمس الدين الحجاجيء «النبوءة أو قدر البطل في السيرة الشعبية». (القاهرة: 
الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة) الطبعة الأولى. 1994. ص: 7 - 10. 
(14) نبيل عبدالفتاح. «عقل الأزمة: تأملات نقدية في ثقافة العنف والغرائز والخيال 
ا مستور». (القاهرة: دار سشات للدراسات والنشر والتوزيع) 3 ص: 125. 
(15) مالك شبلء. «المخيال العربي الإسلامي». (باريس: المنشورات الجامعية الفرنسية) 1993, 
ص: 369. 
(16) محسن بوعزيزيء «السيميولوجيا الاجتماعية». (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية) 
الطبعة الأولى. 2010. ص: 237. 
(17) ابن رشد. «الكتاب الكبير للنفس لأرسطو». ترجمه عن اللاتينية: إبراهيم الغري. 
(دمشق: دار الحكمة) 1997. ص 218 - 221. 
(18) ديفيد هيوم. مرجع سابقء ص: 76 779. 
(19) حسن حماد, «الخلاص بالفن: التراجيديا نموذجا». (القاهرة:: مكتبة دار الكلمة) الطبعة 
الأولى. 2002. ص: 25. 
(20) أحمد برقاوي. «الوهم والخيال». صحيفة «البيان» الإماراتية, 25 أكتوبر 2015. 
(21) جورج طرابيشيء. «صناعة الأوهام» - الحوار المتمدن. العدد: 1114. 19 فبراير 2005, 
4 --33:0 ”0131.352 طا5 /21طاع0 ع 2.01 جاع طلد ,تبجببيا 
(22) عبدالله الملحم.ء كارثية الوهم السياسي. صحيفة «الراية» القطرية. 9 نوفمبر 2014. 
(23) انظر: 
.5 لعمد/ة ,وتعطدناطن2 علعه56 عه 1م ,دده نعدد1لآ لدء61تزه2 ع1" ,املاظ ععناوءد[ 
(24) وليد نويهض. «التنجيم السياسي». صحيفة الوسط البحرينية, الأول من يناير 2015. 
(25) العبادي الفلتي» «فن التنجيم السياسي.. السادات». د. ن. 
(26) عامر راشد «ما بين التنجيم السياسي والتنجيم الفلكي». 
لدسخط.153 21/7 تلةصحدءح معطم عع 0 ست بصم .د اع صلء : 1 تطاع أعدع ,يبايبيبا 
(27) د. شاكر عبدالحميد. مرجع سابق. ص: 55 - 69. 
(28) د. حسن حنفيء «الخيال السيامي.. رؤية مصرية» جريدة الاتحاد الإماراتية. 20 سبتمير 
4. 
(29) علي الرحال. «مصر: عن أزمة الخيال السياسي». جريدة السفير اللبنانية. 6 نوفمبر 
3. 
(30) انظر: 
لقعناناه2 ك4هة كعتانتاه2 طذ 5عتعه0131آ :«متأقستئدآ1 لدعناناه2 عط1' ,كنآ عدعولظ - 
6 1ق13روع102آ 504 مآآ جلاع الاضء 1[ ومتجقاء8 
(31) شارلوت سيمور سميثء «موسوعة علم الإنسان: المفاهيم والمصطلحات الأنثروبولوجية». 
ترجمة مجموعة من أساتذة علم الاجتماع تحت إشراف محمد الجوهريء (القاهرة: 
المركز القومي للترجمة) الطبعة الثانية. 2009, ص: 93. 
(32) جاك لومبار. «مدخل إلى الإثنولوجيا». ترجمة: حسن قبيسيء (الدار البيضاء: المركز 


235 


الخيال السياسي 


الثقافي العربي) الطبعة الأولىء 1997 ص: 295. 

(33) شاكر مصطفىء «تاريخنا وبقايا صور». (الكويت: كتاب العربي) الكتاب الخامس 
والعشرونء 15 أكتوبر 1989, ص: 61 - 62. 

(34) روجيه جاروديء «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية». ترجمة: محمد هشام. 
تقديم: محمد حسنين هيكلء (القاهرة: دار الشروق) الطبعة الرابعة. 2002. 

(35) رينيه جيرار. «كبش الفداء». ترجمة: منار رشدي أنورء (القاهرة: دار شرقيات للنشر 
والتوزيع) الطبعة الأولى. 1998. ص: 13. 

(36) صلاح ساط: «الأساطير المؤسسة للإسلام السياسي». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة 
للكتاب) الطبعة الأولى. 2014. 

(37) ناجي الركابيء «الأساطير المؤسسة للعقل الثقافي العراقي: دراسة في جينالوجيا الثقافة 
العراقية», (دمشق: دار تموز للطباعة والنشر) الطبعة الأولىء 2012. 

(38) غسان شاهينء «الأساطير ال مؤسسة لمشروع كردستان الغربية». 

1012.505 باينا 

(39) رمضان مصباح الإدريسي. «الأساطير المؤسسة للمظلومية الأمازيغية». 

/عة - 75595 - عاعءناعة - 2230231 /اعط جات هل زناه .عسوم /:صااط 

(40) علي سام «التوقع والخيال السياسي والفانتازيا الثورية». صحيفة الشرق الأوسطء 18 
فبراير 2010. 

(41) لمزيد من التفاصيل في هذا الصدد, انظر: 

أعسمعفم ‏ ,ىءنأاطت2 4ه 102اتستئقسآا عذانآه2 توده115آ دده يسنوت ,عاءء5 تلتعلق8 

.5 ,روقوءع22 10211172515 

(42) سعود كابلي. مرجع سابق. 

(43) روبرت د. نأيء «السلوك الإنسانيى: ثلاث نظريات في فهمه». ترجمة: أحمد سميح صبح» 
ومنير فوزيء (القاهرة: الهيئة ا مصرية العامة للكتاب) 2003. ص: 281. 

(44) جرت استعارة مصطلحي «النبوءات المحققة لذاتها» و«النبوءات الهازمة لذاتها» من: 
إي فاينر وأرنولد براونء مرجع سابقء ص: 253 - 261. أما مصطلح «النبوءة في حد 
ذاتها» فهو من وضع الباحث. 

(45) ينسن زونتجنء «فكر بنفسك: عشرون تطبيقا للفلسفة». ترجمة: عبدالسلام حيدر. 
(القاهرة: المحروسة للنشر والخدمات الصحفية وال معلومات) الطبعة العربية الأولل» 
6,: ص: 247 - 254. 

(46) الحرب عن بعد: «دور التكنولوجيا في الحرب». ترجمة: مركز الإمارات للدراسات 
والبحوث الاستراتيجية. (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية) 
الطبعة الأولى 2010. ص: 20. 

(47) أمنية الجميل. «ماهية الدراسات المستقبلية»», (الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية. 2012) 
ص: 22. 

(48) المرجع السابق. ص: 40. 

(49) د. سلمان رشيد سلمان, «اليعد الاستراتيجي للمعرفة». (دبي: مركز الخليج للأبحاث. 
4) ص: 246. 

(50) اطر جع السابقء ص: 247. 

(51) سحر صبري ونعمة زهرانء «التفكير النظمي في الدراسات المستقبلية: من التحليل إلى 
التعقيد والتركيب والنمدذجة» (الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية) 2012. ص: 9. 


2036 


الهوامش 


(52) أحمد شوقيء «هندسة المستقبل». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب) الطبعة 
الأوليء 2002. ص: 217 - 223. 

(53) إدي فاينر وأرنولد براون. مرجع سابق. ص: 10. 

(54) مايكل هيلء «أثر المعلومات فى المجتمع: دراسة لطبيعتها وقيمتها واستعمالها». (أبو 
ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية) 2004.. ص: 93 - 94. 

(55) رايت ميلز. «الخيال العلمي الاجتماعي» ترجمة: د. عبدالباسط عبدال معطي. 
(الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية). 1998.» ص: 22. 

(56) هو عالم اجتماع وسياسة أمريي. وظف علم الاجتماع في تحدي الأفكار الاجتماعية 
التقليدية الغارقة في التعصبء. وربط باقتدار بين علمي الاجتماع والسياسة. وانشغل 
بمموضوعات وقضايا اجتماعية عدة في مطلعها: مراكز القوة. والطبقات الاجتماعية. 
وعلاقة الشخصية بالحضارة؛ وكان يتمتع بشجاعة علمية فائقة. وعقل حر لا سلطان 
عليه إلا للعلم. ولذا دخل في مساجلات ومعارك مع علماء اجتماع بارزين. ومن أهم 
مؤلفاته: الياقات البيضاء (1951).: وقوة النخبة (1956), والخيال الاجتماعي (1959). 
انظر: دينكن ميتشيل. «معجم علم الاجتماع». ترجمة: د. إحسان محمد الحسن, 
(بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر) الطبعة الثانيةء 1986. ص: 146. 

(57) رايت ميلز, ال مرجع السابقء ص: 24. 

(58) نفسة. ص: 26. 

(59) نقسة. ص: 28. 

(60) إسماعيل أبو البندورة. «الخيال السياسي وبناء ا مستقبل». 

(61) كلير كرامشء «اللغة والثقافة». ترجمة: د. أحمد الشيميء مراجعة: عبدالودود 
العمراني. (الدوحة: وزارة الثقافة والفنون والتراث). 2010. ص: 22 و23. 

(62) إسماعيل أبو البندورة. مرجع سابق. 

(63) د. حسن حنفي» «الخيال السياسي وبناء اللستقبل». 

(64) ديانا جبورء «خيال السياسي»», 9 مايو 2011. 

7 --27116 11121 7 مقةاتاء؟ا_أمتلام_ا/لزوبةء ته 

(65) عاي الديري. «هل لدى سياسيينا خيال؟», موقع الوقت 3 أبريل 2009, 

.-210ط تمطح امة_عه 1ط /ترمء .201 لد وبين 

(66) د. حلمي الجزار. «خيال السياسي». جريدة «المصري اليوم». 26 أغسطس 2012. 


الفصل الثانى 

(1) إيف شارل زركاء «السياسة والخيال», ترجمة: الحسن اللحية. (الدار البيضاء: أفريقيا 
الشرق. 2008). الطبعة العربية الأولى. ص117. 

(2) انظر: 

4 ,6013011 غ15 عاأعملا بوع11 ,درو د80 ,تق نأك 513 طاتم ع1آ 0غ ج11 ,كد17 لاعسحةد1- 
(3) لمزيد من اللعلومات حول دور الذاكرة انظر: د. أميمة رفعت السيد. «الطرق السبعة 
لتحسين الذاكرة». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2015) الطبعة الأولى. 

(4) ديفيد باول. «ذكاء الروح: 175 مفتاحا عمليا للنجاح في حياتك العملية والأسرية». 
ترجمة: دار الفاروق للاستثمارات الثقافية. (القاهرة: دار الفاروق للاستثمارات الثقافية, 
0) الطبعة العربية الأولى. ص12. 

(5) عبداللطيف شرارة, «حكمة التاريخ», (الشركة العالمية للكتابء. 1990) الطبعة الأولىء 


237 


الخيال السياسي 


ص 104. 

(6) د. عبدالحميد بن مصطفى الفردوسء «علم إدارة العقل». (الرياض: مكتبة المطلك فهد 
الوطنية للنشر. 2004). الطبعة الأولى. ص 95 97. 

(7) إيف شارل زاركاء مرجع سابقء الصفحة نفسها. 

(8) المرجع السابق. ص 118 123. 

(9) نفسه. ص 123 - 130. 

(10) د. حسن حنفيء «الخيال السياسي .. رؤية مصرية», مرجع سابق. 

(11) نفسه. ص 130 136. 

(12) هارولد لاسي «الدولة نظريا وعمليا», (القاهرة: الهيئة العامة تقصور الثقافة. 2012) 
الطبعة الثانية. ص 343. 

(13) كافين رايلي«الغرب والعالم: تاريخ الحضارة من خلال موضوعات»», ترجمة: د. عبد 
الوهاب المسيريء. د. هدى حجازيء. مراجعة د. فؤاد زكرياء (الكويت: المجلس الوطني 
للثقافة والفنون والآداب. سلسلة عام المعرفة. 97: يناير 1986. الجزهء الثاني)» ص 367 
و 368 

(14) تيرنس بول وريتشارد بيلامي. «الفكر السياسي في القرن العشرين». ترجمة: منى مقلد. 
مراجعة وتحرير: طلعت الشايب. (القاهرة: المركز القومي للترجمة. 2010) الطبعة 
الأولى, المجلد الأول.ء ص 103. 

(15) د. عمار علي حسنء «تقريب البعلذ». (القاهرة: دار سما للنشر والتوزيعء. 015) 
الطبعة الأولء ص 18. 

(16) المرجع السابق.ء ص 12. 

(17) جوستاف لو بونء «سيكولوجية الجماهير». ترجمة: هاشم صالح. (بيروت ‏ لندن: دار 
الساقي. 2015) الطبعة السادسة. ص 88. 

(18) د. خليل أحمد خليل. «سوسيولوجيا الجمهور السياسي الديني في الشرق الأوسط», 
(بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 2005) الطبعة الأولى. ص 80 - 81. 

(19) تيرنس بول وريتشارد بيلامي. مرجع سابقء ص 113. 

(20) غوستاف لو بونء مرجع سابق. ص 86. 

(21) نفسه. ص 87 89. 

(22) نيكوس كازانتزاي. «زوريا». (بيروت: دار الطليعة, 1979) الطبعة الرابعة. ص 67. 

(23) علي الديري. «هل لدى سياسيينا خيال؟». موقع الوقتء 3 أبريل 2009 

.8 حلنهطا؟ ملاح عه -ع 10ص /مرم». )20 1د. بير 

(24) سيرجي قره ‏ مورزاء «التلاعب بالوعي». ترجمة: عياد عيد. (دمشق: وزارة الثقافة. 
2) الطبعة العربية الأولى.ء ص 303. 

(25) المرجع السابق. ص 307 308. 

(26) نفسه. ص 310. 

(27) عماد عبداللطيفء «بلاغة الحرية: معارك الخطاب السيامي في زمن الثورة». (بيروت 
القاهرة ‏ تونس: التنوير للطباعة والنشر والتوزيعء 2012) الطبعة الأولي.ء ص 11. 

(28) بول ريكورء «الذات عينها كآأخر». ترجمة وتقديم وتعليق: د. جورج زيناتي. (بيروت: 
المنظمة العربية للترجمة. 2005) الطبعة الأولى. ص 659. 

(29) د. حسن حنقي» ا مرجع السابق. 

(30) د. شفيق ناظم الغبراء «العروبة بين الحاضر والخيال السيامي». جريدة الحياة. 25 


218 


الهوامشن 


فبراير 2016. 


الفصل الثالث 

(1) د. محمد علي محمدء «علم الاجتماع ودراسة المستقبل: تحليل نظري ومنهجي»» في 
د. محمد الجوهري (مشرف) «الكتاب السنوي لعلم الاجتماع: المجموعة الكاملة», 
(القاهرة: دار المعارف). 1981 المجلد الثانى. ص 49 و50. 

)2( حازم حسني» «إعادة تعريف السياسي: رؤية بيتية», ف: ناديةه مصطفى (محرر). «علم 
السياسة: مراجعات نظرية ومنهاجية». (القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية/ 
جامعة القاهرة)ء الطبعة الأولي. 2004. ص 335 - 341. 

(3) د. حلمي الجزارء مرجع سابق. 

(4) مجموعة باحثينء «الرواية والتاريخ». تحربر وتقديم: عبدالله إبراهيمء (الدوحة: المجلس 
الوطني للثقافة والفنون والتراث في قطر) الطبعة الأولى. 2006,. ص 13. 

(5) لزيد من التفصيل حول هذه النقطةء انظر: حلمي محمد القاعود, «الرواية التاريخية 
في أدبنا الحديث: دراسة تطبيقية»». (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة) 2003, ص 
9 - 592. 

(6) ميشيل رولف تريوء «القوة في القصة» في: مجموعة باحثين» «كيف نقرأ العالم العربي 
اليوم؟: رؤى بديئلة في العلوم الاجتماعية». ترجمة: شريف يونسء (القاهرة: دار العين), 
الطبعة الأولى. 2013. ص 183. 

(7) ناصيف نصارء. «منطق السلطة: مدخل إلى فلسفة الأمر». (بيروت: دار أمواج للطباعة 
والنشر والتوزيع). الطبعة الأولي. 1995, ص 399 و400. 

(8) جورج بالاندييه. «الأنثروبولوجيا السياسية». ترجمة: جورج أبي صالح, (بيروت: منشورات 
مركز الإنماء القومي). الطبعة الأولى. 1986 ص 26. 

(9) د. إسماعيل نوري الر بيعي» «العام وتحولاته: التاريخ والهوية والعوللة». (الدوحة: 
المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث). 2006,. ص 130. 

(10) جمال حمدانء «استراتيجية الاستعمار والتحرير»». (القاهرة: دار الشروق). الطبعة 
الأول. 1983. ص 8. 

(11) ويليام هاولزء «ما وراء التاريخ». ترجمة: أحمد أبو زيد, (القاهرة: المركز القومي 
للترجمة. 2011).ء ص 482. 

(12) جون ج. تايلور. «عقول المستقبل». العدد 92 من سلسلة عام المعرفة. (الكويت: 
ا لملحجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب). 1985 ص 6. 

(13) دليل بيرنزء «امثل السياسية». ترجمة: لويس إسكندرء. مراجعة: محمد أنيس. (القاهرة: 
المركز القومي للترجمة) 2007. ص 17 و18. 

(14) حسين مؤنسء «تاريخ موجز للفكر العربى». (القاهرة: دار الرشاد) الطبعة الأولى. 
56.. 

(15) لويس عوضء «تاريخ الفكر المصري الحديث من الحملة الفرنسية إلى عصر إسماعيل», 
(القاهرة: مكتبة مدبولي)., الطبعة الرابعة, 1987. 

(16) ديلامي أوليريء «الفكر العربي ومكانه في التاريخ». ترجمة: تمام حسان (القاهرة: الهيئة 
المصرية العامة للكتاب), 2007. 

(17) د. إسماعيل نوري الربيعي» مرجع سابق. ص 140. 

(18) انظر في هذا الشأن: برتران بادي وبيار بيرنبوم. «سوسولوجيا الدولة». ترجمة: جوزف 


202 


اتخبال الشينائتنىق 


عبدالله وجورج أبي صالح. (بيروت: مركز الإنماء القومي) د. ت. ص 6 - 22. 

(19) دنكان بريتشارد. «ما المعرفة». العدد 404 من سلسلة عام المعرفة. (الكويت: الملجلس 
الوطني للثقافة والفنون والآداب), 2013. ص 154 و155. 

(20) ر. ج. كولنجوود. «فكرة التاريخ»» ترجمة: محمد بكير خليل. مراجعة: محمد عبدالواحد 
خلاف (القاهرة: الهيئة اللصرية العامة لقصور الثقافة). 2012. ص 402 - 415. 

(21) المرجع السابق.ء ص 417. 

(22) نفسه. ص 417 - 430. 

(23) حازم الببلاويء «التغيير من أجل الاستقرار» (القاهرة: الهيتة المصرية العامة للكتاب). 
8. ص 35 و36. 

(24) توم لومباردو «قيمة الوعي بالمستقبل» في سينثيا ج. واجنرء. «الاستشراف والايتكار 
والاستراتيجية». ترجمة: صباح صديق الدملوجي (بيروت: المنظمة العربية للترجمة) 
الطبعة الأولى. 2009,. ص 439 و458. 

(25) المرجع السابق. 447. 

(26) نفسه. ص 442. 

(27) نفسه. ص 449 و450. 

(28) د. فؤاد زكرياء «التفكير العلمي». العدد 3 من سلسلة عام ال معرفة. (الكويت: المجلس 
الوطني للثقافة والفنون والآداب). 1998, ص 311 و314. 

(29) ال مرجع السابقء ص 315. 

(30) رايت ميلز. مرجع سابق. ص 245. 

(31) للزيد من التفاصيل. انظر: 

.009 211011 قتع 1533 ع1 حمة 20111165 رككتاء5) 1133220110 - 

(32) د. فؤاد زكرياء مرجع سابق. ص 170. 

(33) إدي فاينر وأرنولد براون, «التفكير المستقبلي: كيف تفكر بوضوح في زمن التغير». ص 
14 . 

(34) مايكل ميكالكو. «كيقف تصبح مفكرا مبدعا: أسرار العبقرية الإبداعية». (القاهرة. 
الهيئة المصرية العامة للكتاب). 2010,. ص 309. 

(35 المرجع السابقء ص 311 و312. 

(36) رايت ميلز. مرجع سابقء ص 348. 

(37) برتراند رسل. «فلسفتي كيف تطورت». ترجمة: عبدالرشيد الصادق محمودي. 
مراجعة وتقديم: زي نجيب محمود (القاهرة. المركز القومي للترجمة). الطبعة الأولى. 
72 ص 247. 

(38) المرجع السابق. ص 243. 

(39) نقسه.ء ص 249. 

(40) حامد أحمد بدرء «فعاليات اتخاذ القرار بواسطة مجموعة». جامعة الكويتء. مجلة 
العلوم الاجتماعية. العدد الأولء المجلد الثالث عشرء ربيع 1405ه 1985م, ص 54 
- 59. 

(41) انظر: 
عطا مهة علصةط' علصنطط' تده1)ةستعمحده]ا لدعتناهط ع1 عمتعناخاصةن ,عم5)0 عمدان] 

.02,1996 فل 156 ,ققهن) علصةع1 ,هرما ,ووءععن2ع2 بإعءزامم 

(42) لزيد من التفاصيل حول هذه النقطة. انظر: ب19© 


210 


الهوامش 


1170 عذمعكنمنا ,قدءع10 ؟باع17 +10 وعلاوتصطءع]1' :و امتتط دمأ كستوء8 ,ده إطام ص1 - 
.201108,003 غ15 ,تقطيصقطد ,ممقكصم.آا عأعرملا معلل 

(43) انظر: 

)222 01 011165ع160م 220 221212165 :134102لاجقنكا لع 1أمصق ,منمط056) :1 .مق - 
:]8 ءارملا ببوعء[2 .(ده110ل8 لع5ك 1 لعنط1) وستحكامه معاطامويمع 
,3 ,لقنتاتلء 156 ,.قده5 وعرعططاتى5 

(44) حول الطريقة التى تعمل بها إحدى الوسائل الأساسية للواقع التواصل الاجتماعي» 
انظر: جمال مختار «حقيقة الفيس بوك: عدو أم صديق؟». طبعة خاصة. 2008. 

(45) عمار علي حسن «عشت ما جرى/ شهادة على تورة يناير»». (القاهرة/ الهيئة المصرية 
العامة للكتاب). الطبعة الأولى. 2013. ص 58 و59. 

(46) نادر السراج «مصر الثورة وشعارات شبابها: دراسة لسانية في عفوية التعبير». (الدوحة, 
المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات). الطبعة الأولىء 2014. ص 58 و59. 

(47) جمال سند السويدي «وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية من 
القبيلة إلى الفيسبوك». (أبوظبيء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية). 
الطبعة الأولى. 2013. ص 27 و28. 

(48) حول هذا النوع من الحرية انظر: داون نونسيباتو «الحرية الافتراضية: حيادية الشبكة 
وحرية التعبير في عصر الإنترنت»., ترجمة: أنور الشامي. مراجعة: وفاء التومي (الدوحة. 
وزارة الثقافة والفنون والتراث). الطبعة العربية الأولى. 2011. 

(49) محمد العجاني وعمر سمير «مشاركة الشباب العربي بين الهموم الوطنية والطموحات 
الإقليمية»» في: محمد العجاتي (مشرف) «جيل الشباب في الوطن العربي ووسائل 
المشاركة غير التقليدية من المجال الافتراضي إلى الثورة». (بيروت. مركز دراسات الوحدة 
العربية). الطبعة الثانية. يوليو 2015. ص 250 - 252. 

(50) أورد معتز سيد عبدالله هذه الأساليب بالتفصيل في كتابه «إدارة التغبير التنظيمي» 
الذي صدر في جزأين. وهو إن كان قد طبقها على «إدارة التغيير التنظيمي» كطرق 
إبداعية تقود إلى أفضل تغيير ممكنء فإنها تنطبق على التنظيم السياسي الذي تشكل 
طرق وأساليب وهياكل الإدارة جزءا أساسيا منه. كما يتطبق على حالات صناعة القرار 
السياسيء وكلاهما يتطلب قدرا معقولا من الخيال السياسي العلمي. انظر: معتز سيد 
عبدالله. «إدارة التغيير التنظيمي: الأسس النظرية واطهارات والتطبيقات العملية»., 
(القاهرة. مكتبة الأنجلو المصرية). 2014,: الجزء الثانى. ص 105 - 145. 

(51) د. محمد علي محمدء. مرجع سابقء ص 50. 

(52) شارلوت سيمور - سميث. «موسوعة علم الإنسان: المفاهيم والمصطلحات 
الأنتروبولوجية». ترجمة: مجموعة من أساتذة علماء الاجتماع تحت إشراف د. محمد 
الجوهري (القاهرة. المركز القومي للترجمة), 2009. ص 404. 

(53) ألكسندرو روشكا «الإبداع العام والخاص». ترجمة: د. غسان عبدالحي أبو فخرء العدد 
4 من سلسلة عام المعرفة (الكويت. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب)» 
9, ص 227. 

(54) جون هارتلي (محرر). «الصناعات الإبداعية: كيف تنتج الثقافة في عا التكنولوجيا 
والعولمة؟», (الجزء الأول). العدد 338 من سلسلة عاط المعرفة (الكويتء, المجلس 
الوطني للثقاقة والفنون والآداب). 2007, ص 7. 

(55) إدوارد دي بونو «التفكير الجانبي: كسر للقيود المنطقية», ترجمة: نايف الخوص 


الخيال السياسي 
(دمشقء الهيئة السورية العامة للكتاب). الطبعة الأولى. 2010. ص 7. 

(56) المرجع السابق. ص 12. 

(57) نفسه. ص 20. 

(58) د. كمال محمد خليل «سيكولوجية التفكير: برامج تدريبية واستراتيجيات». (عمان, دار 
ا مناهج للنشر والتوزيع. 2006). الطبعة الأولىء ص 19 و20. 

(59) د. يوسف سلطان الطائي وعامر حسين العطوي «الذكاء الشعوري ف المنظمات: مدخل 
متكامل». (عمان: مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع: 2009)ء ص 91. 

(60) لمزيد من التفاصيل حول هذه النقطة, انظر: حامد أحمد هاشم «نظرية المباريات 
وتحليل الصراعات الدولية مع التطبيق على الصراع العري الإسراتئيلي»». رسالة ماجستير 
غير منشورة. كلية الاقتصاد والعلوم السياسيةء. جامعة القاهرة. 1983. 

(61) دوري. جيمسء وبالسغراف روبرتء ترجمة: وليد عبدالحي «النظريات المتضاربة في 
العلاقات الدولية». (عمان. مركز أحمد ياسين) 1995,. ص 68. 

(62) جون إلستر «تفسير السلوك الاجتماعي: نحو مزيد من الانطلاق والتحديات أمام العلوم 
الاجتماعية». (القاهرة؛ الطركز القومي للترجمة). 2012. ص 523. 

(63) رايت ميلزء مرجع سابق.» ص 351. 

(64) نفسة. ص 28 و29. 

(65) سامي خشبة «مصطلحات الفكر الحديث». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 
6) الجزء الأول.ء ص 335 و336. 

(66) د. زقي نجيبا محمود «قي فلسفة النقد». (القاهرة. دار الشروق. 1983). ص 133. 

(67) د. فؤاد زكرياء مرجع سابق. ص 317 - 322. 

(68) فكري أندراوس «العقل والسياسة». (القاهرةء دار الثقافة الجديدة).: الطبعة الأولى. 
4. ص 15. 

(69) انظر في هذا الصدد: 

.112265" عأدملا بع[ ”2012226 10 ققضتط!1' له عمقطذ عط[ * .وعتصة1' عأزملا نوع ل<- 
2011-03-3 لع بجع ماع11 

(70) انظر: 

3 ,32ت ,كستلامن ععءمعقلط ,1984 ,ااعبوع02 عوعمءعين 

(71) توقيق الحكيم. «رحلة إلى الغد». (القاهرة: مكتبة مصر) 1994. 

(72) انظر: نجيب محفوظء «ثرثرة فوق النيل»». (القاهرة: دار الشروق) 2006. 

(73) رجاء النقاشء, «عبدالناصر يقرأ ثرثرة فوق النيل»». الأهرام/ 17 سبتمبر 2006. 

(74) هانز بيتر كونش.ء «الإنجليزي الأسود على ضفاف النيل». ترجمة: حامد فضل الله. في: 
مجموعة كتابء. «الطيب صالح: جسر بين الشرق والغرب»». وقائع ندوة أدبية بيرلين عن 
الطيب صالح. إصدارات السفارة السودانية بالعاصمة الأطانية. مارس 2013, ص 55. 

(75) الطاهر وطارء «الشمعة والدهاليز»». (القاهرة: دار الهلال) الطبعة الأولى. 1992. وحول 
تحليل القيم والطعاني السياسية الكامنة في هذه الرواية. انظر: عمار على حسنء «النص 
والسلطة وال مجتمع: القيم السياسية في الراوية العربية». (القاهرة: دار شرقيات) الطبعة 
الثانية. 2007. 

(76) حوار مع الطاهر وطارء الملحق الثقافي لصحيفة الخليج الإماراتية, 29 نوفمبر 1999. 

(77) لمزيد من التفاصيل حول هذه النقطة. انظر: حبيب الله علي إبراهيم علي» «نظرية 
المحاكاة عند حازم القرطاجني من خلال كتابه «منهاج البلغاء وسراح الأدباء», مجلة 


242 


الهواعسن 


الآخرء العدد (13) مارس 2012. ص 99 - 115. 

ولرؤية أوسع في تطبيق هذه النظرية على الإبداع الأدبي. انظر: 

- مديونة صليحة. «نظرية المحاكاة بين الفلسفة والشعر». رسالة ماجستير غير منشورة. كلية 
الآداب والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية. جامعة أبى بكر بلقايد. الجزائرء 2006. 

(78) د. صالح زيادء «امحاكاة»: 

7 ا من /0123 .321212 [-21 .ة؟ بمجرا/ / نما 

(79) ألين شوفيلد. «المحاكاة في التدريب الإداري», ترجمة: محمد حسنء (القاهرة: ا منظمة 
العربية للتنمية الإدارية, 1995)ء ص 18. 

(80) روبرت بالسغراف ودورتي حجيمس. «النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية». ترجمة: 
وليد عبدالحي (عمان: مركز أحمد ياسين, 1995). ص 112. 

(81) كيف تتم قراءة استطلاعات الرأي العام, الشبكة العربية لاستطلاعات الرأي العام 

25721 .5 51311 - 319956 كه - 0147 جل رمع .017.01 حزحقة اج جا / /:2010آ1 

(82) أدريان فورنهام. «الفيل في غرفة مجلس الإدارة: أسباب انحراف القيادة», ترجمة: 
مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات 
والبحوث الاستراتيجية) الطبعة الأولى. 2014. ص 7. 

(83) لزيد من التفاصيل انظر: توماس كارليل, «الأبطال» ترجمة: محمد السباعيء (القاهرة: 
دار الهلال). سلسلة كتاب الهلال. العدد 326, الطبعة الثانية. فبراير 1978. 

(84) عادل أحمد عز الدين الأشول, «علم النفس الاجتماعي مع الإشارة إلى مساهمات علماء 
الإسلام». (القاهرة: مكتبة الأنجلو ال مصرية). الطبعة الأولى. 1987: ص 219. 

(85) محمد عبدالمنعم نورء «الإنسان ومجتمعه: دراسة أساسية للظواهر النفسية 
والاجتماعية». (القاهرة: دار ا معرفة) 1978,. ص 157 - 171. 

(86) سيمون سينكء «ابدأ مع للماذا: كيف يلهم القادة العظماء الناس للعمل». ترجمة: 
مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظيى: مركز الإمارات للدراسات 
والبحوث الاستراتيجية) الطبعة العربية الأولى. 2013, ص 13. 

(87) ناصيف نصارء مرجع سابق. ص 401. 

(88) مايكل لي لاننغ. «100 قائد عسكري: تصنيف لأكثر القادة العسكريين تأثيرا في العالم 
عبر التاريخ». ترجمة: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز 
الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية). الطبعة الأولى. 1999, ص 9. 

(89) انظر على سبيل اللثال: حسين مؤّنس. «صور من البطولات العربية والأجنبية». 
(القاهرة: الهيئة اللصرية العامة للكتاب). 2000. 

(90) خوسيه إنريي رودوء «بوليفار». ترجمة: محمود علي مكيء (القاهرة: المركز القومي 
للترجمة) 2007 ص 7/5. 

)91( ا مرجع السابقء ص 39. 

(92) نفسه. ص 44 - 48. 

(93) نفسه. ص 50. 

(94) نفسه. ص 61. 

(95) نفسه: 96. 

(96) إكناث إيسوارن. «غاندي الإنسان». ترجمة: غياث جازي. (دمشق: معابر للنشر 
والتوزيع) الطبعة الأولى. 2013,. ص 24. 

(97) غانديء «قصة تجاربي مع الحقيقة», ترجمة: محمد إبراهيم السيد. مراجعة: مجدي 


2013 


الذيال السياسي 


عبدالواحد عنبة؛ (القاهرة: كلمات عربية للترجمة والنشر) الطبعة الثانية» 2011. ص 
6. 

(98) ال مرجع السابق.» ص 24. 

(99) فيصل دراجء «فريدريك غروس وفلسفة المشي... من الرواقيين إلى غاتدي». صحيفة 
«الحياة» اللندنية, 25 أغسطس 2015. 

(100) مزيد من التفاصيل حول هذه المسألة. انظر: عباس محمود العقاد. «روح عظيم 
المهاتها غاندي». (القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة) 2013. ص 85. 

(101) ا مرجع السابق. ص 93. 

(102) نفسه, ص 97 - 98. 

(103) غاندي. مرجع سابق. ص 662. 

(104) زيودين ساردار وبورين فان لونء «أقدم لك الدراسات الثقافية». ترجمة: وفاء 
عبدالقادر. مراجعة وإشراف: إمام عبدالفتاح إمام. (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة) 
الطبعة العربية الأولى. 2003. ص 86. 

(105) إكناث إيسوّارن. مرجع سابق. ص 7. 

(106) مارتن لوثر كنغء «لاذا نفد صبرنا». ترجمة: عديلة حسين مياسء مراجعة: مصطفى 
حبيب. (القاهرة: مؤسسة السجل العربىي) سلسلة (الألف كتاب) الرقم 639: الطبعة 
الأولىء 1966. ص 34. 

(107) المرجع السابق. ص 32. 

(108) نفسه. ص 33. 

(109) نفسه. ص 94. 

(110) نفسة. ص 95. 

(111) نفسه ص 40. 

(112) نفسه. ص 43. 

(113) نفسة. ص 40. 

(114) المرجع السابق. ص 14. 

(115) المرجع السابق. ص 16. 

(116) نفسه. ص 30. 

(117) عزت قرنيء «تاريخ الفكر السيامي والاجتماعي في مصر الحديثة 1834 - 1914». 
(القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب) سلسلة: تاريخ المصريين» العدد الرقم (251).: 
6 ص 233 و234. 

(118) آرثئر جولد شميث (الابن)ء «قاموس تراجم مصر الحديثة». ترجمة وتحقيق: 
عبدالوهاب بكر. (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة) 2003. ص 81 - 82. 

(119) عزت قرفىء مرجع سابق. ص 271. 

(120) حسين أحمد أمينء «المائة الأعظم في تاريخ الإسلام». (القاهرة: مكتبة مدبولىي) الطبعة 
الأولى. 1991. ص 285. 

(121) أحمد أمين. «زعماء الإصلاح فى العصر الحديث». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة 
للكتاب) الطبعة الأولى.ء 2008. ص 62. 

(122) حسين أحمد أمين. مرجع سابق. ص 286. 

(123) أحمد أمينء مرجع سابق. ص 62. 

(124) نفسة. ص 69. 


204 


الهوامش 


(125) عزت قرنيء المرجع السابق. ص 236 و237. 

(126) طهاري محمدء «مفهوم الإصلاح بين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده». (الجزائر: 
الممؤسسة الوطنية للكتاب/ تونس: الدار التونسية للنشر). الطبعة الأولى. 1984, ص 
8 - 69, وص 79. 

(127) المرجع السابقء ص 81. 

(128) عباس محمود العقاد. «عبقري الإصلاح والتعليم الإزمام محمد عبده»» (بيروت: دار 
الكتاب العربي). 1971. ص 84. 

(129) صلاح فضل ومحسن يوسفء تقديم إسماعيل سراج الدين, «التجارب الناجحة», 
(الإسكندرية/ مكتبة الإسكندرية) الطبعة الأولى. 2006. ص 23. 

(130) صلاح فضل ومحسن يوسف, مرجع سابقء ص 24. 

(131) راجع موقع المنظمة العربية للتنمية الإدارية على شبكة الإنترنت: .ببج؟//:صغط 


/ 20075 


الفصل الرابع 

(1) أنطوني دي كرسبني وكينيث ميتوج» «من فلاسفة السياسة في القرن العشرين»: ترجمة 
وتقديم: نصار عبدالله (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب). الطبعة الأولى. 2012, 
ص 101. 

(2) روبرت د. ناي «السلوك الإنساني: ثلاث نظربات في فهمه»». ترجمة: أحمد سميح صبح 
ومنير فوزىي (القاهرة: الهيئة الطصرية العامة للكتاب), 2003,. ص 307. 

(3) لزيد من التفاصيلء انظر: مايكل ميكالكو. مرجع سابق. 

(4) وورين كيد وكارين لج وفيليب هراري «السياسة والسلطة». (أبوظبيء مركز الإمارات 
للدراسات والبحوث الاستراتيجية). 2012. ص 16. 

(5) رايت ميلزء مرجع سابق.ء ص 369 392. 

(6) جون إلستر «تفسير السلوك الاجتماعي: نحو مزيد من الانطلاق والتحديات أمام العلوم 
الاجتماعية» (القاهرة: المركز القومى للترجمة)ء 2012. ص 186 و187. 

(7) عاصم الدسوقي «التراث: من الأصالة إلى الاختراع»» في: أريك هوبسباوم وتيرنس رينجر 
(محرران)., «اختراع التراث: دراسات عن التقاليد بين الأصالة والنقل والاختراع». ترجمة: 
شيرين أبو النجار وآخرون. (القاهرة: مركز البحوث والدراسات الاجتماعية/ كلية 
الآداب. جامعة القاهرة)ء الطبعة الأولى. 2004. ص 5. 

(8) د. على زيعورء «انجراحات السلوك والفكر في الذات العربية: في الصحة العقلية والبحث 
عن التكيف الخلاق» (بيروت: المركز الثقافي العربي). الطبعة الأولى. 1992 ص 36. 

(9) توفيق السيف «قي لا ممسي الخيال دليلا في السياسة». صحيفة الشرق الأوسط. 21 
أكتوبر 2015. 

(10) لزيد من التفاصيلء انظر: 

عمار علي حسن «انتحار الإخوان: انطفاء الفكرة وسقوط الأخلاق وتصدع التنظيم» (القاهرة: 
دار نهضة مصر للنشر )ء الطبعة الأولى. 2013. ص 146 - 150. 

(11) محمود أمين العالم «مواقف نقدية من التراث» (دبي: مؤسسة سلطان العويس). 
الطبعة الثانية. 2010. ص 5 و6. 

(12) محمد جابر الأنصاري «تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها» (بيروت: المؤسسة 
العربية للدراسات والنشر)ء الطبعة الأولى. 1992. ص 31. 


245 


الخيال السئناسي 


(13) محمد عابد الجابري «العقل السياسي العربى: محدداته وتجلياته» (بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العربية). الطبعة الأولى. 1990. ص 374. 
(14) انظر: 
لصا عكلذا! ,دعأققاصةة أدععع عط معطم ممءمصقط أتمط 1 جععامه80 ععطمهم6عاعطي) 
3 ,طامهعععاء1' عطك"' “#بلوإاتلدعء طاتهم ع01110»© ,ومملونا ممعم متتتاظ 01 ععبرمم 
1 لتءدصمف 
(15) حازم دياب «خطوة أن تتمنى». صحيفة «الوطن» المصرية, 30 أكتوبر 2015. 
(16) لدصساط .علص طاطك ‏ سا/ععه.5ه21 121132 بصم /نصااط 
(17) انظر: 
عكقء ذف :ورستممقدء؟ عوزوء-)ع 1اعط 5غلهم 112 عصتطاصتط امخطعة/1ا” بوعتمو اعع1لح- 
,1992 ,2 155116 ,45 01131313316 ,111022معهنب) ”؟1155نحكل2 12 عتنالتة؟ عصتامتامءعء4 أه 
141-22 و5عمة2 
(18) وفاء إبراهيم «التفكير بالتمني والتفكير بالواقع». صحيفة «الأهرام» المصرية. 16 يونيو 
3. 
(19) انظر: 
-5 56216 -0 111311156 - 11/111112 /4 215/201 2 نع ذه /1115/22م /0113 ».21-1201101 يجا ياي 
'لث زذ ام 1222301 #لسصاط.عسمتنلسنط-لقطعت؟-ناعهم 1ت عمل 
(20) انظر: 
1110 2 2 2 2 2 ة001010012 11 م 1ك 
118 شر</ ز<+ز< 1 21101 
231176 لزمر) ذ :نوع تهم1مهع10 لقعناناه2 39ة0216113201ب) ,الء 532286 101961 لتقطجآ (21) 
,1996 ,تتهناقلظ 105 تإتتدمدره) ع2 م822 1 ناوععة11 ,5ذة 2319م 
ل1كةم20123) ع8 ع822 - اأكنامءضةآط ,رممتاعةق صل وعلغتأه2 نوعنجم1هع14 ,عنمتملناذ .[ سدكة (22) 
,1993 ,ترهس نأتكظ 220 
مذ :5ععلم/ لدعاعمامء10 ,ع11زعآ .للا مقصمط1”' ع8 اعنا .) أغطعاهدآا وععلقصتاطء5 لسدط (23) 
.5 :م ,1997 .0ن النلط نه _ 84 عغطا' رقدع10 لمعفتاه2 وسععله14 مذ رعملإمط)مم 
.2 :م ,1993 ركقع1م 25119علالطنا 7ع أدعط2 1/12 ,تإهكه1' رووأمعء11 لدعنناه2 ,كتسقلة صقآ (24) 
(25) للمزيد حول الأيديولوجياء انظر: 
615[ +2174 ,31 منضآة سه عصنع 021 عتعط1' :5عنعم1هع112 لمعناناه2 ,دل دعة8آ 2 ورمع.1 
.7 ,لهم تتلء طأ6 .عص1 للقط -ععتلمععط 
(26) المصدر السابق. ص 6. 
رطعقهةرجق لقتامععدهن) فق الإرمعط1' لمعتائاه2 سه 5عج10مع10 ,صعلءء1 اعدطء141 (27) 
3 م ,1996 ,1109ل غ15 ,ووعع2 تمل رع مقك اودع 1دنا 010:0 
(28) د. عبدالله العروي. «مفهوم الأيديولوجيا» (الدار البيضاء/ بيروت: المركز الثقافي 
العربي). الطبعة الخامسة, 1993 ص 5. 
عطل' همع دعنىوم1اه»14 لمعناناه2 : ججمامء10 أه ععهة عطا' ,اأعغمدلة ممدبطءذ مطمز (29) 
1[ ووع:2 ,تقةللتتصعة184 ,ده20م.آ ,روعدصمةا!' صمععله840 - انه2 10 دمن [مج9ع]1 صق اوعسصتف 
.7 م ,1998 ,رصه0ن6نلظ 156 
(30) المصدر السابق. ص 187. 
102001 امقضملء101] عاطدظ لصة عمقغط2 ق :ععتانتاه2 5معماع:8 ,أتمكهرمن) 135[مطاءزله (31) 


216 


الهوامش 


.289 ع« ,1995 ,رصهنانلكظ 220 ,باط ااعوقة0) 
(32) كارل بوبرء «بؤس الأيديولوجيا: نقد مبدأ الأنماط في التطور التاريخي». ترجمة: 
عبدالحميد صبرةء (بيروت: دار الساقي), سلسلة «الفكر الحديث». الطبعة الأولى» 
62 ص 7 9و89. 
(33) د. عبدالوهاب المسيرى. «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»», (القاهرة: دار 
الشروق). الطبعة الأولى, 1999. الجزء الأول. ص 239. 
(34) د. عبدالله العروي. مرجع سابق. ص 10. 


05 لم 12 01312117315123 ) 01 256 12[أهب) عطل' عككة بإجمامع14 ,عدع ه1115 للطمأعصدء ا (35) 


:ع3 كعتاناه2 أدعنعوه[امع101 أه ءعغة8 ع1 آه ومناءعل)ع12 : 1518157 1ه لمصظ ع1 بكدتصمخط5 

211 15 ,شذنا عملم طصصةن) , آنا لوم دن ,رلاء/ةا علعفاظ ,عءدومقلامن) ‏ صتفتم 1 تستصسمت 

م ,1994 

(36) راسل جاكويء «نهاية اليوتوبيا: السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة», ترجمة: فاروق 

عبدالقادرء العدد 269 من سلسلة عام المعرفة (الكويت: المجلس الوطني للثقافة 
والفنون والاداب). 2001. ص 13 - 15. 


11 02ن) 21156ه1121 لقة لفاغ دقءمضة0آ زععمع امت م مناه دومع]1 معل:زه5 علء3] (37) 


.16 عم ,2000 ,016013 156 ,1110 الإتقةم ضرمب عة ورماءن8[1 ,لاا اا رمهلمم1ا - عاروم بعلم 
(38) شانتال ميلون دلسون. «الأفكار السياسية في القرن العشرين»» ترجمة: د. جورج كتورة, 
(بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع). الطبعة الأولى. 1994. ص 
3. 
(39) د. حمدي عبدالرحمن حسن. «الأيديولوجية والتنمية في أفريقيا: دراسة مقارنة 
لتجربتي كينيا وتنزانيا», (القاهرة/ جامعة القاهرة - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية: 
مركز البحوث والدراسات السياسية). الطبعة الأولى. 1991ء ص 11. 


15 :و اع 14010 لدء1)ذ[0 هنهم تتعاضهي) ,عستللت11 .ا عأمداة ,ركنقاتء1/12 .)> 1109 (40) 


م.1996 ,هملظ طأ6 ,5ع طعتاطت2 ععع11ه0) د5صتلاهمب) عءمندآط ,وعصسجع28 ل0همدة 


ركقع22 2515 017لا ععاأدعطعءصدقة دعأدعء دالا ,/23ل0ه1' برج16مع14 لدعناناه2 ,قسصهلق هدآ (41) 


.5 ع ,ده انل لص ,1995 

(42) راسل جاكوبي. مرجع سابق. ص 15 و16. 

(43) د. أحمد عبدالله. «نحن والعام الجديد: محاولة وطنية لفهم التطورات العاطية». 
(القاهرة: مركز المحروسة للبحوث والتدريب وال معلومات)ء سلسلة «كتاب المحروسة»., 
العدد الرقم 11 الطبعة الأولى. 1995. ص 26. 

(44) د. سمير أمين. «ما بعد الرأسمالية», (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية). سلسلة 
(كتاب المستقبل العربي). الرقم 9, الطبعة الأولى: 1988. ص 163. 

(45) راسل جاكوبيء مرجع سابق. ص 22. 

(46) د. فؤاد مرسي. «الرأسمالية تجدد نفسها», (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون 
والآداب). سلسلة (عاط المعرفة). الرقم 147: مارس 1990. ص 7 - 12. 

(47) دانبيل غورين. «اللاسلطوية: من النظرية إلى التطبيق». ترجمة: مزاحم الطالي» 
(طرابلس: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان). الطبعة الأولى. ص 37 و38. 

(48) المرجع السابق» ص 42. 

(49) المرجع السابق. ص 43 - 45. 

(50) المرجع السابق. ص 73. ١‏ 


207 


الخكبيال التنبياسشتي 


انا 
#بكرية 


"- 


م 


الفصل الخامس 
(1) انظر: 
1ف 2ذ 21600 تناع 1222 لدء1111ه2 0مة بإأء 50 [تعزب) ,001221:011) صةءع( لدة ..آ مسطمز 
:1 تص, 1999 رووع282 معقعاطن) آأه زوع ع توملا عطل' رقع جاععع مومع لوع1ااءوت 

(2) د. محمد السيد سليمء «تحليل السياسة الخارجية».: (القاهرة: مركز البحوث والدراسات 
السياسية, 2)1989,. ص 389 9و390. 

(3) هاري آر. يارغرء «الاستراتيجية ومحترفو الأمن القومي: التفكير الاستراتيجي وصياغة 
الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين»». (أبوظبى: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيجية: 2011). ص 23 28. ١‏ 

(4) د. علي الدين هلال. «مفهوم الاستراتيجية في العلوم الاجتماعية», مجلة الفكر 
الاستراتيجي العربيء العدد 4. أبريل 1982. ص 7. 

(5) جون ستون. «الاستراتيجية العسكرية: سياسة وأسلوب الحرب». ترجمة: مركز الإمارات 
للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيجية). الطبعة الأولى. 2014. ص 7. 

(6) علي الدين هلالء المرجع السابق. ص 18. 

(7) المرجح السابق.ء ص 23 27. 

(8) المرجع السابق. ص 32. 

(9) نفسه. ص 235. 

(10) نفسة. ص 260. 

(11) كريستوفر كوكرء. «الحرب في عصر المخاطر». (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات 
والبحوث الاستراتيجية: 2)2011 ص 226. 

(12) حسن حنفيء «الخيال السياسي.. رؤية مصرية». جريدة الاتحاد الإماراتية. 20 سبتمبر 
4. 

(13) فرنان شنيدر, «تاريخ الفنون العسكرية». ترجمة: فريد أنطونيوسء (بيروت: منشورات 
عويدات) الطبعة الثانية. 1982. ص 5 و 6. 

(14) سون تسيء «فن الحرب» ترجمة: ربيع مفتاحء (القاهرة: دار أخبار اليوم) 2014. 

(15) بريان بوندء «الفكر العسكري عند ليدل هارت»»: ترجمة: سمير كرم, (بيروت: اأمؤسسة 
العربية للدراسات والنشرء 1979). ص 25. 

(16) د. محمد سعديء «مستقبل العلاقات الدولية من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة 
وثقافة السلام». (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 2008) ص 197 و198. 

(17) لمزيد من التفاصيل حول هذه النقطة انظر: ريتشارد نيد ليبوء «لماذا تتحارب الأمم؟: 
دوافع الحرب في الماضي والمستقبل». (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون 
والآداب, العدد 403 من سلسلة «عاط المعرفة», أغسطس 3). ص 151 - 218. 

(18) راجع على سبيل المثال: 

- باسكال بونيفاسء «الحرب العاللية الرابعة» ترجمة: أحمد الشيخ. (القاهرة: مكتبة الشروق 
الدوليةء 2006). 

- ريتشارد كلارك وروبرت نيك. «حرب الفضاء الإلكتروني: التهديد التالي للأمن القومي وكيفية 
التعامل معه». (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية؛ 2012). 

(19) مجموعة باحثين, «الحروب المستقبلية في القرن الحادي والعشرين». ترجمة: مركز 
الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات 


الهوامشن 


والبحوث الاستراتيجية) الطبعة الأولى. 2014. ص 11. 

(20) بيتر سينجرء «الحرب عن بعد: دور التكنولوجيا في الحرب». ترجمة: مركز الإمارات 
للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيجية) الطبعة الأولى. 2010. ص 680. 

(21) المرجع السابق. ص 228 و229. 

(22) بول روبنسونء «قاموس الأمن الدولي». ترجمة: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية)» الطبعة الأولى. 
9. ص 198. 

(23) المرجع السابق.ء ص 85. 

(24) لمزيد من التفاصيل انظر: ريتشارد كلارك وروبرت نيكء,ء «حرب الفضاء الإلكتروني: 
التهديد التالي للأمن القومي وكيفية التعامل معه». ترجمة: مركز الإمارات للدراسات 
والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية). 
الطبعة الأولى. 2012. 

(25) فيليب تايلورء «حرب العقول: أخطر الدعايات الحربية في معارك التاريخ»», (القاهرة: 
مكتبة جزيرة الورد)ء الطبعة الأولى. 2010. ص 8. 

(26) أنطون زحلان. «العلم والسيادة: التوقعات والإمكانات في البلدان العربية». (بيروت: 
مركز دراسات الوحدة العربية). ترجمة: حسن الشريفء الطبعة الأولى 2012. ص 292. 

(27) عبدالخالق فاروق. «اقتصاديات الفساد في مصر: كيف جرى إقساد مصر والمصريين 
4 - 2010». تقديم: محمد رؤوف حامد ونادر فرجاليء. (القاهرة: مكتبة الشروق 
الدولية). الطبعة الأولى. 2011. ص 29. 

(28) محمود عبدالفضيل. «رأسمالية المحاسيب: دراسة في الاقتصاد الاجتماعي»»: (القاهرة: 
الهيئة المصرية العامة للكتاب), الطبعة الثانية 2011,. ص 94. 

(29) عبدالرحمن بن خلدون. «مقدمة أبن خلدون» تحقيق: علي عبد الواحد وافيء (القاهرة: 
الهيئة المصرية العامة للكتاب) 2006, الجزه الثاني, ه ص 693. 

(30) محمد رؤوف حامد. «الرقص مع الفساد: تحليل علمي وحالات واقعية». (القاهرة: دار 
العين للنشر) الطبعة الأولى. 2011. ص 11 و12. 

(31) محمود عبدالفضيلء» مرجع سابقء ص 95 و96. 

(32) عبدالخالق فاروق. مرجع سابق» ص 27. 

(33) محمد رؤوف حامد. مرجع سابق. ص 28 - 39. 

(34) امطر جع السابق.» ص 9. 

(35) عمار علي حسنء «العودة إلى المجهول: راهن الإصلاح في مصر ومستقبله»». (القاهرة: 
دار نفرو للطباعة والنشر).ء الطبعة الأولل. 

(36) مصطفى خواجاء «مكافحة الفساد في المنطقة العربية: من حلقة مفقودة إلى أولوية 
مفروضة». في: بهجت قرني (محرر). «التنمية الإنسانية العربية في القرن الحادي 
والعشرين أولودة التمكين».: (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 2014).: الطبعة 
الأولى. ص 239 - 245. 

(37) محمد رؤوف حامد. مرجع سابق:» ص 96 - 99. 

(38) نفسه. ص: 103 - 106. 

(39) انظر على سبيل الثال: عبدالخالق فاروق (محرر). «كيف نعيد بناء جهاز الأمن», 
(القاهرة: مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية. 2012). الطبعة الأولى. 


49 


الخبال السياسى 


(40) لواء أحمد ضياء الدينء. «ماهية الحس الأمني وخصائصه الأساسية». مركز الأمن 
الصناعي,. 
6-(11_عع5_35.2521:723لتةا0 /0112». 1ج تزجرء . 15 بناحبيا//: 1ط 
(41) لمزيد من التفاصيل حول هذا الملوضوع. انظر: 
جاك غولدستون وإريك كوفمان ومونيكا دافي توفت «الدمموغرافيا السياسية: كيف تعيد 
التغيرات السكانية تشكيل الأمن الدولى والسياسة الوطنية؟», ترجمة: مركز الإمارات 
للدراسات والبحوث الاستراتيجية (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيجية): الطبعة الأولي. 2014. 

(42) توماس مالتوس (1766 - 1834) هو باحث اقتصادي بريطاني شهير أصدر في العام 1798 
مؤلفه الشهير «مقالة في مبدأ السكان», والذي به اهن مسار يسمى «الالتوسية»؛ 
حيث يزيد السكان بمتوالية هندسية (1. 2: 4. 8. 16.... )» بينما تزين الموارد ممتوالية 
حسابية (1, 2. 3: 4.... ). 

(43) دليل بيرنز «المثل السياسية», ترجمة: لويس إسكندر. مراجعة: محمد أنيسء (القاهرة: 
المركز القومي للترجمة). 2007, ص 382 - 384. 

(44) نفسه. ص 383. 

(45) كلايف بل «المدنية». ترجمة: محمود محمود (القاهرة: الهيئة ال مصرية العامة للكتاب): 
2 ص 53. 

(46) دليل بيرنزء مرجع سابق. ص 378. 

(47) لمزيد من التفاصيلء انظر: 

- ماريا لويزا برنيري «المدينة الفاضلة عبر التاريخ». العدد 225. من سلسلة عام المعرفة 
(الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفتون والآداب). سبتمير 1997. 

- كارل ل. بيكر «اطلذدينة الفاضلة عنذ فلاسفة القرن الثامن عشر». ترجمة: محمد شفيق 
غربال (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة)ء 2005. 

- أفلاطون «جمهورية أفلاطون». ترجمة: د. فؤاد زكريا (دبي: مؤسسة سلطان العويس). 
0. 

(48) ماريا لويزا برنيريء مرجع سابقء ص 17. 

(49) جان توشار وآخرون «تاريخ الفكر السياسي». ترجمة: علي مقلدء (بيروت: الدار العالمية 
للطباعة والنشر والتوزيع). الطبعة الثانية. 1983. ص 399. 

(50) المرجع السابق.ء ص 400. 

(51) هو عالم نقس أمريكي من أصل أمانيء ولد في العام 1900 وتعلم في جامعتي هيدلبرغ 
وميونخ. كرس حياته منذ العام 1926 للبحث فيما بين علم النفس والمجتمع من اتصال. 
وألقى محاضرات حول هذا الموضوع في عدة جامعات أمريكية. وانتقل في آخر حياته 
إلى سويسراء وتوفي في العام 1979. وقد ألف العديد من الكتب أشهرها «الإنسان بين 
الجوهر والمظهر» و«المجتمع السليم» و«الخوف من الحرية» و«تجاوز أغلال الوهم» 
و«ثورة الأمل» و«الإتسان من أجل نفسه». 

(52) إريك فروم «الطجتمع السليم»»., ترجمة: محمود محمود (القاهرة: الهيتة العامة تلقصور 
الثقافة). 2012. ص 239 و240. 

(53) إريك فروم «الإنسان بين الجوهر والمظهر». ترجمة: سعد زهران» مراجعة: لتطفي 
فطيم, العدد 140 من سلسلة عا المعرفة (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون 
والآداب): أغسطس 1989. ص 141 - 219. 


21 


الهوامشن 


(54) انظر: زي نجيب محمود «مجتمع جديد أو الكارثة» (القاهرة: الهيئة المصرية العامة 
للكتاب), 2007, 233 - 239. 

(55) ب. ف. سكينز. «تكنولوجيا السلوك الإنسانى». ترجمة: عبدالقادر يوسفء مراجعة: 
محمد رجا الدريني, العدد 32 من سلسلة عاط المعرفة (الكويت: المجلس الوطني 
للثقافة والفنون والآداب). 1980. ص 6 و7. 

(56) محمد سعدي, «مستقبل العلاقات الدولية من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة 
وثقافة السلام». (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية) الطبعة الثانية. 2008 ص 
6 - 359. 

(57) المطرجع السابقء» ص 359. 

(58) نفسه. ص 361 و362. 

(59) تيرنس بول وريتشارد بيلامي. مرجع سابقء الجزء الثاني.ء ص 13 - 18. 

(60) كانط. «مشروع للسلام الدائم», ترجمة: عثمان أمين, (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية) 
الطبعة الثانية. 1966. ص 35 و36. 

)(61) ا مرجع السابقء ص 37 - 50. 

(62) نفسه. ص 53 - 76. 

(63) د. قسطنطين زريقء «ما العمل: حديث إلى الأجيال العربية الطالعة», (بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العربية). الطبعة الأولى. 1998. ص 52. 

(64) المرجع السابق. ص 30 - 39. 

(65) المرجح السابق.ء ص 41 - 52. 

(66) المرجع السابق. ص 65 - 69. 

(67) المرجع السابق. ص 66. 

(68) لطزيد من التفاصيل راجع: بندكت أندرسن. «الجماعات المتخيلة: تأملات في أصل 
القومية وانتشارها». ترجمة: ثائر ديبء (بيروت: شركة قدمس للنشر والتوزيع. د. ت). 

(69) عاصم الدسوقيء مرجع سابق. ص 9. 

(70) سامى زبيدة, «الشظايا تتخيل الأمة: حالة العراق». في: مجموعة باحثين. «كيف نقرأ 
العام العربي اليوم؟: رؤى بديلة في العلوم الاجتماعية», مرجع سابق. ص 319,. 

(71) عاصم الدسوقيء «التراث: من الأصالة إلى الاختراع». في: إريك هوبسباوم وتيرنس 
رينجر (محرران). «اختراع التراث: دراسات عن التقاليد بين الأصالة والنقل والاختراع», 
ترجمة: شيرين أبو النجار وآخرينء والقاهرة. مركز البحوث والدراسات الاجتماعية, 
كلبة الآداب. جامعة القاهرة) الطبعة الأولى.ء 2004 ص 9. 

(72) إريك هويسباومء «مقدمة عن ابتداع التقاليد». في إريك هوبسباوم وتيرنس رينجرء 
مرجع سابق,. ص 13. 

(73) هيو تريفور - روبيرء «اختراع تقاليد مرتفعات أسكتلندا»» في: إريك هوبسياوم وتيرنس 
رينجرء مرجع سابقء ص 37 - 65. 

(74) بريز مورغانء «في إحياء الماضي: التنقيب عن ماضي ويز في العصر الرومانسي» في: أريك 
هوبسياوم وتيرنس رينجر. مرجع سباق. ص 71 - 133. 

(75) ديفيد كنادين. «سياق الطقوس وأداؤها معناها: الملكية البريطانية وابتداع التقاليد 
0 - 1977». في: إريك هوبسباوم وتيرنس رينجرء. مرجع سابق. ص 141 - 203. 

(76) تيرنس رينجرء «اختراع التراث في المستعمرات الأفريقية»». في: إريك هوبسباوم وتيرنس 
رينجرء مرجع سابق. ص 277 - 349. 


1 
- لاض 


الخبال السناسى 


(77) جون هارتلي (محرر). «الصناعات الإبداعية: كيف تنتج الثقافة في عام التكنولوجيا 
والعولة؟» ترجمة: بذر السيد سليمان الرفاعي» العدد 338, إبريل 2007 من سلسلة 
عام المعرفة (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب). الجزء الأولء ص 12. 

(78) المرجع السابق. ص 7 - 9. 

(79) نفسه. الجزه الثانيء ص 168. 

(80) المرجع السابقء الجزء الأول.ء ص 8. 

(81) نفسه. الجزء الثانيء ص 117. 


الفصل السادس 

(1) حجوردون مارشال. «موسوعة علم الاجتماع» ترجمة: محمد محيى الدين» ومحمود عبد 
الرشيد. وهناء الجوهريء إشراف: محمد محمود الجوهري. (القاهرة: المجلس الأعلى 
للثقافة. 2001) المجلد الثالث: ص 1433. 

(2) انظر: 

لوعتناه2 عط لقة دمهنئناء1 ,ق8مغتقكظ ,مفصلءع:]5 طاععدي 8 موداعء مم1 13 - 

0 2011 بعع[28 ,نومع عالدنا متطصننباهمب ,ده أ)مستعمقدم]1 

(3) انظر: 

1 2009 لإقققاعغطء1 م 1ههلا بيجع8[1 ,1262 اوضع تلصتا لاعصعهمب ,معط1 لمعةتامط - 

69-98 :م ,1 .مه 37 

(4) انظر: 
0 از عط 01 ومتاأنصقء10 عط ,م210 سضاعقطم1 لدع ننأه20 ,م0101 .ب و(ع:04ع16[ - 
17111 ©:3تتا[ مم6 1م116 مذ عاعء6]آ )10 بكلزمغء81 تقد 

(5) إلياس توما. «البابا أسقط الشيوعية في بولندا», موقع إيلاف: /درمء,طمداء//:صغط 
5 سصس*#ظ221 

(6) زبيجنيو بريجنسكي. «الاختيار: السيطرة على العام أم قيادة العالم». ترجمة: عمر الأبوبي. 
بيروت: دار الكتاب العربي. 2004: ص 11. 

(7) سعى بريجنسكي إلى الإجابة عن كل هذه الأسئلة في كتابه. الذي حوى خمسة فصولء. 
قضلا عن اللمقدمة والخاتمة2. جاءت على النحو التالي: الهيمنة الأمريكية والأمن 
العاممي» ومعضلات الأمن القومي» ومعضلات الاضطراب العالمي الجديد. ومعضلات 
إدارة التحالف. والهيمنة الأمريكية والمصلحة العامة. ومعضلات العومة. ومعضلات 
الديموقراطية المهيمنة. 

(8) د. زقي نجيب محمود. «مجتمع جديد أو الكارثة». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة 
للكتاب. 2007) ص 49 - 50. 

(9) نشر المشروع في عدة كتب صادرة عن المركز خلال العامين 1987 و1988 هي: خير الدين 
حسيب وآخرونء. «مستقبل الأمة العربية: التحديات والخيارات: التقرير النهاني لمشروع 
استشراف مستقبل الوطن العربي» - سعد الدين إبراهيمء «المجتمع والدولة في الوطن 
العربي» - علي الدين هلال وآخرون» «العرب والعام» - إبراهيم سعد الدذين ومحمود عبد 
الفضيل «التنمية العربية» - خلدون حسن النقيب «ال مجتمع والدولة في الخليج والجزيرة 
العربية من منظور مختلف» - غسان سلامة «المجتمع والدولة قِ المشرق العربي» - 
محمد عبد الباقي الهرمامي «المجتمع والدولة في المغرب العربي» - عبد المنعم سعيد 
«العرب ومستقبل النظام العالمي», إلى جانب كتابي «العرب ودول الجوار الجغراقي». 


الهوامشن 


(10) انظر: مجموعة باحثين. «صور المستقبل العربي». (بيروت: مركز دراسات الوحدة 
العربية وجامعة الأمم المتحدة - مشروع المستقبلات العربية البديلة. 1982). 

(11) المرجع السابق. ص 128. 

(12) نفسه. ص 186. 

(13) مجموعة باحثينء «هكذا يصنع المستقبل». (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات 
والبحوث الاستراتيجية. 2001). 

(14) انظر: هيرمان كان وآخرينء «العالم بعد مائتي عام: الثورة العلمية والتكنولوجية خلال 
القرنين القادمين». ترجمة: شوقي جلالء. (الكويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون 
والآداب. العدد 55 سلسلة عام المعرفة, يوليو 1982). 

(15) انظر في هذا الشأن: سينثيا ج. واغنرء مرجع سابق. 

(16) د. محمد سعديء مرجع سابق. ص 2291, 292. 

(17) مجموعة خبراء.ء «إسرائيل 2020: خطتها التفصيلية لمستقبل الدولة وال مجتمع». ترجمة: 
مركز دراسات الوحدة العربية. (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 2001). 

(18) اللجنة العالمية للبيئة والتنمية.» «مستقيلنا المشترك». ترجمة: محمد كامل عارفء 
مراجعة: د. على حسين حجاج. العدد 142 من سلسلة عام المعرفة. أكتوبر 
9 الالكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب). 

(19) لجنة إدارة شؤون المجتمع الدوليء «جيران في عام واحد». ترجمة: مجموعة من 
المترجمينء مراجعة: عبد السلام رضوان. (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون 
والآداب). 1995 ص 21. 


ذى 


د 


























مراجع الكثاب 
أولا: كتب باللغة العربية 


- ابن رشدء «الكتاب الكبير للنفس لأرسطو». ترجمة عن اللاتينية: إبراهيم الغربي. (دمشق: 
دار الحكمة. 7). 

أحمد أمينء. «زعماء الإصلاح في العصر الحديث». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 
838) الطبعة الأولى. 

أحمد شمس الدين الحجاجيء. «النبوءة أو قدر البطل في السيرة الشعبية». (القاهرة: الهيتة 
المصرية العامة لقصور الثقافة. 1994) الطبعة الأولى. 

أحمد شوقيء «هندسة المستقبل».: (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2002) الطبحة 
الأولى. 

د. أحمد عبدالله, «نحن والعالم الجديد: محاولة وطنية لفهم التطورات العالمية»»: (القاهرة: 
مركز المحروسة للبحوث والتدريب والمعلومات. 1995), الطبعة الأولى. 

د. إسماعيل نوري الربيعيء «العالم وتحولاته: التاريخ والهوية والعومة». (الدوحة: المجلس 
الوطني للثقافة والفنون والتراث؛ 2006). 

إقبال محمد رشيد صالح الحمدانى. «الاغتراب, التمرد. قلق المستقبل»» (عمان: دار صفاء 
للنشر والتوزيع. 2011) الطبعة الأولى. 

أمنية الجميل. «ماهية الدراسات المستقبلية». (الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية» 2012) 
الطبعة الأولى. 

د. أميمة رفعت السيدء «الطرق السبعة لتحسين الذاكرة». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة 
للكتاب. 2015) الطبعة الأولى. 

أنطون زحلانء «العلم والسيادة: التوقعات والإمكانات في البلدان العربية»» ترجمة: حسن 
الشريف. (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 2012)., الطبعة الأولى. 

- بهجت قرنيٍ (محرر). «التنمية الإنسانية العربية في القرن الحادي والعشرين: أولوية 
التمكين». (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 2014) الطبعة الأولى. 

توفيق الحكيمء. «رحلة إلى الغد». (القاهرة: مكتبة مصر. 1994). 

جابر عصفورء «نحو ثقافة مغايرة»». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب) الطبعة 


الأولى. 2008. 
حجمال حمذان. «استراتيجية الاستعمار والتحرير»». ( القاهرة: دار الشروق. 1983) الطبعة 
الأولى. 


- جمال سند السويديء. «وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية من 
القبيلة إلى الفيسيوك»». (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية, 
3) الطبعة الأولى. 

جمال مختار. «حقيقة الفيس بوك: عدو أم صديق ؟», طبعة خاصة. 2008. 

حازم الببلاوي. «التغيير من أجل الاستقرار». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 


8 ). 
حسن حمادء «الخلاص بالفن: التراجيديا نموذجا». (القاهرة: مكتبة دار الكلمة. 2002) 
الطبعة الأولى. 


- حسين مؤنسء «تاريخ موجز للفكر العربي». (القاهرة: دار الرشاد) الطبعة الأولى. 1996. 
حسين أحمد أمين. «المائة الأعظم في تاريخ الإسلام». (القاهرة: مكتبة مدبولي. 1991) 
الطبعة الأولى. ١‏ 


27 


اتخيال التنبناسشني 


حسين مؤنس. «صور من البطولات العربية والأجنبية». (القاهرة: الهيئة اللصرية العامة 
للكتاب» 0). 

حلمي محمد القاعود,. «الرواية التاريخية في أدبنا الحديث: دراسة تطبيقية». (القاهرة: 
الهيئة العامة لقصور الثقافة. 2003). 

د. حمدي عبدالرحمن حسن. «الأيديولوجية والتنمية في أفريقيا: دراسة مقارنة لتجربتى 
كينيا وتنزانيا». (القاهرة/ جامعة القاهرة - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية: مركز 
البحوث والدراسات السياسية. 1991)., الطبعة الأولى. 

د. خليل أحمد خليل. «سوسيولوجيا الجمهور السياسي الديني في الشرق الأوسط». (بيروت: 
المؤسسة العربية للدراسات والنشرء 2005) الطبعة الأولى. 

- د. زي نجيب محمود. «ثقافتنا في مواجهة العصر». (القاهرة: الهيئة ال مصرية العامة 
للكتاب. 1997). 

د. زى نجيب محمود.ء «في فلسفة النقد». (القاهرة: دار الشروق. 1983). 

زى نجيب محمود. «مجتمع جديد أو الكارثة», (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. 
7) الطبعة الثالثة. 

- سحر صبري ونعمة زهرانء «التفكير النظمى في الدراسات المستقبلية: من التحليل إلى 
التعقيد والتركيب والنمذجة» (الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية. 2102). 

د. سلمان رشيد سلمانء «البعد الاستراتيجي للمعرفة». (دي: مركز الخليج للأبحاث. 2004) 
الطبعة الأولى. 

د. سمير أمينء «ما بعد الرأسمالية»., (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 1988). الطبعة 
الأولى. 

سيد عويسء «هتاف الصامتين: ظاهرة الكتابة على هياكل المركبات في اللجتمع ال مصرى 
المعاصر». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2000) . 

- سيرجي قره ‏ مورزاء «التلاعب بالوعي». ترجمة: عياد عيد. (دمشق: وزارة الثقافة. 2012) 
الطبعة العربية الأولى. 

د. شاكر عبدالحميد, «الخيال: من الكهف إلى الواقع الافتراضي», سلسلة عام المعرفة. العدد 
0 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. 2009). الطبعة الأولى. 
-شاكر مصطفى. «تاريخنا وبقايا صور». (الكويت: كتاب العربي) الكتاب الخامس والعشرون» 

5 أكتوير 1989. 

صلاح سالء «الأساطير المؤسسة للإسلام السياسي». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتابء 
4) الطبعة الأولى. 

د. صلاح فضلء د. محسن يوسف.ء تقديم إسماعيل سراج الدين. «التجارب الناجحة»., 
(الإسكندرية/ مكتبة الإسكندرية. 2006) الطبعة الأوللى. 

الطاهر وطار. «الشمعة والدهاليز». (القاهرة: دار الهلال. 1992) الطبعة الأولى. 

طهاري محمد, «مفهوم الإصلاح بين جمال الدين الأفغانني ومحمد عبده»» (الجزائر: المؤسسة 
الوطنية للكتاب/ تونس: الدار التونسية للنشر. 1984). الطبعة الأولى. 

عادل أحمد عز الدين الأشول. «علم النفس الاجتماعي مع الإشارة إلى مساهمات علماء 
الإسلام». (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية. 1987) الطبعة الأولى. 

العبادي الفلي. «فن التنجيم السياسي .. السادات», د. ن. 

عباس محمود العقاد. «روح عظيم المهاتما غاندي»». (القاهرة: موّسسة هنداوي للتعليم 
والثقافة. 2013). 


218 


مراجع الكتاب 


عباس محمود العقادء «عبقري الإصلاح والتعليم الإمام محمد عبده»», (بيروت: دار الكتاب 
العربيء 1971). 

د. عبدالحميد بن مصطفى الفردوس. «علم إدارة العقل». (الرياض: مكتبة الملك فهد 
الوطنية للنشرء 2004).: الطبعة الأولى. 

عي دالخالق قاروقء. «اقتصاديات الفساد ف مصر: كيف جرى إفساد مصر والمصرين 1974 
2010», تقديم: محمد رؤوف حامد وتادر قرجانيء «القاهرة: مكتبة الشروق الدولية. 
1) الطبعة الأولى. 

عبدالخالق فاروق (محرر).ء «كيف نعيد بناء جهاز الأمن». (القاهرة: مركز النيل للدراسات 
الاقتصادية والاستراتيجية. 2012). الطبعة الأولى. 

عبدالرحمن ابن خلدونء «مقدمة ابن خلدون» تحقيق: على عبدالواحد وافيء (القاهرة: 
الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2006). 

- عبدالسلام بن ميسء «الخيال ودوره في تقدم المعرفة العتمية». (المغرب: جامعة محمد 
الخامسء كلية الآداب والعلوم الإنسانية. 2000) الطبعة الأولى. 

- عبداللطيف شرارة. «حكمة التاريخ»» (الشركة العالمية للكتاب. 1990) الطبعة الأولى. 

د. عبدالله العرويء. «مفهوم الأيديولوجيا». (الدار البيضاء/ بيروت: المركز الثقافي العربي. 
3) الطبعة الخامسة. 

عبدالله الغذاميء «النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية»» (بيروت: المركز الثقافي 
العربي» 2200 

- د. عبدالمحسن صالح.ء «التنبؤ العلمي ومستقيل الإنسان». سلسلة عام المعرفة. العدد 
8 (الكويت: ال مجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب: 1981) سلسلة عام المعرفة. 

00 على زيعورء. «انجراحات السلوك والفكر قِ الذات العربية: في الصحة العقلية والبحتُث 
عن التكيف الخلاق». (بيروت: المركز الثقافي العربي. 1992) الطبعة الأولى. 

عزت قرفىي, «تاريخ الفكر السياسي والاجتماعي في مصر الحديثة 1834 1914»». (القاهرة: 
الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2006). 

. عماد عبداللطيف. «بلاغة الحرية: معارك الخطاب السيامي في زمن الثورة», (بيروت - 
القاهرة ‏ تونس: التنوير للطباعة والنشر والتوزيع. 2012) الطبعة الأولى. 

- عمار علي حسن. «انتحار الإخوان: انطفاء الفكرة وسقوط الأخلاق وتصدع التنظيم» 
(القاهرة: دار نهضة مصر للنشرء 2013) الطبعة الأولى. 

د. عمار علي حسنء «تقريب البعيد»». (القاهرة: دار سما للنشر والتوزيع, 2015) الطبعة الأولى. 

- عمار على حسنء «عشت ما جرى .. شهادة على ثورة يناير». (القاهرة/ الهيئة المصرية 
العامة للكتاب. 2013) الطبعة الأولى. 

- عمار علي حسن. «العودة إلى المجهول: راهن الإصلاح في مصر ومستقبله». (القاهرة: دار 
نفرو للطباعة والنشرء 2007) الطبعة الأولى. 

د. عمار عاي حسنء «التص والسلطة واللمجتمع: القيم السياسية ف الرواية العربية». 
(القاهرة: دار شرقيات للنشر والتوزيع. 2007) الطبعة الثانية. 

- فكري أندراوسء «العقل والسياسة». (القاهرة: دار الثقافة الجديدة, 2014) الطبعة الأولى. 

د. فؤاد زكرياء «التفكير العلمي», (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب, 
8 سلسلة عاط المعرفة, العدد 3. . 

د. فؤاد مرسي. «الرأسمالية تجدد نفسها». (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفتون 
والآداب. 1990). سلسلة عام المعرفة. العدد 147. 


9ذآ2 


الذيال النسياسيىي 


د. قسطنطين زريق. «ما العمل: حديث إلى الأجيال العربية الطالعة». (بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العربية. 1998).: الطبعة الأوللى. 

د. كمال محمد خليل. «سيكولوجية التفكير: برامج تدريبية واستراتيجيات». (عمان: دار 
ا مناهج للنشر والتوزيع. 2006) الطبعة الأولى. 

لويس عوضء «تاريخ الفكر الطصري الحديث من الحملة الفرنسية إلى عصر إسماعيل». 
(القاهرة: مكتبة مدبولىي. 1987) الطبعة الرابعة. 

مالك شبلء «المخيال العربي الإسلامي». (باريس: ال منشورات الجامعية الفرنسية. 1993). 

مجموعة باحثين. «الرواية والتاريخ». تحرير وتقديم: عبدالله إبراهيم. (الدوحة: مجلس 
الوطني للثقافة والفنون والتراث في قطر. 2006) الطبعة الأولى. 

مجموعة كتابء «الطيب صالح: جسر بين الشرق والغرب». (برلين: إصدارات السفارة 
السودانية. 2013) الطبعة الأولى. 

- محسن أحمد الخضيريء «إدارة التوتر: مقدمة في علم إدارة التوتر المحلي والدولي»». 
(القاهرة: مكتبة إيزاك. 2009). 

- محسن بوعزيزيء «السيميولوجيا الاجتماعية». (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 
0) الطبعة الأولى. 

محمد حابر الأنصاري. «تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها». ( بيروت: المؤسسة 
العربية للدراسات والنشر. 1992) الطبعة الأولى. 

- محمنذ رؤوف حامد.ء «الرقص مع الفساد: تحليل علمي وحالات واقعية». (القاهرة: دار 
العين للنشرء 2011) الطبعة الأولى. 

محمد عبدا منعم نور. «الإنسان ومجتمعه: دراسة أساسية للظواهر النفسية والاجتماعية», 
(القاهرة: دار المعرفة. 1978). 

د. محمد الجوهري (مشرف). «الكتاب السنوي لعلم الاجتماع: المجموعة الكاملة». 
(القاهرة: دار المعارف. 1981) الطبعة الأولى. 

د. محمد سعديء «مستقبل العلاقات الدولية من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة 
وثقافة السلام». (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 2008) ٠‏ الطبعة الأولى. 

د. محمد السيد سليمء «تحليل السياسة الخارجية»». (القاهرة: مركز البحوث والدراسات 


السياسية. 1989). الطبعة الأولى. 
- محمد عابد الجابريء «العقل السياسي العربي: محدداته وتجلياته». (بيروت: مركز دراسات 
الوحدة العربية. 1990) الطبعة الأولى. 


محمد العجاتي (مشرف) «جيل الشباب في الوطن العربي ووسائل المشاركة غير التقليدية 
من المجال الافتراضي إلى الثورة»». (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 2015) الطبعة 
الثانية. 

- محمد عزيز الحبابي. «مقاهيم مبهمة ف الفكر العربي المعاصر». (القاهرة: دار المعارف. 
0) 1990. 

مصطفى الفقي» «الدولة المصرية والرؤية العصرية: من فكر ال مراجعة إلى فكر المستقبل», 
(القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2007) الطبعة الأولى. 

- معتز سيد عبدالله. «إدارة التغبير التنظيمي: الأسس النظرية واطهارات والتطبيقات 
العملية». (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية. 2014) الطبعة الأولى. 

محمود أمين العالم. «مواقف نقدية من التراث»». (دبي: مؤسسة سلطان العويس. 2010) 
الطبعة الثانية. 


/َ0 


مراجع الكتاب 


محمود عبدالفضيلء «رأسمالية المحاسيب: دراسة في الاقتصاد الاجتماعي»»: (القاهرة: الهيئة 
المصرية العامة للكتاب. 2011) الطبعة الثانية. 

نادر السراحء «مصر الثورة وشعارات شبابها: دراسة نسانية في عفوية التعبير». (الدوحة: 
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. 2014) الطبعة الأولى. 

نادية مصطفى (محرر). «علم السياسة: مراجعات نظرية ومنهاجية». (القاهرة: مركز 
البحوث والدراسات السياسية/ جامعة القاهرة. 2004) الطبعة الأولى. 

- ناجي الركابي. «الأساطير المؤسسة للعقل الثقافي العراقي: دراسة في جينالوجيا الثقافة 
العراقية». (دمشق: دار تموز للطباعة والنشر. 2012) الطبعة الأولى. 

- ناصيف نصارء «منطق السلطة: مدخل إلى فلسفة الأمر». (بيروت: دار أمواج للطباعة 
والنشر والتوزيع. 1995) الطبعة الأوللى. 

- نبيل عبدالفتاح, «عقل الأزمة: تأملات نقدية في ثقافة العنف والغرائز والخيال المستور». 
(القاهرة: دار سشات للدراسات والنشر والتوزيع. 1993) الطبعة الأولى. 

نجيب محفوظء «ثرثرة فوق النيل». (القاهرة: دار الشروق) 2006. 

هية رءوف عزتء «الخيال السياسي للإسلاميين ما قبل الدولة وما بعدها». (بيروت: الشبكة 
العربية للأبحاث والنشر. 2015) الطبعة الأولى. 

د. يوسف سلطان الطانى وعامر حسين العطويء. «الذكاء الشعوري في المنظمات: مدخل 
متكامل». (عمان: مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع. 2009). 


ثانيا: كتب أجنبية مترجمة 

- أدريان فورنهام. «الفيل في غرفة مجلس الإدارة: أسباب انحراف القيادة», ترجمة: مركز 
الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية, (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيجية. 2014) الطبعة الأولى. 

إدوارد دي بونوء. «التفكير الجانبي: كسر للقيود المنطقية». ترجمة نايف الخوصء. (دمشق: 
الهيئة السورية العامة للكتاب. 2010). 

إدي فاينر وأرنولد براون. «التفكير المستقبلي: كيف تفكر بوضوح في زمن التغير», (أبوظبي: 
مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. 2008). الطبعة العربية الأولى. 

إريك فروم: «الإنسان بين الجوهر والمظهر» ترجمة: سعد زهرانء: مراجعة: لطفي فطيم. 
(الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. 1989) سلسلة عام المعرفة, العدد 


0. 
إريك فروم, «المجتمع السليم». ترجمة: محمود محمون., (القاهرة: الهيئة العامة لقصور 
الثقافة. 2012). 


- أريك هوبسباوم وتيرنس رينجر (محرران).ء «اختراع التراث: دراسات عن التقاليد بين 
الأصالة والنقل والاختراع». ترجمة: شيرين أبو النجار وآخرونء (القاهرة: مركز البحوث 
والدراسات الاجتماعية/ كلية الآداب. جامعة القاهرة. 2004) الطبعة الأولى. 

أفلاطون. «جمهورية أفلاطون»., ترجمة: د. فؤاد زكرياء (دبي: مؤسسة سلطان العويس. 
2)220. 

إكناث إيسوارن. «غاندى الإنسان». ترجمة: غياث جازيء. (دمشق: معابر للنشر والتوزيع, 
3) الطبعة الأولى. 

إلكسندرو روشكاء «الإبداع العام والخاص». (الكويت: ال مجلس الوطني للثقافة والفنون 
والآداب. 1989). سلسلة عام ال معرفة. العدد 144. 


2([ 601 


الخئال التنناننيى 


ألين شوفيلد. «المحاكاة في التدريب الإداري». ترجمة: محمد حسن. (القاهرة: المنظمة 
العربية للتنمية الإدارية,. 1995). 

- أنطوني دي كرسبني وكينيث ميتوجء «من فلاسفة السياسة في القرن العشرين»». ترجمة 
وتقديم: نصار عبدالله, (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2012) الطبعة الأولل. 

إيف شارل زركاء «السياسة والخيال». ترجمة: الحسن اللحيةء (الدار البيضاء: أفريقيا 
الشرق. 2008). الطبعة العربية الأولى. 

باسكال بونيفاسء «الحرب العالية الرابعة» ترجمة: أحمد الشيخ. (القاهرة: مكتبة الشروق 
الدولية» 2006). 

برتران بادي وبيار بيرنبوم. «سوسولوجيا الدولة», ترجمة: جوزف عبدالله وجورج أبي صالح, 
( بيروت: مركز الإنماء القومي) د. ت. 

- برتراند راسل. «فلسفتي كيف تطورت». ترجمة: عبدالرشيد الصادق محموديىء. مراجعة 
وتقديم: زي نجيب محمود.ء (القاهرة: المركز القومي للترجمة. 2012) الطبعة الأولل. 

- بريان بوندء «الفكر العسكري عند ليدل هارت». ترجمة: سمير كرم» (بيروت: اللؤسسة 
العربية للدراسات والنشر, 1979). 

ب. ف. سكينزء «تكنولوجيا السلوك الإنساني». ترجمة: عبدالقادر يوسفء مراجعة: محمد 
رجا الدريني؛ (الكويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب. 1980) سلسلة عالم 
المعرفة. العدد 32. 

بندكت أندرسن. «الجماعات المتخيلة: تأملات في أصل القومية وانتشارها». ترجمة: ثاثر 
ديب, (بيروت: شركة قدمس للنشر والتوزيعء د. ت). 

- بول ريكور. «الذات عينها كآخر». ترجمة وتقديم وتعليق: د. جورج زيناق. (بيروت: 
المنظمة العربية للترجمة. 2005) الطبعة الأولى. 

- بيتر سينجرء «الحرب عن بعد: دور التكنولوجيا في الحرب». ترجمة: مركز الإمارات 
للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للبحوث والدراسات 
الاستراتيجية). الطبعة الأولى 2010. 

توماس كارليل: «الأبطال» ترجمة: محمد السباعيء (القاهرة: دار الهلال. 1978) الطبعة الثانية. 

توماس كون, «بنية الثورات العلمية». (الكويت: الوطني للثقافة والفنون والآداب. 1992) 
سلسلة عاح المعرفة. العدد 168. 

توماس هوبزء «اللفياثان: الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة». ترجمة: ديانا حبيب 
حرب وبشرى صعب. مراجعة وتقديم: رضوان السيد. ( بيروت/ دار الفارابي . أبوظبي/ 
مشروع كلمة. 2011) الطبعة الأولى. 

توم لومباردو «قيمة الوعي بالمستقبل» في سينثيا ج. واغنرء «الاستشراف والابتكار 
والاستراتيجية». ترجمة: صباح صديق الدملوجيء (بيروت: المنظمة العربية للترجمة. 
9) الطبعة العربية الأولى. 

- تيرنس بول وريتشارد بيلامي. «الفكر السياسي في القرن العشرين». ترجمة: منى مقلد. 
مراجعة وتحرير: طلعت الشايبء (القاهرة: المركز القومي للترجمة. 2010) الطبعة 
الأولى. 

غاستون باشلارء. «الطاء والأحلام: دراسة عن الخيال والادة». ترجمة: علي نجيب إبراهيم, 
(بيروت: المنظمة العربية للترجمة. 2007) الطبعة العربية الأولى. 

جاك غولدستون وإريك كوفمان ومونيكا دافي توفتء «الديموغرافيا السياسية: كيف تعيد 
التغيرات السكانية تشكيل الأمن الدولىي والسياسة الوطنية؟». ترجمة: مركز الإمارات 


262 


مراجع الكناب 


للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيحية) الطبعة الأولى. 2014. 

جاك لومبارء «مدخل إلى الأثنوتلوجيا». ترجمة: حسن قبيسيء (الدار البيضاء: المركز الثقافي 
العربى. 1997) الطبعة الأولى. 

- جان توشار وآخرون. «تاريخ الفكر السيامي». ترجمة: علي مقلد. (بيروت: الدار العاطية 
للطباعة والنشر والتوزيع: 1983) الطبعة الثانية. 

جورج بالانديبه. «الأنثربولوجيا السياسية». ترجمة: جورج أي صالح.ء (بيروت: منشورات 
مركز الإنهاء القومي. 1986) الطبعة الأولى. 

غوستاف لوبونء «سيكولوجية الجماهير». ترجمة: هاشم صالحء (بيروت ‏ لندن: دار 
الساقي. 2015) الطبعة السادسة. 

- جون إلستر. «تفسير السلوك الاجتماعي: نحو مزيد من الانطلاق والتحديات أمام العلوم 
الاجتماعية», (القاهرة: المركز القومي للترجمة. 2012). 

جون ج. تايلور. «عقول المستقبل». (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» 
5) سلسلة عاط المعرفة. العدد 92. 

- جون ستونء «الاستراتيجية العسكرية: سياسة وأسلوب الحرب». ترجمة: مركز الإمارات 
للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيجية, 2104). الطبعة العربية الأولى. 

جون هارتلي (محرر). «الصناعات الإبداعية: كيف تنتج الثقافة في عام التكنولوجيا 
والعولمة؟» ج1.ء (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. 2007) سلسلة 
عام المعرفة, العدد 338. 

خوسيه إنريي رودوء «بوليفار», ترجمة: محمود علي مكيء (القاهرة: المركز القومي 
للترجمة. 2007). 

دافيد هيومء. «تحقيق في الذهن البشري»» ترجمة: محمد محجوبء (بيروت: المنظمة 
العربية للترجمةء 2008). الطبعة الأولى. 

دانبيل غورينء «اللاسلطوية: من النظرية إلى التطبيق». ترجمة: مزاحهم الطاني» (طرابلس: 
الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان. د. ت)» الطبعة الأولى. 

داون نونسيباتو. «الحرية الافتراضية: حيادية الشبكة وحرية التعبير في عصر الإنترنت». 
ترجمة: أنور الشامي, مراجعة: وفاء التومي. (الدوحة: وزارة الثقافة والفنون والتراث» 
1) الطبعة العربية الأولى. 

دليل بيرنزء «امطثل السياسية». ترجمة: لويس إسخندرء. مراجعة: محمد الفسن: (القاهرة: 


المركز القومي للترجمة. 2007). 
دنكان بريتشاردء «ما المعرفة». (الكويت: الملجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. 2013) 
سلسلة عام اللعرفة, العدد 404. 


دورتيء جيمس. وبالسغراف روبرت. ترجمة: وليد عبدالحي. «النظريات المتضاربة في 
العلاقات الدولية» (عمان: مركز أحمد ياسين. 1995). 

ديفيد باول» «ذكاء الروح: 175 مفتاحا عمليا للنجاح في حباتك العملية والأسرية». ترجمة: 
دار الفاروق للاستثمارات الثقافيةء (القاهرة: دار الفاروق للاستثمارات الثقافية. 2010) 


الطبعة العربية الأولى. 
ديلامي أوليري. «الفكر العربي ومكانه في التاريخ» ترجمة: تمام حسان. (القاهرة: الهيئة 
اللصرية العامة للكتاب, 207 5 


203 


الخبال السياشسى 


راسل جاكوبيء «نهاية اليوتوبيا: السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة». (الكويت: الملجلس 
الوطني للثقافة والفنون والآداب. 2001) سلسلة عاط المعرفة, العدد 269. 

رايت ميلزء «الخيال العلمي الاجتماعي» ترجمة: د. عبدالباسط عبدال معطي (الإسكندرية: 
دار المعرفة الجامعية. 1998) الطبعة العربية الأولى. 

ر. ج. كولنجوود. «فكرة التاريخ». ترجمة: محمد بكير خليل. مراجعة: محمد عبدالواحد 
خلاف. (القاهرة: الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة. 2012). 

- روبرت د. ناي. «السلوك الإنساني: ثلاث نظريات في فهمه»», ترجمة: أحمد سميح صبح. 
ومنير فوزي. (القاهرة: الهيتة المصرية العامة للكتاب) 2003. 

روجيه جارودي. «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية». ترجمة: محمذ هشام., تقذيم: 
محمد حسنين هيكلء (القاهرة: دار الشروق. 2002) الطبعة الرابعة. 

- رينيه جيرارء «كبش الفداء». ترجمة: منار رشدي أنور. (القاهرة: دار شرقيات للنشر 
والتوزيع. 1998) الطبعة الأولى. 

- ريتشارد كلارك وروبرت نيك. «حرب الفضاء الإلكتروني: التهديد التالي للأمن القومي وكيفية 
التعامل معه». (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. 2012). 

- ريتشارد نيد ليبوء «لماذا تتحارب الأمم؟: دوافع الحرب في الماضي والمستقبل»», (الكويت: 
المجلس الوطني للثقافة والفتون والآداب. 2013): سلسلة عام المعرفة, العدد 403. 

- زبيغنيو بريجنسكي. «الاختيار: السيطرة على العالم أم قيادة العالم». ترجمة: عمر الأيوبي» 
(بيروت: دار الكتاب العرنى. 2004). 

زيودين ساردار وبورين فان لون» «أقدم لك الدراسات الثقافية». ترحجمة: وفاء عبنالقادر, 
مراجعة وإشراف: إمام عبدالفتاح إمام. (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة. 2003) 
الطبعة العربية الأولل. 

- سون تسيء «فن الحرب» ترجمة: ربيع مفتاح, (القاهرة: دار أخبار اليوم. 2014). 

- سيرج بوغام, «ممارسة علم الاجتماع»» ترجمة: منير السعيداني» مراجعة: ميشال عواد. 
(بيروت: المنظمة العربية للترجمة. 2012) الطبعة الأولى. 

- سيمون سينكء. «ابدأ مع ماذأ: كيف يلهم القادة العظماء الناس للعمل», ترجمة: مركز 
الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيجية. 2013) الطبعة العربية الأولى. 

شانتال ميلون دلسونء «الأفكار السياسية في القرن العشرين». ترجمة: د. جورج كتورة. 
(بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع, 1994). الطبعة الأولى. 

غاندي. «قصة تجاري مع الحقيقة», ترحجمة: محمد إبراهيم السيد. مراجعة: مجدي 
عبدالواحد عنبة. (القاهرة: كلمات عربية للترجمة والنشر. 2011) الطبعة الثانية. 

- فرنان شنيدرء «تاريخ الفنون العسكرية». ترجمة: فريد أنطونيوسء (بيروت: منشورات 
عويدات: 1982) الطبعة الثانية. 

- فيليب تايلور. «حرب العقول: أخطر الدعايات الحربية في معارك التاريخ». (القاهرة: مكتبة 
جزيرة الورد. 2010) الطبعة الأولى. 

كارل بوبرء «بؤس الأيديولوجيا: تقد مبدأ الأنماط في التطور التاريخي». ترجمة: عبدالحميد 
صبره. (بيروت: دار الساقي. 1992) الطبعة الأولى. 

كارل ل. بيكرء «اطدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر». ترجمة: محمد شفيق 
غربالء (القاهرة: ال مجلس الأعلى للثقافة. 2005). 

كافين رايلي «الغرب والعام: تاريخ الحضارة من خلال موضوعات» (القسم الثاني). ترجمة: 


204 


مراجج الكناب 


د. عيدالوهاب المسيري. د. هدى حجازيء. مراجعة د. فؤاد زكرياء (الكويت: الملجلس 
الوطني للثقافة والفنون والآداب. 1986) سلسلة عام المعرفة, العدد 97. 

- كانطء «مشروع للسلام الدائم». ترجمة: عثمان أمين: (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية, 
6) الطبعة الثانية. 

- كريستوفر كوكرء «الحرب في عصر المخاطر». (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات واليحوث 
الاستراتيجية. 2011) الطبعة العربية الأولى. 

كلايف بلء «اطدنية»» ترجمة: محمود محمود. (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. 
2222 

- كلير كرامش. «اللغة والثقافة». ترجمة: د. أحمد الشيميء مراجعة: عبدالودود العمرانيء 
(الدوحة: وزارة الثقافة والفنون والتراث. 2010) الطبعة العربية الأولى. 

ماريا لويرا برنيريء «المدينة الفاضلة عبر التاريخ»: (الكويت: المجلس الوطني للثقافة 
والفنون والاداب. سبتمير 1997). 

مارتن لوثر كنجء «لماذا نفد صبرنا». ترجمة: عديلة حسين مياسء مراجعة: مصطفى حبيب» 
(القاهرة: مؤسسة السجل العربي. 1966) الطبعة العربية الأولى. 

مايكل لى لاننغء «100 قائد عسكري: تصنيف لأكثر القادة العسكريين تأثيرا في العام عبر 
التاريخ». ترجمة: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز 
الإمارات للدراسات واليحوث الاستراتيجية, 1999) الطبعة الأولى. 

- مايكل ميكالكو. «كيف تصبح مفكرا مبدعا: أسرار العبقرية الإبداعية», (القاهرة: الهيئة 
المصرية العامة للكتاب. 2010). 

مايكل هيلء «أثر المعلومات في المجتمع: دراسة لطبيعتها وقيمتها واستعمالها». (أبوظبي: 
مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. 2004) الطبعة العربية الأولى. 

- موريس دوفرجيه. «علم اجتماع السياسة». ترجمة: سليم حداد. (بيروت: اللؤسسة 
الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع)ء الطبعة الأولى. 

لجنة إدارة شؤون المجتمع الذولي. «جيران في عالم واحد». ترجمة: مجموعة من المترجمين, 
مراجعة: عبدالسلام رضوانء (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفتون والاداب. 
5) سلسلة عاط اللعرفة, العدد 201. 

اللجنة العاطية للبيئة والتنمية. «مستقيلنا ا لمشترك». ترجمة: محمد كامل عارفء مراجعة: 
د.علي حسين حجاج. (الكويت: اللجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. 1989) 
سلسلة عام المعرفة. العدد 142. 

مجموعة خيراء. «إسرائيل 2020: خطتها التفصيلية لمستقبل الدولة وللجتمع». ترجمة: 
مركز دراسات الوحدة العربية. (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 2001). 

- مجموعة باحثينء. «الحرب عن بعد: دور التكنولوجيا في الحرب»» ترجمة: مركز الإمارات 
للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيجية. 2010) الطبعة الأولى. 

مجموعة باحثين, «الحروب المستقبلية في القرن الحادي والعشرين». ترجمة: مركز الإمارات 
للدراسات والبحوث الاستراتيجية. (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيجية. 2014) الطبعة الأولى. 

مجموعة باحثينء «صور المستقبل العربي».: (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية وجامعة 
الأمم المتحدة ‏ مشروع المستقبلات العربية البديلة. 1982). 

مجموعة باحثين. «كيف نقرأ العام العربي اليوخ؟: رؤى بديلة في العلوم الاجتماعية», 


205 


الخبال السياسى 


ترجمة: شريف يونسء (القاهرة: دار العين. 2013) الطبعة العربية الأولى. 

- مجموعة باحثين. «هكذا يصنع المستقبل». (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتشيجية. 2001). 

- نيكوس كازانتزاكيسء «زوربا». (بيروت: دار الطليعة. 1979) الطبعة الرابعة. 

- هارولد لاسكي. «الدولة نظريا وعمليا». (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة. 2012) 
الطبعة الثانية. 

هاري آر. يارغرء «الاستراتيجية ومحترفو الأمن القومي: التفكير الاستراتيجي وصياغة 
الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين». (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث 
الاستراتيجية. 2011) الطبعة العربية الأولى. 

- هانز جي. مورجنتاوء «السياسة بين الأمم: الصراع من أجل السلطان والسلام». ترجمة: 
خيري حماد. (القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر,. 1965) الطبعة الأولى. 

- هيرمان كان وآخرونء «العالم بعد ماثتي عام: الثورة العلمية والتكنولوجية خلال القرنين 
القادمين», ترجمة: شوقي جلالء (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفتون والآداب. 
2 سلسلة عاط المعرفة, العدد 55. 

- وورين كيد وكارين لج وفيليب هراريء «السياسة والسلطة». (أبوظبيء. مركز الإمارات 
للدراسات والبحوث الاستراتيجية. 2012). 

- ويليام هاولزء «ما وراء التاريخ». ترجمة: أحمد أبو زيد. (القاهرة: المركز القومى للترجمة. 
2)2)21. 

- ينسن زونتجنء «فكر بنفسك: عشرون تطبيقا للفلسفة». ترجمة: عبدالسلام حيدرء 
(القاهرة: المحروسة للنشر والخدمات الصحافية والعلوماتء. 2006) الطبعة العربية 
الأول. 


ثالثا: أطروحات جامعية 


حامد أحمد هاشم «نظرية الطباريات وتحليل الصراعات الدولية مع التطبيق على الصراع 
العربيي الإمرائيلي». رسالة ماجستير غير منشورة. كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, 
جامعة القاهرة. 1983. 

مديونة صليحة. «نظرية ال محاكاة بين الفلسفة والشعر». رسالة ماجستير غير منشورة. كلية 
الآداب والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية. جامعة أبى بكر بلقايد. الجزائر» 2006. 


رابعا: قواميس ومعاجم وموسوعات 


آرثر جولد شميث (الابن). «قاموس تراجم مصر الحديثة». ترجمة وتحقيق: عبدالوهاب 
بكرء (القاهرة: المجلس الأعلى للتقافة. 2003). 

أبن منظورء «لسان العرب»», (بيروت: دار صادر. 2010). 

- بول روبنسون. «قاموس الأمن الدولي»., ترجمة: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية, 
(أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية, 2009) الطبعة الأولى. 

- جوردون مارشال. «موسوعة علم الاجتماع» ترجمة: محمذ محيي الدين2» ومحمود 
عبدالرشيد. وهناء الجوهريء. إشراف: محمد محمود الجوهري. (القاهرة: الملجلس 
الأعلى للثقافة. 2001) الطبعة العربية الأولى. 


206 


مراجع الكتاب 


دينكن ميتشيلء. «معجم علم الاجتماع». ترجمة: د. إحسان محمد الحسن. (بيروت: دار 
الطليعة للطباعة والنشىر. 1986) الطبعة الثانية. 

5 سامي خشبة. «مصطلحات الفكر الحديث». (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 
6) الطيعة الأولى. 

شارلوت سيمور سميث. «موسوعة علم الإنسان: المفاهيم وال مصطلحات الأنثربولوجية»., 
ترجمة مجموعة من أساتذة علم الاجتماع. إشراف: محمد الجوهريء (القاهرة: المركز 
القومي للترجمة. 2009) الطبعة الثانية. 

د. عبدالوهاب المسيرى. «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية». (القاهرة: دار الشروقء 
29)) الطبعة الأولى. 

د. محمد عاطف غيثء «قاموس علم الاجتماع», (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 
9 الطبعة الأولى. 


خامسا: أبحاث ودراسات 


حامد أحمد بدرء «فعاليات اتخاذ القرار بواسطة مجموعة». جامعة الكويتء مجلة العلوم 
الاجتماعية. العدد الأول. المجلد الثالث عشر, 1985 م. 

حبيب الله عاي إبراهيم علي. «نظرية المحاكاة عند حازم القرطاجني من خلال كتابه منهاج 
البلغاء وسراح الأدباء». مجلة الآخرء العدد (13) مارس 2012. 

- خير الدين حسيب. «العرب ... إلى أين؟: نحو خطة طريق للخروج من المأزق العربي 
الراهن». ورقة مقدمة لندوة «مستقبل التغيير في الوطن العري» الذي نظمها مركز 
دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية. بيروت. 9 - 12 
نوفمير 2015. 

د. علي الدين هلالء «مفهوم الاستراتيجية في العلوم الاجتماعية». مجلة الفكر الاستراتيجي 
العربيى. العدد 4. أبريل 1982. 


سادسا: مقالات صحافية 


أحمد برقاويء «الوهم والخيال». صحيفة «البيان» الإماراتية, 2015/10/25 

إسماعيل أبو البتدورة. «الخيال السيامي وبناء المستقبل». 

تغط .2008/0108/620052_080108_ععاءتاقد_نهة ناعم ,ء نهدل [آه5ة.5عءاءن0عة تاريخ الاطلاع: 
4 أغسطس 2013. 

إلياس توماء «البابا أسقط الشيوعية في بولندا». موقع إيلاف. 

صسغط. 2005/4/53719/قعتاناه 2 /حرمء طمقاء//:صااط 

- توفيق السيف. «ى لا يمسي الخيال دليلا في السياسة». صحيفة الشرق الأوسط. 21 أكتوبر 
5. 

جورج طرابيثيء «صناعة الأوهام» الحوار المتمدنء العدد: 1114. 19 فيراير 2005, 
4- نه تزقة.أاعة .1ه طه /2طاعل /عم عه هه فاع 21ج 

حازم دياب «خطورة أن تتمنى». صحيفة «الوطن» المصرية. 30 أكتوير 2015. 

د. حسن حنفيء «الخيال السيامي .. رؤية مصرية» جريدة الاتحاد الإماراتية. 20 سبتمبر 
4. 


267 


الخبال الشياسنى 


د. حلمي الجزارء «خيال السياسي», جريدة «المصري اليوم». 26 أغسطس 2012. 
ديانا جبورء «خيال السياسي» موقع الثورة. 9 مايو 2011: 
7--- 1116071 2507 باق_استوم_/روو. فطل 
- رجاء النقاش. «عبدالناصر يقرأ ثرثرة فوق النيل»», الأهرام/ 17 سيتمبر 2006. 
- رمضان مصباح الإدريسيء «الأساطير المؤسسة للمظلومية الأمازيغية»», 
/811216-75595-22ة -1/221011:31 عجن 2 0 زناه .تيبي 
- سعود الكابلي «الخيال السياسي»». 24 .1578-م15:98221.6053/7د.عحتم يناير 2012. 
د. شفيق ناظم الغبراء «العروية بين الحاضر والخيال السياسي». جريدة الحياة. 25 قبراير 
16. 
صالح النملة. «السياسة وافتقاد الخيال». صحيفة «الرياض» السعودية. 12 مارس 2003. 
- الطاهر وطارء حوارء الملحق الثقافي لصحيفة الخليج الإماراتية, 29 نوفمبر 1999. 
عامر راشد «ما بين التنجيم السياسي والتنجيم الفلي». 
لصغخط.153 لد نلمتس عم اجام تع فق صذ/ صم .كنوع لع نتتص ىع مدع .حيبي 
عبدالله الملحمء كارثية الوهم السيامي. صحيفة «الراية» القطرية. 9 نوفمبر 2014 
علي الديري: «هل لدى سياسيينا خيال؟». موقع الوقتء 3 أبريل 2009, 
.6210-1058 ؟مطم.أعة_عره اط /صدم .نه جلد .بيب 
- على الرحالء «مصر: عن أزمة الخيال السيامي». جريدة السفير اللبنانية 6 نوفمبر 2013. 
- غسان شاهينء, «الأساطير المؤسسة لمشروع كردستان الغربية», 
تقتاط. 21.»012/51505ط2 عق [0 :زر ببجببي 
علي ساطء «التوقع والخيال السياسى والفانتازيا الثورية». صحيفة الشرق الأوسطء 18 فبراير 
10. 
- فيصل دراح. «فريدريك غروس وفلسفة المشي ... من الرواقيين إلى غاندي». صحيقة 
«الحياة» اللندنية. 25 أغسطس 2015. 
وفاء إبراهيم, «التفكير بالتمنى والتفكير بالواقع». صحيفة «الأهرام» المصرية. 16 يونيو 
3-. 
- وليد نويهضء «التنجيم السياسي». صحيفة الوسط البحرينية. الأول من يناير 2015. 


سابعا: مواقع إلكترونية 


1 - 1 اطاط علصطكطو جاععءه.دع 1211291 .بيه 
-60-512565 ]ذقنت 22 - 1/1219 2014/1 /كلقساع ذنه/22/عكلنام لصتم .5ه تدده د -لة.يبصيحب 
نلف زخشام 22301«ا#لدصغط.ومنتصنط)-التكطئت؟- ناعم د02 
0 00001010101212 71م 2 
11099682 ب--ذ- ش ز [ [ [ [ؤ1ذزؤ<ز21111121ظ2 
لواء أحمد ضياء الدين. «ماهية الحس الأمني وخصائصه الأساسية». مركز الأمن الصناعي» 
6-(110_ععة21.3507:72_كاتهاع0 /تتتم»ء. ام روءع.ء 15 .جيرا 
د. صالح زياد «المحاكاة»: 

012/0057 ننه /1م». د متعة (-21.جيبيه 

- كيف تتم قراءة استطلاعات الرأي العام. الشبكة العربية لاستطلاعات الرأي العام 


م25 .كا نوع - 56 (21121- :1201 /ورء .م 01 . م0 3102 لبايياييا 


208 


مراجع الكناب 
- موقع المنظمة العربية للتنمية الإدارية على شبكة الإنترنت: 


ع“ .8 21310.01 .يبيبييا 
ثامنا: كتب أجنبية 


الا 11 لما ,اأءجموعيع؟آ أواء50 101 نز ةأهني) 9:16 221411 ,لتمصسوحظ صداخ - 
ته انل طاك ,ععل»ع1]10111 عاعملا 

علاأأوء27) إن 5ء147وءع870 0ثاته دعاوق :أمظ :3070 14أهها«1 لعنأممش4 ,ومعصمطو0 ]1 .م- 
5 عقطن) 27 ملعملا جاع[ .مهفل 0ع0715ع1 لعنط1) ودرفطآأه5 بورع إامءرط 

.3 111022ل» )15 ,.كضه5 ورعصطتن5 

11 ' ,177148171011011 أهء:20[115 انهء 1 7ع1نلة4 ع1[ 1:1 مترتطن (ل») 1قع111تع11 32012ني) - 
151 .ن).0آ اماع صتطمهلاا ,561015 2016021 ضمع )م1 عه1 وعارمءع0 ركوءع:2 515ي) 

.3 ,ومنانئلء 

1102© ]15 ,11لا #ناع11! ,11010 ,دع 1 ]دول عه غ5 غامد عا 0غ رهط ,كد11 أاءعدد[ - 
,154 

]1 014ه 115ته 1 1111111 :177162171411011 أهء ذا أأوظ :11 5171ل اط 0ن ,5]02 عضنة1[ن[ - 
1216ل 355,15ب) علقة؟1 ,ه0صم.آ ,موععوجظ بن ]وم 

أوء أاتأه2 مجه ددعف زآ0 1:1 كعفاعه[010آ :1714171641011 أهءتنتأوط 1116 انآ عدعولظ - 
105511121111 ,5011 ,آآ ,لاع لالاء1ت) ,1886141101 

32202 ) ,كتلاه ن) «عءمعقفط ,7984 ,لاع ع0 عمجمء5© - 

لذأوطء اانا طتعاوع تلع طها/! جاع أستعطاعصضة الا ,نزهق 10 برومامء14 أوءةأةأهط ,كصدلمة مد[ - 
224 ,1995 رؤوعع2 

أهءةاثأه 18 421:4 1(مأع ع1 ,8:01015 ,مفسسلعء]5 لأاععدي 8 نهذاعرعاف]1 12:2 - 
10 لمعه مناء[8 العو لوملا ألا لسن 1ه ي) ,1نه7141زعو1710 

151أ1![4110:4 4110 4812411011ع710ك0] ععنرءأوة/ا مخ عدرناه/ا بروعظ ,جمع0 زد عاءعد[ - 
15 ,1110 ,لزإلتقم كته ب) )ث3 21002 ,انا .لأا ,ص00مم.1آ - علوملا ببدع1] ,ل ألمي 

5011023 0 ٠ 

5 طععمدالة ,دمعطعتاطناط عل50 ع8 أم١لالا‏ ,درمزعي!!1 أمءعنءزأه2 :11 ,ادلاظ 5عداوء3[ - 
01 111 0 11011ؤ 1ق 10 1126 ,1771491:14113011 أهء 1 زآه2 ر,حاعةكل001) .ن) إععلاء[- 
71 175 عضن[ ,للا باع 11 عاعء للا )10 ,كاهةمغء:1 4114 

لهء20111 3201 عل)1122آ ,(6»0105) +82111211566 .1" لضف 3220 دمادهش1ط صطهر[ - 
.1996 ,لع12آ15اناتام 156 جب1هقملا مم11 20د جه 1.000 ,رمه22)1 أجعقتمآ 

01 171641011أع 17114 أهء:ة]ةأ80 111 4انه نواءقع50 الزن ,02233011ن) ضذع[ 320 ..آ صطم[ - 
1999 ,كوع1م وعقء لطن أه لإااوعع اتنا عط1' ,وعنتوءءمععوظ أهءناةعن) عمء جرم 

عطط دنهم دع3ع168ه0ع11 أدعتاناه2 : برومامء124 زه ععم 11:2 ,أعخصدل8 متدححدكءذ مطه[ - 
مق للنصوء842 ,صه20م,1 ,قعم:11 معع0ه81 -غومهظ مغ مم غناهج182 ممعلمع مم 
.01101198 15 10 موعرط 

71 20141115111 2) 0 ع2«5أأمن) :11 0777 بزو هأ0ء14 ,عداع 11120 طااعصودع] - 

زه عنهظط :11 [ه :نمناءء 1ل 1 ١‏ 152/157 زه 7:4 111 ,كمه ]5 عه ارويئدء] ل 

. “101 020010 ملاءلالا علعدا8 ,عدومه|آأ0ث) دقام :سصتدده2) «عقه ىنغتأوط أوءزوهآمء14 


209 


الخيال الستناسى 


4 انل 15 ,شذنا عل اءطتتةن) 

ولإككء[ إلا1!1 ,آع 127104 24نمة كاجأع 021 أأعء:11' كع أو مأوع14 أعء :201:4 ,غ02 دعد8 2 رمع.1 - 
.7 1 0110© [أ6 .عطة للقط -عع1)وععط 

6 لمر نك ذع 14010 أوء أ 1 أ0 :ز :220711617120724 ,53138611 1013" اتةمتن1 - 
,1996 ,8010102 1015 تتمهم صمي 8 عع812 أتنامء:114 ,وأويزاه4:1 

رفطء0آ1 تمع[ ,م200م.آ ,1أءعرموعدء]1 أوأءع530 إه دءذائآه0 1186 113123111625137 لسحامد1/1- 
5 2011011 151 .عد1ا «صمتادء1[طناط عيدذ 

ع 8:2 - اكنا1130آ ,نتوقاعك4 الآ ى 1)ذأ80آ كنع 124010 ,ع0:1:601ل51 .[ تداز - 
1013ل 2210 لوؤتقةط 011 ن) 

باأعهه:صطشم أملتاوءء:201) ار حروهء:11' أوء أ اثآمط 1ه كعتومأمء14 ,سعلععع] اعدطء18/11- 
,011103 ]15 ,ؤ5وعء:2 27002عقك 725115 زمن1 مك01 

101230711 عأطمط مجه عكعوعقاظ 4 كعتنتأوط ورعباعء87 ,210:1زهمب) ققأمكء 1ل - 
.1302,1995ل25 250 باط لاععقةب ,صهملده.]آ 

أأه عكهء ذه :أ توكمع١‏ ءرأوع -اءذآءط دطأه م11 111111 أمرطدة/الا ,بع حد1آ اعمذلح- 
155١14 2, 2‏ ,45 آهل ,رصسهتأتمومن) ؟41857ك» :(ذ ع1ناأته ع1 أأزنامءء4 

دوء016/ا أمءأعهامء14 ,ععلااء21 ءلثا ومتصومط1'عثة اعن1 .) أخطع1ة2آ 5ع 2[1تصتتطءد لانتوط - 
.97 .20 11خ1آ ,بوي _ ع1[ عط1ل' ,ممءك1آ أمءةتأم8 نحعق 78/10 :1 برو [أه 4:1 رق 


.701 2009 لطفنغاء1 ,011ل 1189 ,101133 1كء77زمن] لأعصعه0) ,بممعط1 آهءتنأوط - 


200 


37 20. 1٠ 

. 111©©]011,2009لاج1©55.2جم ,1116171411011 111 4114 5ع20[141 ,رككناءع0) 141 129:10 - 
جع لهقعاناأه2 تصقنه ص7 طمء21ه0ن) ,عطتللن11 ..آ علتهل8 ,ذنقتء142 .ن) 809 - 
طأ6 ,ودء طأكتاطن عمءلآهم2) كسنتلاه) عءصصمقاط ,دع مرترءع1 220 ذ امعد :ه310 

.1996 ,رتل8 

013قا 2 تتذع 122[ عتآطيط أده ىتأو ,لرتماعقطظ 1«مطرع: قلط .3 ,التعكلة عاءع5- 
.05 ,رقوع212 10122197625197 أ221121) 

110600 عويع نحلهانا ,كمع ك1 باوعل1 #ملر 1217014115 874115101771111 ,لإ01ي) 1112019 - 
00 ل :15 ,تقطعشقطة ,1.0206 ماءه7؟ أب علج 


تاسعا: مقالات 


دناه ععلنا ,12213515 غدعمع غطا ضعغطية كعمعممقط قمط8؟ درععامه8 ععطامه]واغطن) - 
لنتجثف 23 ,أمممءأ12 172 ؟لإاتلدء: طاته ©0نلامء ,سمتصنا سدع ممقتاظ 2ه ععجامم 
2011 

.707165 بوء[1 . “0121ني) 10 وجقتط1' أه عمقطذ عغعط1” .وعدصة1' علعملا موع لط - 
الاع د11 23 لمعم ماع11 


المؤلف قى سطور 


د. عمار علي حسل 

ولد بقرية الإسماعيلية. محافظة اللمنياء جمهورية مصر العربيةء في 21 
ديسمبر من العام 1967. 

© تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. جامعة القاهرة العام 1989: 
وحصل على الدكتوراه في العلوم السياسية العام 2001. 

صدر له واحد وعشرون كتابا في علم الاجتماع السياسي والنقد الأدبي 
من أهمها: «النص والسلطة والمجتمع: القيم السياسية في الرواية العربية», 
و«التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر». و«التغيير الامن». و«ممرات 
غير آمنة», و«تقريب البعيد». و«أمة في أزمة», و«الفريضة الواجبة», و«أصناف 
أهل الفكر». و«القرية والقارة». و«المجتمع العميق»». و«بهجة الحكايا: على 
خطى نجيب محفوظ». 

* صدرت له عثر روايات أدبية أهمها: «شجرة العابد». و«جبل الطير». 
و«سقوط الصمت». و«باب رزق». و«بيت السناري». و«خبيئة العارف»؛ إلى 
جانئب خمس مجموعات قصصية هي: «أحلام منسية». و«عرب العطيات». 
و«التي هي أحزن». و«حكايات الحب الأول». و«عطر الليل». 

© حصل على العديد من الجوائز أهمها جائزة الدولة للتفوق. وجائزة الشيخ 
زايد للكتاب. وجائزة اتحاد كتاب مصر في الرواية. وجائزة الطيب صالح العاطية 
للإبداع الكتابي في الروايةء وجائزة جامعة القاهرة في القصة القصيرة. وجائزة 
هزاع بن زايد في أدب الأطفال. 

#* أشرف على عدد من أطروحات الاجستير والدكتوراه بعدة جامعات 
مصرية. وتعد حول أعماله الروائية والقصصية تماني أطروحات جامعية داخل 
مصر وخارجها. 


27/1 














سلسلة عالم المعرقة 


«عاط المعرفة» سلسلة كتب ثقافية تصدر في مطلع كل شهر ميلادي عن المجلس الوطني للثقافة 
والفنون والآداب - دولة الكويت - وقد صدر العدد الأول منها في شهر يتاير العام 1978. 

تهدف هذه السلسلة إلى تزويد القارئ بمادة جيدة من الثقافة تغطي جميع فروع المعرفة. 
وكذلك ربطه بأحدث التيارات الفكرية والثقافية المعاصرة. ومن الموضوعات التي تعالجها تأليفا 
وترجمة: 

1 - الدراسات الإنساتية: تاريخ فلسفة - أدب الرحلات - الدراسات الحضارية - تاريخ الأفكار. 

2 - العلوم الاجتماعية: اجتماع - اقتصاد - سياسة - علم نفس - جغرافيا - تخطيط - دراسات 
استراتيجية - مستقبليات. 

3 - الدراسات الأدبية واللغوية: الأدب العربي - الآداب العالطية - علم اللغة. 

4 - الدراسات الفنية: علم الجمال وفلسفة الفن - المسرح - الموسيقى - الفنون التشكيلية 
والفنون الشعبية. 

5 - الدراسات العلمية: تاريخ العلم وفلس فته. تبسيط العلوم الطبيعية (فيزياء. 
كيمياء. علم الحياة, فلك) ‏ الرياضيات التطبيقية (مع الاهتمام بالجوانب الإنسانية لهذه 
العلوم). والدراسات التكنولوجية. 

أما بالنسبة إلى نشر الأعمال الإبداعية ‏ المترجمة أو المؤلفة ‏ من شعر وقصة ومسرحية:؛ وكذلك 
الأعمال المتعلقة بشخصية واحدة بعينها فهذا أمر غير وارد في الوقت الحالى. 

وتحرص سلسلة «عام المعرفة» على أن تكون الأعمال المترجمة حديثة النشر. 

وترحب السلسلة باقتراحات التأليف والترجمة المقدمة من المتخصصين. على ألا يزيد حجمها 
على 350 صفحة من القطع المتوسط. وأن تكون مصحوبة ينبذة وافية عن الكتاب وموضوعاته 
وأهميته ومدى جدته وفي حالة الترجمة ترسل نسخة مصورة من الكتاب بلغته الأصلية كما ترفق 
مذكرة بالفكرة العامة للكتاب. وكذلك يجب أن تدوّن أرقام صفحات الكتاب الأصلي المقابلة للنص 
المترجم على جانب الصفحة المترجمة. والسلسلة لا يمكنها النظر في أي ترجمة ما لم تكن 
مستوفية لهذا الشرط. والمجلس غير ملزم بإعادة المخطوطات والكتب الأجنبية في حالة الاعتذار عن 
عدم نشره. وفي جميع الحالات ينبغي إرفاق سيرة ذاتية لمقترح الكتاب تتضمن البيانات الرئيسية 
عن نشاطه العلمي السابق. 

وفي حال الموافقة والتعاقد على الموضوع ‏ المؤلف أو المترجم ‏ تصرف مكافأة للمؤلف مقدارها 
أفا دينار كويتي وللمترجم مكافأة بمعدل ثلاثين فلسا عن الكلمة الواحدة في النص الأجنبي (وبحد أقصى 
مقداره ألفان وخمسمائة دينار كويتي). 


23 


سعر ال: ٠‏ 1 
الكويت ودول الخليج دينار كويتي 


الدول العربية ما يعادل دولارا أمريكبا 
خارج الوطن العربي أربعة دولارات أمريكية 
الاشتراكات 

دولة الكويت 

للأفراد 15 د. ك 

للمؤسسات 5 د. ك 

دول الخليج 

للأفراد 7 د. ك 

للمؤسسات 0 د. ك 

الدول العربية 

للأفراد 5 دولارا أمريكيا 
للمؤسسات 0 دولارا أمريكيا 
خارج الوطن العربي 

للأفراد 0 دولارا أمريكيا 
للمؤسسات 0 دولار أمريكي 


تسدد الاشتراكات وال مبيعات مقدما نقدا أو بشيك باسم المجلس الوطني 
للثقافة والفنون والآداب. مع مراعاة سداد عمولة البنك المحول عليه المبلغ 
في الكويت. ويرسل إلينا بالبريد المسجل على العنوان التالي: 
المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 
ص. ب 23996 الصفاة - الرمزي البريدي 13100 
دولة الكويت 
بدالة: 22416006 (00965) 
داخلي: 1196/ 1195/ 1194/ 1153/1193/ 1152 


2/4 


2/5 








لمكم اسجرة وريم مك كه 





8 8 


مم0 
7 7 


19 / 9995659 - جم فماهم) جو 








ممكم بيجم ريو 








600196 / تسج م )كسم جم ل) يولي 










5 // 75 جو ور وخ كم جولجم 





2 0 اي ا ا ااي 


6 1917 
, 1 


7 


51/ 519991 0 






00190856 0 


ل )رنب سمه 
1/100 : 








600787795 اطووج551ج - مجم “رء جوكب 


- 85296557 - 96626752 667 






جكسحه ؟#سنام دن حنها 
لكو اتلك ص دنا +45005610816 ] /٠؟266815‏ - 0 1069166 /2/عج لمكم كجج؟ رومخم جاسم وب 
فل نوهد نة1ته معد 
لخج سشم ليه اناس ندا 
ل 01 1 66008919199 9/1/7 1]شاع؟ 






لاكسم بتع كسس ولج 






9960076811 /661551غ؟ - 


كذ رهم لقم :رم 


2/1/ 069928 0 


- 992121717 996005-11 








وتام ترون بو كسم 


يكم بجوم 





جذكوم وه - لرصجر توكم) :6 
)ممم 60 6 م 











للاطلاع على قائمة كتب الاسلسلة انظر عدد 


ديس مبر (كانون الأول) من كل سنة. حيث توجد 
قائمة كاملة بأسماء الكتب المنشورة 
قن السلسلة منذ ينايبر 1978. 





277 











قسيمة اشتراك في إصدارات 
قم والفنون والاآداب 


















3 0 / ع 


أفراد داخل الكويت 
مؤسسات دول الخليج العر في 
أفراد دول الخليج العربي 


مؤسسات خارج الوطن العربي 


أفراد خارج الوطن العربي 
مؤسسات في الوطن العربي 


ظ أفراد في الوطن العربىي 25 15 10 25 24 25 


مادا مب ب سي ع سسسب و سس سمب يي اس سي -- 1 5 -- مابس جب سبي سس بي بجييبييب..ه” بجي ليا ِ وسو و سي ببج:ئ355:2:2انه 





الرجاء ملء البيانات في حالة رغبتكم في: تسجيل اشتراك | | تجديد اشتراك 





الحم ال تيس سس شي بق سشسشي نض يي ا ص يي اليف سج يي ل مي > يشش سا سيم سس يح لس سس سس بيب بيس ٌ_ سكم ال مسب سلللس-س-ا-مم ‏ ل م ال مد لدي سيمامه 








رقم الهاتف: 


البرديد الإلكترونى: 


حوبا وسا وس وسبمويويويو ب سس يي سي بولسا بيب أ يي ا م ا ل لاي لي بي اسن مم ل ب ل الس اا ا إل م الا لج و ناح ب ال لاس د سس ا ل الس لا سس لاسا سي ل ااي اي جين اس إل يا و ١‏ زعا وت ص لسسم و و تسم 


| اسم المطبوعة: مدة الاشتراك: 


ل ا سس مسي جد جد عد 22 جد د سس اهكف له د لمعه عطعية سا لمم لمعا اسلا ا لس عو .اها لانم قدا عطن وه _7الد د ل هل صا لهسم عه 32 ل شمر .لل ليوو مع ده هه 


















ملس هدالسسم. الم يب لمي هينم لللشطمسمم ج42 ال-سس س2 هم سس سد ا لل-شمسسم لمم 2س للب:اشسء بنبي”شّشسنم سس ا سس سا سس ”بشن سس سس نشنم سس لس سسم ار سه سح بض _:بببيبييب.- بيبا-س ا -مدمد 


ا مبلخ المرسل: نقدا / شيك رقم: 


اننا 0 .:.. :15> كنا ات :15> ”1كناللى جطنن .. ئ 2 :“1 الاك اك 393338 ا لك 999999 قات عت عل ات 1ك اتات لب تتا اتات لعف الاك اتات »ويب ب لتقت ٠‏ اتاتب :اتات اتاب لالت لحي حب ةلت اتات حك ل محم 299998835 ا ىوووا ل ل ا 1ك 


التوقيع: التاريخ: / / 20م 


لا ا سس للم 











للتوزيع والاشتراكات يمكنكم التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني 
التالي: '؟7اكأ. 1121.507 1151.1121)90) 


/ا/ ».أت طاودع]0. الالانانانا 








المجلس الوحطلي 
لللغافتء والفلون والآداب 

















الوصول إلى الحقيقة ينطلب إزالهة العوائقى 
النى تعنرض المعرفة , ومن اهم هذه العوائق 


رواسب الحهل وسيطرة العادة , والنبجيل المغرط لمفكري الماصىي 
إن الأفكار الصحيحة يحب أن تنيت بالتحرية 


حصو 2 ا الك ا 
* شهر يناير 0018 ** 
رطم له تدوع ]ص 1. تخكتاا 





النعليم ليس استعداد| للحياة , إنه الحباة ذازوا 


0307 جون ديوك | 
فيلسوف وعالم نفس أمريكى 


ا/ا/رطامء. أ لتاددع ص . الالنانانا 








ننديات مجلة الابتسامة 
تصيريات شدر بناير |7( +[ 








ف ١‏ 5 ظ كا ّْ 
١ 4 _-‏ لجس ١‏ 


مبدعى الأدب» واستطلاعات آراء الناسء واستعراض التجارب الناجحة ودراستها. 


58 
١ 





ت 
١‏ 
0 





أقراة معؤسسات. 





إصدارات المجلس متوافرة إلكترونيا على موقعنا : 
35 | أطنام //ألاكا .121.601 . /لالانالانا 








يطرح هذا الكتاب موضوعا نادر التناول في التحليل السياسي. ويتصدى له بطريقة مباشرة 
وشاملة. ويتناول الكتاب معنى الخيال السياميء وكل ما شابهه أو التبس بهء ثم يبين حاجة 
الحاكم والمحكوم إليه ويشرح كيف يمكن للسياسة أن تكون مجالا للخيال في توزعها بين الإيهام 
والإبهام والإلهام» وكيف يمكن للخيال السياسي أن ينبع من استقراء التاريخ» والوعي بالمستقبل, 
وبصيرة القيادة» وروح الفريق» والتفكير الجانبي والتباعديء ونظرية المباريات» والمحاكاة: وقرائح 


ويعدد الكتاب سبل تنمية الخيال السياسي وشخذه. والمعوقات التي تحول دون ذلك مثل: 
الاستسلام للواقع: وبلادة صناع القرارء والتحكم البيروقراطي» ونقص المعلومات والاستهانة بها؛ 
والجهل بالتاريخ» وتقديس الموروثء والتفكير بالتمني» وسطوة الأيديولوجيا. ويطرح بعدها 
عدة مجالات لتوظيف الخيال السياسي مثل: عبور الأزمات» وبناء الخطط والاستراتيجيات, 
والحربء ومكافحة الفسادء ومواجهة الإرهابء. وتعزيز الحس الأمنيء وتقدير الموقف, وتفادي 
سلبيات الدبموغرافيا السياسية. والبحث عن امثل العليا والفضائل الاجتماعية والسياسية 
وتكوين الجماعات المتخيلة أو اختراع الهويات القومية» وتوظيف «الصناعات الإبداعية» في 
خلق التماسك الاجتماعي وصناعة الدور. وأخيرا يعرض نماذج تطبيقية للتخيل السياسي قدمها 


يح 
! 
06 
49 
56 
١‏ 
قن 
١‏ 
48 
نا 
02 
6 
2ه 
ا 
00 
م 
© 
4 
58 
0 








760 0 ا